تعقيب على ورقة الاستاذ علي الجرباوي – نحو استراتيجية جديدة

بقلم ممدوح نوفل في 30/09/2001

يتكون التعقيب من قسمين ؛ الأول ملاحظات عامة على الورقة واقتراحات محددة.
والثاني، وجهة نظر بشأن قضايا أساسية وردت في الورقة وأخرى لم ترد.
القسم الأول: ملاحظات العامة واقتراحات.
أولا/ تعالج الورقة قضيتين وطنيتين مركزتين حيويتين، في مرحلة حرجة لا تحتمل الخطأ.
وتمتاز بالوضوح والجرأة والشمولية. وتوقيت المعالجة يعطيها أهمية خاصة.
ثانيا/ لتعميم الفائدة وتسهيل نقل الفكرة للقارئ والباحث وصاحب القرار؛ اقترح عمل ملخص
من صفحتين يكثف مكامن الخلل ويحدد الدواء لمعالجة الخلل وسبل الخروج من الأزمة.
ثالثا/ نواقص بحاجة إلى استكمال: عند المراجعة ورسم استراتيجية جديدة لا بد من بحث:
1) أوضاع نصف الشعب الفلسطيني المقيم في الخارج ودورهم في العملية النضالية ؟
وموقفهم من الحلول المطروحة، وانعكاسها على أوضاعهم ومستقبلهم.
2) موضوع م ت ف وموقعها في “الإعراب”؛ علاقتها بالسلطة، مصيرها، هل ماتت ؟ وهل
بالإمكان إحيائها وهل من فوائد لذلك ؟
3) حدود الترابط والإنفكاك في العلاقة مع العرب في إسرائيل واثر السياسة الفلسطينية الرسمية
على أوضاعهم. وما هو دورهم في رسم السياسة الفلسطينية؟ وأين موقعهم في الاستراتيجية
الجديدة ؟ ومدى التشابك في موضوع اللاجئين “العودة والتعويض”. وما هو دورهم في إسناد
الانتفاضة وأشكال الإسناد. أثر العمل العسكري عليهم ـ وتجريم توريطهم.
4) في سياق بحث الأزمة ورسم الاستراتيجية لا بد من معالجة معمقة “لمأزق” النظام السياسي
الفلسطيني، بشقية الرسمي والشعبي: حالة حزب السلطة/فتح”، القوى الديمقراطية، الاتجاه
الإسلامي. والمنظمات والاتحادات الشعبية والنقابات والمنظمات غير الحكومية. وأيضا أزمة
او مأزق السلطة التشريعية الفلسطينية ممثلة بالمجلسين التشريعي والوطني.
5) الورقة لا تعالج دور العمق العربي في إسناد الانتفاضة، وما يمكن ان تقوم به السلطة
والمنظمة وقيادة الانتفاضة لتفعيل هذا العمق، خصوصا بعد الهجوم على أمريكا وارتفاع ثمن
الورقة العربية. واحتمال تراجع الإدارة الأمريكية عن استنكافها ولعب دور مباشر فعّال في
معالجة النزاع العربي الإسرائيلي. واقتناع أوساط أمريكية وأوروبية مقررة بان محاربة الإرهاب يتطلب معالجة النزاعات الإقليمية وفي مقدمتها النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. وفي سياق معالجة هذا الموضوع اعتقد انه هناك ضرورة لنسف “مقولة يا وحدنا”، ووقف إصدار الأوامر للجماهيرية والأحزاب العربية، في البيانات الصادرة عن قيادة افنتفاضة. ورصد المداخل الواقعية لدورها في الإسناد.
القسم الثاني: وجهة نظر بشأن قضايا أساسية وردت في الورقة وأخرى لم ترد.
رابعا/ ملاحظات حول المقدمة:
أ) اعتقد أن الورقة بحاجة إلى مقدمة قصيرة تشير إلى الهدف والمحتويات. وتعريف موجز
للأزمة التي تبحث في سبل تخطيها. وتوضيح المقصود بالاستراتيجية المعتمدة والتي لم تعد
تصلح للمرحلة الجديدة. وهل نحن بحاجة لاستراتيجية جديدة أم تعديل في التوجهات وخطط
العمل، وتوظيف الطاقات بصورة أفعل في الصراع وفي الحقلين الإقليمي والدولي ؟
ب)أظن أن وثيقة “جورج تنيت” لا تمثل المدخل الأنسب للبحث في الأزمة والإستراتيجية. ولا
تمثل محطة مفصلية تصلح كمدخل للبحث. فهذه الوثيقة فرع من أصل أهم وأشمل، وجاءت
في سياق معالجة ذيول عملية “الدولفيريوم” التي نفذها حركة حماس، والتي أضعفت الموقف
الفلسطيني وساهمت في قبول القيادة الفلسطينية الإعلان عن وقف لإطلاق النار، الأمر الذي
كانت ترفضه قبل العملية كي لا تساهم في تكريس صورة ما يجري بين الطرفين على أنها
معارك عسكرية بين جيشين، تستدعي اتفاقات هدنة ووقف إطلاق نار..الخ
ج) أضف لذلك، الوقائع أكدت ان الموافقة على وثيقة تنيت تم في سياق موقف تكتيكي هدفه
امتصاص ضربة إسرائيلية كبيرة مبيتة هيأت لها عملية “الدولفنيريوم” ظروفا دولية ملائمة.
وكانت الضربة تشمل احتلال عدة مدن فلسطينية دفعة واحدة “جنين وطولكرم وبيت جالا” ب) وترحيل أجهزة السلطة إلى قطاع غزة.
د) وثيقة تنيت أصبحت جزء من الماضي وتلاها اتفاق بيريز عرفات في مطار غزة على وقف
إطلاق النار، وسبق هذا الاتفاق إعلان عرفات من جانب واحد وقف إطلاق النار بعد الهجوم
على واشنطن ونيويورك. يوم 11/9/2001.
هـ) أظن أن اعتماد “الانقلاب السلمي” الذي وقع في إسرائيل وأوصل شارون إلى سدة الحكم
في إسرائيل، أو الهجوم على أمريكا، أو تقرير ميتشيل، يمكن أن يكون انسب.
خامسا/ حول مأزق المفاوضات والعودة إلى الطاولة:
تطرح الورقة موقفا خلاصته “يجدر عدم التعويل على العودة إلى طاولة المفاوضات سريعا وعدم العمل على تحقيق ذلك” ص28.. وفي نفس الفقرة تقول؛ “أما بالنسبة للقاءات فقد أصبحت ضرورة فلسطينية لإسقاط الادعاءات الإسرائيلية عن الإرهاب الفلسطيني”. هل يمكن التعويل على نتائج اللقاءات ؟
أ) لا أرى فرق جوهري بين اللقاءات السياسية والمفاوضات. وهدف اللقاءات على اي مستوى
يجب ان يكون الوصول إلى طاولة المفاوضات لتنفيذ الاتفاقات واستكمال البحث في قضايا
الحل النهائي، وليس لإسقاط تهمة الإرهاب فقط. واللقاءات الأمنية المعزولة عن بعدها
السياسي ليست في صالح الفلسطينيين. وعدم العودة إلى طاولة المفاوضات مطلب شاروني
يعمل جاهدا على تعطيل أية خطوة باتجاهها. فالعودة للمفاوضات تعني اضطرار شارون الى
الموافقة علنا على وقف الاستيطان بكل أشكاله، حسب ما جاء وثيقة ميتشيل. وشارون يعرف
ان موافقته على هذا البند يتعارض مع عقيدته ومع تصريحاته العلنية. ويقود إلى تصادم مع
اليمين الإسرائيلي، وقد يؤدي لتمزيق ائتلافه الحكومي. فالمفدال وحزب ليبرمان وشيرنسكي
وحتى شاس يعتبرون التوسع في الاستيطان ركنا أساسيا لوجودهم في الحكومة. وأظن ان مثل
هذه الموافقة تضعف مواقفه في مواجهة غريمه ومنافسه نتنياهو، على أبواب مؤتمر الليكود
المقرر في نوفبر القادم.
ورفض شارون الالتزام بوقف الاستيطان كما نصت عليه وثيقة ميتشيل يقود إلى تصادم مع
بيريز ووزراء حزب العمل الذين وافقوا على هذه الوثيقة. وهم أصلا يعارضون التوسع في
الاستيطان. وقد يؤدي ذلك إلى فك الائتلاف الحكومي، وأيضا التصادم مع الإدارة الأمريكية
ودول الاتحاد الأوروبي، التي وافقت على هذه الوثيقة وتتعامل معها باعتبارها السبيل الوحيد
لتهدئة الوضع واستئناف مفاوضات الحل النهائي.
اعتقد ان العودة إلى طاولة المفاوضات تمثل في الوقت الراهن محطة مفصلية في معركة
إسقاط حكومة شارون، وفك التحالف بين العمل والليكود. وإذا كان هدف الفلسطينيين الإطاحة
بحكومة شارون فالعودة إلى طاولة المفاوضات تعجل في ذلك، وهذا الطريق أقصر من إثبات
فشله في تحقيق الأمن عبر العمل العسكري. وفي كل الأحوال تبقى المفاوضات مجالا أرحب
لتفعيل العامل الدولي في التسوية، وتوسيع جبهة الأصدقاء. ولا بد من تثبيتها نقطة مركزية
في معالجة الأزمة ورسم الاستراتيجية.
ج) لا بد من الإشارة إلى مسئولية “الراعي” الإدارة الأمريكية عن تعطيل المفاوضات وعدم
الضغط لاستئنافها. وان الهجوم على أمريكا يوفر فرصة لاستئنافها وقطع الطريق على
شارون واليمين الإسرائيلي الذين يتهربون من المفاوضات لأنهم لا يريدون دفع استحقاقاتها
سادسا/ حول الموقف من التسوية
تطرح الورقة أسئلة حيوية منها؛ “ما مدى الاستفادة من استمرار التشبث بعملية التسوية مع
معرفة ان سقفها محدود بمواقف إسرائيلية أمريكية ؟ هل هناك استعداد فلسطيني لتسوية عن
طريق التفاوض مع معرفة ان السقف المطروح أمريكيا وإسرائيليا أقل من المأمول
فلسطينيا”(ص11) ؟ وتترك للقارئ استخلاص الجواب من بنود لاحقة. وفي موقع آخر تقول
الورقة “هذا هو الحال الفلسطيني العربي مع مسيرة عقد أهدر على محاولة التوصل لتسوية
سياسية مع إسرائيل”.
ـ إذا كان لا مجال في هذا التعقيب مناقشة المراجعة السريعة لعلمية التسوية الواردة في الورقة
فان تحاشي الوقوع في الخطأ عند رسم استراتيجية فلسطينية جديدة يتطلب تسجيل عدد من
النقاط الرئيسية حول الموضوع منها:
1) اعتقد ان ألد أعداء عملية السلام لا يستطيعون إنكار ان الفلسطينيين حققوا من خلالها، رغم
شروطها المجحفة، إنجازات كثيرة هامة على الأرض وفي مجال العلاقات الدولية، لم تحققها
الجيوش العربية ولا الكفاح المسلح الفلسطيني في 30 عام. وان الفلسطينيين بعد عشر سنوات
من المشاركة في عملية التسوية باتوا اقرب إلى تحقيق أهدافهم في الحرية والاستقلال وبناء
الدولة من أي وقت مضى. وبالمقابل لا يستطيع المتحمسين لعملية السلام وابرع المدافعين
عن المشاركة الفلسطينية فيها، إنكار ان الأخطاء الكبيرة والصغيرة التي ارتكبت في إدارة
المفاوضات والمباحثات داخل الغرف قلصت هذه الإنجازات، وخصوصا في مجال وقف
سرطان الاستيطان وتحرير مساحات أوسع من الأرض.
2) عندما دخل الفلسطينيون عملية السلام كانت الخيار الوحيد المطروح أمامهم. وقيادة م ت ف
كانت آخر من أعلن موافقته على الذهاب إلى مؤتمر مدريد. ومن باب تسجيل الحقيقة يجب
القول أنها ليست المسئولة عن تفتيت المسارات العربية إلى ثلاث مسارات.
3) صحيح أن القيادة الفلسطينية تتحمل مسئولية التفرد بتوقيع اتفاق أوسلو دون التشاور مع
العرب، لكن هذا الانفراد الفلسطيني لم يؤثر في التوجه العام للدول العربية الأخرى المشاركة
في عملية السلام، ولم يكن سببا في تأزيم العلاقة مع أصحاب المسارات الأخرى.
4) ما يجب الإشارة إليه في معالجة إفرازات عملية السلام هو ظهور تيار فلسطيني بعد أوسلو
آمن لفترة طويلة بان “الثنائية الفلسطينية الإسرائيلية” حتى بدون الأمريكان، هي أقصر الطرق
الموصلة للحقوق الفلسطينية. وهذا التيار ساهم عن قصد وبدونه في تكريس “الانعزالية”
الفلسطينية سنوات طويلة. ويحاول الآن التشكيك في قيمة التضامن العربي مع الانتفاضة
ويبهت الموقف الشعبي والرسمي المساند للانتفاضة.
5) في سياق المراجعة ورسم الاستراتيجية يجب ان لا ننسى ان النظام السياسي الإسرائيلي
دخل بعد المشاركة في عملية التسوية في حال من عدم الاستقرار، لعبت المشاركة الفلسطينية
والاتفاقات التي تم التوصل إليها، دوريا محوريا في تكوينها، وفي إدامتها. وتبدل 6 وزراء
حكومات في عشر سنوات شاهد على فعل هذه العملية في إسرائيل.
6) إن تطور الموقف الإسرائيلي في الشهور الأخيرة من عهد باراك حول تسوية قضايا الحل
النهائي يرسي أسسا جيدة لتسوية تاريخية. وإذا كان ما طرح في كامب ديفيد لم يكفي للوصول
إلى التسوية، فورقة الأفكار التي طرحها كلينتون، وما طرح في محادثات طابا حول تسوية
قضايا الحل النهائي، رفع سقف الموقف الإسرائيلي الأمريكي لمستوى اقترب من استيعاب
المطالب الفلسطينية، وقرب الطرفين من الحل.
7) أظن ان تأخر كلينتون في طرح أفكاره، وتردد باراك وخوفه من تحمل مسئولية “اتفاق الحل
النهائي” ساهم في عدم التوصل إلى اتفاق في عهديهما. وأمنون شاحاك أصاب الحقيقة عندما
قال لأعضاء في الوفد الفلسطيني: “الآن عرفتم حدود الموقف الإسرائيلي، احفظوها، وسيأتي
الوقت الملائم لإعادة بحث هذا الموقف ووضعه موضع التنفيذ على الأرض.
8) مما تقدم واستنادا للوقائع التاريخية، اعتقد ان مقولة “البدايات تحدد النهايات” مقولة لا تنطبق
على المشاركة الفلسطينية في عملية السلام. ولعل مراجعة سيرة هذه المشاركة بدءا من
صيغة الوفد الأردني الفلسطيني المشترك ورسالة الدعوة إلى مؤتمر، مرورا بالمتغيرات التي
حصلت في أسس المشاركة وعلى الأرض وانتهاء بما طرح في طابا تؤكد ذلك.
9) أما بشأن الحديث عن رعاية العملية السلمية، فالوقائع تؤكد ان أركان القيادة الفلسطينية
المقررين والمؤثرين في القرار بذلوا جهدا كبيرا من أجل توسيع وتعديل إطار رعاية عملية
السلام. وحاولوا، منذ ما قبل مؤتمر مدريد وحتى قمة شرم الشيخ التي شارك فيها “كوفي أنان”
أمين عام الأمم المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي، لكن محاولاتهم فشلت. وأظن ان عدم نجاح
دول المجموعة الأوروبية في انتزاع دور مقرر في رعاية العملية يبرأ ساحة القيادة من تهمة
الاستمتاع بالتفرد الأمريكي والتقصير في إشراك آخرين. واتفق مع الورقة بان فرصة إحداث
تغيير نوعي في رعاية عملية السلام باتت اكبر، بعد الزلزال الذي ضرب أمريكا والعلاقات
الدولية يوم 11أيلول من العام 2001. وبديهي القول ان تحقيق هذا التغيير رهن بموقف
أوروبا والدول الأخرى التي ترغب في القيام بهذا الدور.
10) بديهي القول ان الاستمرار في اعتماد المشاركة في عملية السلام ركنا أساسيا في
الاستراتيجية الفلسطينية ضرورة وطنية وبديلها مدمر. مع التنبيه مسبقا ان لا أفق لاتفاق
شامل حول قضايا الحل النهائي في عهد حكم الليكود. وان أقصى ما يمكن التوصل إليه هو
اتفاق مرحلي جديد سقفه اتفاق واي ريفر الذي وافق عليه شارون عندما كان وزير خارجية في حكومة نتنياهو. والوصول الى مثل هذا الاتفاق خير من استمرار الحال القائم.
ولعل مفيد التذكير ان اتفاق “واي ريفر” دفع أحزاب اليمين إلى الإطاحة بحكومة نتنياهو. ويخطأ من يراهن على تسوية دولية تفرض على الطرفين.
11) في سياق رسم الاستراتيجية لا بد للورقة من تحديد مهام العمل داخل المجتمع الإسرائيلي،
من أجل توسيع جبهة أنصار التسوية والسلام. وإعادة التذكير بان لا تسوية من دون تشكل
أغلبية إسرائيلية تؤمن بها وتوافق عليها. والحلقة المركزية في بناء هذه السلسلة هي فك
التحالف بين العمل والليكود، وبناء معارضة قوية يستند إليها من يرغب في تطويق شارون
ومحاصرة توجهات اليمين العنصرية الدموية.
سابعا/ حول موقع الانتفاضة في الاستراتيجية الفلسطينية.
بصرف النظر عن نواقصها وثغراتها الكثيرة مثلت الانتفاضة محطة هامة في مسيرة نضال
الفلسطينيين وعززتها على ارض الصراع، وأعادت للقضية الفلسطينية عمقها العربي، وأعطت الأهداف الفلسطينية زخما في الحقل السياسي الإقليمي والدولي، ووحدت قوى النظام
السياسي الفلسطيني بمختلف اتجاهاته في بوتقة نضالية واحدة،. ومثلت ولا تزال قوة
ضغط معنوي على المجتمع الدولي، والدول المعنية باستقرار أوضاع المنطقة. وأكدت مجددا
ان لا أمن ولا استقرار في الشرق الأوسط إذا لم يتم حل القضية الفلسطينية..الخ من إنجازات
أخرى كثيرة أشير إليها في الورقة أو لا مجال لسردها في هذا التعقيب. في سياق المراجعة
وتحديد موقع الانتفاضة في الإستراتيجية الفلسطينية وتعزيز هذا الموقع لا بد من الإشارة
إلى عدد من النقاط الرئيسية بعضها لم يرد في الورقة، وبعضها الآخر
تطوير وتوسيع لما تضمنته الورقة.
1) تعرف القوى الوطنية والإسلامية أكثر من سواها ان هذه الانتفاضة بعجرها وبجرها مسيرة
بصيغة وأخرى من قبل قيادة السلطة الرسمية وحزبها السياسي (فتح). وهي التي تتحكم في
كميرا التصوير، وبكيفية تقديم صورة الانتفاضة والتحركات اليومية للعالم. وهي التي تفاوض
الطرف الآخر باسمها، وتتحدث نيابة عنها في المحافل السياسية الرسمية الإقليمية والدولية.
وهذا أمر طبيعي، خصوصا ان السلطة وحزبها لم يتخذا موقف مراقب سير ينظم حركة
المظاهرات الشعبية. ودورها لم يتوقف عند حدود توفير الأمن للسكان وحماية “حدود” المناطق
الخاضعة لسلطتها. وجميع القوى تعرف ان السلطة الرسمية شاركت بفعالية في كل المراحل
في تحريكها وإدامتها، من خلال حزبها السياسي وأجهزتها الأمنية والمدنية وجمهورها وهم
قرابة مليون إنسان. وبروز بعض مظاهر الضعف في سيطرة السلطة وفي بنية مؤسساتها لا
يمس هذه الحقيقة. ويمكن القول أنها لم تفقد حتى الآن قدرتها على التحكم في مسيرة الانتفاضة، وليس مرئي تفكك أجهزتها طالما هي قادرة على تغطية رواتب موظفيها البالغ عددهم قرابة 150 ألف. خاصة ان الانتفاضة لم تحدث تغييرا نوعيا في موازين القوى الداخلية ولم تفرز قيادات جديدة مستقلة قادرة على فرض ذاتها، ولا قيادات حزبية تغير في التركيبة.
2) أيا يكن رأي “قيادة الانتفاضة” كجماعة وأطراف سياسية فالانتفاضة كانت ولا تزال وستبقى
عامل “تحريك” للتسوية السياسية، ووسيلة لتحسين شروط التفاوض من اجل انتزاع الحقوق
الفلسطينية، ورفع سقف المطالب الفلسطينية المحقة والمشروعة كما حددتها قرارات الشرعية
الدولية. وليس كما تصورها بيانات قيادة الانتفاضة، ولا كما تشتهيها الأحزاب وتنص برامج
وتوجهات القوى المعارضة للتسوية السياسية. والانتفاضة في الجوهر شكلا من أشكال المفاوضات، فيها تقدم وتراجع ويتخللها مساومات سياسية حاسمة. ومع احترامي الشديد لدور
العمل العسكري الفلسطيني في الإطاحة بالجنرال شارون في العام 1982، أرى ان هزيمته في
العام 2001 ممكنة بالوسائل السياسية فقط. وبمدى نجاح الانتفاضة في فضح سياسته العنصرية
ونواياه في تهديم صرح السلام الذي بناه العالم على مدى 10سنين. وميدان هذه المعركة هو
الشارع الإسرائيلي أولا، وعواصم العالم ومؤسسات الأمم المتحدة ثانيا.
3) لا جدال في ان الانتفاضة بجانب إنجازاتها الكثيرة والكبيرة، تسببت بخسائر بشرية غالية
لا تقدر بثمن، وأخرى اقتصادية واجتماعية واسعة، يصعب تعويضها خلال فترة قصيرة.
بعض هذه الخسائر كان بمثابة ضريبة لا بد من دفعها، وبعضها الآخر نجم عن جهل وأخطاء
ذاتية متنوعة. وفي سياق حساب الربح والخسارة لا بد من احتساب خسائر إسرائيل البشرية
والاقتصادية والمعنوية وهي أيضا كبيرة لا يجوز التقليل من فعلها المباشر واللاحق في تحديد
مسار المفاوضات وشكل التسوية.
4) ان تواصل الانتفاضة وتفعيل تأثيراتها في الحقل الدولي وداخل إسرائيل مسألة حيوية
لتحسين ميزان القوى وتحقيق الأهداف الوطنية، خصوصا وان لحظة المساومة الكبيرة لم تحن
بعد. والسؤال المطروح كيف يمكن تحقيق ذلك ؟ وعن أي انتفاضة نتحدث ؟ في سياق الجواب
اتفق تماما مع الورقة ان الانتفاضة تقوى ويزيد فعلها ومردوها، إذا حافظت على طابعها
الشعبي السلمي، وعكس ذلك صحيح أيضا. وبديهي القول الخطوة الأولى على هذا الطريق
تكمن في تخليصها من السلبيات الطافية على سطحها وأخطرها:
أ) عسكرة الانتفاضة، وطغيان الأعمال والمظاهر العسكرية على صورتها الداخلية والخارجية.
وما أرغب في إضافته على ما جاء في الورقة حول هذه الظاهرة هو التأكيد على؛ ان أجهزة السلطة وحزبها السياسي مسئولين مع حماس والجهاد الإسلامي عن إدخال (اللباس العسكري) في صورة الانتفاضة. وإن العمليات الانتحارية ضد المدنيين الإسرائيليين داخل المدن الإسرائيلية، واستدراج بعضهم أو مباغتهم في مطعم في المدن الفلسطينية..الخ ألحقت أضرارا فادحة ليس فقط بالانتفاضة، بل وأيضا بالمصالح العليا للشعب الفلسطيني، وشوهت صورة النضال الفلسطيني العادل والمشروع وخصوصا صورة الانتفاضة.
اعتقد ان واجب السلطة وجميع قوى النظام السياسي الفلسطيني منع وقوع أي عمليات انتحارية
جديدة في الفترة القادمة. ليس بسبب بروز قصة محاربة الإرهاب بعد الهجوم المباغت الذي
تعرضت له أمريكا يوم 11/9/2001، بل لأسباب مبدئية وأخلاقية وإنسانية. وعلى المثقفين
الفلسطينيين وضع حد لاستنكافهم عن المشاركة في الانتفاضة، والخروج عن صمتهم ورفع
أصواتهم في محاربة ظاهرة العسكرة والظواهر السلبية الأخرى المدمرة.
ب) لا تستطيع القوى الوطنية والإسلامية “قيادة الانتفاضة” إقناع الناس والمراقبين وتسويقها دوليا على أنها حركة شعبية واسعة ومستقلة عن السلطة. صحيح أنها تمثل حالة احتجاج شاملة ضد الاحتلال تشارك فيها جميع فئات الشعب، إلا ان زخم المشاركة الشعبية في فعالياتها النضالية اليومية اخذ منحى تراجعي بعد اقل من 3 أشهر من انطلاقتها، وأصبحت المشاركة في المسيرات والمظاهرات محدودة في كل المحافظات ومحصورة في المناسبات الوطنية الكبرى وتشييع الشهداء.
ومما لا شك فيه ان هيمنة القوى الحزبية على قيادة الانتفاضة بجانب العسكرة، ساهم في ضمور المشاركة الشعبية. وإدخال المنظمات والاتحادات الشعبية والنقابات واتحاد البلديات والغرف التجارية في قيادة الانتفاضة، بعد مسيرة بيرزيت الشهيرة، خطوة في الاتجاه الصحيح
لاستعادة الانتفاضة سماتها الشعبية. ولعل مفيد الإشارة إلى ان القوى الوطنية والإسلامية عجزت على امتداد العام الأول من عمر الانتفاضة عن مأسستها. ولم يتم بناء اللجان الشعبية
القاعدية المتخصصة على مستوى المدن والقرى والمخيمات. وأظن ان إنجاز هذه المهمة أمرا
حيويا لإدامة الانتفاضة وتفعيل حركتها ومعالجة هموم ناسها الفقراء.
ثامنا/ حول الهجوم الإرهابي على واشنطن وأثره على الصراع.
ـ قد يكون مبكرا تقدير جميع تفاعلات ونتائج الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له واشنطن
ونيويورك على الوضع الدولي وعلى الصراع العربي الإسرائيلي. لكن المؤكد ان العلاقات
الدولية دخلت مرحلة جديدة بعد هذا الهجوم. والولايات المتحدة الأمريكية ومعها دول الاتحاد
الأوروبي ملزمة، بعد هذا الهجوم، بالدفاع عن مواطنيها ومؤسساتها ومصالحها داخل بلدانها
وخارجها، عبر تشكيل تحالف أمني سياسي أيدلوجي ضد العدو الجديد القديم “الإرهاب”، وشن
حرب إستخبارية طويلة ضده.
ـ وسوف يضطر أركان هذا الحلف، إذا كانوا جادين في محاربة الإرهاب، إلى تكريس جهد اكبر لحل النزاعات الإقليمية التي توفر المناخ العقائدي والسياسي لانبعاث الإرهاب ونموه وانتشاره، وفي مقدمتها النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي له أبعادا قومية ودينية واسعة.
ـ وإذا كان البعض يعتبر ضغط الإدارة الأمريكية على شارون لوقف هجماته على المناطق الخاضعة لسيادة السلطة الفلسطينية، والسماح لوزير خارجيته بيريز الاجتماع إلى عرفات، تراجعا عن موقف سابقة، فمن الخطأ الاعتقاد ان الضغط الأمريكي على شارون سوف
يتواصل. ويخطأ اكثر من يعتقد ان بإمكان الإدارة الأمريكية إلزام شارون وحكومته الدخول في مفاوضات حول قضايا الحل النهائي (القدس واللاجئين والاستيطان..الخ” وفق ورقة الأفكار التي طرحها الرئيس الأمريكي السابق “كلينتون” بعد كامب ديفيد، او الالتزام بالموقف الذي طرحه الوفد الإسرائيلي في محادثات طابا.
ـ والتدقيق في طبيعة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، وقوة تأثير أنصار إسرائيل في المؤسستين التشريعية والتنفيذية الأمريكيتين، يبين ان أقصى ما يمكن ان تقوم به إدارة بوش، الضعيفة، في عهد شارون هو؛ تبريد الصراع، وتهدئة الوضع على الأرض، والعودة إلى طاولة المفاوضات وفق وثيقة ميتشيل. وإقناع الطرفين، في مرحلة لاحقة، الدخول من جديد حلول انتقالية سقفها اتفاق “واي ريفر”، الذي وافق عليه شارون عندما كان وزيرا للخارجية في عهد نتنياهو.
ـ وبديهي القول ان التفاعل مع المواقف والمطالب الأمريكية والاصطفاف في إطار التحالف الجديد، إذا تشكل، سوف يكون له تفاعلاته داخل عدد واسع من الدول، وضمنها دولا عربية، وقد يتسبب في تأجيج صراعات داخلية نارها كامنة تحت الرماد.
ـ وإذا كانت المصالح العليا للشعب الفلسطيني تتطلب ان يبدي الفلسطينيون استعدادهم لان يكونوا طرفا في التحالف هذا الهلامي منذ بداية تشكله، فذات المصالح تفرض العمل مبكرا من اجل الاتفاق دوليا على تعريف الإرهاب المنوي محاربته. وان يتم تمييز نضال الشعوب المستعمرة من اجل حريتها واستقلالها عن الإرهاب، واعتبار قهر الاحتلال ابشع أنواع الإرهاب ضد الإنسانية.