3) احتلال” قرى شرق صيدا أربك المخطط وهز مكانة نبيه بري

بقلم ممدوح نوفل في 26/12/2005

حركت حروب “أمل” ضد المخيمات مشاعر الوطنيين اللبنانيين، واستفزت معظم الأحزاب وأثارت تخوفات العديد منها، خصوصا الحزب التقدمي الاشتراكي وحزب الله والحزب الشيوعي اللبناني والتنظيم الناصري. أما منظمة العمل الشيوعي فكانت قيادتها وكوادرها شبه مستهدفه مثلها مثل الفصائل الفلسطينية بسبب موقفها التضامني الصريح مع المخيمات. وشعرت هذه القوى بأن انتصار “أمل” يعني هيمنة قواتها وسيطرتها على المناطق الوطنية اللبنانية، وقد تندفع باتجاه توجيه ضربات للقوى الوطنية، لاسيما وان قيادة “أمل” نجحت في تهييج المشاعر الشيعية والعصبوية التنظيمية ضد الطوائف والأحزاب اللبنانية الأخرى دون تمييز. وراحت كوادرها وعناصرها تتصرف بعنجهية مع الوطنيين اللبنانيين بما في ذلك الاعتداء عليهم واعتقال بعضهم. وصار وصول كوادر الأحزاب والتنظيمات اللبنانية إلى صور والنبطية وقرى الجنوب اللبناني بحاجة لتصريح خاص خاضع لمزاج حواجز “أمل” على الطريق. وعمد الحزب التقدمي إلى الإفصاح عن موقفه وعارض بشدة تصفية المخيمات وضرب الوجود الفلسطيني في لبنان.
ولم يتوقف الحزب التقدمي عند هذا الحد، واندفع بدون تحفظات إلى تقديم المساعدة للمدافعين عن المخيمات. وكثفت قيادات الحزب الوسطى والأساسية لقاءاتها مع قيادتي “فتح” والجبهة الديمقراطية في لبنان، وأعطت تعليمات واضحة إلى عدد من كوادرها الأولى وضمنهم هشام ناصر الدين وأبو إياد وأبو الشهيد بحماية قادة “فتح” والمساعدة في إخفائهم وتأمين تنقلاتهم. وكلفوا بالتنسيق مع قيادة “فتح” في بيروت وتقديم المعلومات المتوفرة عن نوايا قوات “أمل” واللواء السادس. وبناء على ذلك تولى قادة في الحزب التقدمي في بيروت تأمين منازل سرية لقيادات “فتح”، وكثيرا ما أخفى كوادر الحزب في مراكزهم بعض قادة “فتح” المطاردين من القوات السورية ومنشقي “فتح”ـ الإنتفاضة و”أمل”. وقامت كوادر في الحزب بنقل العديد من كوادر “فتح” من الجبل وبيروت إلى صيدا وبالعكس. وسربوا هويات الحزب وأوراق مهمات التحرك للعديد من كوادر “فتح” وكوادر الديمقراطية. ولم يبخل الحزب في وضع آلياته تحت تصرف هؤلاء لنقل ما يلزم من أسلحة وذخائر وأفراد.
وساهم كوادر التقدمي في استقبال مقاتلين من “فتح” والجبهة الديمقراطية عبروا الحدود السورية مشيا على الأقدام إلى لبنان. وصرف الحزب في بعض الأحيان أسلحة وذخائر. وسهل عمل المدفعية الفلسطينية وراجماتها لدعم المخيمات المحاصرة. وكثيرا ما تم الاتفاق مع بعض القادة المحليين على التمويه على مواقف الحزب من خلال الاعتقال الصوري والمؤقت لبعض أطقم المدفعية والراجمات الفلسطينية. وكثيرا ما احتجز الحزب الراجمات بهدف تذخيرها وتمكينها قصف الحشود في محيط المخيمات.
ومع تصاعد عمليات “أمل” ضد المخيمات نقل جنبلاط وقادة الحزب تضامنهم مع المخيمات إلى مستوى عملي وسياسي أعلى: حرضوا الأحزاب والشخصيات الوطنية ضد ما تقوم به “أمل”، وشجعوا التنظيم الناصري في صيدا بقيادة مصطفى سعد على اتخاذ موقف علني ضد “أمل” وممارساتها وضد تحويل الجنوب إلى كانتون شيعي. وحرض جنبلاط مشايخ الطائفة الدرزية ضد ممارسات “أمل” ودفعهم إلى إصدار مواقف وبيانات علنية أكدوا فيها رفضهم تصفية الوجود الفلسطيني في لبنان. وأعربت قيادات الطائقة الدرزية الروحية عن تضامنهم مع المخيمات. ومارست قيادة الحزب ضغوطا على ضباط في جيش اللبناني في محاولة لردع اللوائين السادس والأول عن تنفيذ أوامر “أمل” ومنعهما من التورط في الدم الفلسطيني.
وظل زعيم الحزب وليد جنبلاط يكرر مقولته المعهودة: “القضية الفلسطينية أكبر من لبنان بكل طوائفه، وهي قضية دولية وعربية ولا تحل بتدمير عدد من المخيمات أو ذبح بضعة ألوف من سكانها. الدم الفلسطيني يحرق أصابع كل من يلعب بالقضية ولا يزول عن الأيادي التي تتلطخ به. بإختصار تحول الحزب التقدمي الاشتراكي إلى ما يشبه الشريك الكامل للفلسطينيين في معركة الدفاع عن المخيمات، وتوترت علاقة قيادته بسوريا وقيادة “أمل”.
وكما أثارت جرائم “أمل” ضد المخيمات مشاعر الوطنيين والإسلاميين اللبنانيين، حركت الشارع العربي والرأي العام العالمي. واستنكر عديد الأحزاب والقوى العربية ما يجري ضد المخيمات، وأدان عديد الأحزاب الأوروبية ولجان الدفاع عن حقوق الإنسان ممارسات “أمل” ودعتها الى فك الحصار فورا عن المخيمات، وطالبتها بإطلاق سراح المعتقلين الفلسطينيين والكشف عن مصير المفقودين. وبالرغم من ذلك كله، لم توقف “أمل” هجماتها ولم تتراجع عن مشروعها المدعوم من سوريا. وبعد إشتباكات نيسان/ابريل بشهر واحد وقعت اشتباكات اشد وكانت أقسى على سكان المخيمات من سابقاتها.
في 30/3/1986رفع شباب مخيم الرشيدية في ذكرى يوم الأرض الاعلام الفلسطينية، غير آبهين بمواقف “أمل” العدوانية. وردا على ذلك فرضت “أمل” حصارا على مخيمات الجنوب، واعتقلت حواجزها 12 شابا من أبنائها وأهانت العديد من نسائها وشيوخها. وداهمت مخيمات البص والبرج الشمالي والمعشوق والشبريحا. واستنفر شباب مخيم الرشيدية واخرجوا أسلحتهم من مخابئها، وأغلقوا مخيمهم في وجه دوريات “أمل” ومنعوها وإرهاب الناس. وتوترت علاقة قيادة “أمل” المحلية مع أهالي الرشيدية. واعتبرت قيادة “أمل” تصرف شباب المخيم تحدي لها، وشددت الحصار على حركة الأفراد والتموين من والى المخيم، وطالبت أهل المخيم تسليم أسلحتهم وفتح أبواب مخيمهم أمام دورياتها الأمنية والعسكرية.
رفض شباب المخيم الطلب وصعدت “أمل” إجراءات الحصار ومنعت دخول التموين للمخيم، وعرقلت دخول شاحنات وكالة الغوث، الأونروا، وسمحت بدخول كمية من التموين الطازج تكفي ليوم واحد فقط. ومنعت العمال الزراعيين من العمل في البساتين المحيطة بالمخيم. وأشاعت أنها على وشك اقتحام المخيم، ووسعت الاعتقالات وتوقف الشباب عن التحرك خارج المخيم. وبدأ بعض العائلات بالرحيل عن مخيمات الجنوب عبر إلى منطقة صيدا والشريط الساحلي بين صيدا وبيروت وقرى في الشوف وإقليم الخروب الخاضعين لسيطرة الحزب التقدمي الاشتراكي. وجرفت قوات “أمل” مساكن الفلسطينيين في مخيم جل البحر الصغير الواقع على مدخل مدينة صور واعتقلت عشرات الشباب. وفي الفترة ذاتها واصلت “أمل” حصارها لمخيمات بيروت. وفي يوم 22/5/1986 شنت قوات “أمل” واللواء السادس هجمات عنيفة على مخيمي شاتيلا وبرج البراجنة تصدى لها المدافعون ومنعوها من اقتحام المخيمين وتواصلت الاشتباكات شهرين كلفت شاتيلا 57 شهيدا و300 جريح. أما مخيم برج البراجنة فكانت خسائره 29 شهيدا و350 جريحا.
صباح يوم 30 أيلول/سبتمبر 1986 الساعة 1530 أرسلت “أمل” سيارة مسلحة برشاشات ثقيلة وراحت تطلق نيرانها باتجاه مخيم الرشيدية مما أدى إلى استشهاد امرأة وجرح أربعة مواطنين. بادر إثرها شباب المخيم بالرد على مصادر النيران وعلى مواقع “أمل” في محيط المخيم، واستمرت الاشتباكات 11 يوما تخللتها اتصالات أسفرت عن اتفاق على وقف إطلاق النيران. لكن الإتفاق لم يطبق ولم تلتزم “أمل” به. وتواصلت الاشتباكات المتقطعة بصورة يومية حتى يوم 5/10/1986حيث تم الإعلان في دمشق عن اتفاق على وقف إطلاق النار وقعته “أمل” وجبهة الإنقاذ الفلسطيني عرف باسم “اتفاق دمشق”.
هجوم قوات “أمل” على مخيم الرشيدية
في الأيام التالية على توقيع “اتفاق دمشق” تطورت عمليات “أمل” ضد مخيم الرشيدية وقامت قواتها بعدة بمحاولة اقتحام المخيم وحددت لنفسها ثلاثة أيام لانجاز المهمة، لكنها كفت عن المحاولة بعدما فشلت ومنيت بخسائر كبير، واتضح لها أن المخيم قادر على لدفاع عن الذات. واستبدلت قيادة “أمل” خطة الاقتحام بخطة الاستنزاف والتدمير التدريجي. ورفعت وتيرة قصف المخيم ودمرت 200 منزل على أطراف المخيم، وتسببت في إصابة 590 مواطنا كانت إصاباتهم متفاوتة كان بينهم نحو 100 بحالة الخطر الشديد.
وألحقت عمليات “أمل” أضرارا متفاوته بمئتي منزل. وكان من ضمن ما تضرر مستوصف المخيم، وهو عبارة عن عيادة بسيطة، يعمل فيها طبيبين أحدهما حديث التخرج والثاني طبيب عام. وقد حاول الطبيبان أداء اكبر دور ممكن في ظروف بالغة الصعوبة. وبمعدات بسيطة جدا اضطر الطبيبان إلى إجراء عديد العمليات الجراحية بالرغم من عدم خبرتهما بالجراحة ونقص التجهيزات. وبرز لدى السكان حالات فقر دم تسببت في وفاة اطفال. وظهرت تأزمات نفسية ناجمة عن الرعب، خصوصا لدى الأطفال. ونضبت بعض صنوف الأدوية الضرورية لذوي الأمراض المزمنة. وظهرت عند العديد من النساء حالات عسر في الولادة واحتاج العديد منهن إلى عمليات قيصرية.
ومن آذار/مارس 1986 وحتى أيلول/سبتمبر لم تكن حالة المخيمات الفلسطينية الأخرى أفضل من الرشيدية. وتواصلت الاعتداءات والاعتقالات وعمليات الحصار وبلغ الجوع في المخيمات مرحلة خطرة. وارتفعت نداءات الأهالي طالبة المساعدة وفك الحصار. وصح القول: “لقد أسمعت لو ناديت حيا..” على الصعيد العربي والدولي واللبناني. ولم يكن أمام الأهالي من خيار سوى الصمود والمقاومة. وصار الخروج من المخيم يعني الانضمام إلى قوافل المفقودين في سجون”أمل” أو إلى المقابر مباشرة.
في حينه، حاولت قيادة بعض الفصائل المحلية ضمنها قيادة الديمقراطية الاستنجاد بالسفارة السوفيتية إلا أنها لم تجد أذنا صاغية. وتذرع السوفييت بأنهم غير قادرين على التدخل لوقف المجازر ويخشون من فقدان مواقعهم في سوريا بعدما فقدوها في مصر. وظهر السوفييت وكأنهم يعاقبون الشعب الفلسطيني على توقيع قيادة م. ت. ف. اتفاق عمان الذي عارضوه هم خشية أن يكون بداية تمدد كامب ديفيد المصري الإسرائيلي على الجبهتين الفلسطينية والأردنية.
ومع ارتفاع صرخات الاستغاثة من داخل المخيمات ارتفعت وتيرة المطالبة الشعبية في صيدا، وبخاصة من أبناء مخيم عين الحلوة ومخيم المية ومية والوطنيين اللبنانيين بضرورة، عمل شيء ما لإنقاذ اهالي مخيم الرشيدية والمخيمات المحاصرة. وبدأت ذات الحالة تبرز في صفوف مقاتلي فصائل الثورة في منطقة صيدا. وارتفعت وتيرة الضغط على قيادة “فتح” والجبهة الديمقراطية في لبنان للقيام بعمل ما يخفف الضغط على المخيمات المحاصرة في الجنوب ومحيط بيروت.
وليد جنبلاط ومصطفى سعد شجعا طرد “أمل” من شرق صيدا
قبل التوجه إلى قصر “المختارة”، مقر وليد جنبلاط، مع عصام سالم ممثل القائد العام ابو عمار في لبنان، كنا واثقين أن فكرة الهجوم على مواقع “أمل” في قرى شرق صيدا ستلقى الدعم والتأييد. فالحزب التقدمي الاشتراكي يتضامن مع الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة قبل أن يتولى وليد زعامة حزب أبيه كمال جنبلاط شهيد القضية، كما يوصف فلسطينيا وعربيا. والحزب بزعامة وليد يكن تقديرا عاليا للثورة ولنضال الشعب الفلسطيني من أجل حقوقه الوطنية. ووليد يقدر هو وقادة الحزب لقوى الثورة دورها في مساعدة الحزب على تحرير بلدات صوفر وبحمدون وعالية وقرى الجبل من قوات الكتائب وحلفائها بعد انسحاب اسرائيل. وبجانب ذلك، رأى قادة الحزب في انتصار “أمل” على الفلسطينيين إضعافا لدور الحزب والطائفة. وقد هجس هؤلاء بأن “الغول الشيعي” على حد وصفهم له سوف يبلع الطوائف الاخرى كلها إذا قدر له أن يسيطر، ومواقع الحزب في بيروت والجنوب مهددة من “أمل” المدعومة سوريا.
في اللقاء، مع وليد عرضنا، عصام وأنا فكرة الهجوم وأهدافها، وبينّا القوى التي يمكن أن تشارك في الهجوم، وحصرنا الامر بقوات “فتح” والجبهة الديمقراطية، وابقينا الباب مفتوحا لاشراك “فتح” “المجلس الثوري” “جماعة ابو نضال”. وبعد سماع العرض دقق جنبلاط، في حقيقة موقف أبو عمار من العملية، وفي أهداف العملية وقدرة القوات الفلسطينية على تنفيذها بنجاح. وسأل عن موقف جبهة الإنقاذ واحتمال وقوع إشتباكات فلسطينية ـ فلسطينية في حال نجاح الهجوم. وبعد نقاش مريح غير طويل مفعم بالثقة المتبادلة، شدد رئيس الحزب، الذي يكره كثرة الكلام ويمقت النقاش الطويل، على الإسراع في تنفيذ العملية قبل انهيار أي من المخيمات، ونصح بالاستفادة من مواقف جماعة حزب الله المناهضة لقيادة “أمل”، والعمل على تجيير مواقف هذا الحزب الصاعد لصالح نجاح العملية وطرد “أمل” من منطقة شرق صيدا وحماية مخيم عين الحلوة. وأيد جنبلاط فكرة كسب مجموعة “المجلس الثوري” في صيدا وإشراكهم في الهجوم، ونصح بالبحث عن سبل إشراك مجموعات فلسطينية أخرى من الإنقاذ في المعركة، وتوريطها في الصراع ضد “أمل” وتخريب علاقتها بالسوريين. وبالحد الأدنى تحيدها وتعطيل استخدامها من قبل السوريين في تفجير قتال فلسطيني فلسطيني.
إلى ذلك، نبه جنبلاط إلى خطورة العملية من الزاويتين السياسية والعسكرية، وحذر من ردود الفعل السورية. وقال: “أدرك أبعاد العملية في حالتي الفشل والنجاح، أنا معها، وانتم تأخرتم في تنفيذها، والمهم الإسراع وعدم التسرّع وأن يكون النجاح مضمونا 100% لأن فشل هذه العملية المفصلية ممنوع”. ولفت جنبلاط نظرنا إلى أمرين: الاول، ضمان النجاح لان الفشل يعني تدمير مخيم عين الحلوة وإنهيار المخيمات الاخرى، والثاني، حسم المعركة بسرعة وعدم ترك مجال لتدخل قوى فلسطينية أو لبنانية بجانب “أمل”.
وختم وليد حديثه: “إذا نجحتم سأهاجمكم في الإعلام بعنف وأقول هذا تمدد فلسطيني خارج المخيمات ومؤشر خطير على عودة الأوضاع إلى ما قبل عام 1982، أما إذا فشلتم فسأدافع عنكم بقوة وسوف أزج امكانات الحزب والطائفة في الدفاع عنكم وعن المخيمات. وسأرفع شعار إن ما يجري ضد المخيمات يدفع كل حر فلسطيني إلى الانتحار.. وسأتحرك تجاه جبهة الإنقاذ للملمة الموضوع”.
وكرر جنبلاط التحذير من الفشل، وقدر ان ثمنه “لن يقل عن ترحيلكم على ظهر البواخر كما رحلت قيادة م. ت. ف. من بيروت وتسليم المخيمات لجبهة الإنقاذ”. واشار الى انه سيبادر لطرح هذه الفكرة لانقاذ المخيمات وما يمكن إنقاذه من الوضع الفلسطيني في لبنان، وتوقع انهياره انهيارا مميتا إذا فشلنا. واكد ان وليد جنبلاط إبن كمال جنبلاط لن يتخلى عن القضية الفلسطينية ولن يتخلى عن كوادر الثورة كأفراد. وطلب عدم التوقف أمام تصريحاته الصحفية، لان موقفه الحقيقي سوف يبقى كما سمعناه منه مباشرة. واشار إلى انه سوف يكلف قائد الحزب في منطقة الغرب ابو اياد عضو المكتب السياسي في الحزب وهشام ناصر الدين بالاتصال بنا قبل وخلال المعركة وابلاغنا بمستجدات الموقف اولا باول.
قبل مغادرة القصر سأل وليد عن إمكانات “فتح” والديمقراطية من الأسلحة والذخائر. وشدد على العمل بسرية مطلقة وضرورة تنسيق العملية مع مصطفى سعد “أبومعروف” زعيم التنظيم الشعبي الناصري في صيدا، وشدد على ان يتم الاتفاق مع الزعيم الصيداوي على أن يتسلم التنظيم المسؤولية السياسية العامة عن القرى بعد تحريرها من “أمل”، باعتبارها جزء من صيدا وتقع ضمن دائرة مسؤوليات تنظيمه. وعند باب قصر طلب جنبلاط إبلاغه بموعد الهجوم وشدد على سرية ما جرى. وطلب مني وضع الاعتبارات الحزبية جانبا “وعدم إعلام قيادة الجبهة الديمقراطية بما تم في اللقاء خشية وصوله للسوريين أو صدوره في نشرة حزبية تسمى “تعميم داخلي”. وقال: “لعلمكم، محاضر اجتماعات الفصائل واجتماعات القيادة الفلسطينية في تونس تصل الإخوان في المخابرات السورية، وكلها تنقل الى غازي كنعان في لبنان”.
عدت وعصام من المختارة إلى صيدا بتصميم أكبر على تنفيذ المهمة. وبعد هذا اللقاء شعر كل منا بأن المسألة لم تعد مجرد فكرة مطروحة للتداول. واتفقنا على تأجيل مفاتحة أبو معروف إلى ما بعد الاتصال مع أبوعمار ووضعه في أجواء اللقاء مع وليد جنيلاط، وبعد استكمال التحضيرات العسكرية الأساسية. وقدرنا أن مفاتحة مصطفى سعد بالقصة مختلفة عن المكاشفة التي تمت مع جنبلاط. فالحديث مع أبو معروف يجب أن يكون تفصيليا يشمل دوره الشخصي ودور التنظيم الناصري في العملية وما بعدها. وكنا واثقين من أن موقف جنبلاط يشجع “أبو معروف” على الاندفاع في العملية، ولن نحتاج إلى جهد لإقناعه بمبررات العملية لان “غول أمل” الذي تحدث عنه جنبلاط أكل جزءا كبيرا من نفوذ مصطفى ونفوذ التنظيم الناصري خارج مدينة صيدا وبات ينافسه داخلها. والشيعة من أهالي “حارة صيدا” بدأوا التمرد على سلطة أبو معروف بعد أن تم تأمين عمق بشري وجغرافي شيعي للحارة. وأهل الحارة لم يعودوا بحاجة لتسهيلات من التنظيم الناصري لوصول النبطية وصور وطريقهم صارت سالكة عبر قرى شرق صيدا دون مرور في المدينة.
مساء اليوم التالي 18/9/1986 ترأست اجتماعا للقيادة العسكرية لقوات الجبهة الديمقراطية لمناقشة العملية. وطرحت خلاصة ما جرى مع جنبلاط وما تم الاتفاق عليه مع ممثل أبو عمار. وفي الاجتماع نوقشت خطة عسكرية. وكان الرأي الغالب أن يتركز دور قوات الجبهة الديمقراطية باتجاه احتلال بلدة جنسنايا، باعتبارها الموقع الذي يقرر مصير المعركة حتى في حال فشل الهجوم على قريتي عين الدلب والقريّة القريبتين من مخيم المية ومية. فموقع جنسنايا الاستراتيجي يتحكم بالمنطقة والسيطرة عليها يقطع طريق إمدادات “أمل”. واحتلالها يقطع صلة قرى عين الدلب والقرية وحارة صيدا، مع عمقها الشيعي في عنقون والنبطية. واحتلالها يخلق مفاجئة حاسمة تضع قوات “أمل” أمام خيار وحيد هو الانسحاب السريع قبل إحكام إغلاق الطوق عليها. وشدد المجتمعون على أهمية إشراك المجلس الثوري في منطقة صيدا وتوريطهم في المعركة، وأكدوا على أن العقيد أبو عمر قائد قوات المجلس في المنطقة رجل وطني مخلص، وهو وناس جماعته نادمون على الانشقاق عن “فتح”، والالتحاق بجماعة أبو صالح وأبو موسى والعملة قادة الانشقاق. وأكدوا أن أبو عمر أعطى أوامره لكوادر المجلس في الرشيدية ومخيمات بيروت بالتصدي لقوات “أمل” والمشاركة بفعالية في الدفاع عن المخيمات جنبا إلى جنب مع المدافعين عنها من التنظيمات، حتى لو كانوا عرفاتيين، وأنهم شاركوا فعلا في معارك الدفاع.
إقرار خطة الهجوم في اجتماع مشترك
صباح يوم 19/9/86 وقبل أن نبادر الى الاتصال مع العقيد علاء قائد قوات “فتح” في صيدا والجنوب والعقيد عبد المعطي السبعاوي مدير عملياتها، بادرا هما وحضرا إلى مقر قيادة قوات الجبهة. وعقد اجتماع مشترك وضعت فيه خطة الهجوم بتفاصيلها. ووزعت المهام على الطرفين وحددت الواجبات الدفاعية والهجومية. واتفق على: تشكيل غرفة عمليات مشتركة، تعزيز الدفاعات المشتركة حول مخيمي عين الحلوة والمية ومية. تتولى “فتح” مهمة الهجوم على محور بلدة القرية وتحشيد القوى اللازمة للمهمة. إيلاء الجبهة الديمقراطية مهمة الهجوم على جنسنايا وتحميلها مسؤولية إشراك المجلس الثوري. وشدد قادة “فتح” على تأجيل إبلاغ المعنيين من المجلس بالخطة وساعة الصفر حتى اللحظة الأخيرة. تشكيل قوة مشتركة للهجوم على محور عين الدلب، وإيلاء “فتح” قيادة الهجوم. تشكيل قوة احتياط مشتركة تبقى بيد القيادة وتزج في القتال بقرار مشترك. تحديد قوة إسناد مدفعي وتوزيع قواطع النيران. الشروع في الاستطلاع وإنجاز المهام خلال 72 ساعة. تكليف “فتح” بتأمين إحتياطات الذخيرة اللازمة للمعركة وأيضا مهمة الإمداد والتموين للجميع.
واتفق فينهاية الاجتماع على عدم إبلاغ أو إشراك أي قوة من جبهة الإنقاذ. وان يتم تضليل “أمل” والسوريين وأطراف الإنقاذ بإطلاق إشاعة خلاصتها “فتح” ستهاجم بقرار من عرفات بلدة مغدوشة.
بعد توزيع المهام انطلق الجميع للعمل بحيوية. الكل مقتنع بأنه عار على القوات الفلسطينية الكبيرة المتواجدة في عين الحلوة وصيدا البقاء مكتوفة اليدين تتفرج على أهلها وهم يذبحون على الطرقات ويموتون جوعا بسبب حصار “أمل” مخيمات بيروت والجنوب. والكل مقتنع، ايضا، بأن هجوم “أمل” على عين الحلوة قادم لا محالة إن لم تتم المبادرة الى منع وقوعه، ومشروع “أمل” الهادف إلى تصفية م. ت. ف. في لبنان لا يكتمل قبل تصفية عين الحلوة والمسألة مسألة وقت وليس أكثر.والتقدير موحد عند الوطنيين اللبنانيين والفلسطينيين بأن المعركة ضد الوجود الفلسطيني في صيدا ستتواصل بعد الرشيدية.
الى ذلك، ظل ضغط ابو عمار يزداد على القيادة العسكرية في لبنان، “فتح” وديمقراطية، باتجاه التسريع في إنجاز المهمة. وطلب ابو عمار في آخر اتصال أن نحدد ساعة الصفر خلال 48 ساعة. في حينه تهرب قادة “فتح” علاء، وعبد المعطي السبعاوي، وعصام سالم، من تقديم التزام قطعي وأرسلوا للقائد العام فقط الخطة. وأصر هؤلاء أن أعفيهم من غضب أبوعمار وأشرح له أسباب وضرورات التأخير. وبالفعل، تحدثت مع أبو عمار وأكدت له أن لا عودة عن الفكرة ولا تردد في تنفيذها، وأوامر القائد العام سوف تنفذ في جميع الظروف والأحوال، والتحضيرات قائمة على قدم وساق لضمان النجاح. ونجحت في إقناعه بان يترك لنا حرية تحديد ساعة الصفر على ان نبلغها إليه خلال أيام، وطلبت أن يقرن هو موافقته على الخطة بأمر قتالي رسمي، باعتبار ما سنقدم عليه مسؤولية جسيمة، وللنجاح او الفشل فيها توابع ونتائج وطنية.
كان ابو عمار يخشى تردد وتراجع قيادة الجبهة الديمقراطية في دمشق عن المشاركة في العملية، وقد شعرت بأنه ما زال على خشيته.
لاحقا استعنت بابي جهاد خليل الوزير الذي تفهم ظروفنا وتعهد بإقناع عرفات بوجهة نظرنا. وتعمدت في المكالمة مع تونس أن أوحي بأن العملية سوف تكون ضد مواقع “أمل” في مغدوشة، وذلك بهدف التضليل، فكل الاتصالات بين تونس وبيروت مرصودة من الاستخبارات السورية. وكان بعض كوادر فصائل جبهة الإنقاذ ينقلون ل”فتح” والجبهة الديمقراطية أولا بأول ما ينقل لهم عن الكلام الذي يسجله السوريون في مكالمات عرفات.
في ضوء عملية التضليل والتسريبات التي قمنا بها، لم ينتظر مصطفى سعد اتصالنا به، بل بادر مساء يوم 19/9/1986 ودعانا لاجتماع خاص وشدد على أهمية حضور قائدي “فتح”، عبد المعطي وعلاء، بجانب عصام، باعتبار ان هؤلاء هم قادة قوات “فتح” في الميدان. في حينه اعتذر علاء وعبد المعطي وفضلا قيام كل فرد بالمهمات التي حددت له في الخطة، وكانا يخشيان ضغط أبو معروف لتعطيل العملية.
توجهت مع عصام إلى منزل أبو معروف ووجدناه منزعجا وتحدث أمام كوادر التنظيم الحاضرين بأنه ضد “التمدد الفلسطيني” خارج المخيمات، ولا يقبل أن يقوم الفلسطينيون بأي عمل في منطقة صيدا بدون علمه وبعيدا عن توجهات قيادة “التنظيم الشعبي الناصري”. واسترسل أبو معروف أمام كوادره في اتهامنا، بمحاولة توريط صيدا في معركة مع الشيعة وتحويل الحرب من حرب العرفاتيين ضد “أمل” وبالعكس، إلى حرب لبنانية ـ لبنانية، وسنية ـ شيعية.
توتر عصام سالم وحاول الرد بحده فقاطعته وطلبت من أبو معروف التحدث على انفراد واعتذرت من الحضور على هذا الطلب الثقيل.
بعد مغادرة الحاضرين بادر أبو معروف وقال إنه عاتب علينا عتبا شديدا. وطلب أن لا نهتم بما ذكره أمام كوادر التنظيم لانه قال ما قاله لتسريبه رسالة للسوريين ولقيادة “أمل”. وأضاف “أظن أنكم فاهمون قصدي من ذلك”. بادر عصام للرد: “أصبح العتب معكوس يا أبو معروف، اتهمتنا بالخيانة، كل ما قلته مفهوم ومحمول أما قولك بأن الحرب الدائرة هي بين العرفاتيين و”أمل” فهذا يجرح القلب والعقل معا، خاصة وأن مخيم الرشيدية على وشك السقوط”.
لقد عتب ابو معروف علينا بسبب زيارتنا للمختارة واتفاقنا مع وليد جنبلاط من خلف ظهره وقال: “أنا الأولى بالتشاور”. وبين انه ليس ضد الدفاع عن الرشيدية بعمل عسكري من صيدا، ومن الافضل له تكتيكيا وللتنظيم الناصري أن يقال إن ممدوح نوفل وعصام سالم رتبوا العملية مع جنبلاط من خلف ظهر أبو معروف، لكنه أشار إلى أن وليد لن يفيدنا كثيرا من الناحية العسكرية. وقال: بالنهاية،إذا نجحتم ستحتاجون أبو معروف وقوات الشهيد معروف سعد، وإذا فشلتم ستحتاجوننا أكثر. أتركونا الآن من العتب ودعونا نبحث الموضوع بشكل جدي”. وتساءل عما إذا كان من الممكن دعوة الدكتور أسامة شقيقه ونائبه وأبو درويش القائد العسكري للتنظيم إلى إجتماعنا.
فذكرت أن المهمة تتطلب أولا التفاهم معه هو شخصيا على المبدأ والخطوط العريضة، ويبدو أننا متفاهمين قبل الدخول في بحث المسألة. وبينت ان الموضوع لا يزال مجرد فكرة نتداولها مع بعضنا ومع عدد من الأصدقاء. وطمأنته بأننا نقر ونعترف بان القرار النهائي يتخذ فقط في بيت أبو معروف ونعرف حجم العبء الذي سيتحمله صاحب هذا البيت سواء فشلنا أو نجحنا. قطع أبو معروف حديثي وقال: سامع يا عصام حديث العسكر الدبلوماسي؟ بكلمتين تم توريطي وتم امتصاص عتبي عليكم.
قلت: الموضوع جدي وحاسم وأنا لا أتحدث بدبلوماسية هذه قناعة عصام وقناعتي وقناعة كل الإخوان في تونس ولبنان، وخاصة الأخ أبو عمار. واكدت بأن القرار النهائي لا يمكن اتخاذه إلا في هذا البيت لأنه قد يتعرض للقصف والتدمير مثل بيوت المخيم وحتى قبلها.
قطع أبو معروف الكلام واستفهم عن موقف جنبلاط بالضبط ؟ رد عصام: ذهبنا إلى وليد واستقصينا رأيه وطلبنا دعما سياسيا. وبيّن عصام أن وليد شجعنا على القيام بالعملية وأكد على مسألتين: الأولى، التفاهم مع أبو معروف وترتيب الأمر معه تفصيليا ووضع السيناريوهات المحتملة، والثانية حذرنا من خطر الفشل. وعرض عصام وقائع حوارنا واتفاقنا مع جنبلاط وشدد على أن وليد طلب إبلاغ رأي أبو معروف إليه.
أثنى أبو معروف على أهمية نصائح وليد، واكد جاهزيته لتحمل المسؤولية والإنسان لا يستطيع الهروب من قدرة، ولكن على وليد والحزب التقدمي أن يساعدا ويتحملا قسطا من المسؤولية. وقال ان المساعدة المطلوبة من جنبلاط هي المساندة السياسية وليس العسكرية. وقال: “على كل حال، بغض النظر عن رأي أخي وصديقي وليد، أنتم يا إخوان تأخرتم في تقديم النجدة للمخيمات المحاصرة، أهالي صيدا يتساءلون عن جدوى وجود كل هذا السلاح والمسلحين الفلسطينيين في صيدا وعين الحلوة في وقت هلكت فيه المخيمات الأخرى وبعضها بات على وشك الانهيار والسقوط. واعتبر الوضع في الرشيدية والبص والبرج الشمالي ومخيمات بيروت كارثة حقيقية. وذكر انه لا يريد تفجيرها مع “أمل” ونبيه بري مباشرة، ولولا خوفه من تحول المعركة إلى حرب سنية ـ شيعية لقام بالعملية نيابة عنا.وشدد على ضمان النجاح. وقال: أنتم عسكر وأخبر مني بالمسائل العسكرية.
وكرر القول بأن الفشل يشكل كارثة علينا نحن، أفرادا وتنظيمات، وعلى التنظيم الناصري، وعلى المخيمات المحاصرة. وقال: “إذا فشلتم، انتهى وجودكم في عين الحلوة والمية ومية والمخيمات الأخرى وقد تكون النتيجة تدمير بعضها. فشلكم يعني ترحيل المقاتلين الفلسطينيين على ظهر البواخر، وتحت إشراف أخوكم أبو معروف”.وسأل مصطفى: ما هو رأي عرفات الحقيقي في العملية؟ وأشار ألى اهمية رأيه لأن الموضوع سياسي أولا وعسكري ثانيا. وبين ان بامكاننا الاستفادة من أن جميع القرى مسيحية 100% وهذا عنصر ايجابي، وتبقى من سكانها يكرهون “أمل” لاعتبارات طائفية وسياسية ومسلكية. واقترح الاتفاق سلفا على سيناريو ما بعد احتلال قرى شرق صيدا، وقال مازحا إنه سيقوم ومعه التنظيم الناصري وأهل صيدا فورا بتحرير هذه القرى من الاحتلال الفلسطيني.
وقال عصام إن الأخ أبو عمار يهديه تحياته ويتمنى عليه الموافقة على العملية وعمل التغطية السياسية اللازمة لها، وأبو عمار ينتظر أن يبلغ عصام إليه موقف أبو معروف ورده الرسمي.
ـ يعني هو موافق على العملية ومستعد لتحمل نتائجها معنا؟
ـ نعم موافق، ويلح على التنفيذ بأسرع وقت، وقد وضع شرطا وحيدا هو أخذ موافقة أبو معروف أولا على الخطة وعلى العملية ككل.
ـ هذا تفنيص (كذب أبيض) يا أبو علي، ياسر عرفات وأعضاء مركزية “فتح” بعد الخروج من لبنان نسوا مصطفى سعد ووالده الشهيد معروف سعد الذي قاتل دفاعا عن فلسطين.
ـ أنا لا أفنص على أبو معروف، وأبوعمار لا ينسى المناضلين الأوفياء.
واكد عصام بصورة جدية ورسمية ان أبوعمار مع العملية ومع الإسراع في التنفيذ لاعتبارات سياسية لم يتحدث عنها. وذكر أن أبوعمار تشاور مع محسن ابراهيم وطلب أخذ رأي مصطفى سعد ورأي وليد جنبلاط، وقد أبلغ من عصام وقيادة “فتح” المحلية تقديرا خلاصته لن نواجه مشكلة مع الاثنين. وبيّن عصام أن الموضوع من زاويته العسكرية مسؤولية الإخوة ممدوح نوفل وعلاء وعبد المعطي السبعاوي ، وقال “اود ان اؤكد امامك يا ابو معروف ان مسئولية الفشل والنجاح في رقبتهم، وانت الشاهد”.
ـ يعني نحن جميعا معلقين الآن في رقبة ممدوح وعبد المعطي وعلاء ؟ الله يستر ما نغرق. سمعتهم العسكرية جيدة جدا ولا غبار عليها، لكن النجاح يتطلب انضباط شباب “فتح” وهذا الأمر ليس بيد ممدوح وبالكاد علاء وعبد المعطي قادران على ذلك.
قلت لمصطفى سعد إننا لن ننسى لك هذا الموقف سواء نجحنا أو فشلنا. فطلب هو أن أدخل في الموضوع بلا مجاملات وشرعنا في مناقشة تفاصيل خطة الهجوم. بعدها دعانا الى تناول طعام العشاء. نهضنا، وأمسكت بيد أبو معروف لأقوده. عندها، قال هو بحزن شديد: “آه يا ممدوح ما أعز النظر(10). أتمنى لو بقي لي عشر نظر. أنا رجل عملي وميداني وأعرف شرق صيدا وكل الجنوب اللبناني بالشبر، أمنيتي أن أكون معكم على الأرض، ولكن البركة فيكم”.
قلت مستذكرا الإعتداء الذى أودى ببصر مضيفنا: “هذا أرفع وسام نلته بنضالك من أجل العروبة، وطبعا شعبنا لم ينس الشهيد معروف سعد الذي استشهد من أجل العمال والكادحين صيادي السمك صيداويين وفلسطينيين. ولن ينسى تضحيات أبو معروف من أجل فلسطين والعروية، والكل يعرف أن معروف سعد كان يتمنى الاستشهاد على أرض فلسطين، قاتل مع عز الدين القسام والشيخ حسن سلامة.
حرروها واتركوا الباقي على اخوكم أبو معروف. جهر بهذا التشجيع قبل مغادرتنا، ثم أوصانا بمسألتين: عدم المس بأهالي القرى وتقليص الإشتباكات ما أمكن داخلها، وتقليص القصف المدفعي وعدم الاعتداء على الممتلكات. وتمنى علينا أن نشدد على هذه المسألة الحساسة. والمسألة الأخرى ترك منافذ لانسحاب قوات “أمل”، مثلا الشارع الواصل بين محطة البنزين وبستان النهر. وذكرنا بأن عمليتنا تقوم على المباغتة والتطويق وسوف يكون فيها أسرى.”وإذا حصلتم على أسرى، أرجوكم حافظوا على حياتهم وسلموهم لنا. وهذا الأمر ويساعدنا لاحقا على تسويق تواجد قوات الشهيد معروف سعد في المنطقة، وكان الله في عوننا للتغطية والتستير عليكم، ويريح أهالي المنطقة”. وعن وقت التنفيذ: “كلما أسرعتم كلما كان أفضل.
قرابة الساعة منتصف الليل غادرنا منزل أبو معروف مرتاحين. الغطاء السياسي للعملية تأمن، وإنجاز ما تبقى من أعمال لتنفيذها رهن بدورنا. وعلى مدخل البيت، افترقنا واتفقنا على التواصل. وفي اليوم التالي عقد أركان غرفة العمليات المشتركة “فتح” وديمقراطية اجتماعا وحددت ساعة الصفر الساعة 2400 منتصف الليل من يوم 25/9/1986. وبدأ العد العكسي للتنفيذ.