ربط الانتخابات التشريعية بمؤتمر “فتح” او الانسحاب من غزة خطأ استراتيجي

بقلم ممدوح نوفل في 11/06/2005

11/6/2005
في دورته السادسة والعشرين التي عقدها بعد رحيل عرفات، حدد المجلس الثوري ل”فتح” يوم 4 آب/ اغسطس، موعدا لانعقاد المؤتمر السادس للحركة. في حينه، لم أستوعب الحكمة في تأخير عقد المؤتمر الى ما بعد الانتخابات التشريعية، التي توافق وطنيا على عقدها في 17 تموز/يوليو. فتحضير الأوضاع الذاتية لخوض المعارك الانتخابية، أحد أهم وظائف المؤتمرات الحزبية، كما أعرف. وضمنها: إقرار البرنامج الانتخابي، ووضع قواعد التحالفات وتشكيل القوائم الانتخابية مع القوى، وتحديد أسس اختيار المرشحين، ووضع خطة قادرة على حشد طاقات التنظيم وجمهوره في المعركة الانتخابية..الخ
وعند الاستفسار، فوجئت بأن موعد مؤتمر “فتح” حددد في لحظة انفعال عاطفي ومن دون نقاش. وحسم الأمر بسرعة عندما اقترح أحد أعضاء المجلس الثوري، بصوت عال، أن تكون ذكرى ميلاد القائد المؤسس ابوعمار، موعدا لعقد المؤتمر. وصفق الآخرون، واعتبر التصفيق تصويتا وتحول الاقتراح الى قرار. وشكل المجلس، في حينه، لجنة تحضيرية برئاسة عضو لجنة مركزية لمتابعة التنفيذ. ورغم ضخامة المهمة وضيق الوقت، لم تعطي اللجنة التحضيرية المسألة الاهتمام المطلوب. وتعاملت معها حسب التقاليد الفتحاوية والفلسطينية التي كانت متبعة في عهد عرفات. حيث كانت اللجان والهيئات القيادية الأساسية والفرعية الفتحاويةـ لجنة مركزية، مجلس الثوري، لجنة التعبأة والتوجيه، اللجنة مالية، واللجنة فكرية..الخ عاطلة عن العمل ومشلولة عن الحركة، وكان تكليف الهيئات والأفراد لا يعني المبادرة في الشغل، بل التيقن أولا من رغبة الرئيس، والتحقق من نيته، وانتظار إشارته وتوجيهاته.
وبعد ستة اشهر من تلك الدورة، عقد المجلس الثوري ل”فتح” مطلع حزيران /يونيو الجاري دورته السابعة والعشرون، قبل ان تتحرك اللجنة التحضيرية خطوة على طريق عقد المؤتمر. واضطر المجلس الثوري الى تأجيل موعد المؤتمر الى أجل غير مسمى، ولاسباب غير مقنعة لم يثبت تاريخا جديدا. وتقرر “إعادة تشكيل اللجنة التحضيرية” وكلفت باعداد تقرير شامل عن الاوضاع التنظيمية في الداخل والخارج. وحدد النصف الثاني من شهر حزيران/يونيو الجاري موعدا لبحث التقرير في اجتماع كامل لاعضاء اللجنة المركزية لفتح يعقد في عمان. ولم يبت المجلس الثوري في مسألة المرشحين “الفتحاويين” للمجلس التشريعي، ولم يحدد تواريخ لاجراء الانتخابات التمهيدية الداخلية الفتحاوية “البرايمرز”.
ولأسباب غير مقنعة ايضا، قرر المجلس الثوري تأجيل الانتخابات التشريعية، ولم يحدد سقفا زمنيا لهذا التأجيل. ونسي أعضاء المجلس، أو تناسوا، ان هذه الانتخابات مسألة وطنية عامة والاعتبارات الوطنية لا تبيح لطرف واحد التفرد بالقرار بشأنها. والاعتبارات ذاتها تفرض أن يتم تأجيل الموعد، إذا كان لا بد منه، بالتشاور والتوافق بين القوى الوطنية والاسلامية كما تم تثبيته. وأظن أن رئيس السلطة تسرع وأصدر المرسوم الرئاسي، اللازم قانونيا لشرعنة التأجيل، ولم يفكر في الاستناد، بجانب صلاحياته الدستورية، الى قرار وطني يصدر عن هيئات قيادية، مثل تنفيذية منظمة التحرير ومجلسها المركزي.
وبغض النظر عن الأسباب الذاتية، أو الموضوعية، التي دفعت المجلس الثوري الى تأجيل انعقاد مؤتمر الحركة، وتأجيل الانتخابات التشريعية، فإن قرارته أثارت في الشارع الفلسطيني علامة استفهام حول الدوافع الحقيقية للتأجيل. ومست بمصداقية “فتح”، ومصداقية رئيس السلطة في أوساط القوى السياسية الوطنية والاسلامية، وفي ميدان العلاقات العربية والدولية. خصوصا أن ابو مازن رفض فكرة التأجيل علنا، وظل يؤكد بالصوت والصورة على اجراء الانتخابات في موعدها، وأبلغ موقفه الى جميع العواصم العربية والأجنبية التي زارها.
إلى ذلك، جاء رد الناطق الرسمي باسم المجلس الثوري ل”فتح” على مواقف القوى التي عارضت التأجيل، وزاد في الطين بلة، وقدم للناس عذرا أقبح من ذنب. وزاد في قلقهم حول مستقبل العلاقات الوطنية ومستقبل المجلس التشريعي. وكرس البيان، التوضيحي، الموقف التأجيلي الخاطئ الذي تبنته أغلبية كتلة “فتح” في التشريعي، ووفر البيان لهم غطاء حزبيا وحمّل “فتح” وزر التقصير.
وبدلا من تحميل المجلس التشريعي مسئولية المماطلة في انجاز قانون جديد للانتخابات، يعتمد النظام الانتخابي المختلط مناصفة بين النسبي والدوائر، كما توافقت القوى في القاهرة، حمّل الناطق باسم المجلس الثوري “حوار القاهرة” المسئولية وقال: “إن حركة “فتح” حرصت على تأجيل الانتخابات انطلاقا من تمسكها بالاتفاق الصادر عن حوار القاهرة الذي اعتمد النظامي الانتخابي مناصفة..”. ولم يبين الناطق أسباب عدم تبني “الفتحاويون” في المجلس هذا الاتفاق. وتجاهل أنهم الذين عطلوا اقرار القانون الجديد، وانهم رفضوه رسميا، رغم معرفتهم ان المناصفة بين القوائم النسبية والمناطقية، اقتراح قدمه وفد “فتح” في القاهرة وكان على رأسه رئيس السلطة محمود عباس.
وبصرف النظر عن النوايا، أعتقد أن قيادة “فتح” “لجنة مركزية ومجلس ثوري” ارتكبت خطأ تكتيكيا فاحشا عندما قررت تأجيل الانتخابات، خصوصا ان قرارها تم دون تشاور مع الآخرين، وانها ترتكب خطأ استراتيجيا كبيرا وخطيرا، اذا ربطت موعد الانتخابات التشريعية بانعقاد المؤتمر السادس للحركة وترتيب اوضاعها الداخلية. او بتنفيذ شارون خطة “الانسحاب” من غزة. فمثل هذا الربط يلحق أضرار فاحشة بالمصالح الفلسطيسنية العليا، ويضع فكرة الانتخابات التشريعية في مهب الريح. ويسهل على اليمين الإسرائيلي هدفه في افشال الانتخابات التشريعية الفلسطينية، خصوصا بعد قرار قيادة “حماس” المشاركة فيها. وشارون واركانه لا يخفون قلقهم من مشاركة “حماس” في الانتخابات، ليس بسبب احتمال حصولها على نسبة مهمة من مقاعد المجلس التشريعي، بل وأيضا لانهم يعتبرون المشاركة خطوة أولى للظهور أمام الرأي العام العالمي في صورة جديدة تساعد في ازالة صفة “المنظمة الارهابية” عن حماس.
لا جدال في حق حركة “فتح” ترتيب أوضاعها الداخلية ومعالجة أزمتها المعقدة، التي تفاقمت وزادت تعقيدا بعد رحيل عرفات. ولا أحد، أيضا، ينكر عليها حقها في عقد مؤتمرها العام، وحقها في اتخاذ اية خطوات تنظيمية أخرى تراها ضرورية لاعادة تنظيم صفوفها على ابواب الانتخابات التشريعية. لكن السؤال الوطني المطروح على ابومازن وقيادة “فتح” هو: هل يمكن لقيادة “فتح” انجاز هذه المهام دون المس بالانتخابات التشريعية العامة وبالعلاقات الوطنية؟ وبصرحة أكثر، هل سويت الاشكالات التي حالت حتى الآن دون عقد الاجتماع الكامل للجنة المركزية ؟ وهل سيعقد الاجتماع المنشود في موعده في عمان أم يتكرر التأجيل؟ وهل سينجح الاجتماع، إذا عقد، في تذليل العقبات أم أنه قد يتحول الى مفجر للأزمة الداخلية المزمنة؟ واذا نجح اجتماع المركزية المرتقب في ترطيب الاجواء، فهل ستنجح “فتح” في عقد مؤتمرها السادس قبل نهاية العام مثلا، ام ان عقبات كثيرة وكبيرة تحول دون عقده، وازالتها من الطريق يحتاج زمنا أطول بكثير؟ وهل عقد المؤتمر يحافظ على وحدة “فتح”، ام ان انعقاده قد يكون سببا في تشرذم “فتح”، وتعطيل الانتخابات التشريعية ودخول النظام السياسي الفلسطيني في المجهول ؟
لا شك في أن مصارحة قيادة “فتح” وكوادرها مهمة وطنية لا تحتمل التأجيل. ولا مبالغة في القول ان “فتح” تحولت بعد اتفاق اوسلو وقيام السلطة، من حركة وطنية كان مقياس الانتماء إليها والانخراط في صفوفها، هو النضال من أجل الحرية والإستقلال، الى “حزب السلطة” ينتمي كثيرون اليه لتحقيق مآرب شخصية متنوعة. وغزت “فتح” ظواهر خطيرة مثل الفساد والصراع على السلطة، وتحملت وزر أخطاء وسلبيات اجهزة السلطة وتقصيرها. وتحولت في نظر أغلبية الفلسطينيين من حركة وطنية مكافحة ضد الاحتلال، الى سلطة عاجزة وظيفتها تنظيم العلاقة مع أجهزته الامنية والادارية. وفي آخر عشر سنوات من حياة عرفات، تحولت “فتح” من حركة تحرر لها نظام داخلي ينضبط الجميع لقوانينه، الى حركة “الزعيم” ينضبط الجميع لأوامره وقراراته الشخصية فقط. والكل يعرف ان “الناصرية” حزب “الزعيم” عبد الناصر، ظهرت بقوة على مسرح السياسية العربية في خمسينات وستينات القرن الماضي وتآكلت وتلاشت بعد رحيل ناصر.
وابو مازن يعرف اكثر من سواه ان أزمة فتح عويصة ومعقدة، وحلها لا يتوقف على رغبته الشخصية، ورغبة قيادة “فتح” فقط، بل إن هناك عوامل خارجية تؤثر في تحقيق هذا الهدف. وأظن ان الازمة بلغت ذروتها ولم يعد بمقدور ابو مازن معالجتها في اطار الحفاظ على وحدة “فتح”، حتى اذا نجح في تذليل العقبات الخارجية. ولا أتجنى على أحد إذا قلت ان عددا من أعضاء مركزية “فتح” ليسوا متحمسين لعقد المؤتمر الحركة السادس، بسبب قناعتهم بأنهم سيفقدون عضوية اللجنة المركزية، ولن يجدد انتخابهم لاسباب هم أدرى بها. والموقف ذاته ينطبق على معظم أعضاء كتلة فتح في المجلس التشريعي، وهم متهمون بتعطيل الانتخابات التشريعية خشية ان لا يعاد انتخابهم ويفقدون عضوية المجلس.
الى ذلك، يخطأ من يعتقد أن تأجيل الانتخابات التشريعية الى ما بعد “الانسحاب” من قطاع غزة، يحسن فرص “فتح” في الفوز بمقاعد اكثر في المجلس التشريعي. واعتقد ان سياسة التأجيل لا تغير في النتائج المتوقعة بل قد تزيد في الخسائر، وخير ل”فتح” فقدان بعض مقاعد مجلس التشريعي من تحمل وزر تعطيل الانتخابات وما ينجم عن ذلك من مضاعفاته الوطنية. وفي جميع الحلات لا خيار أمام ابومازن سوى حسم الموقف، ودرء تهمة التسبب في تعطيل الانتخابات. وممارسة صلاحياته الدستورية، وتحديد موعد نهائي للانتخابات والزام الجميع بالتوجه نحو صناديق الاقتراع قبل نهاية العام الجاري، والاحتفال في ذكرى انطلاقة فتح في 1/1/2006 بانتصار الديمقراطية، حتى اذا فقدت فتح الاغلبية المطلقة في المجلس التشريعي