ترتيب الوضع الأمني قبل وبعد تنفيذ خطة شارون

بقلم ممدوح نوفل في 28/12/2004

موقع الامن في الفكر السياسي الاسرائيلي:
اشغلت قضية أمن اسرائيل دوائر الامم المتحدة والدول الكبرى دائمة العضوية في مجلس الامن وكل دول العالم المعنية باستقرار اوضاع منطقة الشرق الاوسط اكثر من نصف قرن. وقبل قيامها عام 1948 اشغلت الحركة الصهيونية العالم، سنوات طويلة، بأمن يهود اوربا الذين اضطهدتهم النازية وإقامة دولة يهودية لهم في فلسطين. في حينه تلاقت تطلعات اليهود نحو الدولة مع مصالح دول اوروبا والولايات المتحدة الامريكية في استعمار المنطقة واستغلال ثوراتها. وحاولت بعض الدول الاوروبية التكفير عن اعمال النازية ضد اليهود في المانيا وبولندا. وتجاهل الطرفان مصالح وتطلعات شعوب العربية خاصة أمن واستقرار شعب فلسطين في دولة خاصة به على أرضه التي ورثها عن الآباء والأجداد. وارغم الفلسطينيون على دفع ثمن أمن يهود اوروبا وتطلعات الصهيونية العالمية، وكأن الفلسطينيين هم الذين اضطهدوا اليهود واوقدوا لهم المحارق.
وبعد قيام دولة اسرائيل عام 1948 واعتراف العالم بها وضعت القيادة الاسرائيلية مسألة الامن في قمة أولوياتها. وبلورت استرتيجية متكاملة لمفهوم أمن اسرائيل وسبل تحقيقه وحددت قواعدها الاساسية على النحو التالي:
ـ اعتبار الاراضي التي حصلت عليها اسرائيل عبر قرار الامم المتحدة رقم 181 وبالقوة عام 1948ـ 1949 لا توفر الامن الاستراتيجي لدولة اسرائيل، ولا تلبي الحقوق التاريخية لليهود في فلسطين. ورفضت ولا تزال تحديد حدودها مع جيرانها الفلسطينيين، وتعتبره مساسا بأمنها وعقيدتها.
ـ رفض الالتزام بتنفيذ كل قرار للامم المتحدة يمس بأمن دولة اسرائيل، وعدم توقيع اي اتفاقات ومعاهدات دولية او اقليمية يمكن ان تعرضة للخطر.
ـ الاعتماد في صيانة أمن دولة اسرائيل على القوى الذاتية اولا واخيرا، واعتبار العوامل الخارجية الاخرى فرعية مساعدة، وبناء المؤسسات الامنية والقدرات العسكرية الكفيلة بذلك.
ـ تكريس وتعزيز وجود اسرائيل وأمنها بنقل الممكن من يهود العالم اليها وتهجير الفلسطينيين وتدمير قراهم ومصادرة اراضيهم وممتلكاتهم. وشكلت الحكومة دائرة خاصة باملاك الغائبين وهي من اكثر الاماكن سرية في اسرائيل حتى الآن.
ـ رفض الاعتراف بوجود الشعب الفلسطيني وانكار حقوقه في فلسطين. وظلت ترفض التفاوض المباشر وغير المباشر مع اي جهة فلسطينية كممثلة له حتى عام 1991.
ـ رفض عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ارضهم وممكتلكاتهم في اسرائيل، واعتبار عودتهم خطرا استراتيجيا على أمن دولة اسرائيل وهويتها ووجودها. والعمل على حل مشكلتهم بالتفاوض مع الدولة العربية ومؤسسات الامم المتحدة في اطار توطينهم واستيعابهم في اي مكان في العالم باستثناء اسرائيل.
ـ الدخول في مفاوضات مباشرة مع الدول العربية كل على انفراد لحل الخلافات الثنائية، ورفض التفاوض مع وفد موحد يمثلها او يمثل مجموعة منها، والعمل على التوصل الى اتفاقات ثنائية ومعاهدات صلح مع كل طرف على انفراد، وبما يحقق أمن اسرائيل الكامل.
ـ اخضاع علاقاتها الدولية والاقليمية لصالح تعزيز أمنها وتحقيق اهدافها الاستراتيجية. وبناء التحالفات وعقد الاتفاقات على هذا الاساس.
الى ذلك ظلت استراتيجيتها ومفاهيمها الامنية، منذ عام 1948 وحتى الآن، موضع اجماع داخلي بين القوى الحزبية بمختلف تلاوينها السياسية والايدلوجية. وخلال نصف قرن طورت استراتيجيتها باتجاهات هجومية واكثر عدوانية. ولم تلغي اي من بنودها الاساسية، باستثناء اقرارها عام 1991 بوجود شعب فلسطين واعترافها بمنظمة التحرير ممثلا شرعيا ووحيدا له، وقبولها التفاوض معها مباشرة، وتوقيع اتفاق اوسلو 1993 وما تلاه من اتفاقات لاحقة. وكان للانتفاضة دورا مركزيا في وقوع هذا التغير الجوهري.
ومنذ قيامها وظفت اسرائيل امكانات مالية كبيرة في الحقل الامني، وكيفت بناء الاقتصاد والتعليم والثقافة ومؤسسات المجتمع المدني لخدمة استراتيجيتها الامنية واستثمرت الامكانات الاقتصادية والمالية والعسكرية والاستخبارية ليهود العالم ووظفتها في الحرب الباردة لصالح امن اسرائيل، وتحالفت مع حلف “الناتو” الذي انتصر فيها على المعسكر الآخر الاشتراكي حليف العرب. واستخدمت القيادة الاسرائيلية خلال نصف قرن الاساليب المبدئية وغير المبدئية، والوسائل المباحة والمحرمة دوليا واخلاقيا لتحقيق اهدافها واستراتيجيتها الامنية. واستثمرت جيدا رفض العرب والفلسطينيين قرار الامم المتحدة181 واستغلت خطابهم السياسي العاطفي بعد ثورة عبد الناصر عام 1952، ونجحت في اقناع العالم ان العرب “يريدون قذف اليهود في البحر”.
وأبقت قضية اضطهاد اليهود في اوروبا حية، وسنت قانون الجنسية وحق العودة، ونجحت بمساعدة خارجية في تجميع نسبة كبيرة من يهود العالم في فلسطين. وحصلت على مساعدات مالية وعسكرية وتكنولوجية اوروبية وامريكية ضخمة. قدم بعضها تكفيرا عن الذنوب التي ارتكبت بحق اليهود في اوروبا، وأخرى لتحقيق اهدافهما المشتركة.
ويسجل للقيادة الاسرائيلية انها أجادت صياغة روايتها التاريخية لجذور الصراع ومسبباته، واقنعت جمهورها واقسام واسعة من الراي العام الامريكي والاوروبي بروايتها فترة زمنية طويلة. وجعلت من أمن اسرائيل مسالة مصيرية واحاطته بهالة مقدسة، وحولته الى عقدة جماعية تحكمت ولا تزال في تحديد اتجاهات الراي العام الاسرائيلي. وزرعت الحقد والكراهية في عقول مواطنيها ضد العرب والفلسطينيين. وظلت تنظر لمن بقى من الفلسطينيين في ارضهم كثعبان يرقد في فراش اسرائيل، وتعاملت معهم فترة طويلة كأعداء، وفرضت عليهم احكام عرفية قاسية.
ورغم تخلي العرب، منذ سنين طويلة، عن الخيار العسكري، وتراجعهم عن أفكارهم الداعية الى تدمير دولة اسرايل، وتخلي الفلسطينيين عن تحرير كل فلسطين وعن الكفاح المسلح كخيار لحل الصراع، ودخولهم مفاوضات مباشرة معها، وعقدهم عدد من اتفاقات الصلح، وتبادل العلاقات الدبلوماسية والتجارية..الخ الا انهم ينجحوا في اقناع اسرائيل بالتخلي عن مفاهيمها الامنية القديمة، ولم يستطيعوا نزع ذريعة الامن من القيادة الاسرائيلية واستخدامها كمبرر للهروب من دفع استحقاقات السلام مع سوريا ولبنان والفلسطينيين.
إلى ذلك، حولت القيادة الاسرائيلية مسألة أمن اسرائيل الى ذريعة للعدوان والتوسع وتحقيق الاحلام التاريخية. وشنت خلال اربعة عقود اربع حروب كبيرة “1956، 1967، 1973، 1982، وسلسة طويلة من الاعتدات ضد الدول العربية وضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وبعد حرب حزيران 1967 زادت اطماعها التوسعية وقررت ضم القدس والجولان ووضعت خططا لفرض ضم الضفة وقطاع غزة كواقع، واعتمدت الاستيطان وسيلة عملية لتحقيق ذلك.
الامن والسيادة في المفاوضات والاتفاقات
لاحقا احتلت مسألة أمن اسرائيل حيزا كبيرا في مفاوضات مدريد 1991 واتفاق اوسلو 1993، وساهمت بقوة في في تعطيل تقدم المفاوضات في اكثر من محطة. والتدقيق في الشق الامني من اتفاق اوسلو1 واسلو 2 يؤكد نجاح الجانب الاسرائيلي في ابتزاز الجانب الفلسطيني وفرض شروطا امنية قاسية مست بالسيادة الفلسطينية على الارض والصلاحيات التي منحت لها، طيلة فترة المرحلة الانتقالية. وبينت المفاوضات والاتفاقات ان اعتراف اسرائيل بالمنظمة لا يعني الاقرار بالحقوق الفلسطينية كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية. وتجدر الاشارة الى ان فكرة تقسيم اراضي الضفة والقطاع الىA B C مناطق منطلقها امني وهي من ابتكار هيئة الاركان عندما كان باراك رئيسا لها. وكان هدفها المساومة واختبار الدور الامني الفلسطيني وقدرة السلطة على القيام بمهامها الامنية وفقا للمفهوم الاسرائيلي. والتدرج في تسليمها الصلاحيات المحددة وابتزازها وفقا لنتائج الاختبار الامني.
ومراجعة مسيرة تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الطرفين تبين ان رأي الاجهزة الامنية كان حاسما في كل اتفاق وتؤكد : ان نجاح السلطة الفلسطينية في تنفيذ التزاماتها الامنية في المناطق التي سلمت لها شجع اسرائيل العمالية والليكودية على تسليم ما تم تسليمه لها من الاراضي والصلاحيات المتنوعة.
واستخدمت حكومات اسرائيل الامن ووقوع عمليات عسكرية ضدها وضد مواطنيها ذريعة غطت بها مماطلتها وتلاعبها بالجداول الزمنية لتنفيذ الاتفاقات.
وتم تأخير تنفيذ قضايا جوهرية في الاتفاقات مثل الانسحاب الثالث من الاراضي ماعدا المستوطنات والمواقع العسكرية، وتنظيم عودة النازحين حسب اتفاق اوسلو تم لاسباب جوهرها أمني، ولمساومة القيادة الفلسطينية حول قضايا الحل النهائي.
وساهمت الخلافات الفلسطينية الاسرائيلية حول المسائل الامنية في مرحلة ما في مشاركة المخابرات المركزية الامريكية ” C I A” مشاركة مباشرة في الاجتماعات الامنية الفلسطينية الاسرائيلية الرسمية. الى ذلك اعتبر منظرو الامن الاسترتيجي الاسرائيلي اعطاء الامريكان دورا مباشرا في المسائل الامنية خطأ تم التراجع عنه في عهد حكومة بارك. خاصة وان مواقف ال ” C I A ” لم تكن في صالح اسرائيل، وكثيرا ما أحرجتها.
الى ذلك، احتلت مسألة الامن في كل المفاوضات العربية الاسرائيلية التي تمت بدء من اتفاقات رودس عام 1949وحتى آخر جلسة او لقاء اسرائيلي سوري رسمي او غير رسمي موقعا مركزيا وظل امن اسرائيل حاضرا بقوة وأثر في سير المحادثات والمفاوضات، ولا تزال تعطل استئناف المفاوضات مع سوريا.
و تؤكد مراجعة الاتفاقات العربية الاسرائيلية المؤقتة القديمة والحديثة الدائمة مع مصر والاردن ان اسرائيل حققت مطالبها الامنية، وفرضت نصوصا تمس نسبة ما من سيادة الدولتين المتعلقة بحجم وحرية حركة قواتها العسكرية، وبطبيعة الاتفاقات والمعاهدات الامنية التي توقعها مع الآخرين، وحدت من قدرتها على التصرف بحرية باراضيها الحدودية. وقبلت اسرائيل اسناد بعض مهام المراقبة والتفتيش على جبهة سيناء لطرف ثالث الامر الذي رفضت تكراره على الجبهة الاردنية وترفضه مع الفلسطينيين.
ومقابل كل اتفاقية سلام وقعتها مع العرب او الفلسطينيين حصلت اسرائيل من امريكا واوروبا على مساعدات متنوعة ضخمة واحتلت المساعدات العسكرية والاتفاقات الامنية موقعا بارزا في قائمة طلباتها التي تم تلبيتها.
ورغم اعتداءات اسرائيل الصارخة ضدهم فشل العرب والفلسطينيين في اقناع العالم ان امنهم مهدد. ولم ينجحوا في نزع ذريعة الامن من يد القيادة الاسرائيلية وساهم دخان الحرب الباردة بين القوتين الاعظم بتمويه مواقف اسرائيل التوسعية في الاراضي العربية.
مفهوم الامن الاسرائيلي مبالغ فيه
وبصرف النظرعن المواقف العربية والاسرائيلية السابقة، وعن نتائج ثمان سنوات من المفاوضات مع الفلسطينيين، فإنتهاء الفترة الانتقالية التي أسسها اتفاق اوسلو في 4 أيار الماضي 1999، وانتهاء مرحلة الحكم الذاتي الانتقالي وبدء مفاوضات الحل النهائي، وضع الفلسطينيين والاسرائيليين وجها لوجه أمام مسائل صراعية كبرى قديمة وجديدة، لها أبعاد تاريخية تتعلق بالسيادة الفلسطينية من جهة وبامن اسرائيل الاستراتيجي من الجهة الاخرى. فالطرفان إقتربا من موضوع الدولة الفلسطينية وقضايا الحل النهائي القدس، اللاجئون، الحدود، الاستيطان، المياه، مستقبل العلاقة الثنائية ومع الجوار. وكلها مسائل حساسة وسريعة الاشتعال، ويعتبرها الطرفان قضايا مصيرية.
واي تكن اهداف قادة اسرائيل من المبالغة في الحديث عن مسالة الامن، فالحوار مع مؤسسات المجتمع المدني الاسرائيلي تبين أنها عقدة تاريخية حقيقية يعيشها الاسرائيليون، اشكناز وسفارديم، مؤيدون ومعارضون للسلام. نشأت مع المجازر والمحارق التي ارتكبها النازيون في الثلاثينات والاربعينات بحق اليهود الاوروبين، أضيف لها كوابيس اربع عقود من الخوف من العرب الذين يسعون لتدمير دولة اسرائيل وذبح اليهود ورميهم في البحر. الى ذلك ظل احتلال اسرائيل للارض الفلسطينية وقهر شعبها وتشريده عام 1948 و1967 ورفضها الاقرار بحقوقهم الوطنية عقدة تاريخية عاشها الفلسطينيون جيلا بعد جيل.
ورغم تفوق اسرائيل عسكريا على العرب مجتمعين وامتلاكها أسلحة نووية، وادراك الاسرائيليين أن الدولة الفلسطينية سوف تكون ضعيفة عسكريا ومرتبطة إقتصاديا لسنوات طويلة بإسرائيل، فالقوى الاسرائيلية، بيسارها ويمينها حاكمة ومعارضة، موحدة حول مفهوم الامن بابعاده الاستراتيجية، وجميعها تعبر سرا وجهارا عن اربع مخاوف أمنية رئيسية: الأول، خطر وقوع هجوم مباغت تشنه الجيوش العربية يوما ما ضد اسرائيل، تكون أراضي الضفة الغربية وقوات السلطة الفلسطينية رأس حربتة. والثاني، تحول الدولة الفلسطينية يوما ما الى دولة معادية لاسرائيل تسعى لتحقيق طموحات الفلسطينيين في ارض فلسطين التاريخية وإعادة اللاجئين والنازحين الى بيوتهم. وتستعين بالفلسطينيين في اسرائيل لتحقيق هذه الاهداف. والثالث ان تعقد يوما تحالفات واتفاقات مع قوى اقليمية معادية لها. والرابع، ان يواصل المتطرفون الفلسطينيون، تنفيذ عمليات إرهابية عبر اراضي الدولة الفلسطينية.
وتؤكد مسيرة عملية السلام والاتفاقات التي تم التوصل اليها ان هذه المخاوف تحكمت بالموقف الاسرائيلي في عهد حزب العمل كما الليكود. والمؤكد انها في عهد باراك “جندي الامن الاول” ستتحكم في المفاوضات اللاحقة مع الفلسطينيين والسورين واللبنانيين. وستسعى حكومة باراك في المفاوضات، كتدبير وقائي، الى فرض قيود عسكرية على الكيان الفلسطيني وترتيبات أمنية، يتم صياغتها في إتفاقات مشهود عليها دوليا تنتقص من السيادة الفلسطينية.
وعلى المفاوض الفلسطيني ان يتوقع، في مفاوضات الحل النهائي، اسقاط المفاوض الاسرائيلي كل ما له علاقة بالسيادة والأمن الفلسطينيين. حتى لو اعلن عن قيام دولة فلسطينية مستقلة واعترفت اسرائيل فيها. وستكون لاءات باراك الشهيرة التي التزم بها في الانتخابات مرشد له وسيصر المفاوض الاسرائيلي على: 1) ضمان تجريد الضفة الغربية وقطاع غزة من السلاح الثقيل، وضمان عدم قيام الدولة الفلسطينية بتصنيعه. وعدم التزود بالدبابات وبالمدافع المضادة لها، وبالطائرات والأسلحة المضادة لها. وأن لا تمتلك قوى جوى او بحرية قوية مسلحة باسلحة ثقيلة حديثة. وسيصرعلى بقاء المجال الجوي الفلسطيني تحت السيطرة الأسرائيلية المطلقة. وبقاء المياه الإقليمية الفلسطينية تحت راقبتهاالامنية الدائمة.
2) ضمان سيطرة الاجهزة الامنية الفلسطينية على الأمن داخل حدود “الدولة الفلسطينية”. ومنع تحول أراضيها الى قواعد إنطلاق لعمليات عسكرية صغيرة او كبيرة ضد إسرائيل، وضد الاسرائيليين وضمنهم المستوطنين. ومنع التحريض ضدها او القيام بأعمال عنف ضد وجودها المدني والعسكري في الضفة وقطاع غزة. وضمان التنسيق الأمني الثنائي المشترك وتطويره حسب الحاجة ووفق تطور الوضع ميدانيا. وابقاء الامن الفلسطيني خاضعا للتجربة والاختبار فترة طويلة. والشق الأمني من اتفاق “واي ريفر” نموذج مصغر لما ستسعى اسرائيل فرضه على “الدولة الفلسطينية”. 3) تعهد “الدولة الفلسطينية” بعدم الدخول في أحلاف واتفاقات ومعاهدات امنية وعسكرية مع اي طرف آخر بصرف النظر عن طبيعة علاقته باسرائيل. 4) إجراء تعديلات جوهرية على حدود عام 1967. وحدود دولة اسرائيل الامنية في نظر باراك والليكود هي نهر الاردن. وتمتد الى حيث تتواجد المستوطنات، وخزانات المياه الجوفية التي يرغب ضمها لاسرائيل. وبرامج احزاب اليسار الإسرائيلي تؤكد مشاركتها باراك بصيغة وأخرى موقفه الداعي الى اجراء تعديلا واسعة على حدود الضفة الغربية. واكثر اوساطها اعتدالا يعتقد ان استقطاع نسبة 8 ـ 12% من أراضي الضفة الغربية أمر ضروري للأغراض الأمنية الحيوية، ولابقاء بعض التجمعات الاستيطانية تحت السيادة الإسرائيلية. صحيح أن بعضهم تحدث عن مبادلة الأراضي المنوي ضمها بمساحات مماثلة من اراضي النقب المجاورة لقطاع غزة، إلا أن أصحاب هذه الأطروحات لم يوضحوا أفكارهم وأبقوها في إطار جس النبض وإستطلاع ردود الفعل الفلسطينية. 5) نشر الجيش الاسرائيلي على طول الحدود مع الاردن ومصر. وبقاء المعابر الدولية الى الضفة والقطاع تحت السيطرة الامنية الاسرائيلية بما في ذلك الإشراف على الموانئ والمطارات والممر بين الضفة وغزة لضمان الامن. والتحكم بنوعية الحركة ومنع تدفق اللاجئين والنازحين الى أراضي الدولة الفلسطينية، وحرمان الدولة الفلسطينية من اي تماس مباشر مع الدول العربية المجاورة. 6) الاحتفاظ بعدد من القواعد العسكرية القوية على طول الحدود. واقامة محطات الإنذار المبكر في مرتفعات الضفة الغربية وعلى سواحل قطاع غزة وحدوده مع مصر، وحيث تراها ضروريا لأغراض الأمن الأستراتيجي والأعمال الإستخبارية. وضمان حرية وسلامة حركة الجيش الإسرائيلي الى هذه القواعد، وتعاون الفلسطينيين في حمايتها من الإعتداءات المحلية. 7) ضمان عدم بناء الأجهزة الأمنية الفلسطينية تحصنات عسكرية قوية من نوع زرع الألغام وحفر الخنادق على الحدود وإقامة السواتر والدشم القتالية..الخ.
ورغم اهتزاز شباك مفهوم الامن الاسرائيلي خلال خمسين عاما من الصراع اكثر من مرة، ومجريات الصراع اكدت في أكثر من محطة بارزة، ان التفوق العسكري وإحتلال أراضي الغير بالقوة لم ولا يوفران الامن الاستراتيجي لاسرائيل، الا ان مخاوفها الامنية المقرونة بالمطامع التوسعية، وبالشعور بالتفوق العسكري والاقتصادي، تنسيها كل الدروس المستخلصة من التجربة بما في ذلك تلك التي إستخلصها خبراؤها الامنيون من الانتفاضة، ومن حرب اكتوبر 1973. ويخطئ من يعتقد ان مواقف قوى اليمين واليساري مطروحة للإستهلاك المحلي، أو من باب رفع سقف الموقف الإسرائيلي في المفاوضات الجارية.
الى ذلك لا خلاف فلسطيني على ان المطالب والشروط الامنية الاسرائيلية تبقى مساحات واسعة من الاراضي الفلسطينية تحت الاحتلال، وتفقد اي كيان فلسطيني معظم مقومات السيادة والاستقلال حتى لو سمي دولة مستقلة واعترف العالم بها. واذا كان بقايا الفكر الصهيوني العنصري التوسعي يعطل الوصول خلال عام الى حل يوفق بين الامن الاسرائيلي والسيادة الفلسطينية، ولا افق لحل امريكي او دولي يفرض على اسرائيل، فلا خيار امام الفلسطينيين في هذه المرحلة سوى الصمود في المفاوضات ورفض المفاهيم الامنية الاسرائيلية التوسعية التي تقوض السيادة الفلسطينية وتبقي النار متاججة تحت الرماد. والاصرار على زوال الاحتلال ومرتكزاته باعتبارها اعتداء صارخ وبالجرم المشهود على امن الشعب الفلسطيني وكل ما هو فوق ارضه وفي باطناها. والتمسك بقرارات الامم المتحدة الدولية التي تدعو الى إنسحاب إسرائيل من كل اراضي الضفة الغربية والقدس وغزة والعودة الى حدود عام 1967. ورفض المساومة على مقايضة الاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية منقوصة السيادة بحقوق اللاجئين او اي حقوق اخرى اكدتها الشرعية الدولية. والعمل على تكريس سيادتهم على ارضهم بكل السبل المتاحة وحيث امكن. ومواصلة العمل لاقناع الجمهور الاسرائيلي باستحالة الجمع على سطح واحد بين مفهوم امن اسرائيل القائم على الهيمنة والتوسع، وسعي الفلسطينيين للعيش بامان وتجريد سلطتهم من مقومات السيادة.
واذا كانت القيادة الاسرائيلية لا تثق بدور بقوى الامن الفلسطينية في حماية الحدود بين الدولتين، وتخشى تولي اجهزة الامن الفلسطينية مهام امن المعابر والحدود معها ومع مصر والاردن، فالاستعانة لفترة زمنية يتفق عليها بقوات دولية او امريكية او متعددة الجنسيات يسهل حل التناقض القائم بين مفهوم الامن الاسرائيلي وطموح الفلسطينيين في التخلص من الاحتلال وبناء دولة ذات سيادة يعيشون فيها بامان ويطورون حياتهم وثقافتهم.
هل يمكن التوفيق بين متطلبات امن اسرائيل والسيادة الفلسطينية ؟
حتما سيصطدم المفاوض الفلسطيني في كل لجان التفاوض مع الجانب الاسرائيلي حول قضايا الحل النهائي. وحالت هذه القضايا في مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 ومحادثات طابا 2001 دون توصل الطرفين الى مبادئ عامة لحل قضايا القدس والاستيطان واللاجئين. ويتعامل الاسرائيليون مع هذه القضايا باعتبارها مسائل امنية استراتيجية لا يمكن التنازل فيها باعتبارها تمس امن ووجود دولة اسرائيل:
فالقدس، في نظر معظم الأحزاب والقوى الاسرائيلية يجب ان تبقى عاصمة اسرائيل الموحدة الى الابد. وترفض التجاوب مع تطلعات الفلسطينيين بأن تبقى مدينة وعاصمة للدولتين مفتوحة امام الجميع. واذا كانت تطلعات الفلسطينيين نحو تحقيق حقوقهم في القدس المحتلة عام 1967، كما اقرتها قرارات الشرعية الدولية 452و485، تمس من وجهة النظر الاسرائيلية بأمن القومي لدولة اسرائيل وبسيادتها على عاصمتها، فليس عاقلاً من يتصور أن الشعب الفلسطيني وقيادته وكل أحزابة وهيئات م.ت.ف مستعدة أو بامكانها منفردة أو مجتمعة وفقا القبول برؤية المتطرفين الاسرائيليين او ما طرح في المفاوضات في عهد باراكم ووزير خارجيته بن عامي، والتنازل عن الحقوق الفلسطينية في هذه المدينة المقدسة، والقبول بصنع قدس جديدة في”ضاحية ابوديس”. فلا قيمة لدولة فلسطينية اذا لم تكن عاصمتها القدس المحتلة وقلبها المدينة القديمة والمسجد الأقصى، ولا معنى للسيادة الفلسطينية اذا لم تشمل احياء القدس العربية، وبدون ذلك يبقى الامن القومي الفلسطيني منتهكا. الى ذلك تبقى الافكار والاقتراحات التي جري تداولها بشان توسيع المدينة وتقسيم خدماتها المدنية بين بلدتين شرقية وغربية يجمعهما مجلس بلدي موحد لا تلبي تطلعات الفلسطينيين السياسية والروحية في القدس ولا تحل مشكلتها المعقدة.
ودون خشية التعرض لتهمة التسرع، وسوء التقدير يمكن القول بثقة ان لا أفق لأي تبدل نوعي مواقف الطرفين من القدس طالما ظل اليمين الاسرائيلي ممسكا بزمام الحكم، ولن يكون سهلا على الراعي الأمريكي تقديم مقترحات يقبلها الطرفان. واذا كان لا لزوم للاسترسال في الحديث عن تاريخ المنطقة وارتباطه بتاريخ مدينة القدس، فالمؤكد ان لا امن ولا استقرار في المنطقة اذا لم تستقر اوضاعها. والتاريخ يشير الى ان إضطراب وضع هذه المدينة المقدسة أدى دوماً الى إضطراب محيطها العربي والاسلامي. وكل من يراجع تاريخ البحث عن السلام العربي ـ الاسرائيلي خلال نصف قرن يكتشف عدد المحاولات التي تعطل فيها البحث بسبب قضية القدس. فمستقبل القدس كاد ينسف مفاوضات واتفاقات كامب ديفيد. ومباحثات الحكم الذاتي بين مصر واسرائيل عام 78-81 تعطلت وكانت القدس سبباً رئيسياً في التعطيل. والأمر سوي مؤقتاً بين الطرفين عبر رسائل أرفقت بالاتفاقات وأودعت عند الادارة الأمريكية، حيث كتب السادات في حينه رسالة للشريك الأمريكي قال فيها “إن مصر تعتبر القدس العربية جزء من أراضي الضفة الغربية المحتلة وأن ما ينطبق على الضفة الغربية ينطبق عليها”. ورد بيغن في رسالة قال فيها ” قرار الكنيست الاسرائيلي بتاريخ 28 حزيران 67 نص على أن القدس عاصمة دولة اسرائيل وأنها مدينة موحدة وغير قابلة للتقسيم”. ورد كارتر وقال “موقف الولايات المتحدة الأمريكية من مدينة القدس باق على ما هو ولا يعترف بضمها لإسرائيل”.
وبشأن اللاجئين: لا خلاف بين اطراف الصراع والقوى الراعية والمساندة لعملية السلام على ان قضية اللاجئين الذين طردوا من ديارهم عام 47-48 هي جوهر ولب ما اصطلح على تسميته دوليا بالقضية الفلسطينية. والتمعن في مصالح الطرفين ومواقفهما من حلها نجدها متباينة ومتناقضة. فحكومة باراك وكل الأحزاب الإسرائيلية اليمينية واليسارية ترفض بالمطلق حقهم في العودة الى ارضهم وممتلكاتهم وتعتبرعودتهم انتحار محتم وتغيير لهوية اسرائيل. وترفض عودتهم الى الضفة والقطاع وتعتبرها خطر على امن اسرائيل. وتعتبر تعويضهم عن أراضيهم وممتلكاتهم التي سلبت منهم قضية دولية، وتربط تعويضهم بتعويض المهاجرين اليهود من الدول العربية.
الى ذلك يتمسك اللاجئون بقرارات الشرعية الدولية التي تنمحهم حق العودة والتعويض. ولا تستطيع أية قيادة فلسطينية إلزام اللاجئين بحلول لا ترضيهم، خاصة وان قضيتهم تنبثق من حقوق فردية يصعب تقريرها بمعزل عن موافقتهم، وبدون حلول مقنعة تلبي مطالبهم وتعيد لهم بعض حقوقهم. خاصة وأنهم مبعثرين في دول عربية متعددة، ولا يخضعون لسلطة السلطة الفلسطينية. ويمكن الجزم سلفا ان لا أفق لأي إتفاق حول موضوع اللاجئين قبل ايلول 2000، وان التفاوض حول قضيتهم سيستغرق سنين طويلة، خاصة وانه من غير المرئي توفر قدرة لدى اي من الطرفين على تغيير موقفه، او اقناع اللاجئين بتغيير مواقفهم. وبديهي القول ان لا حل للصراع ولا امن لاسرائيل ولا استقرار دائم في المنطقة، اذا لم تحل قضيتهم. والتجربة اكدت ان معالجة قضيتهم بالمسكنات ابقت النار نصف قرن متقدة تحت الرماد. ومحاولة فرض حلول غير عادلة وغير مقنعة يخلق شرخا عميقا في صفوف الشعب والمنظمة ويخلق ظروفا مواتية لانبعاث “حزب العودة ” ولو بعد زمن طويل.
أما بشأن الاستيطان بشرا ومنشئات زراعية وصناعية، فالفلسطينيون يتمسكون بقرارات الامم المتحدة الكثيرة التي تعتبره غير شرعي ويجب زواله مع زوال الاحتلال، باعتباره من صناعته واحد أدواته ومرتكزاته التي تحول مناطق الضفة الغربية الى تجمعات سكانية معزولة عن بعضها البعض، وتقضي على وحدة الأرض وتقطع أوصال الدولة الفلسطينية المنشودة وتقوض سيادتها.
والتدقيق بمواقف القوى الإسرائيلية من الإستيطان يؤكد أن التباين بينها لا يمس مبدأ وجوده، ويتمحور حول عدد المستوطنات ومواقع إنتشارها. فحزب العمل في عهد باراك اعتبر بعضها ضرورة أمنية لا غنى عنها، وضرورية لتوسيع حدود دولة اسرائيل وللدفاع عن امن اسرائيل العام، وللسيطرة على خزانات المياه الجوفية في الضفة الغربية. وطالب بتجميعها في ثلاث نقاط استيطانية كبيرة تحتل مساحة واسعة من اراضي الضفة الغربية والقطاع ويصر على ضمها الى اسرائيل ويرفض اخضاعها للسيادة الفلسطينية.
الى ذلك تراجعت حكومة باراك العمالية عن تصنيف رابين للاستيطان بين استيطاني امني حيوي لامن اسرائيل وآخر سياسي يمكن الاستغناء عنه. وقراراتها الاخيرة التي اضفت صفة قانونية على اكثر من 30 بؤرة استيطانية جديدة مؤشرعلى توجهات تزيل عمليا الفروق بين العمل وقوى اليمين التي تولي الاستيطان نفس الاهمية الامنية، وتنظر له باعتباره تكريس للوجود الابدي في الارض التي منحها الرب لبني إسرائيل للابد.
وتدرك القيادة الفلسطينية ان بقاء الاستيطان يجرد الدولة الفلسطينية من سيادتها على اجزاء واسعة من اراضيها. واقتراح بعض رموز اليسار الاسرائيلي تجميع المستوطنين في عدد محدود من الكتل الاستيطانية لا يغير في الامر شيء. صحيح ان الادارة الامريكية ظلت رسميا تعتبر الاستيطان غير شرعي، لكنها تراجعت في اكثر من محطة عن موقفها ولم تطرح تصورا عمليا لحل المشكلة وما جاء في رسالة التطميبنات التي قدمها الرئيس بوش لرئيس الحكومة الاسرائيلية شارون في حزيران الماضي بعد ان قدم له خطة الانفصال عن الفلسطينيين والانسحاب من غزة. ولا شك في ان نموذج يميت في سيناء، والاتفاق السوري الاسرائيلي القادم حول مصير الاستيطان في الجولان تمثل نماذج يمكن للمفاوض الفلسطيني الاسترشاد بها. وإذا كان الاستيطان قد عقد مفاوضات المرحلة الانتقالية، ووتر العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية في اكثر من محطة، فلا شك بانه عقبة كبيرة وحجر عثرة في طريق تقدمها نحو الحل النهائي. ولن يستطيع الطرفان التوصل الى إتفاق مبادئ لحل نهائي حول الاستيطان ومستقبله في عهد شارون، وطالما بقي قادة حزب العمل يعتبروه ضرورة لأمن اسرائيل وتوسيع حدودها، ويرفضون اخضاع المستوطنيين للسيادة الفلسطينية او ترحيلهم الى داخل اسرائيل.
بعد عرض مواقف الطرفين من قضايا الحل النهائي يبرز على سطح اي مفاوضات حول الحل النهائي سؤال جوهري؛ هل يمكن التوفيق بين متطلبات امن اسرائيل والسيادة الفلسطينية؟ في سياق البحث عن جواب واقعي يمكن تثبيت:
اولا/ اكدت وقائع الحياة ان الاتفاقات العربية الاسرائيلية احدثت ثغرات واسعة في جدار الامن الاسرائيلي،وغيرت جزئيا مزاج الشارع الاسرائيلي تجاه الامن والعلاقة مع العرب والفلسطينيين، لكنها لم ترقى لمستوى تحرير مفهوم الامن من تأثيرات الايدلوجيا الغيبية، ولم ترقى لمستوى التاثير في القرار السياسي الامني الرسمي. ولم تقتنع القيادة الاسرائيلية ان صنع السلام مع العرب يفرض تجريد الامن القومي من الايدلوجيا والتوسع والهيمنة.
ثانيا/ اطروحة شارون بشأن اقامة دولة فلسطينية على اراضي غزة وجميع اراضي الضفة الغربية الواقعة خارج الجدار الذي بناه تمثل الحد الادنى الذي سيطرح على طاولة المفاوضات. وتشير الى تصميمه على مرحلة الحل النهائي وتجزءته. اي تمديد المرحلة الانتقالية وتوحويلها الى مرحلة طويلة 10- 15 سنة كما قال، والهروب من الدخول في بحث جدي لحل التناقض بين الامن الاسرائيلي والسيادة الفلسطينية. مقابل اقامة “دولة فلسطينية” انتقالية مجردة من مقومات السيادة.
ثالثا/ التسليم الاسرائيلي بمبدأ قيام “دولة فلسطينية” مجردة من مقومات السيادة يفسح المجال لتدخل امريكي ودولي اوسع لحل التناقض، ويعزز تمسك الفلسطينيين بدولة مستقلة ذات سيادة. ويفرض على الفكر الفلسطيني ان يكون خلاقا ويقدم مقترحات تزود مواقفه المبدئية بروح عملية، تقنع اوسع قطاع من الشعب الاسرائيلي ان الامن الاسرائيلي يمكن تأمينه باتفاقات ملزمة بين دولة فلسطينية ذات سيادة وحكومة اسرائيل. ويمكن للدولة الفلسطينية ابداء استعدادها لتوقيع كل صنوف الاتفاقات التي لا تمس بسيادتها على الارض والحدود.
رابعا/ التدقيق في مصالح الفلسطينيين والاسرائيليين ومواقفهما يشير الى ان ليس بامكانهما وحدهما حل هذا التناقض ولا بد من تدخل طرف ثالث. واعتقد ان طرح الادارة الامريكية او مجلس الامن صفقة متكاملة يمكنها تقريب مواقف الطرفين، وتقصير طريق الآلام الذي يسير فيه الفلسطينيون والاسرائيليون، خاصة اذا تضمنت انسحاب اسرائيل من الاراضي التي احتلت عام 1967 وقيام دولة فلسطينية، مقابل ضمان امن اسرائيل واعتراف عربي بها.
خامسا/ بصرف النظر عن موقف حكومة شارون فالامن الفلسطيني كان ولا يزال جزء لا يتجزء من الامن القومي العربي الشامل. وبحكم التماس في الحدود يتشابك عمليا مع الامن القومي المصري والاردني والسوري، وليس في صالح الفلسطينيين التوصل الى اتفاقات فلسطينية اسرائيلية حول الحدود والامن دون تفاهم مسبق مع هذه الدول والشيء ذاته ينطبق على حل مشكلة النازحين والحقوق العربية في المياه.
الى ذلك كله ليس من شك ان موازين القوى عامل حاسم في حل هذا النوع من التناقض. ولا يمكن الحديث عن سيادة فلسطينية كاملة طالما ان ميزان القوى محليا واقليميا ودوليا مختل لصالح لاسرائيل. وطالما ان اسرائيل ترفض تكييف مفاهيمها ومتطلباتها الامنية للقوانين والاعراف الدولية. وتتصرف بأريحية مع قرارات الشرعية الدولية، تطبق ما تريد وترفض ما تريد ولا تجد من يردعها. والواضح ان اصرار القيادة الاسرائيلية على مفاهيمها الامنية سيطيل أمد الصراع في المنطقة ويجعل طريق تطور”الكيان الفلسطيني” إلى دولة مستقلة ذات سيادة طريقا شاقا ومؤلما. والامن في هذا الصراع ورقة قوية بيد الفلسطينيين اذا اجادوا استخدامها. وفي كل الظروف والاحوال يجب ادراج مهمة الدفاع عن امن الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج وعن ارضه في قمة اولويات السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية في هذه المرحلة الحاسمة من الصراع.