تطور الموقف الفلسطيني من حل قضية اللاجئين 1964-2004

بقلم ممدوح نوفل في 24/09/2004

الصيغة النهائية
تطور الموقف الفلسطيني من حقوق اللاجئين
1964ـ2004
محتويات البحث
تمهيد
اولا تطور الموقف الفلسطيني من حل مسألة اللاجئين1964ـ2004
ـ تشكيل م ت ف وانطلاق الثورة فجر طاقات اللاجئين وعزز مكانتهم.
ـ هزيمة حزيران 1967 بددت أمل اللاجئين وخلقت مشكلة النازحين.
ـ معارك أيلول 1970 في الأردن عمقت يأس اللاجئين.
ـ تراجع التفكير في قضايا اللاجئين بعد غرق الثورة في المستنقع اللبناني.
ـ حرب اكتوبر 1973 افرزت توجهات واقعية وأجلت البحث في حل مشكلة اللاجئين.
ـ هزيمة م ت ف في لبنان عام 1982 عقد حل قضية اللاجئين.
ـ الانتفاضة الأولى أحيت الحلم بالدولة وأنعشت آمال اللاجئين.
ـ اعلان الاستقلال ومبادرة السلام خفضتا سقف حل القضية اللاجئين.
ـ الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يعالج قضية النازحين واللاجئين.
ـ مؤتمر السلام في مدريد ومفاوضات واشنطون جمدت قضية اللاجئين.
ـ اتفاق اوسلو والاعتراف المتبادل تضمن تنازل عن حقوق تاريخية.
ـ تعديل الميثاق الوطني عام 1996 غير في دور م ت ف اتجاه حقوق اللاجئين.
ـ حقوق اللاجئين محور رئيسي في الاشتباكات التفاوضية في كامب ديفيد.
ـ الانتفاضة الثانية تعقد عملية السلام وتؤخر بحث قضية اللاجئين.
ـ محادثات طابا، ومبادرة كلينتون قدمتا اسس تصلح لحل قضية اللاجئين.
ثانيا: تطور الموقف الرسمي العربي من قضية اللاجئين 1964ـ2004.
ـ قرارات مؤتمرات القمة العربية بشأن اللاجئين.
ـ موقف مجلس الجامعة العربية.
ـ مواقف مميزة للدول العربية.

تمهيد
رصد وتوثيق المواقف الفلسطينية والعربية والدولية من قضية اللاجئين الفلسطينيين، في دراسة مختزلة، مهمة صعبة. فهي قضية معقدة متعددة الوجه والابعاد، عمرها أكثر من نصف قرن، وتعرّف في القاموس السياسي بانها جوهر الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي. صدر بشانها مواقف وقرارات دولية واقليمية كثيرة جدا. وأشغلت سنوات طويلة جميع المؤسسات السياسية الفلسطينية والعربية والاقليمية الدولية بدءا من هيئة الامم المتحدة ومؤسساتها ذات الصلة، مرورا بالمؤتمر الاسلامي ودول عدم الانحياز، وانتهاء بالجامعة العربية ومؤتمرات القمة. وانشغل بها أيضا حكومات دول كثيرة بعضها بدوافع انسانية وأخرى رحل اليها للاجئون بحثا عن لقمة العيش وعن حياة افضل من حياة المخيم.
ورغم الموقع الهام الذي احتلته قضية اللاجئين في اجندة السياسة الدولية، الا ان ناسها ظلوا دون احصاء دقيق، لا الأمم المتحدة قامت بالمهمة ولا منظمة التحرير الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني والجامعة العربية حاولت. وتقدر وكالة الغوث اللاجئين الفلسطينيين عدد اللاجئين بـحدود ؟؟؟ملايين اما مؤسسات م ت ف المعنية فتقدر عددهم بـ ؟؟؟؟؟يعيشون في : أ) دول عربية تستضيفهم في مخيمات خاصة منذ هجرتهم عام 1947ـ 1948،الاردن، سوريا، لبنان، العراق. ب) دول عربية يقيمون في مدنها وقراها اسوة بالمواطنين العاديين. ج) مدن ومخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة. د) مدن اوروبية وامريكية وامريكيا الجنوبية وفي دول القارات الأخرى. د) وهناك لاجئون فلسطينيون في بلدهم مدن وقرى داخل اسرائيل.
وهذا البحث يتناول قضايا مرتبطة بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين مستثنى منهم حملة الجنسية الاسرائيلية. ويركز على: أولا/ تطور الموقف الفلسطيني من حل قضية اللاجئين من عام 1964ـ 2004، وبخاصة مواقف وقرارات قوى النظام السياسي الفلسطيني: منظمة التحرير والسلطة الوطنية ومؤسساتهما التشريعية والتنفيذية، مواقف القوى والاحزاب الوطنية والاسلامية، الموقف في الاتفاقات والمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية: مدريد، اوسلو، طابا، اتفاق جنيفا. ثانيا/ مواقف اطراف النظام الرسمي العربي من العام 1964وحتى 2004 وضمنها: اتفاقات كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية، اتفاق وادي عربة الاردني الاسرائيلي. وموقف جامعة الدول العربية وبخاصة قرارات مؤتمرات القمة العربية.
وتجدر الإشارة إلى ان هذا البحث لا يتطرق الى مواقف القوى والاحزاب الوطنية والاسلامية العربية غير الحاكمة. وتعذر تجزأة الموقف العربي من الصراع وفصل النضال الفلسطيني عن العربي. كما تعذر فصل قضية اللاجئين عن مكونات القضية الفلسطينية فالحديث مثلا عن الحقوق الوطنية المشروعة يتضمن حقوق اللاجئين، وفي احيان كثيرة يعنيها فقط. وحقوق اللاجئين سواء ذكرت بالاسم او في اطار حديث عام عن القضية تتجسد في: حق العودة لمن يرغب، وحق التعويض عن الخسائر المادية والمعنوية لمن يرغب في العودة ومن لا يرغب بها، كما اقرتها الشرعية الدولية في القرار 194 وسواه من القرارات. والشيء ذاته يفترض ان ينطبق على النازحين المبعدين وفاقدو الهويات قسرا، باستثناء مسالة التعويض عن الاضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم، حيث لم تتبنى اية جهة دولية هذا الحق.

تطور الموقف الفلسطيني من حل مسألة اللاجئين
تشكيل م ت ف عام 1964وانطلاق الثورة فجر طاقات اللاجئين وعزز مكانتهم.
مراجعة سيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبين ان موقف قوى النظام السياسي الفلسطيني من حل قضية اللاجئين لم يبق ثابتا، ومر في مراحل عدة: الأولى، بدأت مع هزيمة العرب عام 1948، واندثار الحركة الوطنية الفلسطينية، واستمرت حتى تشكيل منظمة التحرير عام 1964. والثانية بدات بتشكيل المنظمة وهزيمة حزيران/يونيو عام 1967 واحتلال اسرائيل الضفة والقطاع وانضمام بضع مئات ألوف النازحين لجموع اللاجئين واستمرت حتى عام 1988. والثالثة بدأت باعلان الاستقلال وقيام الدولة واطلاق مبادرة السلام الفلسطينية والاعتراف بالقرارين 242 و 338 وبحق اسرائيل في الوجود في تشرين الثاني/ نوفمبرعام 1988، وانطلاق مفاوضات السلام عام 1991 في مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو عام 1993 وقيام السلطة الوطنية عام 1994 وتواصلت في مفاوضات كامب ديفيد ومبادرة كلينتون عام 2000 ومحادثات طابا عام 2001 ولا تزال حتى الآن مفتوحة على احتمالات عدة.
والتدقيق في موقف الفلسطينيين من حل المسألة في المرحلةالاولى والثانية 1948-1988 يبين: أنهم ظلوا موحدين حول شعار “تحريرالوطن السليب والعودة الى فلسطين الحبيبة”.وظلت مواقفهم ترفض ما هو دون حق العودة والتعويض. ومن أجل هذا الهدف أعادوا تشكيل حركتهم السياسية التي اندثرت بعد هزيمة 1948، ولم يلغوا دور العرب والمسلمين في تحرير الاراضي المقدسة. واسسوا عام 1964 منظمة التحرير بدعم من الرئيس المصري عبد الناصر وموافقة الدول العربية ، وجعلوا المنظمة كيانهم المعنوي. وتم تشكيل “المجلس الوطني الفلسطيني” كأعلى هيئة تشريعية فلسطينية يختار من بين اعضاءه “لجنة تنفيذية” كقيادة يومية.ورفضوا إعتماد المفاوضات وسيلة رئيسية لحل نزاعهم مع دولة اسرائيل.
ورغم بروز اسرائيل كقوة عسكرية قوية إلا أن اللاجئين لم يسلموا بوجودها ولم يستسلموا للامر الواقع ولم يفقدوا الأمل بتحرير ارضهم والعودة الى بيوتهم. ورفض الفلسطينيون في جميع اماكن تواجدهم جميع المشاريع والافكار الدولية التي قامت على توطين اللاجئين وتعويضهم وأكدوا تمسكهم بالحرير والعودة.
ولم تتوقف مؤسسات الأمم المتحدة، بناء على طلب الدول العربية، عن مناقشة قضية اللاجئين والبحث عن حلول سياسية وانسانية لها. ولم تبقى القضية وجوهرها مسألة اللاجئين بمنأى عن تأثيرات الحرب الباردة التي انفجرت بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمالي. ويستطيع الباحث تحميل أقطاب هذه الحرب قسطا كبيرا من مسؤولية عدم التوصل إلى حل لقضية اللاجئين.
وحافظت الدول العربية على موقفها من اسرائيل وظلت ترفض الاعتراف باسرائيل واقامة علاقات سياسية او اقتصادية معها حتى توقيع اتفاق كامب ديفيد بين مصر واسرائيل عام 1978، ورفض العرب جميع المشاريع الدولية التي اعتمدت التوطين وشطبت حق العودة. وفي كامب ديفيد انفردت مصر بتبادل الاعتراف مع اسرائيل، وبعد اوسلو عام 1993 اتسع وتنوع نطاق علاقة إسرائيل بعدد من الدول العربية.
وحافظت جامعة الدول العربية أيضا على ذات الاسس التي اعتمدها بعد النكبة بشأن أملاك اللاجئين أهمها: النشاط في المحافل والاتصال بالاطراف الدولية لدعم مطالب اللاجئين في ما يتعلق بالعودة واستعادة املاكهم. اعلان عدم الثقة في الحارس الاسرائيلي على اموال. المطالبة باحتساب ايجار الاملاك العربية عن الفترة السابقة والمقبلة الى ان تحل مشكلة اللاجئين. طلب توقف الحكومة الاسرائيلية عن بيع املاك العرب والغاء البيوع التي تمت. وعندما يصل العمل الى مرحلة التثمين يجب ان يبنى التثمين على اساس القيمة السوقية للاملاك في تشرين الثاني /نوفمبر 1947، اي في تاريخ قرار الجمعية العامة بتقسيم فلسطين(1).
إلى ذلك، أدرك طلائع اللاجئين الفلسطينيين، بعد طول انتظار، أن إنتظار التحرير على يد الغير لا يعيد الأرض ولا الحقوق المغتصبة. وظهر في صفوفهم ميل للقيام بدور سياسي عسكري مستقل ضد إسرائيل. وخطى النضال الفلسطيني خطوة نوعية جديدة. وظهرت تنظيمات فلسطينية كثيرة في قطاع غزة رفع بعضها شعار “الكفاح من اجل عودة اللاجئين”
ومع تزايد طموحات الرئيس المصري عبد الناصر القومية وارتفاع وتيرة التهديدات الاسرائيلية ومضيها في تحويل مياه نهر الاردن دعا عبد الناصر الزعماء العرب الى عقد قمة عربية. والتئم شمل الزعماء في القاهرة اواسط كانون الثاني/يناير عام1964، وحضره السيد أحمد الشقيري ممثلا لفلسطين. واتخذوا قرارات تفاعلوا فيها مع تطلعات الفلسطينيين بان يكون لهم دور مباشر في التحرير ويكون لهم حركتهم السياسية وقرروا تشكيل منظمة التحرير كأطار لتعبئة وتنظيم وحشد الطاقات في المعركة (2). وقال الزعماء في بيانهم “..وايمانا بحق الشعب الفلسطيني المقدس في تقرير مصيره والتحرر من الاستعمار الصهيوني قد اتخذ الرؤساء والملوك القرارات اللازمة لتمكينه من القيام بدوره في تحرير وطنه وتقرير مصيره”.
وبعد اقل من 9 شهور عقد الزعماء العرب في ايلول/سبتمبر 1964في مدينة الاسكندرية قمة ثانية. وفي ما يتعلق بالقضية الفلسطينية اقر المؤتمر: “الترحيب بقيام م ت ف دعما للكيان الفلسطيني واعتماد انشاء جيش التحرير”.و”تحديد تحرير فلسطين كهدف قومي مشترك”.ورحب الفلسطينيون بالقمة الثانية وقراراتها كما رحبوا بالقمة الاولى، واستبشر اللاجئون بقرب التحرير والعودة. واستنادا لقرار القمة تم تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني كأعلى هيئة تشريعية وعقد هذا المجلس “البرلمان” أولى دوراته في القدس 28/5/1964، وانتخب احمد الشقيري رئيسا له، واتخذ قرارات منها(3): اعلان قيام منظمة التحرير وابلاغ الجميع باهدافها، وصادق المجلس على الميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الاساسي للمنظمة.
وتدقيق نصوص الميثاق وبنوده يبين انه وضع لتعبئة الطاقات في كل مكان “لاجئين ومقيمين” لتحقيق هدف التحرير والعودة (4). ونصت مادته الثانية على أن (فلسطين بحدودها التاريخية وحدة اقليمية لا تتجزأ). وأكد في مجال الحقوق (الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه ويقرر مصيره بعد ان يتم تحرير وطنه). وعرف الميثاق الفلسطينيون بانهم المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون في فلسطين حتى عام 1967. وكل من ولد من أب عربي فلسطيني). وقال الميثاق (الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد لتحرير فلسطين). وثبت في المادة 11 ثلاث شعارات للشعب (وحدة ـ تعبئة ـ تحرير). واعتبر تقسيم فلسطين عام 1947 باطل من اساسه وكذلك وعد بلفور وصك الانتداب.
واتخذ المجلس قرارات هدفها اعداد الشعب للمعركة. وكان للاعلان عن تشكيل المنظمة دورا في اندفاع قادة في “فتح”، الى حرق مرحلة الاعداد العسكري، وشرعوا في الكفاح المسلح. وفي1/1/1965، اعلنت فتح عن نفسها حركة مستقلة ونجحت في نشر افكارها في مخيمات اللاجئين.
بتاريخ 31/ 5 ـ4 /6/1965 عقد المجلس الوطني الفلسطيني، تنفيذا لنظامه الاساسي دورة جديدة في القاهرة. ورفض تصريحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة التي اطلقها خلال زيارته الى مدينة اريحا، ودعا فيها العرب إلى قبول قرار الامم المتحدة الداعي الى تقسيم فلسطين(5).
وفي القمة العربية الثالثة التي عقدت في ايلول/سبتمبر 1965 في الدار البيضاء في المغرب قرر الزعماء وضع خطة للتحرك في الامم المتحدة والمحافل الدولية ومقاومة محاولات تصفية قضية اللاجئين.وبعد عام، عقد المجلس الوطني دورته الثالثة في أيار/مايو 1966، رفع عدد اعضائه الى 466 عضوا كان ضمنهم نسبة كبيرة من اللاجئين(6).
هزيمة حزيران 1967 بددت أمل اللاجئين وخلقت مشكلة النازحين.
اوائل عام 1967 ارتفعت حدة التهديدات الاسرائيلية وتصاعد التوتر بين اسرائيل وسوريا ومصر. ووفقا للنظام الاساسي للمنظمة كان على المجلس ان يعقد دورته الرابعة أوئل حزيران/يونيو 1967 الا انه بدلا من انعقاده وقعت الحرب صباح الخامس من حزيران/يونيو 1967 ودخلت قضية اللاجئين والمنطقة برمتها طورا جديدا. واحتلت اسرائيل صحراء سيناء المصرية والضفة الغربية من الاردن وقطاع غزة “بقية الاراضي الفلسطينية” ومرتفعات الجولان السورية. وغادر في ايام الحرب الأولى مدن وقرى الضفة أكثر من ربع مليون مواطن انضموا لللاجئين. واقامت لهم الحكومة الاردنية بالتعاون مع وكالة غوث اللاجئين مخيمات في شمال ووسط الاردن، ونشأت قضية عرفت في محافل الدولية بقضية النازحين.
وبنجاح الهجوم الاسرئيلي فقد اللاجئون الامل في العودة. تجمع الشعب تحت الإحتلال الإسرائيلي. وفي الخارج صعدت مشاعر الإنتماء في صفوف اللاجئين رافقها تطرف. وتبلورت الأهداف وتحددت بتحرير الأرض وإقامة الدولة وعودة اللاجئين والنازحين. وتوحدت معظم قوى النظام الفلسطيني في إطار المنظمة، وظل الجناح الديني وبخاصة حركة الاخوان المسلمين في فلسطين خارجها ولم يشترك في النضال المسلح. وبعد الحرب أصدر الرئيس الامريكي جونسون يوم 19يونيو/حزيران 1967 مبادرة تضمت خمسة بنود نص احداها على”إنصاف اللاجئين بعدما زادت الحرب مأساتهم وحل مشكلتهم حلاً عادلاً(7).
ولاحقا اصدر مجلس الامن الدولي في 22 تشرين الثاني/ نوفمبر في قراره الشهير 242 باجماع الاصوات، وفيما يتعلق باللاجئين والنازحين أكد القرار” انسحاب القوات الاسرائيلية من “اراض احتلت” في النزاع والتوصل الى تسوية عادلة لمشكلة اللاجئين.
وكرد فعل على الهزيمة ونتائجها رفضت قيادة م ت ف الاعتراف بالقرار 242 واعتبرته قرارا مجحفا بالحقوق الفلسطينية. وفي قمة الخرطوم التي عقدت بعد الهزيمة 29/8/ الى 1/9/1967 رفع العرب شعار “لا صلح ولا إعتراف ولا مفاوضات مع إسرائيل”(8). وظل الاعتراف بدولة سرائيل أحد أكبر المحرمات العربية، وأصبح ذكر فلسطين واللاجئين مقرونا بجرح الكرامة القومية للعرب.
في تلك الفترة صعد نجم حركة فتح، وتمكنت كحركة تتبنى الكفاح المسلح من استقطاب قطاع واسع من الشباب الفلسطيني، ونظمت فئات واسعة من ابناء المخيمات في غزة والاردن وسوريا ولبنان. في حينه تخلفت الحركة الاسلامية في فلسطين ممثلة بحركة الاخوان المسلمين عن تبني هذا الشكل من النضال. وحاولت الاحزاب الفلسطينية ذات التوجهات القومية “حركة القوميين العرب وحزب البعث الاشتراكي اللحاق بركب الكفاح المسلح. ووقعت خلال الفترة ذاتها تطورات دراماتيكية في اوضاع م ت ف، وقدم الشقيري نهاية عام 1967 استقالته. واجتمعت اللجنة التنفيذية واختارت”يحيى الحمودة” نائبا رئيس اللجنة التنفيذية واسندت اليه مهمة قيادة المنظمة لحين انعقاد دورة المجلس الوطني الرابعة.
ومع مطلع عام 1968 استكملت المنظمات الفدائية تعزيز تواجدها في الاغوار الاردنية وصعدت عملها العسكري ضد القوات الاسرائيلية. وخشيت اسرائيل تنامي العمل الفدائي الفلسطيني وتحول الاراضي الاردنية قاعدة له. وفي منتصف ليل 31 اذار/مارس 1968 نفذت تهديدها (9). وهبت مخيمات اللاجئين في الاردن وابناء المدن والقرى لتقديم الدعم للفدائيين. وبعد المعركة برز التنافس بين التنظيمات، وجرت اتصالات لعقد دورة جديدة للمجلس. وشكلت لجنة تحضيرية تمثلت فيها القوى المقاتلة تولت تسمية 100 من ابناء فلسطين في الخارج معظمهم لاجئين أعضاء في المجلس(10).
وعقد المجلس دورته الرابعة في القاهرة في الفترة في تموز 1968. وثبّت “الكفاح المسلح طريق التحرير والعودة”. وفيما يتعلق بفكرة الكيان الفلسطيني في الاراضي المحتلة في 5 حزيران/يونيو 1967: “حذر المجلس من الدعوات المشبوهة لانشاء الكيان الأمر الذي يتنافى مع حق الشعب الفلسطيني في كامل وطنه فلسطين(11). وقرر ان الهدف الفلسطيني يتجاوز “ازالة آثار عدوان 1967″. ورفض قرار مجلس الامن رقم 242 لانه يتضمن انهاء حالة الحرب وحدود آمنة واعتراف باسرائيل.
وفي هذه الدورة حاول بعض أطراف الحركة الفلسطينية معالجة مشكلة اليهود في فلسطين بعد التحرير، وتبنى المجلس فكرة دولة فلسطينية ديمقراطية يتعايش فيها الطرفان على قدم المساواة أمام القانون.
وبوحي من قرارات الدورة الرابعة أجرت اللجنة التنفيذية الاتصالات اللازمة لاعادة تشكيل المجلس الوطني، وعقد دورته الخامسة في القاهرة في الفترة شباط/فبراير 1969. واتخذ قرارات لا تختلف في جوهرها عن قرارات الدورة الرابعة. ورفض مشروع ابا ايبان الذي قدم للجمعية العامة للامم المتحدة في 9/10/1968 المكون من تسع نقاط ونقطته الخامسة تقول: (يتم بحث مشكلة اللاجئين في مؤتمر لدول الشرق الاوسط على ان يضع المؤتمر خطة تنفذ خلال خمس سنوات لحل مشكلة اللاجئين وانشاء لجان لتوطينهم وادماجهم(12)).
وقرر المجلس “التصدي بحزم لكافة الحلول الاستسلامية”. ورفض القرارات والمشاريع التي تتعارض مع حق الشعب الفلسطيني في وطنه بما في ذلك قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 والمشروع السوفيتي”. وقرر “التصدي لمحاولات انشاء كيان فلسطيني يهيمن عليه الاستعمار”(13). ورفضت فصائل المقاومة مشروع امريكي لحل ازمة الشرق الاوسط قدم للدول الاربع الكبرى في مارس 1969 جاء فيه بشأن باللاجئين “يجب على جميع اللاجئين الذين غادروا اماكن اقامتهم بعد حرب حزيران/ يونيو 1967 العودة الى اماكنهم. اما بقية اللاجئين الفلسطينيين فيجب ان يعاد توطينهم في البلاد العربية، والولايات المتحدة مستعدة للاشتراك في مشروعات تنمية اقتصادية حتى يمكن استيعابهم(14).
اوائل حزيران/يونيو 1969 عقد المجلس الوطني دورته السادسة. وفي بداية اعماله قدمت التنفيذية اقتراحا باضافة أعضاء جدد جميعهم من الخارج لاجئين ونازحين، واقر المجلس الزيادة بالاجماع. ومع تطور العمل الفدائي واتساع صفوفه برزت سلبيات وممارسات خاطئة فلسطينية(15) وحيث ازدهرت على الساحة الاردنية في تلك الفترة اعمال خطف واعتقال ناس مدنيين وآخرين ينتمون لاجهزة السلطة، وكذلك سرقة السيارات المدنية ولم تسلم سيارات الجيش الاردني وكبار موظفي الدولة. وكثيرا ما تم التعدي على المؤسسات الرسمية الاردنية بلغت احتلال البريد وسط عمان. وفي كانون الاول/ ديسمبر اواخر عام 1969عقد القمة العربية الخامسة في مدينة الرباط في المغرب. واكد الزعماء دعم الثورة بكل طاقات الامة ، ودعم الصمود العربي في الاراضي المحتلة. وكان لفشل الحل السلمي دوره في في اعتماد العرب طريق التعبئة والاعداد لاعمال جدية سبيلا للتحرير.
وعلى خلفية التطورات على الحدود مع اسرائيل وفي نطاق الجبهة الاردنية الداخلية توترت العلاقة بين المنظمة والحكم في الاردن. ودعي المجلس الوطني لعقد دورته السابعة في القاهرة. وبعد مناقشات استمرت من30/5/1970 الى 4/6/1970 اتخذ المجلس عددا من القرارات منها تشكيل لجنة عليا من الحركة الوطنية في الضفة الشرقية والثورة لتحقيق التلاحم بين الشعبين. وتشكيل لجنة عليا من الحركة الوطنية في لبنان والثورة لتحقيق التلاحم بين الشعبين. وناقش موضوع “الدولة الديمقراطية” في كل فلسطين يتعايش فيها العرب واليهود وقرر احالته للجنة التنفيذية لتضع حوله دراسة.
وفي 9 كانون الأول/ديسمبر 1969 أعلن وزير الخارجية الأمريكي وليام روجرز عن مبادرته(16)، التي أكدت على: انسحاب إسرائيل من “أراض” عربية احتلت في حرب 1967 مقابل ضمانات عربية للوصول إلى التزام موثق للسلام. ولاحقاً طرح “روجرز” مبادرة ثانية في ايار/ مايو1970 وأعلن: “أن الولايات المتحدة اتخذت خطوة جديدة وقدمت مقترحات سلام بهدف تشجيع العرب وإسرائيل على وقف إطلاق النار والبدء في المحادثات”. الى ذلك وافق عبد الناصر على التعاطي مع مبادرة روجرز ورفضتها القيادة الفلسطينية وتوترت علاقة الطرفين. وبجانب هذا التوتر، ساهمت مبادرة روجرز في رفع حدة التوتر في العلاقات الأردنية ـ الفلسطينية، وسرّعت وقوع التصادم المسلح بين الجانبين.
في ظل تلك الظروف دعت اللجنة التنفيذية للمنظمة الى عقد دورة استثنائية للمجلس الوطني في عمان. وعقد المجلس الوطني يوم 27/8/1970 دورة استثنائية وسط اجراءات امنية فلسطينية مشددة استفزت النظام الاردني. واستمرت الدورة يومين واتخذت قرارات وصعدت حملتها ضد النظام. وأكد المجلس رفضه قرار مجلس الامن رقم 242 ومقاومته للمؤامرة “مشروع روجرز”. وأكد ان كل من ينشط للتكلم باسم شعب فلسطين وتزييف قيادته وارادته خارج على ارادة شعب فلسطين وخائن لقضيته ولثورته. وأكد على وحدة الشعب في الساحة الاردنية الفلسطينية ورفض تقسيم البلاد الى دويلة فلسطينية ودويلة اردنية.
بعد احداث ايلول 1970 تبخر امل اللاجئين بحل قضيتهم
صباح يوم 17 ايلول/سبتمبر1970 اندلعت الحرب بين الطرفين، وسارع عبد الناصر الى اطفاء الحريق. وعقدت قمة عربية غير مخطط لها، اقتصر عملها على وقف اطلاق النار بين الطرفين وتم اخراج عرفات من عمان الى القاهرة. وانتهت اعمالها يوم 27 ايلول/سبتمبر1970، وفي المساء نقلت وكالات الانباء خبر وفاة عبد الناصر. وبوفاته أسدل الستار على المبادرات الدولية فترة طويلة.
تركت احداث أيلول ووفاة عبد الناصر أثرا عميقا في نفوس الفلسطينيين وبخاصة اللاجئين في المخيمات في الاردن وتعمق يأسهم واحباطهم، ولم يعودوا يفكرون في التحرير والعودة. وتراجع موضوعيا تفكير القيادة الفلسطينية في قضايا اللاجئين والنازحين. وعادت أفكار قومية المعركة ضد اسرائيل، والاتكالية النسبية على الدور العربي، للظهور بعد ان اختفت بعد هزيمة حزيران 1967. واستغلت إسرائيل التطورات وبدأ وزير الدفاع “شارون” اجراءات في قطاع غزة وهدم احياء بكاملها في المخيمات بحجة شق طرق أمنية وهجّر اعداد كبيرة من سكان المخيمات الى مبان داخل القطاع والى الضفة الغربية والعريش.
وأكدت الأحداث أن أوضاع أهل المنطقة لم تكن ناضجة للتوصل الى حلول. واصيبت القيادة الاسرائيلية بالعمى عن التفكير استراتيجيا في مستقبل علاقة اسرائيل بجيرانها، وتصور بعضهم ان بالامكان التهرب من استحقاق حل قضية لاجئين 1948 ونازحين 1967 والاحتفاظ بسيناء والجولان فلسطين للابد.
في ظل تلك الظروف والأوضاع الصعبة، عقد المجلس الوطني دورته الثامنة 28/2/-5/3/1971 في القاهرة. ونالت القضايا التنظيمية اهتماما كبيرا، ولم يتوقف المجلس امام قضايا اللاجئين والنازحين واكتفى بتأكيد “التمسك الحازم بالحقوق الوطنية والتاريخية”. واعاد اعضاء المجلس النظر في تشكيله وصار يتكون من 150عضوا جميعهم من اللاجئين والنازحين ولم يكن ممكنا تسمية مندوبين من الضفة والقطاع فتسميتهم يعرضهم للاعتقال والابتعاد.
ورغم طغيان قضايا ترتيب البيت الفلسطيني على أعمال المجلس الا ان قراراته اتجهت نحو تبني برامج سياسية مرحلية. وتحدثت القرارات عن الدولة الديمقراطية ونصت “ليس الكفاح الفلسطيني المسلح كفاحا عرقيا او مذهبيا ضد اليهود ولهذا فان دولة المستقبل في فلسطين هي الدولة الفلسطينية الديمقراطية التي يتمتع فيها الراغبون في العيش بسلام بنفس الحقوق والواجبات..(17)”. وبعد الدورة عملت القيادة على تعزيز وجودها في لبنان. وشجعت سورية التوجه وسهلته.وخشيت السلطة اللبنانية تزايد الوجودالعسكري الفلسطيني على أرضها وهي بالكاد تحملت إتفاق القاهرة(18) الذي رعاه الرئيس عبد الناصر عام1969.
في تموز/يوليو1971عقد المجلس الوطني دورته التاسعة في القاهرة، واتخذ عدة قرارات منها قرار حول الاردن نص على: “جميع قوى الثورة مطالبة بالمبادرة الى تدعيم جهود القوى الوطنية الاردنية لاقامة حكم وطني ديمقراطي. وتمسك ببنود اتفاق القاهرة والاعتراف بالثورة ممثلا للشعب الفلسطيني”(19). وبشان الوضع في لبنان قرر “مطالبة اللجنة التنفيية “واللجنة السياسية الفلسطينية العليا” بالعمل على انشاء لجان المخيمات لتقوم بتنظيم الجماهير وتعبئتها. وبشان التسوية السياسية قرر “التمسك بحق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه عن طريق الكفاح المسلح. وجدد رفض جميع الحلول السلمية والمشاريع التي تتعرض للحقوق الطبيعية والتاريخية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك قرار مجلس الامن الدولي رقم 242 .
غرق الثورة في المستنقع اللبناني وتراجع التفكير في قضايا اللاجئين.
تدريجيا زاد اهتمام قيادة م ت ف وقيادات الفصائل في الوضع الفلسطيني في لبنان وتراكم آلاف المسلحين في الجنوب وفي المخيمات “وحرروا” منطقة العرقوب وسموها القطاع الشرقي، وأطلقت اسرائيل عليها اسم “فتح لاند”.وانشغل الفدائيون في الصراع مع الجيش والحكومة اللبنانيين، ولم يعد احد يفكر في قضايا اللاجئين والنازحين وحقهم في العودة. وبكرت القيادة الفلسطينية موعد انعقاد الدورة العاشرة الاستثنائية وعقدت في القاهرة من في نيسان/ابريل 1972. رافقها مؤتمر شعبي ضم ممثلي عن ابناء الجاليات في كافة اماكن تجمعهم وقدم بعضهم من الوطن المحتل. وبحث المجلس في توصيات المؤتمر الشعبي واتخذ عدة قرارات تركزت حول حماية الثورة (20). بعد المؤتمر الشعبي والمجلس الوطني واصلت بعض فصائل الثورة نهج العمليات الخارجية. ونفذت الجبهة الشعبية بالتعاون مع مجموعة من الجيش الاحمر الياباني عملية في مطار بن غوريون أواخر ايار/مايو 1972. ونفذت منظمة ايلول الاسود في ايلول/سبتمبر 1972عملية مثيرة في مدينة ميونخ بالمانيا ضد الفريق الرياضي الاسرائيلي المشارك في الالعاب الاولمبية(21. وزادت العمليات في حدة التوتر على الساحة اللبنانية. ولاحقا انفجر الصراع وإشتعلت الحرب الأهلية اللبنانية وشكلت غرفة عمليات مشتركة فلسطينية لبنانية اسندت قيادتها الى سعد صايل(22).
إلى ذلك، حالت عوامل وظروف اضطرارية دون عقد الدورة الحادية عشر للمجلس الوطني في موعدها وبدأت اعمالها في القاهرة يوم 6/1/1973. واتخذ المجلس جملة من القرارات التنظيمية. وفي مجال الخطة المرحلية والبرنامج السياسي اشار الى انه “طرأت على الساحتين الفلسطينية تطورات هامة استدعت ان تقوم اللجنة التنفيذية بمعالجتها. ورأى المجلس ضرورة تحديد المهام المرحلية للمنظمة بشكل يتفق والميثاق وقرارات المجالس الوطنية”. ودرس المجلس مشروع البرنامج المحلي الذي قدمته اللجنة التنفيذية وأقره كبرنامج للعمل الفلسطيني(23). وابرز البرنامج في بنده الثالث دور اللاجئين الفلسطينيين في لبنان في العملية النضالية وأشار إلى ان “الساحة اللبنانية ساحة أساسية.
ولم تجدي الاتصالات اللبنانية في الحد من تدفق الاسلحة والمقاتلين الفلسطينيين الى لبنان. ولاحقا صار الجنوب اللبناني بالكامل تحت سيطرة الفدائيين وضمن مسؤوليتهم الامنية والعسكرية. وفي النصف الاول من عام 1973 صعدت قوات الثورة نشاطها العسكري. وخشيت اسرائيل تطور القدرات الفلسطينية العسكرية، ونفذت قواتها الخاصة في 10 نيسان/ابريل 1973عملية محكمة التخطيط في قلب مدينة بيروت. هاجمت في وقت واحد المقر المركزي للجبهة الديمقراطية في بيروت الغربية، ومنازل قادة في رئيسيين في م ت ف كمال عدوان، وابويوسف النجار، وكمال ناصر(24). ونجحت المجموعة الاولى بقيادة “باراك” في اغتيال القادة الثلاث، ونسفت الثانية بقيادة “شاحاك” بصورة جزئية مقر الديمقراطية.
بعد عملية فردان والفاكهاني اولت قياد م ت ف مسألة حماية وجودها في لبنان اهمية كبيرة، وبدأت تغرق تدريجيا في الاوضاع اللبنانية الداخلية. ومع كل خطوة كانت تخطوها داخل المستنقع اللبناني كان تبتعد اكثر عن عملها الاساسي داخل الاراضي المحتلة وكان اهتمامها بقضايا اللاجئين والنازحين يتراجع. ومن دون قرار، حل شعار الدفاع عن الوجود الفلسطيني في لبنان مكان شعار نقل الكفاح المسلح الى داخل الاراضي المحتلة وحل قضايا النازحين واللاجئين. وجاءت حرب تشرين اول “اكتوبر” 1973 وخلقت واقعاً عربياً وإقليمياً ودولياً جديداً. وبدأ الحديث في المحافل الدولية وبخاصة الامريكية عن حلول للصراع العربي الاسرائيلي وعن معالجات جديدة أكثر جدية وعن المؤتمر الدولي كاطار للحل.
حرب اكتوبر 1973 افرزت توجهات واقعية أجلت بحث قضية اللاجئين.
كان الرئيسان السادات والاسد بعد توليهما زمام الحكم في مصر وسوريا بحاجة ماسة لاثبات صدقية اقوالهما وعزمهما على تحرير الاراضي المصرية والسورية التي احتلت عام 1967، فكلاهما تولى الحكم في اوج صراعات داخلية. وبعد عملية تحضير ومضنية، وعملية تضليل بارعة، شنت الجيوش المصرية والسورية في 6 اكتوبر 1973 هجوما منظما ضد القوات الاسرائيلية المرابطة في سيناء والجولان. وشاركت قوات جيش التحريرالفلسطيني في الحرب. ودخلت قوات فصائل المنظمة المتواجدة على الاراضي اللبنانية القتال. وقبل ان تستقر الاوضاع على جبهات القتال أصدر مجلس الأمن في 22 أكتوبر/تشرين قراره رقم 338 (25). ووافقت سوريا ومصر على القرار، وإعترفت سوريا لاول مرة بالقرار 242. ورغم رفض القيادة الفلسطينية القرار 338 انتعشت آمال الفلسطينيين في حل القضية وانسحاب اسرائيل من الضفة وقطاع غزة وحل مشكلة اللاجئين والنازحين وقيام كيان فلسطيني مستقل.
في تلك الفترة، تداعى الزعماء العرب الى قمتهم السادسة. والتقوا يوم 26/11/1973 في مدينة الجزائر وقرروا: اعتبار م ت ف الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني. وتحفظ الاردن على القرار. وتم تفويض سورية ومصر بعدم تفويت فرصة التوصل لحل سياسي بشرط عدم المساس باي حق عربي ولا سيما الانسحاب الاسرائيلي من الاراضي العربية وعدم التفريط بالحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين.

المجلس الوطني يقر برنامج السلطة الوطنية
في تلك الفترة طرح الاتحاد السوفيتي وبعض العرب على قيادة المنظمة استثمار الاجواء السياسية الدولية وقدمت فكرتين: الاولى إستثمار ورقة الاعتراف بالقرارين 242 و338، والثانية مرحلة الأهداف الوطنية الفلسطينية وتمييز ما هو مباشر ومرحلي عما هو تاريخي واستراتيجي. في حينه رفضت قيادة م ت ف الفكرة الاولى بالاجماع، من منطلق تعامل القرارين مع المسألة الفلسطينية باعتبارها قضية لاجئين، ولا يتضمنان اي اشارة لدور م ت ف. وظهر بجانب الرفض الفلسطيني تيار واقعي في الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية، وحركة فتح، تبنى فكرة مرحلة الأهداف الوطنية.
وانقسمت الساحة الفلسطينية وتكتلت القوى المعارضة للبرنامج المرحلي في اطار تنظيمي اطلق عليه “جبهة الرفض الفلسطينية”. حظي بدعم بعض الدول العربية وبخاصة ليبيا والعراق وسوريا. وأقر المجلس في دورته الثانية عشر التي عقدت في القاهرة 1-9/6/ 1974 برنامج “النقاط العشر”، الذي عرف “ببرنامج السلطة الوطنية” وتضمن موافقة القيادة على تاجيل بحث قضية اللاجئين. واعتقدت غالبية قيادة م ت ف أن الأوضاع الدولية مهيأة لأنبعاث الكيان الفلسطيني على جزء من الارض. وقالت المعارضة “ان ذلك سيتم مقابل التفريط بالباقي والاستسلام للمشاريع الامبريالية والصهيونية والتنازل عن حق اللاجئين.
وبعد صراع تمكن التيار الواقعي من تعزيز مواقعه وتحول الى تيار يمثل الأغلبية، ونجح في تحويل أطروحاته الى سياسة عامة للمنظمة. وأقر المجلس الوطني برنامج “النقاط العشر”. وجاء في نص القرار “تناضل م ت ف وبكافة الوسائل لتحرير الارض واقامة سلطة الشعب الوطنية المقاتلة على اي جزء من الارض الفلسطينية يتم تحريره. وتناضل م ت ف ضد اي مشروع كيان فلسطيني ثمنه الاعتراف والصلح والحدود الآمنة وحرمان شعبنا من حقوقه في العودة وحقه في تقرير المصير فوق ترابه الوطني”(26). وخطى الفكر الفلسطيني خطوة جديدة باتجاة الواقعية السياسية.
وفي تشرين الاول اكتوبر1974 عقد الرؤساء والملوك العرب قمتهم السابعة في الرباط. وكان أكثر المؤتمرات العربية ايجابية واهمية اتجاه القضية الفلسطينية. وفيه تمت تسوية مسالة التمثيل وقرر المؤتمر بالاجماع على ان م ت ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. واكد اقامة السلطة الوطنية بقيادة م ت ف على اية ارض فلسطينية يتم تحريرها. وحددت القمة الهدف المرحلي بتحرير الاراضي العربية المحتلة عام 1967 واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفق ما تقرره منظمة التحرير.
لاحقا أطلق كيسنجر في سياق تنفيذ توجهاته ومحاولة التوصل الى اتفاقية سيناء الثانية بين مصر واسرائيل مقولته الشهيرة Bye Bye P. l. Oواشعل فتيل الحرب الاهلية في لبنان. البداية كانت في نيسان/ابريل 1975 حين اعتدت قوات حزب الكتائب على سيارة باص يحمل لاجئين فلسطينيين من ابناء المخيمات. وقتلت وجرحت ركابه ونكلت بجثث بعضهم. واستمرت تلك الحرب قرابة عشر سنوات. وعلى امتداد النصف الثاني من عقد السبعينات غرقت الحركة الفلسطينية وكل الاوضاع العربية الرسمية والشعبية في الحرب الاهلية اللبنانية. واحدث انغماس الفلسطينيين في تلك الحرب تغييرا جوهريا في اولوياتهم وأشغلتهم عن توجيه طاقاتهم لتحقيق حقوق اللاجئين والنازحين. وجاءت وقائع الحياة لتؤكد أن جهود م ت ف في لبنان ذهبت هدرا وسببت للاجئين في لبنان عذابات والآلآم مرة وخسائر بشرية ومادية كبيرة.
في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 1976 فاز كارتر في الانتخابات وعين كارتر السيد فانس وزيرا لخارجيته. وحاول “فانس” إقناع الأطراف العربية وإسرائيل بالموافقة على استئناف اعمال مؤتمر جنيف للسلام الذي نام منذ كانون الأول/يناير 1973. وحاول إيجاد طريقة ما لمشاركة ممثلين عن الفلسطينيين في المؤتمر. واصطدمت جهوده برفض الحكومة الاسرائيلية وفضلت بحث المسألة الفلسطينية مع الأردن في إطار ما سمى بالخيار الأردني. وبرزت أفكارا عربية من نوع الذهاب للمفاوضات بوفد عربي مشترك أو وفد عربي يضم أعضاء من م.ت.ف. وفضلت المنظمة صيغة الوفد المشترك، ورفضت الخيار الاردني.
الى ذلك دعت اللجنة التنفيذية ورئاسة المجلس الى عقد الدورة الثالثة عشر للمجلس الوطني. وفي آذار/مارس 1977 التئم المجلس بتشكيلته الجديدة وكانت اكثر شمولية من المجالس السابقة، واضيف ما لا يقل عن 100 عضو كممثلين عن الارض المحتلة لم تعلن اسمائهم حفظا على سلامتهم. وتمثلت في المجلس تجمعات فلسطينية لم تكن ممثلة من قبل. وتم اختيار ممثلين عن المخيمات الفلسطينية في لبنان. واتخذ المجلس عدة قرارات تركزت حول تطوير البرنامج المرحلي. واكد رفض القرار 242، ورفض “التسويات الامريكية والمشاريع التصفوية. و”مواصلة النضال لاستعادة الحقوق وفي مقدمتها حق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة”.و”أية تسوية او اتفاق يمس الحقوق الفلسطينية باطلة من أساسها”(27). ودعا الى تنسيق العلاقة مع القوى اليهودية الديمقراطية والتقدمية المناضلة ضد الصيونية. وخلال فترة التحضير لاستئناف مؤتمر جنيف للسلام جرت انتخابات إسرائيلية في ايار/مايو 1977 فاز فيها ائتلاف حزب ليكود. وتولي بيغن السلطة وراح يدير دفة المفاوضات بصورة مختلفة. ومع صعود ليكود، أدرك السادات إستحالة انعقاد مؤتمر جنيف. واستحالة التقدم في السلام على كل الجبهات في وقت واحد.
في تشرين الثاني/نوفمبر1977 أعلن السادات بشكل فاجأ الجميع، “أنه مستعد لبذل اقصى الجهود من اجل السلام ومواجهة قادة اسرائيل ولو في الكنيست”. ولم يصدق معظم أعضاء القيادة الفلسطينية ما قاله. وفي 17 تشرين الثاني/نوفمبر1977 اصدرت الفصائل بيانات شجبت موقف السادات ونتائجها. وحمّلت الشعبية “اطراف التسوية مسئولية خطوة السادات من خلال استرسالها في أوهام حول التسوية السلمية”. ووجهت “جبهة القوى الفلسطينية الرافضة للحلول الاستسلامية” رسالة للمجلس المركزي اكدت “ان ادانة خياة السادات هي ادانة مباشرة للنهج الخاطئ الذي مهد الطريق امامها”.
يوم 19ـ20 تشرين الثاني/نوفمبر 1977 بدأ السادات زيارته لاسرائيل ووقف أمام الكنيست وأعلن انه “لم يأت داعيا الى سلام حزئي، ولا ليعقد اتفاقا منفردا بين مصر واسرائيل”، وانما جاء “لبناء سلام دائم وعادل يقوم على اساس الانسحاب الكامل من الاراضي العربية التي احتلت عام 1967، واحقاق الحقوق الاساسية للشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير مصيره واقامة دولته المستقلة”.
وبعد عشرة ايام من زيارت السادات للقدس عقدت في 4 كانون الاول/ديسمبر 1977 قمة عربية مصغرة في طرابلس ضمت ليبيا وسوريا والجزائر واليمن الجنوبي والعراق، لتنسيق المواقف في مواجهة نتائج الزيارة. وفي المؤتمر القى عرفات كلمة قال فيها: “اذا لم يتمكن هذا الجيل من الامة العربية من تحرير ارضهم بحكم موازين القوى العربية والدولية فليس من حق أحد ان يطعن القضية الفلسطينية ويغلق ابواب التحرير امام الاجيال”. وعلى هامش القمة تم تشكيل “الجبهة القومية للصمود والتصدي”. وفي شباط/فبراير 1978 أعلن في الجزائر عن تشكيلها وحددت مهمتها بالتصدي للحلول الثنائية المصرية الاسرائيلية.
الى ذلك تابع الرئيس السادات مفاوضاته الثنائية وتوصل الطرفان بعد مفاوضات مضنية وبمساعدة الرئيس كارتر يوم 17/9/1978الى اتفاقات كامب ديفيد الشهيرة. استعادت بموجبها مصر جميع الاراضي المصرية التي احتلت في عام 1967، وبدات رحلة السلام الثنائي المصري ـ الإسرائيلي. ومراجعة وقائع مفاوضات كامب ديفيد تبين أن هدف السادات كان أبعد وأكبر من حل ثنائي بين مصر وإسرائيل، وحاول وضع أسساً لحل النزاع العربي الإسرائيلي برمته ودخل في مفاوضات حول الجولان والقضية الفلسطينية.
وتضمنت اتفاقيات كامب ديفيد اتفاقية “إطار للمفاوضات حول وضع الضفة الغربية وقطاع غزة”(28). وافقت فيها اسرائيل رسميا على إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني منتخبة. ووضع الترتيبات العملية لعودة النازحين الذين غادروا الضفة والقطاع منذ 5 حزيران/يونيو 1967. وتم تحديد الفترة الانتقالية بـ 5 سنوات، وبعد انتهاؤها يتم الاتفاق على الحل النهائي للقضية. وتم تحديد الهدف بالتوصل الى تسوية عادلة شاملة للصراع عن طريق عقد معاهدات سلام تقوم على قراري مجلس الامن 242 و338 وعلاقات حسن جوار. “يجب ان يعترف الحل الناتج عن المفاوضات بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباتهم العادلة”. واكد السادات في رسالته في أيلول/ سبتمبر الى كارتر “من اجل ضمان حماية الحقوق لشعب الفلسطيني فان مصر على استعداد الاطلاع بالدور العربي الذي تحدده بنود المعاهدة.
الى ذلك احدثت اتفاقية كامب ديفيد تحولا في العلاقات العربية العربية وتحسنت العلاقة الاردنية الفلسطينية. وفي 29أكتوبر/ تشرين الثاني 1978 توصل الطرفان الفلسطيني والاردني إلى اتفاق “اطار العمل المشترك”(29). واكدا على اهمية التعاون المشترك والسعي الى تحقيق السلام العادل. وسهل الاتفاق الاردني الفلسطيني انعقاد القمة العربية في بغداد في 5 نوفمبر/ تشرين ثاني 1978 شارك فيها جميع الدول العربية باستثناء مصر. وتدراس الزعماء التطورات واتفقوا على: ان القضية الفلسطينية قضية عربية مصيرية وهي جوهر الصراع مع العدو”. ولا يجوز لاي طرف عربي التنازل عن هذا الالتزام. واكدت القمة الالتزام بالهدف المرحلي وتحرير الاراضي لمحتلة في عدوان حزيران. والالتزام باستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني بما في ذلك حقه في العودة وتقرير المصير واقامة الدولة المستقلة.
وبعد اقل من شهرين عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الرابعة عشرة 15-22/1/1979 في دمشق حيث تعذر عقده في مقر الجامعة العربية في القاهرة. وقدم للمجلس برنامجين سياسي وتنظيمي وافق عليهما بالاجماع واتخذ قرارات سياسية (30) جاء فيها “ان اتفاقيات كامب ديفيد تشكل اخطارا مصيرية على قضية فلسطين وقضية التحرر العربية. وتسلم للعدو الصهيوني بمواصلة اغتصاب فلسطين، وتلغي حق الشعب الفلسطيني الثابت في وطنه وحقه في العودة اليه وتقرير مصيره، وتفرط باجزاء اخرى من الارض العربية”. واكد المجلس “التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة لشعبنا في وطنه وحقه في العودة اليه”.
في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 1979عقد الزعماء العرب قمتهم العاشرة في تونس واكد المبادئ الاساسية التي تضمنتها قرارات القمة التاسعة، وجددوا التزامهم باعتبار الوجود الصهيوني في الاراضي العربية هو جوهر الصراع مع العدو الصهيوني. وادانوا اتفاقيتي كاب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية. وعبروا عن قلقهم تجاه اعادة علاقات بعض الدول مع العدو الصهيوني او الى الاعتراف بالقدس عاصمة له. وفي القمة الحادية عشر التي عقدت في عمان في تشرين الثاني/نوفمبر 1980 اكد الملوك والرؤساء تمسكهم بمقررات بغداد وتونس خاصة ما يتعلق بقضية فلسطين جوهر الصراع مع العدو. وشدد المؤتمرون تصميمهم على مواصلة مساندة م ت ف من اجل استعادة كافة حقوق الشعب الفلسطيني بما فيها حقه في تقرير المصير واقامة دولته المستقلة والعودة اللى ارضه. كما اكدوا ان القرار 242 لا يتفق مع الحقوق العربية ولا يشكل اساسا صالحا لحل ازمة الشرق الاوسط وخاصة قضية فلسطين.
الى ذلك حالت الاحوال الصعبة التي عاشتها الساحة دون عقد دورة المجلس الوطني الخامسة عشر في موعدها المقرر في كانون الثاني1980، وعقدت في دمشق في نيسان 1981 وقرر زيادة ممثلي الارض المحتلة من 122 الى180عضوا. وقرر عدم احتسابهم في النصاب حتى لا تتعطل اعمال المجلس وطالما الاحتلال قائما. ودرس توصيات اللجان واصدرها بقرارات(31).
هزيمة م ت ف في لبنان عام 1982 عقد حل قضية اللاجئين.
مطلع حزيران/ يونيو 1982، تعرض السفير الإسرائيلي في لندن لمحاولة اغتيال. وحمل بيغن قيادة المنظمة المسؤولية واعلن الحرب على المنظمة. وبعد تطويق جيشه بيروت كشف وزير الدفاع الإسرائيلي “شارون”، عن أهداف أخرى. وبعد مفاوضات عسيرة تم التوصل يوم 13 آب/اغسطس 1982 الى اتفاق لوقف اطلاق النار، نال موافقة جميع اعضاء القيادة الفلسطيني وعهد لقوات متعددة الجنسية مهمة صيانة أمن المخيمات وحماية سكانها. واختار عرفات الرحيل الى اليونان وقال للصحفيين “انا ذاهب الى فلسطين. واوصى القوى الوطنية اللبنانية باللاجئين في المخيمات وقال “اتركهم امانة في اعناقكم”.
يوم 21 آب/ اغسطس1982، غادرت اول دفعة من المقاتلين الفلسطينيين ميناء بيروت. وخلال لحظات الوداع الصعبة، كانت صيحات النسوة والصبايا من مخيمات بيروت للراحلين مؤلمة وجارحة. وقلن بألم مصحوب بدموع الخوف: “اصمدوا ولا ترحلوا..ارفضوا الخضوع للمؤامرة العربية الدولية، لا ترحلوا وان رحلتم خذونا معكم. ولم يطلبن العودة للبيوت والممتلكات في فلسطين بل الامن والامان في المخيم.
خلال عمليات الترحيل، واجه لبنان استحقاق انتخاب رئيس جمهورية جديد، ويوم 23 آب/أغسطس 1982 انتخب قائد القوات اللبنانية بشير الجميل رئيسا للجمهورية اللبنانية. وبعد انتخابه كثفت القيادة الفلسطينية اتصالاتها المحلية والاقليمية والدولية لضمان سلامة مخيمات اللاجئين، فالرئيس المنتخب كان الخصم وصار الحاكم والحكم وهو الذي قال: “في المنطقة خمس شعوب وأربع دول، وهناك شعب زائد يجب الخلاص منه”، وكان يقصد الشعب الفلسطيني البالغ عدده آنذاك أكثر من خمسة ملايين.
بعد رحيل أغلبية القوات الفلسطينية سيطرت “القوات الانعزالية”، على معظم أحياء بيروت الغربية. وصارت الحركة محفوفة بمخاطر كبيرة. ورغم ذلك، أصر العميد سعد صايل “أبوالوليد” أن يودع هو ومن بقي من أعضاء المجلس العسكري الفلسطيني الاعلى بيروت بزيارة مقبرة الشهداء، حيث يرقد الحاج أمين الحسيني وآخرون من شهداء حرب 1948 وشهداء الثورة. وبعد 48 ساعة من رحيل آخر دفعة من المقاتلين، خرق وزير الدفاع الاسرائيلي “شارون” إتفاق حبيب، ودخلت القوات الاسرائيلية أحياء بيروت الغربية وراحت تمشطها حيا وراء حي ومنزلا بعد منزل، بحثا عن بقايا رجال م. ت. ف.
الحروب على المخيمات في لبنان تبدد الآمال بالعودة والدولة
ظهر يوم 1/9/1982، أطلقت آخر بواخر الترحيل صفّارتها معلنة رحلتها تجاه ميناء طرطوس السوري. واستمع القادة المرحلون الى مبادرة سياسية، أطلقها الرئيس الامريكي، تتعلق بتسوية النزاع العربي ـ الإسرائيلي، وتسوية المسألة الفلسطينية. ونال ريغان سيلا من الشتائم خصوصا وان هموم الهزيمة كانت تطغى على الاذهان، وصاحب المبادرة، اعتبر تاريخ خروج م.ت.ف. من بيروت “يوما يدعو للفخر(32). وكان واضحا للمرحلين ان الإدارة الأمريكية تحاول استثمار فوز إسرائيل في الحرب، وفرض رؤيتها لحل الصراع. ورفض بيغن مبادرة ريغان، واعتبرها انحرافا عن اتفاقات كامب ديفيد.
ولم يتأخر العرب في تحديد موقفهم من المبادرة، وبعد أسبوع من اعلانها استكمل القادة العرب التحضير لدورة قمتهم الثانية عشر في6ـ 9/9/1982، والتقوا مرة اخرى في مدينة فاس. واشار البيان الختامي الى”مشروع الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة” الذي استند الى القرار رقم 181 الذي اصدرته للامم المتحدة يوم 29/11/1947 بشان تقسيم فلسطين..(33). واعتمد الرؤساء “مشروع الملك فهد” بمبادئه الثمانية اساسا لحل النزاع. ونص في بنده الرابع على ” تاكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة وحل مشكلة اللاجئين وتعويض من لا يرغب في العودة(34). واثار البند السابع من قرارات قمة فاس الثانية، الذي يشير الى “حق اسرائيل في الوجود” خلافا حادا في الساحة الفلسطينية. وانقسم وفد المنظمة الى القمة على نفسه حول البند نفسه(35).
في 14/9/1982 قتل الرئيس اللبناني بشير الجميل في عملية تفجير محكمة التخطيط. ورغم اجماع المراقبين على ان بشيراً قتل في اطار صراع اوسع من الصراع مع الفلسطينيين الا ان اللاجئين في مخيمات صبرا وشاتيلا كانوا الضحية. ورغم القاء السلطة اللبنانية القبض على الفاعل والتعرف على هويته اللبنانية وقع رد الفعل على رؤوس اللاجئين (36).
بعد المجزرة، تصاعدت الخلافات داخل فتح، وتمحورت حول قضايا سياسية وتنظيمية كثيرة وطورت مجموعات عسكرية “فتحاوية،” موقفها المعارض للقيادة، وأطلقت على نفسها “يسار فتح”/التيار الديمقراطي الوطني، وبلورت قيادة خاصة بها.ولاحقا سعى عرفات لعقد دورة جديدة للمجلس الوطني لتجديد شرعية القيادة. ورغم الخلافات المتنوعة التي عاشتها الساحة الفلسطينية، عقد المجلس دورته السادسة عشرة في العاصمة الجزائرية في شباط/ فبراير1983. وجدد التمسك بحق العودة وتقرير المصير واقامة الدولة. واعتبر قرارات قمة فاس بمثابة حد أدنى للتحرك العربي.
الى ذلك، استوعبت قيادة فتح أبعاد الانشقاق الداخلي وأهدافه وشرعت قيادة فتح بالتحضير لعقد دورة المجلس الوطني “السابعة عشرة” لتجديد الشرعية، وعقد في عمان في يوم 24 تشرين الثاني/نوفمبر 1984بالرغم من مقاطعة قوى اليسار. واصدر المجلس ، بيانا اكد فيه اهمية تعزيز العلاقة الفلسطينية ـ الاردنية. واتخذ قرارات هامة غابت عنها قضية حقوق اللاجئين باستثناء الحديث عن التمسك بالحقوق الوطنية الثابتة للشعب الفلسطيني والمتمثلة بحق العودة وتقرير المصير والدولة.
الى ذلك، واصل عرفات توجهه لتطوير العلاقة مع الاردن وتوصل الطرفان في11 شباط/فبراير1985، في عمان، الى “اتفاق للتحرك الاردني الفلسطيني المشترك”(37) ، تضمن موافقة م.ت.ف. غير الصريحة على القرار 242، وقبول مبدأ تشكيل وفد فلسطيني ـ اردني الى مفاوضات السلام. واعتبرت الإدارة الأمريكية الاتفاق خطوة بناءة. وفي تلك الفترة شهد التنسيق المصري الفلسطيني الاردني، حركة نشطة، وكثر الحديث عن تشكيل وفد اردني ـ فلسطيني مشترك للاجتماع برئيسة وزراء بريطانيا التفاهم مع حكومتها حول اعتراف المنظمة بالقرار 242 و 338 وحق اسرائيل في الوجود ضمن حدود آمنة ومعترف بها.
الإنتفاضة أحيت الحلم الفلسطيني بقيام الدولة
أوخر عام 1986 ومطلع عام 1987 تنامت الضغوط الداخلية والشعبية على قيادات الفصائل لاستعادة الوحدة الوطنية. وعقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته الثامنة عشرة في الجزائر في نيسان/ابريل 1987، وأطلق عليها اسم “دورة الوحدة الوطنية”. واتخذ المجلس قرارات ابرزها إلغاء اتفاق عمان، وتجديد التمسك بمبادرة بريجنيف. وبشان المؤتمر الدولي قرر المجلس “آخذا بعين الاعتبار قراري مجلس الامن الرقم 58/38ج ز رقم 43/41 بشأن المؤتمر الدولي، وقرارات الامم المتحدة المتعلقة بالقضية يؤيد عقد المؤتمر الدولي في اطار الامم المتحدة وتحت اشرافها وتشارك فيه الدول دائمة العضوية”.
وبعد أشهر قليلة انفجر غضب الفلسطينيين، في 9/12/1987، في الضفة والقطاع في وجه قوات الإحتلال، وتفجر احباط اللاجئين من العرب والعالم في انتفاضة شعبية عارمة، انطلقت من مخيمات غزة. فاجأت جميع القوى. ومثلت الإنتفاضة محطة في نوعية تفكير كوادر فصائل الثورة والمنظمة وقيادتهما. ولعبت أطروحاتها دورا رئيسيا في هز فكر وبنى الفصائل، وصححت وضع هرم الحركة الفلسطينة، وأعادت ثقلها من الخارج إلى موقعه الطبيعي على أرض الوطن.
وبعد أقل من ثلاث شهور على الإنتفاضة، طرح وزير الخارجية الأمريكي شولتس، أواخر شباط/ فبراير1988 مبادرة سياسية لحل الصراع أكد فيها على ان الهدف “سلام دائم يضمن امن جميع دول المنطقة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”. و”أساس المفاوضات قراري مجلس الامن 242 و 338 بكل بنودهما”. والتمثيل الفلسطيني يتم “في اطار وفد اردني فلسطيني مشترك”. واقترح جدولا زمنيا لمفاوضات المرحلة الانتقالية تنجز خلال 6 أشهر” و”المفاوضات حول الوضع النهائي تبدأ بعد 7 أشهر من بدأ المفاوضات الالنتقالية على ان تحقق هدفها خلال عام واحد”(38). في حينه، رفضت القيادة الفلسطينية إقتراح شولتس. وانتعشت اوضاع القيادة واعتبر بعض أعضائها أن يوم الإستقلال بات قريبا، وبالغ بعضهم بقدرات الإنتفاضة ورفض فاروق القدومي “أبو اللطف” عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عضو تنفيذية المنظمة أن تكون حدود الدولة محصورة في أراضي عام 1967، وطالبوا بتبني القيادة موقفا خلاصته تنفيذ قرار التقسيم ذي رقم181 الصادرعن الامم المتحدة في العام 1947.
مبادرة السلام كرست تأجيل بحث قضية اللاجئين
مع تواصلها وتصاعد زخمها، خلقت الانتفاضة وضعا جديدا في المنطقة، ووضعت النزاع على نار حامية، ودفعت بالهيئات الدولية والدول الكبرى للتحرك لحل الصراع. واستجابت الدول العربية لطلب قيادة م.ت.ف. بعقد مؤتمر قمة لدعم الانتفاضة. والتقى عدد من الزعماء العرب في الجزائر في حزيران/يونيو 1988 وبحثوا في سبل دعم الانتفاضة وأسس توحيد الموقف حول مفهوم التسوية.وجددوا التزامهم باعتبار م ت ف الممثل الشرعي والوحيد. وطالبوا بتحرك دولي من أجل إيجاد حل عادل وشامل للنزاع .
ومع تأكيد الانتفاضة على دور م.ت.ف.، أدركت القيادة الأردنية ان مرحلة جديدة بدأت على صعيد علاقتها بالضفة الغربية ومنظمة التحرير والوضع في المنطقة. وأعلن الملك حسين في 31 تموز/ يوليو1988عن فك الارتباط الأردني بالضفة الغربية(39)، لكن الاعلان لم ينهي الاشكالية الاردنية الفلسطينية حول وضع اكثر من 2 مليون لاجئ فلسطيني يعيشون في الاردن، حيث ترفض المنظمة اعتبارهم اردنيين.
لاحقا تحولت الانتفاضة الى نمط حياة. وواصلت بث شحنات قوية من توجهاتها السياسية الواقعية. وارسلت القيادة الوطنية الموحدة “قاوم” اكثر من رسالة للقيادة الفلسطينية تضمنت تعديل البرنامج المرحلي وتبني موقف واقعي يقوم على الاعتراف بالقرارين 242 و338 والاعتراف بوجود دولة إسرائيل ضمن حدودها قبل حرب 1967، وربط الاعتراف بتسليم إسرائيل ودول العالم بقيام الدولة الفلسطينية على أراضي الضفة وقطاع غزة. وكان مفهوما ان قيادة الانتفاضة تتصرف من وحي البرنامج المرحلي الذي يؤجل حل قضية اللاجئين الى ما بعد قيام الدولة في الضفة والقطاع. ولم يكن خافيا على احد ان هذا الموقف يتضمن تنازلا عن الحق الوطني العام في فلسطين التي صار اسمها اسرائيل، وحوّل قضية اللاجئين الى حقوق مدنية تتعلق بالملكية والتعويض والعيش في اسرائيل اسوة بالفلسطينيين حملة الجنسية الاسرائيلية.
فتحت القيادة الفلسطينية تحت ضغط الانتفاضة ورشة حوار حول عقد دورة جديدة للمجلس الوطني وتعديل البرنامج المرحلي للمنظمة وظهر تباين داخل القيادة وداخل كل فصيل من فصائل الثورة. وتشكل في الساحة تيار سياسي واقعي من مختلف الفصائل والشخصيات المستقلة. قاسمه المشترك الإقرار بدولتين لشعبين على أرض فلسطين التاريخية، والاعتراف بالقرارين 242و338، والإعلان عن قيام الدولة على الأراضي التي احتلت العام 1967. على أبواب انعقاد دورة المجلس التاسعة عشر، عقدت القيادة اجتماعات عدة لمناقشة التوجهات الجديدة ولخص عرفات الخيارات الفلسطينية وختم حديثه بتأكيد الحاجة إلى إعادة اسم فلسطين لحيز الوجود. ولم يتم التطرق لقضية اللاجئين باعتبارها قضية مؤجلة.
في اجتماع 6/10/1988، على ابواب المجلس الوطني عبرت الفصائل بدقة عن مواقفها. وكان جورج حبش الأمين العام للجبهة الشعبية أبرز المتحدثين الذين عبروا عن رأي المعارضين للاعتراف بالقرارين 242و338. بالمقابل، تولى صلاح خلف “أبو أياد” عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدفاع عن فكرة ربط الإعلان عن قيام الدولة بمبادرة سياسية تشمل الاعتراف بصيغة ما بالقرارين 242 و338 وقال: “قبل الانتفاضة كان لدينا برنامج مرحلي صار عمره 14سنة، ولم نفكر من قبل في تعديله وتطويره، أو في طرح أية مبادرة جديدة. والانتفاضة تدفعنا الآن للتفكير في هذا الموضوع الكبير”. وعن تعديل الميثاق قال: “من السهل إلقاء الخطابات عن قدسية الميثاق الوطني الفلسطيني، ولكن علينا أن نفكر بالخروج من الجمود والتحرك باتجاه الدولة، فالدولة لن تأتينا من السماء والرفض المطلق لها يخدم الأعداء”.
ورآى أبو اياد بناء على التجربة التاريخية ان من يريد تحرير فلسطين واسترداد الحق الفلسطيني عليه أن يبدأ بدولة على أي جزء من الأرض، والحديث يدور حول الضفة والقطاع. وقال: “من أجل الدولة المستقلة نقدم كل شيء”، وطلب من المجتمعين تذكر عبر الماضي، وذكرهم بأن الذين “سبقوكم” رفضوا عام 1947ـ1948 تقسيم فلسطين، فطارت الدولة الفلسطينية وطارت كل فلسطين.وان الصهيونية أخذت الارض شبرا وراء شبر، وفلسطين لن تعود دفعة واحدة”. وشدد على اهمية التفكير بمسؤولية في كيفية إعطاء الأجيال اللاحقة الفرصة والقدرة على متابعة النضال. وقال: “الدولة لن تقدم لكم على طبق من فضة ولا من تنك..وإذا كنتم لا تريدون التحرك عودوا الى الأردن، وسلموا الملك حسين الضفة مجددا، وقولوا أخطأنا عندما اعتبرنا أنفسنا الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني”.
في نهاية المناقشات تم تثبيت توجه بالإعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة الى جانب دولة إسرائيل، بالاستناد الى القرار181، وهو الأساس الدولي ذاته الذي قامت عليه دولة إسرائيل. وأتفق على تكليف الشاعر محمود درويش عضو المجلس الوطني ومن يريد الاستعانة به بصياغته. وجرى شبه توافق فلسطيني داخلي على اعلان المجلس عن قيام دولة فلسطين على الأراضي التي احتلت في العام 1967. أما الاعتراف بالقرارين 242و338 وبحق إسرائيل في الوجود وتشكيل الحكومة الفلسطينية المؤقتة فقد بقيت موضع خلاف. وانتقل الحوار حولهما الى جلسات الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني، التي عقدت في الجزائر من12-15/11/1988. وعبرت قيادة حماس عن موقفها ووجهت رسالة للمجلس قالت فيها ” ان انعقاد دورتكم يراد منه انتزاع شرعية الكيان اليهودي، وقد تتمثل بالاعتراف بقرار الامم المتحدة رقم 181 لعام 1947 أو القرارين242و338 التي تؤكد حق الكيان اليهودي في العيش بسلام وأمان فوق ارضنا المقدسة”. واقترحت حماس برنامج آخر يقوم على اساس، التاكيد على ان ارض فلسطين كاملة غير منقوصة حق للشعب الفلسطيني وللامة كلها، والوجود الصهيوني لا يبطل هذا الحق. وطالبت بالتخلي عن الحلول السلمية واعتماد الجهاد طريقا وحيدا واحياء العمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة.
الى ذلك، كان واضحا للقيادة الفلسطينية أن الجبهة الشعبية، وجبهة التحرير العربية الموالية للعراق وعدد من قيادات فتح، ضمنهم أبو اللطف، سيصوتون ضد الاعتراف بالقرارين 242و338، لكنهم سيصوتون لصالح الإعلان عن قيام الدولة على الأراضي التي احتلت عام 1967. أما الحزب الشيوعي فكانت قيادته من أشد المتحمسين للتوجهات الجديدة، وبخاصة مبادرة السلام. واشاد سليمان النجاب بقدرة العقل الفلسطيني على التفاعل مع مستجدات المرحلة الجديدة. وظل موقف قيادة الجبهة الديمقراطية ملتبسا، حيث لم يكن لديها موقف موحد، وظهرت خلافاتها الداخلية للجميع (40)
وقبل التصويت، إنبرى “أبواياد” للدفاع عن التوجهات الجديدة، بما فيها الاعتراف بالقرارين 242و 338، وقال: “البعض يحاول التذاكي علينا، المؤتمر الدولي، لن ينعقد على اساس جميع قرارات الامم المتحدة التي تتضمن قرار التقسيم رقم 181، والقرار الخاص بعودة اللاجئين رقم 194، هذه قضايا توضع على جدول الاعمال وليس شرط لانعقاد المؤتمر. واشار الى ان النضال الفلسطيني يمر في لحظات تاريخية شبيهة بتلك التي مر فيها منتصف الستينات وختم “لست بحاجة للقسم بأن “فتح” ستبقى وفية لمبادئها”، ولن تفرط بذرة من تراب فلسطين. وعند التصويت على القرارات السياسية صوت أعضاء الجبهتين الشعبية والعربية وعدد من قيادات وكوادر “فتح”، ضد الفقرة المتعلقة بالموقف من القرارين 242و338.
ومراجعة تاريخ الصراع يظهر أن مبادرة السلام الجديدة لم تكن المبادرة الأولى، لكنها كانت أول مبادرة فلسطينية واقعية تخلو من الرفض ومن “اللعم”، التي اشتهرت بها مواقف القيادة الفلسطينية: في العام 1968 طرحت فكرة الدولة الديمقراطية التي يتعايش فيها اليهود والمسيحيون والمسلمون على قدم المساواة وتضمنت الفكرة عودة اللاجئين الى ممتلكاتهم في هذه الدولة. وفي عام 1974 أعلنت القيادة قبولها إقامة سلطة وطنية فلسطينية على الأراضي التي ينسحب عنها الاحتلال. وفي عام 1977 أعلنت موافقتها الفورية على البيان الأمريكي- السوفيتي حول حل المسألة الفلسطينية. وفي 9/9/1982 أكدت قيادة م. ت. ف. موافقتها على مشروع الملك فهد الذي اعتمدته القمة العربية. وفي عام 1989 أعلنت موافقتها المبدئية على مشروع “شامير” للانتخابات. وعرض المشروع على القمة العربية التي انعقدت في الدار البيضاء في ايار1989 إلا أن كل تلك المبادرات لم تتحول إلى سياسة عملية.
إلى ذلك، بالرغم من كل الاشكالات التي وقعت في المجلس الوطني بين الفصائل حول القرارات السياسية، صوت المجلس بالاجماع فجر الخامس عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر1988على اعلان استقلال فلسطين، وقيام دولة فلسطينة على الأراضي الفلسطينية التي أحتلت في عام 1967. وجاء في الاعلان: على ارض الرسالات السماوية الى البشر، على ارض فلسطين ولد الشعب العربي الفلسطيني، نما وتطور وابدع وجوده الانساني والوطني عبر علاقته عضوية بين الشعب والارض والتاريخ وانفتح الجرح الفلسطيني على مفارقة : فالشعب الذي حرم الذي من الاستقلال وتعرض وطنه لاحتلال من نوع جديد، قد تعرض لمحاولة تعميم الاكذوبة القائلة ” ان فلسطين هي ارض بلا شعب”(41). “ومع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وحرمانه من حق تقرير المصير اثر قرار الجمعية العامة رقم 181 عام 1947، الذي قّسم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية، فان هذا القرار ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني.واستنادا للحق الطبيعي والتاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني…وانطلاقا من قرارات القمم العربية ومن قوة الشرعية الدولية التي تجسدها قرارات الامم المتحدة منذ عام 1947، فان المجلس يعلن قيام دولة فلسطين فوق ارضنا الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف. “ان دولة فلسطين هي للفلسطينين اينما كانوا فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية”.
في الحقيقة لم يجر التوقف، لا في الدورة التاسعة عشرة ولا في التحضيرات التي سبقتها أمام قضايا اللاجئين والنازحين باعتبارها مسائل مؤجلة، وكان المهم هو الاعلان عن قيام دولة فلسطين واطلاق مبادرة السلام، وما عدا ذلك تفاصيل ليس صعبا الاتفاق لاحقا حولها.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية لم يعالج قضية اللاجئين
بعض اعضاء المجلس اعتبروا اعلان قيام الدولة هدفا مرحليا، آخرون قالوا انه استراتيجي نهائي وتحقيقه انجاز تاريخي. وهناك من قال أنه ليس مفيدا الآن ولجيل او جيلين الخوض في نقاش عقيم حول تصنيف هذه الخطوة وقرارات المجلس تضمنت تنازلا صريحا عن اراضي رفض الآباء والأجداد عام 1947ـ 1948 تقديم أقل منه بكثير مقابل دولة على نصف فلسطين. وقرارات المجلس ومبادرة السلام فيها اعتراف ضمني بدولة اسرائيل. وما أقدمت عليه القيادة وقبلته بقيت عقدين من الزمن ترفضه ومترددة .
إلى ذلك، اعترف العرب ومعطم الدول الاسلامية ودول عدم الانحياز بالدولة الفلسطينية. واعلن الرئيس ريغان ان الحكومة الامريكية على استعداد للاجتماع مع عرفات عندما يتضح بشكل قاطع انه مستعد للاعتراف بحق اسرائيل في الوجود والتفاوض معها على هذا الاساس. وقدرت الدول الاوروبية للقيادة الفلسطينية خطواتها السياسية الواقعية الجديدة، وعومل ممثلي المنظمة كما يعامل رسميا سفراء الدول.
وفي كانون الاول /ديسمبر1988، اصدرت الامم المتحدة قرارا جديدا دعت فيه الى عقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط بمشاركة م ت ف على قدم المساواة مع الاطراف الاخرى. وقرر مجلس الامن ان يستعمل اسم فلسطين اعتبارا من 15 كانون الاول /ديسمبر بدلا من م ت ف، دون المساس بمركز المراقب للمنظمة ووظفائفها في منظومة الامم المتحدة.
لاحقا، مهدت وساطة اندرسون وزير خارجية السويد لحوار فلسطيني امريكي، وعقدت جلسته الاولى في “18/12/1988″ بعد شهر من انتهاء دورة المجلس الوطني ومن اطلاق مبادرة السلام الفلسطينية.
بعد الدورة الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني، امتد الخلاف الى الاراضي المحتلة ووصلت الاتهامات حد “تخوين” قيادة “فتح”. ولم يتورع بعض الفصائل عن نقل الصراع الى القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة. وانضمت الحركة الاسلامية في الداخل وفي الاردن ولبنان الى الحملة ضد قرارات المجلس الوطني وضد القيادة الفلسطينية. ورفضت قيادة حركة “حماس” قرارات المجلس والمبادرة الفلسطينية. واعتبرت وثيقة اعلان الاستقلال ومبادرة السلام استدراجا هدفه توجيه طعنة قوية لانجازات الانتفاضة(42). وتجدر الاشارة الى ان “حركة الجهاد الاسلامي” اصدرت هي الاخرى بيانا رفضت فيه قرارات المجلس الوطني ورفضت مبادرة السلام. واعتبرت “القبول بالقرار242 تنازل عن جزء هام من فلسطين”. وقال بيانها؛ “ان الدولة الفلسطينية، ان قامت، لن تتخلى، فقط، عن بقية فلسطين وعن حقوق اللاجئين بل لن تكون دولة لكل الشعب الفلسطيني، خاصة من هم في الشتات او داخل حدود 1948..”.
الى ذلك، أشهرت قيادة “فتح” سلاح الدفاع عن “القرار الوطني المستقل”، واتهمت المعارضة بالتفريط باستقلاليتها وباستقلالية القرار الفلسطيني والتضحية بالمصالح الوطنية لصالح الانظمة العربية. وشارك الحزب الشيوعي الفلسطيني في الدفاع عن مبادرة السلام. وكان الشيوعيون وجدوا في قرارات المجلس الوطني موقفا واقعيا يعيد الاعتبار لموقفهم عام 1947 بعده حين اتهموا بالتخاذل بسبب دعواتهم للموافقة على قرار الامم المتحدة رقم 181 الذي دعا الى تقسيم فلسطين، ودعوتهم بعد حزيران/ يونيو 1967 الى قبول قرارات الشرعية الدولية وخصوصا القرار 242 كاساس لحل القضية الفلسطينية.
في 13 كانون الاول / ديسمبر 1988، ألقى عرفات خطابه في الجمعية العامة للأمم المتحدة في جنيف، وعرض القرارات السياسية للمجلس الوطني. وعن الأساس الدولي لاعلان الإستقلال وحق اللاجئين في العودة، اشار الى أن شهادة الميلاد الوحيدة لقيام دولة إسرائيل هي القرار181 الصادر عن الجمعية العامة في 29 تشرين الثاني/نوفمبر عام 1947، وهو ينص على قيام دولتين في فلسطين واحدة عربية فلسطينية والثانية يهودية(43). وذّكر بقرار الجمعية العامة للامم المتحدة رقم 194 والقاضي بحق الفلسطينيين في العودة الى ديارهم وممتلكاتهم التي طردوا منها، أو التعويض على من لا يرغب في العودة. واكد ان ليس من حق الولايات المتحدة تجزئة الشرعية الدولية وتفتيت أحكام القوانين الدولية. لاحقا اعلن شولتس “أن الولايات المتحدة قررت فتح حوار مع منظمة التحرير بعدما وافقت على شروطنا وأعلنت رسميا نبذها للارهاب، وأقرت بحق إسرائيل في الوجود، وإعترفت بقرارمجلس الامن 242″. وأعلن شولتس، أن الادارة الأمريكية كلفت سفيرها في تونس “روبرت بيللترو الابن ” ترؤس الجانب الأمريكي في الحوار.
القيادة الفلسطينية لم تتكيف مع الموقف الامريكي
تسارعت الاحداث بعد الإعلان الأمريكي عن الحوار مع المنظمة. وجاء رد الفعل الاسرائيلي على عقد الجلسة الأولى من الحوار في 18/12/1988سريعاً ومنفعلا. وأعلن شامير استغرابة واستنكاره لقرار الإدارة الأمريكية فتح الحوار مع منظمة إرهابية ما زالت تسعى لتدمير دولة اسرائيل. وإعتبر خطاب عرفات وحديثه للصحفيين في جنيف “مناورة مكشوفة”. وطرح شامير في14/5/ 1989 مبادرة سياسية ابدى فيها استعداده اعطاء سكان الضفة والقطاع حكما ذاتيا، واجراء انتخابات لسلطة الحكم الذاتي. وطالب الادارة الامريكية العمل لإنهاء الإنتفاضة وإلغاء الميثاق الفلسطيني. ورفض مشاركة المنظمة في عملية السلام وتبني حل المسألة الفلسطينية عبر “الخيار الأردني” الذي رفضه سابقاً.
في المقابل إنقسم الموقف العربي حول خطاب عرفات والحوار الفلسطيني الامريكي. واعتبرت غالبية الانظمة وضمنها مصر والاردن ما تحقق إنتصارا للإنتفاضة. وعارضه آخرون وسارعت القيادة السورية واللبنانية واعتبرتا خطاب عرفات ومؤتمره الصحفي تفريطا بالقضية القومية، واستسلاما للشروط الامريكية الاسرائيلية. ولم يكن موقف النظام في العراق افضل، وان كانت معارضته ظلت هادئة وغير عدوانية.
في جولات الحوار الأربع، أظهر الجانب الأمريكي انحيازه الكامل للموقف الاسرائيلي، وكرر بيللترو بشكل واضح “لا تتوقعوا من الولايات المتحدة أن تضغط على إسرائيل ولا تنتظروا أن نفرض حلاً”. وتحول الحوار الفلسطيني الامريكي الى ما يشبه حوار الطرشان ووصفه ابو عمار انه يدور في حلقة مفرغة.
على أبواب اللقاء الرابع للحوار كان واضحاً أن عرفات بصدد تصعيد الموقف، ولمس عبر اتصالاته إصرارا أمريكيا على تجاوز م.ت.ف وتشكيل الوفد من الداخل فقط. وفي جلسة الحوار يوم 16 آب/اغسطس 1989، كرر بيللترو موقف بلاده. وحاول الوفد الفلسطيني زحزحة الموقف بخصوص التمثيل إلا أنه لم يفلح. عندها تلقى عبد ربه موقفا واضحا من عرفات “أبلغ بيللترو ‘لا‘ فلسطينية كبيرة لاطروحاته”. ونفذ عبد ربه التعليمات وتم تعليق الحوار. ومع توقف الحوار الفلسطيني الامريكي إنتعش دور القناة المصرية بين الطرفين. ومن خلالها تقدم وزير الخارجية بيكر باقتراحه الشهير والذي عرف باسم نقاط بيكر الخمس(44). وفي اواسط ايلول 1989، طرح الرئيس حسني مبارك ما اصطلح على تسميته بـ”النقاط العشر” المصرية وكان اهمها قبول مبدأ مبادلة الارض بالسلام كجزء لا يتجزأ من التسوية نهائية(45).
مؤتمر مدريد للسلام جمد بحث قضية اللاجئين بضع سنين
في سياق سعيها لانجاح حركتها الجديدة، وجهت الادارة الأمريكية ضغوطها على م.ت.ف كونها الحلقة الأضعف. في حينه تفاعلت م ت ف بحذر مع التحركات عبر القناة المصرية. وفي كانون اول/ديسمبر 1989، سلمت الحكومة المصرية الادارة الامريكية موافقة م ت ف على اجراء مباحثات اسرائيلية-فلسطينية. واقترح بيكر ان تقبل اسرائيل بمشاركة مبعدين من المناطق المحتلة وممثلين عن القدس العربية في الوفد الفلسطيني. ووافق وزراء حزب العمل في الحكومة الائتلافية على اقتراح بيكر وعارضة وزراء الليكود، الامر الذي ادى الى انفراط عقد الحكومة الائتلافية في آذار/مارس1990.
صيف1990، بدأت تظهر في سماء المنطقة العربية ملامح أزمة الخليج. وبدأت تلقي بظلالها على الانتفاضة وعلى عملية صنع السلام في المنطقة. وفي ايار/مايو1990، عقد الزعماء العرب قمة في بغداد واعربت عن دعمها للعراق في مواجهة التهديدات الاسرائيلية. وبعد بضعة اسابيع يوم 2 آب/اغسطس اجتاحت قواته الاراضي الكويتية. ومع بدء الهجوم العراقي استنفرت اسرائيل قواتها وانتهى الحديث عن حوار فلسطيني-أمريكي، وعن مفاوضات فلسطينية-اسرائيلية.
وبعد هزيمة العراق وطرد قوته من الكويت، بادر الرئيس الامريكي جورج بوش الأب يوم 6 آذار/مارس 1991 إلى إعلان مبادرة لصنع السلام في المنطقة، حدد فيها رؤية لأسس السلام في المنطقة على النحو التالي: (1) الأرض مقابل السلام. (2) تطبيق قراري 242 و 338 من خلال المفاوضات. (3) تحقيق الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني. (4) ضمان الأمن والسلام لإسرائيل ورحبت قيادة م.ت.ف بالمبادرة، مبدية استعدادها للتكيف مع النظام الدولي الجديد ومع السياسة الأمريكية الشرق أوسطية. واعتبرت النقطتين الثانية والثالثة في المبادرة توفران الاساس لبحث قضية اللاجئين. ورحبت الدول العربية بالمبادرة، ونجح بيكر في انتزاع موافقة شامير حضور المؤتمر. وبانعقاد مؤتمر مدريد يوم 31 تشرين الاول/أكتوبر1991، دخل البحث عن حل للنزاع مرحلة جديدة. هل ستنجح عملية السلام في حل مشكلة اللاجئين جوهر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي؟
وعلى هدي المبادرة، تحرك الوزير بيكر لإعداد وتهيئة المسرح دولياً وإقليمياً لانطلاق المفاوضات العربية والفلسطينية-الإسرائيلية. ورغم تقديمه لنفسه كوسيط أمين مارس من لقائه الاول مع الشخصيات الفلسطينية في القدس في 13/3/1991 وحتى آخر لقاء ضغطه على الطرف الفلسطيني الضعيف وأرغمه على تقديم التنازلات. ألزمه بحضور ناقص عن الآخرين، وفرض عليه الدخول في مفاوضات على مرحلتين، وأجل بحث مسألة اللاجئين. وغيرها من الشروط المجحفة التي تضمنتها رسالة الدعوة(46).
وعمل بيكر على استثمار الترحيب الدولي ووسع المشاركة ومنح اليابان مسؤولية لجنة البيئة في المؤتمر متعدد الأطراف، وتسلمت كندا لجنة اللاجئين، وتولت هولندا مسؤولية لجنة المياه.وبتوفر الدعم والإسناد الاقليمي والدولي، تهيأ المسرح الدولي لوضع مبادرة بوش على أفضل وأمتن سكة دولية. وفي سياق تشجيع شامير اسرائيل على المشاركة منح بيكر اسرائيل رسالة تطمينات أمريكية. ومقابل رسالة الضمانات لاسرائيل أعطى الوزير بيكر رسائل ضمانات للاطراف العربية المشاركة في المؤتمر وضمنها الوفد الفلسطيني في اطار وفد اردني فلسطيني مشترك (47).
وبمراجعة رسالة الدعوة وكتاب التطمينات للحكومة الاردنية والجانب الفلسطيني يمكن القول ان حقوق اللاجئين ظلت محفوظة من الناحية النظرية دون تعريف او تحديد. ووافق الجانب الفلسطيني على تاجيل بحثها الى مفاوضات الوضع الدائم. واعتبر الطرفان الفلسطيني والاردني نص رسالة الدعوة وكتاب التطمينات أن ” السلام الشامل يتوفر في قراري مجلس الأمن 242 و 338، وفي مبادئ الأرض مقابل السلام والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني” يوفر ضمانة مقبولة لبقاء قضية اللاجئين حية وبقاء حقوقهم محفوظة. ولن يتاخر بحثها خاصة وان رسالة التطمينات تضمنت “ستعقد المفاوضات بهدف التوصل الى اتفاق خلال عام واحد فقط. وتستمر ترتيبات حكم الذات الانتقالي فترة خمس سنوات ومع بداية العام الثالث لفترة ترتيبات حكم الذات الانتقالي ستبدأ المفاوضات حول الوضع الدائم”.
بعد إبلاغ الوزير بيكر بالموافقة الفلسطينية على المشاركة في مؤتمر السلام بشقيه الثنائي والمتعدد الأطراف، ارتفعت وتيرة الخلافات الفلسطينية الداخلية وتطورت إلى مستوى تشكيك المعارضة الفلسطينية بشرعية القيادة. ولهذا وجدت القيادة نفسها أمام ضرورات دعوة المجلس الوطني للانعقاد.
قبل انعقاد الدورة العشرين برزت في الساحة الفلسطينية تساؤلات:هل تمر الدورة بسلام وهل ستخرج بقرارات واقعية قادرة على تحقيق حضور فلسطيني في الحركة الأمريكية. وبعد نقاش صعب حسم الموقف في المجلس لصالح المشاركة في عملية السلام وصدر القرار بنص يقول: (يؤكد المجلس أن المساعي لعقد مؤتمر السلام تتطلب مواصلة العمل مع الأطراف الأخرى لتحقيق الأسس التالية: استناد مؤتمر السلام إلى القرارين 242 و 338 وتحقيق مبدأً الأرض مقابل السلام. واعتبار القدس جزءا لا يتجزأ من الأراضي المحتلة. وقف الاستيطان. حق م.ت.ف في تسمية الوفد من الداخل والخارج والقدس. وفهم الجميع ان حقوق اللاجئين محفوظة في الاشارة الى “ضمان ترابط الحل في كل المراحل”.
بتلقي الرد الفلسطيني الإيجابي على المشاركة في المؤتمر استكمل بيكر حشر 16 دولة عربية، وما يزيد عن عشرين دولة أخرى في عربات قطار مؤتمر السلام الثنائي والمتعدد الأطراف. وسلم بيكر كل طرف، كتاب دعوة، حدد له مقعده ودوره في العملية. وسلم الأطراف المشاركة في المفاوضات الثنائية كتب تطمينات.. وقالت رسالة الدعوة،: الهدف من العملية هو السلام الحقيقي والمصالحة بين الدول العربية وإسرائيل والفلسطينيين وتحقيق تسوية عادلة وشاملة ودائمة. الحل المنشود يجب أن يوفر الأمن والاعتراف لجميع دول المنطقة بما فيها إسرائيل، والحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني. الوصول إلى سلام شامل يتأسس على قراري مجلس الأمن 242 و338 ومبدأ الأرض مقابل السلام.
بعد سقوط شامير وفوز حزب العمل في الانتخابات الاسرائيلية كان رابين أمام انتفاضة مستمرة وإدارة أمريكية راغبة في تواصل المفاوضات ووصولها نتائج ملموسة. ووجد مفاوضات إسرائيلية فلسطينية، وإسرائيلية عربية متعثرة تدور في حلقة مفرغة. وتقدم شمعون بيريز وطاقم الخارجية بقيادة يوسي بيلين باتجاه جس نبض المنظمة واستطلاع مواقفها. وعندما التقطت السنارة طرف الخيط، حاول رابين الهروب من شر التفاوض مع المنظمة ومع عرفات لكنه لم يفلح. وبعد عدة شهور عقدت لقاءات عديدة في لندن واوسلو بين مبعوثين رسميين من م .ت. ف. ومبعوثين من قبل بيريز وبيلين. ووافق رابين على الأخذ بوجهة نظر بيريز وبيلين وسايرهما في محاولتهما. وفي النهاية أصبح رابين أحد أبطال قصة الاتفاق السري الذي تم التوصل له في أوسلو، وكان أبرز المرشحين لنيل جائزة نوبل للسلام.
اوسلو والاعتراف المتبادل تضمن تنازل عن حقوق تاريخية
في مفاوضات اوسلو السرية، انتقلت قضايا اللاجئين والنازحين الى طاولة المفاوضات. وفي اتفاق اعلان المبادئ “اتفاق أوسلو” 1993 احيلت حقوق اللاجئين الى مفاوضات الوضع النهائي على أن تبدأ منتصف عام 1996. وجاء في الاتفاق (يتفق الطرفان على ان الوقت قد حان لانهاء عقود من المواجهة والنزاع والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة…ولتحقيق تسوية سلمية ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية..). وفي بند آخر حدد الاتفاق قضايا الحل النهائي (وهذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها، القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، ومسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك). و(يتفق الطرفان على ان لا تجحف او تخل اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم). (ومن المفهوم ان المفاوضات حول الوضع الدائم ستؤدي الى تطبيق قراري مجلس الامن 242 و338).
وتجدر الاشارة الى أن اتفاق اوسلو ميز بين لاجئي 1948 ونازحي 1967 واحيلت قضية النازحين الى اللجنة الرباعية التي تشكلت عام 1995 من مصر والاردن واسرائيل والمنظمة. واغرق الطرف الاسرائيلي مفاوضات الحل الدائم وضمنها اللاجئين والنازحين في مناقشات اجرائية ادت الى هدر الوقت. وبقيت حقوق النازحين معلقة لا بل يمكن القول انها ربطت عمليا ودون قرار بمعالجة حقوق اللاجئين.
بعد تشكيل السلطة الوطنية وانتقال القيادة الفلسطينية من الخارج الى الضفة وقطاع غزة عام 1994بدأ الجانب الاسرائيلي يلح على ضرورة التزام الجانب الفلسطيني بالاتفاقات والغاء بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تدعو الى تدمير اسرائيل وتتعارض وروح الاتفاقات الموقعة بين الطرفين. في حينه حاولت القيادة الفلسطينية التهرب من تنفيذ هذا الالتزام الا ان ادارة كلينتون كانت لها بالمرصاد. وبعد جدل داخلي صعب دعت اللجنة التنفيذية الى عقد الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني. وعقدت الدورة على ارض فلسطين في قطاع غزة في صيف 1996. وبعد نقاش مسئول قرر المجلس باغلبية الاصوات اعادة صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني بما يتلائم واستيعاب التطورات، والغاء كافة البنود التي تتعارض مع الالتزامات والاتفاقات التي وقعتها قيادة المنظمة مع اسرائيل. وشكلت لجنة خاصة لدراسة التفاصيل ووضع تصور لمسودة ميثاق جديد. وبقيت م ت ف حتى الان دون ميثاق جديد.
إلى ذلك، وجد الجانب الفلسطيني في اجتماعات “مجموعة اللاجئين” 1992ـ 1995، التي انبثقت عن مفاوضات متعددة الاطراف، منبرا لعرض قضية حقوق اللاجئين. وتمسك على مدى ثمانية اجتماعات عقدت في موسكو واوسلو واوتوا وتونس والقاهرة وجنيف، بالقرار 194 كأساس لحل المشكلة. وضغط باتجاه التعامل مع قضايا ملموسة جوهرها انساني لها بعد سياسي منها قضايا لم شم العائلات. وناقش قضايا تتعلق بالصحة والتنمية الاقتصادية تحسين ظروف معيشية اللاجئين في دول الاستضافة. ولم تسفر المحادثات عن نتيجة، وصار ذكر حقوق اللاجئين كما ورد في القرار 194 اشبة بالروتين. وزج الجانب الاسرائيلي المحادثات في متاهات تحديد التمثيل الفلسطيني وتعريف من هم اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم وموقع اللاجئين اليهود في الحل.

حقوق اللاجئين في مفاوضات كامب ديفيد ومحادثات طابا
في سياق الاتصالات التي اجرتها الادارة الامريكية لتسوية خلافات الطرفين حول تنفيذ الاتفاقات التي وقعوها في اوسلو وما بعده، واستكمال المفاوضات حول قضايا الحل النهائي، دعت الطرفين لاجراء جولة من المفاوضات على مستوى القمة تضم عرفات وبراك اضافة لرئيس كلينتون. وتمهيدا لعقد قمة كامب ديفيد أبلغت وزيرة الخارجية اولبرايت القيادة الفلسطينية ان باراك قادم الى واشنطن وبجعبته افكار جديدة لحل قضايا المرحلة النهائية القدس واللاجئين والحدود والاستيطان..الخ في حينه تصور كلينتون، بناء على تقييم الإسرائيليين ونصائح بعض مستشاريه، أن الظرف ناضج للخروج من القمة باتفاق. حده الأدنى توقيع “اتفاق إطار موسع” يتضمن حلولا وأفكار تمرّحل قضايا الحل النهائي المطروحة في المفاوضات، ويتضمن بحده الأعلى “إعلان مبادئ” أسس تسوية نهائية وشاملة للنزاع الفلسطيني ـ الإسرائيلي المزمن.
واعتقد كلينتون أن الاتفاق يكفي لتنفيس الاحتقان الذي تعيشه عملية السلام ويمكنها تجاوز موعد 13 أيلول/ سبتمبر2000 تاريخ انتهاء مفاوضات الحل النهائي. وبه يدخل التاريخ كصانع سلام نجح في تسوية اعقد وأطول قضية شهدها القرن العشرين. واعتقد كلينتون ان العرض الذي يحمله باراك يكفي لذلك.
من جهته حاول عرفات تأجيل القمة وإلزام باراك تنفيذ بقية قضايا المرحلة الانتقالية لكن كلينتون واركانه رفضوا التأجيل، ومارس سيد البيت الأبيض ضغوطا شديدة على الطرف الفلسطيني للمشاركة في القمة في الزمان والمكان اللذين حددهما بتنسيق مسبق مع باراك واشنطن 11 تموز/يوليو2000. ولم يشأ عرفات توتير العلاقة مع كلينتون حول مسالة زمان ومكان القمة، وأرسل يوم 9/7/2000 أبو علاء وصائب عريقات وحسن عصفور إلى واشنطن لاستطلاع الأجواء .
وقبل التوجه إلى واشنطن حاول عرفات التسلح بموقف عربي موحد بشأن تسوية قضيتي القدس واللاجئين باعتبارهما قضيتان يتداخل فيهما الشأن الوطني الفلسطيني بالقومي العربي. لكن محاولته باءت بالفشل واصطدم بضعف النظام السياسي الرسمي العربي وتفككه ورضوخه للضغوط الأمريكية. وعارضت الإدارة الأمريكية انعقاد قمة عربية مصغرة أو واسعة أمل عرفات في عقدها قبل قمة كامب ديفيد، وتذرعت إدارة كلينتون بحجة حماية لقاء باراك عرفات المرتقب من أية تأثيرات سلبية.
وانتهز عرفات اكثر من مناسبة وأبدى استيائه من تسرّع الرئيس كلينتون في الدعوة للقمة. وقلل من احتمال نجاح مفاوضات كامب ديفيد، وتعهد علنا للشعب بالتمسك بالثوابت كما أقرتها المؤسسات التشريعية الفلسطينية والشرعية الدولية. وقال في المجلس المركزي: “إن حقوقنا معروفة ولن نحيد عنها، ولا ياسر عرفات ولا أي زعيم فلسطيني أو عربي يمكنه التنازل عن الحقوق الفلسطينية في القدس، ولا أحد يستطيع التصرف بحقوق اللاجئين في العودة والتعويض‏ التي ثبتتها قرارات الشرعية الدولية”.
وكان واضحا لاعضاء المجلس أن أبو عمار يريد بيانا متشددا يتسلح به في المفاوضات. واصدر المجلس بيانا يوم 3 تموز/يوليو 2000، راجعه عرفات كالعادة وعدله، وجاء في القرارات(48) “إن المجلس المركزي يؤكد على قراراته السابقة الخاصة بقضايا مفاوضات الوضع النهائي ويؤكد على “التمسك بحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم تطبيقا للقرار194 ورفض توطينهم وحرمانهم من حق العودة”.
وفي مفاوضات كامب ديفيد شكل الطرفان ثلاث لجان مواضيع: الأولى خاصة بالقدس، والثانية بقضايا الحدود والمستوطنات والأمن، والثالثة لبحث قضية اللاجئين من جميع جوانبها. وكلف عرفات محمود عباس “أبو مازن” منسق أعمال لجان التفاوض بقيادة لجنة اللاجئين.
وعند دخول الرؤساء الثلاث كلينتون وباراك وعرفات في بحث مستقبل مدينة القدس ومصير اللاجئين تمسك عرفات بقوة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية الخاصة بهما، وابلغ كلينتون رفضه توقيع أي اتفاق ينص على إنهاء النزاع ولا يتضمن حل قضيتي القدس واللاجئين. وكرر الموقف ذاته في رسالة خطية ارسلها الوفد الفلسطيني يوم 17/7/2000 إلى الإدارة الأمريكية جاء فيها(49): “نحن نسعى للتوصل إلى اتفاق سلام ، وبالنسبة للمسائل الثلاث التي تحدثنا عنها فاننا على استعداد للذهاب إلى ابعد الحدود، إن كان ذلك ضمن حل يضمن السيادة الفلسطينية على القدس والاتفاق على حل عادل لقضية اللاجئين على أساس الشرعية الدولية وخاصة القرار194..الخ وبجانب الرسالة كشف عرفات للرئيس كلينتون أنه لا يستطيع التصرف بمصير اللاجئين والقدس بمفرده، ولا بد من العودة لأخذ رأي عدد من زعماء العرب.
وتأكد الرئيس كلينتون في اللقاءات أن قضايا الخلاف شائكة وحساسة ولها أبعاد رمزية عند الطرفين وخاصة قضيتي القدس واللاجئين. وظهر له أن قدرة باراك وعرفات على التصرف بهما محدودة وحلهما لم ينضج وليس بمقدورهما تقديم تنازلات تقرب الواحد منهما من الحدود الدنيا التي تلبي قناعة الآخر وتحقق له أهدافه الاستراتيجية وتمكّنه من تمرير الاتفاق في إطار مرجعيته الرسمية والشعبية. وتحت ضغط الخوف من فشل القمة، اضطر رئيس وزراء إسرائيل “باراك” إلى خفض سقف توقعاته، وتراجع عن بعض مواقفه. صحيح انه رفض الاعتراف بمسئولية إسرائيل عن نكبة اللاجئين عام 1947-1948، ورفض الإقرار بحقهم في العودة إلى أرضهم حسب قرار الأمم المتحدة رقم 194..الخ لكن الصحيح أيضا أنه اقر بتحمل إسرائيل مع الآخرين المسئولية المعنوية عن نكبتهم وتشريدهم، وقبل بعودة بعضهم إلى أرضهم التي صار اسمها إسرائيل، وأصر على أن يتم ذلك في إطار إنساني وتحت بند لم شمل العائلات.
وفي احد اللقاءات ركز فيه الرئيس كلينتون على حل قضية اللاجئين، تحدث عرفات عن خصوصية وضع اللاجئين في لبنان وضرورة إعطائهم أولوية في المعالجة وشرح هذه الخصوصية وموقف القوى اللبنانية من تجنس اللاجئين الفلسطينيين. واستفسر كلينتون عن العدد، وبعد سماع الرقم 380 ألف لاجئ قال كلينتون بحضور باراك؛ يمكن تنظيم عودتهم في غضون 10سنوات، “حسب رواية عرفات”، وكان يعني حصر العودة الى اسرائيل في هذا العدد فقط. وصمت باراك واعتبر عرفات صمته موافقة على عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان إلى أرضهم التي صار اسمها إسرائيل تحت رعاية الإدارة الأمريكية(50).
وبعد عودته من كامب ديفيد فتح مقر الرئاسة في رام الله أمام القوى والشخصيات لتهنئة أبو عرفات على السلامة وتحيته على الصمود. وسمع المهنئين عبارات أشادت بموقفه في الكامب من حل قضيتي القدس واللاجئين وغمز أنصار عملية السلام من قناة قادة المعارضة الفلسطينية الذين شككوا بصلابة الموقف الفلسطيني. وتأكد أطرافها التزام عرفات بمقولة اظهار المرونة والتساهل في قضايا الحل الانتقالي لا ينطبق على الموقف بشان حل القضايا النهائية المصيرية وبخاصة قضيتي القدس واللاجئين.
وفي يوم 28/8/2000 عقد اجتماع للجنة القدس في المغرب بناء على طلب القيادة الفلسطينية وأعلنت اللجنة في بيانها الختامي رفضها لأية محاولة لانتقاص من السيادة الفلسطينية على القدس الشرقية. ودعت جميع دول العالم إلى الاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس وطالبت بتطبيق قراري الأمم المتحدة رقم 242 و338 والقرار رقم 194 حول عودة اللاجئين الفلسطينيين.
وفي اجتماعات المجلس المركزي التي عقدت في غزة في أيلول/سبتمبر2000، أوضح عرفات موقفه، وتحدث بإسهاب عن تمسكه بقرارات المجلس الوطني وقرارات الشرعية الدولية والقمم العربية المتعلقة بقضيتي القدس واللاجئين. واستمع المجلس إلى تقرير تلاه أبو مازن رئيس أطقم المفاوضات الانتقالية والنهائية. تحدث فيه عن الصمود في وجه الضغوط وقال؛ “كانت كل الضغوط والتهديدات والإغراءات موجهة أساسا إلى أبو عمار الذي صمد أمامها وتحملها بكل اقتدار. وكانت الصورة واضحة في ذهنه لا تنحرف عن الخط المستقيم المتمثل بمطالب شعبنا المركزية وبخاصة الارض والقدس واللاجئين ..”.
وقبل عودته من كامب ديفيد، اقنع باراك نفسه أن الضغط على الشعب الفلسطيني وقيادته يمكّنه من انتزاع تنازلات بشأن القدس واللاجئين والأرض، لم ينتزعها في كامب ديفيد. واعتقد أن افتعال صدام معهم يساعده في تبرير فشله في التوصل إلى اتفاق. ورغم حرصه على القول في مؤتمره الصحفي الذي عقده قبل صعوده الطائرة عائدا إلى تل أبيب: “انه طالما لم يتم إبرام اتفاق سلام فان كل الأفكار الإسرائيلية التي طرحت في المفاوضات لاغية”، إلا أن قوى اليمين الإسرائيلي لم تغفر له موافقته في “الكامب”.
الانتفاضة الثانية تعقد حل قضية اللاجئين
ومع تفجر “الانتفاضة” الثانية دخل الصراع حول الحل النهائي وبخاصة الاستيطان والقدس واللاجئين مرحلة جديدة. واعتقد بعض الفلسطينيين ان الانتفاضة “المسلحة” كفيلة بتحسين الشروط الفلسطينية. بالمقابل اعتقد باراك انه نجح في استدراج الفلسطينيين الى الميدان الذي يريد وان الضغط الاقتصادي والامني كفيل بارغام قيادتهم على تقديم تنازلات لم تقدمها في الكامب. وراح كل طرف يراهن على تراجع الطرف الآخر. وحاول عرفات مرة أخرى الاستعانة بالوضع العربي ونجت الانتفاضة في تقديم موعد القمة العربية الاستثنائية، ودعا الرئيس مبارك بصفته رئيس القمة إلى عقدها يوم 21 تشرين الأول/ أكتوبر2000.
الى ذلك، رفعت الإدارة الأمريكية وتيرة ضغطها على الرئيس مبارك لترتيب قمة تجمع عرفات وباراك وألح كلينتون على عقدها في الأراضي المصرية. وفضل عرفات تأجيلها إلى ما بعد القمة العربية. إلا أن كلينتون رفض وأصر على موقفه ومارس ضغوطا قوية على عرفات لتغيير موقفه. واستجاب عرفات للضغوط ولم يشأ نسف بقايا جسور العلاقة مع ادارة كلينتون. وبعد التشاور حدد يوم 16/10/2000 موعدا لانعقادها، اي قبل اقل من اسبوع من موعد القمة العربية. وانتزع عرفات بمساندة مصرية موافقة أمريكية على مشاركة أمين عام الأمم المتحدة ومندوب عن المجموعة الأوروبية إضافة لمصر والأردن.
يومي 16تشرين الأول/ أكتوبر 2000، التقى في شرم الشيخ كل من الرئيس كلينتون وباراك وعرفات ومبارك والملك عبد الله الثاني وخفير سولانا عن المجموعة الأوروبية والأمين العام للأمم المتحدة. وتركز النقاش حول وقف العنف والاشتباكات الجارية بين الجيش الإسرائيلي والفلسطينيين ولم يتم التطرق لقضايا الحل النهائي وضمنها الاجئين. ولم يتمكن الرئيس كلينتون الخروج من القمة باتفاق، وأنهاها ببيان أمريكي يوم 17/10/2001، (51) ‏ تضمن دعوة الطرفين إلى التهدئة وإعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل يوم 29/9/2000. وعاد عرفات من القمة إلى غزة مزهوا بصموده في وجه الضغوط الأمريكية الإسرائيلية مرة ثانية. وتعززت ثقة الشارع الفلسطيني بموقفه، وتساءل مثقفون كثيرون حول أسباب عدم صمود المفاوض الفلسطيني في مفاوضات المرحلة الانتقالية كما صمد في مفاوضات الحل النهائي. وعقدت القيادة الفلسطينية اجتماعا في غزة يوم 17/10/2000، نفت فيه جملة وتفصيلا المزاعم الإسرائيلية حول وجود اتفاقات سرية في قمة شرم الشيخ، وبدأت الاستعدادات للقمة العربية.
ومع افتتاح أعمال القمة يوم 21/10/200 وجد الزعماء العرب أنفسهم أمام امتحان سياسي عسير. واتخذت القمة جملة قرارات سياسية ومالية جددت تمسكها بالثوابت العربية. وتبنى الزعماء رؤية الفلسطينيين للانتفاضة ورفضوا اعتبارها أعمال عنف. وصارت قرارات القمة وبخاصة المتعلقة بالقدس واللاجئين قيدا على القيادة والمفاوضين الفلسطينيين. وهذا القيد العربي إرادة عرفات وسعى له وحصل عليه بأمل تدعيم موقفه في المفاوضات. وبعد ثلاثة أسابيع من القمة العربية عقدت قادة الدول الإسلامية قمة في الدوحة 11ـ12/11/2000. وفي كلماتهم الرسمية العلنية تبارى زعماء الدول الإسلامية في الإشادة بالانتفاضة وشجبوا الممارسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ودعا القادة “الدول الأعضاء التي أقامت علاقات مع إسرائيل إلى قطع هذه العلاقة ووقف التطبيع معها حتى تقوم بتنفيذ قرارات الأمم المتحدة الخاصة بقضية فلسطين والقدس الشريف واللاجئين والنزاع العربي الإسرائيلي”.
كل ذلك جرى في وقت بات استحقاق الانتخابات الأمريكية يوم 7/11/2000 يدق أبواب البيت الأبيض. وصار قدر الشعب الفلسطيني وشعوب الشرق الأوسط انتظار انتقال الرئاسة الأمريكية أواخر كانون الثاني/ يناير2001 إلى الرئيس الأمريكي الجديد، قبل أي حديث جديد حول استئناف المفاوضات.
وعلى خلفية مواقف باراك من قضايا الحل النهائي وفشله بمواجهة الانتفاضة وحماية الإسرائيليين قدمت للكنيست الإسرائيلي اقتراحات عدة لحجب الثقة عن حكومته. وصوت الكنيست يوم 28/11/2000، بالقراءة الأولى بأغلبية بسيطة لصالح اقتراح قدمته أحزاب اليمين المتطرف يدعو إلى حل الكنيست لنفسه والتوجه لانتخابات برلمانية مبكرة. وظهر لجميع المعنيين بأمر السلام في الشرق الأوسط إن حكومة باراك منهكة من الصراعات الداخلية وغير مؤهلة للتقدم خطوات جديدة على طريق السلام اكثر من النقطة التي وصلتها في قمة كامب ديفيد، وغير قادرة على دفع مستحقات حل قضيتي القدس واللاجئين كاملة.
في محادثات طابا حصل تقدم في معالجة قضية اللاجئين.
على أبواب الانتخابات الإسرائيلية 6 شباط/فبراير2001 اعتقد أركان حزب العمل وقادة اليسار أن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين هو السبيل الوحيد لتخليص باراك من تخبطه والخروج من الورطة الذي حشرهم فيها. وتصور أركان الإدارة الأمريكية أن عقد مثل هذه الصفقة كفيل بمساعدة باراك في كسب أصواتا انتخابية تكفي لإنقاذه ويجنبهم الاضطرار لاحقا إلى التعاطي مع شارون زعيم المتطرفين. وتحت ضغط حاييم رامون ويوسي بيلين وآخرون في قيادة حزب العمل تحدث باراك عن إمكانية عقد اتفاق انتقالي مع السلطة الفلسطينية، يقوم على تـأجيل قضيتي القدس واللاجئين مقابل تأجيل إنهاء النزاع. علما أن باراك ظل إبان خدمته في الجيش وجوده في رئاسة الوزراء، يعارض الاتفاقات المرحلية التي وقعها رابين.
في حينه، أسرعت القيادة الفلسطينية إلى رفض البحث في صفقة تأجيل إنهاء النزاع مقابل تأجيل حل قضيتي القدس واللاجئين. وبلّغت باراك عبر قنوات الاتصال الخاصة، إصرارها على حل قضايا الحل النهائي دفعة واحدة. ولم تسمع لبعض الأصوات القليلة التي اعتبرت الاقتراح خطوة تقرب الشعب من حقوقه، وتحسن الموقف الفلسطيني في المفاوضات، وتسهل حياة الناس على الأرض(52).
واعتقد أركان القيادة الفلسطينية أن تأجيل حل قضيتي القدس واللاجئين يتسبب بضياع الحقوق الفلسطينية في هاتين القضيتين. خصوصا ان الجانب الإسرائيلي سعى دائما إلى تجنب بحثهما، وتأجيلهما يعني انه سوف يضاعف الاستيطان في القدس ويوسع الهوة بين القيادة واللاجئين داخل وخارج الوطن ويولد انقسام خطير بين الداخل والخارج. وسوف تتهم القيادة على أنها ضحت بحقوق اللاجئين من أجل دولة على أرض الضفة والقطاع، والتأجيل يوفر أرضية خصبة في صفوف اللاجئين لتقبل هذه الأفكار.علما أن الوقائع التاريخية بينت لجميع لفلسطينيين في الداخل والخارج أن تأجيل حل قضية اللاجئين نصف قرن من الزمن لم يفقد أصحابها حقوقهم. وفي مفاوضات الحل النهائي دبت الحياة فيها وعادت وكأنها قضية حديثة العهد.
لاحقا جدد الرئيس كلينتون محاولاته، وبعد إلحاح شديد منه شخصيا وافق عرفات على استئناف المفاوضات في واشنطون دون تحديد جدول أعمالها، وعقد العزم على الصمود من جديد وتكرار تجربة كامب ديفيد إذا اقتضت الضرورة ذلك. ويوم 19/12/2000 استأنفت على مستوى الوزراء. وبعد مفاوضات إيجابية. وعشية أعياد الميلاد أعلنت الإدارة الأمريكية ان المفاوضات حققت مزيدا من التقدم في حدود الصلاحيات المخول بها الوفدين وبررت انهائها بسبب عطلة الأعياد وحاجة الوفدين إلى التشاور مع قياداتهم.
وقبل مغادرة الوفود دعا كلينتون يوم 23/12/2000 أعضاء الوفدين إلى لقاء مفاجئ، حضره أركانه. تلا فيه على الوفدين أفكاره لحل القضية وإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي(53)، عرفت لاحقا “بأفكار كلينتون”. لخص فيها مفاوضات الطرفين خلال عهده حول سبل إنهاء النزاع، وبخاصة ما تم في قمة كامب ديفيد الثلاثية وبعدها، وقدم كلينتون أفكاره للوفدين بطريقة دراماتيكية حسب رواية الوفد. وحسب المصادر الفلسطينية تلا كلينتون أفكاره في جو حزين وكئيب ورفض إجراء نقاش حولها. وبشان حل قضية اللاجئين قال: “اشعر ان الخلافات تتعلق بدرجة كبيرة بالصياغات”. وأضاف “أعتقد أن إسرائيل مستعدة للاعتراف بالمعاناة المعنوية والمادية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني نتيجة لحرب 1948، وبالحاجة إلى تقديم مساعدة المجتمع الدولي في معالجة المشكلة”. واقترح إنشاء لجنة دولية لتنفيذ الجوانب التي تنجم عن الاتفاق على التعويض وإعادة التوطين. وأشار كلينتون في كلمته إلى أن الفجوة، تدور حول كيفية التعامل مع مفهوم حق العودة. وأعطى تفسيرا خاصا للقرار رقم 194 المتعلق بحق اللاجئين في العودة والتعويض. وأيد ضمنا رفض حكومات إسرائيل لهذا القرار ولاية إشارة إلى حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم وأراضيهم في إسرائيل، واعتبر ذلك تهديدا لأمن إسرائيل وطابعها اليهودي.
وأشار الرئيس كلينتون في كلمته إلى أن المبدأ المرشد للحل هو اعتبار الدولة الفلسطينية نقطة الارتكاز للاجئين الذين يختارون العودة، ولم يستبعد قبول إسرائيل بعض اللاجئين كمواطنين. وقال:”اعتقد إننا نحتاج إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها لكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة”. واقترح كلينتون بديلين: “أ) يعترف الجانبان بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى فلسطين التاريخية أو، ب) يعترف الجانبان بحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم. وسيحدد الاتفاق تنفيذ هذا الحق العام بطريقة تتوافق مع الحل القائم على أساس دولتين”. وحدد خمسة مواطن محتملة للاجئين: “1) الدولة الفلسطينية 2) مناطق في إسرائيل ستنقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي 3) إعادة تأهيل في الدول المضيفة 4) إعادة توطين في دولة ثالثة 5) الإدخال إلى إسرائيل”. وأعطى أولوية للاجئين في لبنان بناء على حديث سابق مع عرفات(54). وطلب اعتبار الحل المقترح هو تنفيذ للقرار194 المتعلق باللاجئين الصادر عن مجلس الأمن الدولي في العام 1948.
وبشان إنهاء النزاع قال :” اقترح أن يعني هذا الاتفاق بوضوح إنهاء النزاع بين الطرفين، وان يضع تنفيذه حدا لكل المطالب”. وأشار إلى إمكانية تنفيذ الاتفاق الجديد بقرار من مجلس الأمن الدولي. وختم حديثه مخاطبا الوفدين الفلسطيني والإسرائيلي: “هذا هو افضل ما أستطيع عمله، اطلعوا زعيميكم وأبلغوني ان كانا مستعدين للمجيء إلى هنا لإجراء مناقشات على أساس هذه الأفكار. إذا كانا مستعدين فسأقابلهما الأسبوع المقبل كلا على انفراد، وان لم يكونا مستعدين فسأكون قد مضيت في الأمر إلى ابعد ما أستطيع. هذه هي أفكاري، إذا لم تقبل فإنها ستزول عن الطاولة وتذهب معي عندما اترك منصبي”.
لاحقا ألقى الرئيس كلينتون خطابا في “منبر السياسة الإسرائيلي” في نيويورك، وكرر تصوره لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، وفصل أفكاره التي طرحها على الوفدين في كامب ديفيد(55).
ولم تتأخر الحكومة الإسرائيلية في الرد إيجابا على مبادرة كلينتون وأرفقت موافقتها من حيث المبدأ ببعض التحفظات التي وصفتها بأنها لا تمس جوهر الأفكار. ورأى كثير من المراقبين والمحللين السياسيين المحايدين ان أفكار كلينتون تتضمن جديدا ذو قيمة وتصلح كأساس يمكن البناء عليه لحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ولم يكن رأي أعضاء الوفد الفلسطيني يختلف عن هؤلاء المراقبين. لكنهم جميعا شككوا في قدرة أفكاره على شق طريقها إلى حيز الوجود. وتساءلوا عن سبب تأخر كلينتون في طرح هكذا مبادرة قيمة. أما القيادة الفلسطينية فكانت ولا تزال مقتنعة تماما أن ما طرحه كلينتون ليست أفكاره الخاصة، وإنها أفكار إسرائيلية نوقشت تفاصيلها بين الطرفين قبل تقديمها للفلسطينيين.
وبعد عودة الوفد الفلسطيني إلى غزة ناقشت القيادة أفكار الرئيس كلينتون، وتباينت وجهات النظر حول الموقف منها. واستغرب عرفات عدم طرح كلينتون هكذا مبادرة في كامب ديفيد خلال القمة الثلاثية. وقال؛ لدينا وقت لدراسة أفكار كلينتون والرد عليها. وكان موقف أركان القيادة والمفاوضات الأساسيين أميل إلى رفضها، وان يقدم الرفض بصيغة نعم ولكن. يوم 11/1/2001 أدلى فيصل الحسيني عضو اللجنة التنفيذية مسئول ملف القدس، بحديث لجريدة الحياة اللندنية أوضح الموقف من أفكار كلينتون، وقال؛” إن الاقتراح الأمريكي بالنسبة إلى اللاجئين ينطوي على إنكار حق عودتهم إلى مدنهم وقراهم..”(56). وأضاف إذا أردنا حل قضية اللاجئين جذريا فيجب على إسرائيل أن تعترف بمبدأ حق العودة. ونحن نريد أن نوضح أن من الممكن أن تحل قضية اللاجئين دون المساس بالوجود الإسرائيلي”.
وبعد نقاش تفصيلي رأت تنفيذية المنظمة في “أفكار كلينتون” إيجابيات كثيرة، خاصة ما تضمنته حول قيام دولة فلسطينية. لكنها اعتبرتها بالإجمال منحازة لمواقف إسرائيل. ولا تقدم علاجا عادلا وشاملا للنزاع، وتجحف بحقوق الفلسطينيين التي أقرتها الشرعية الدولية، وبخاصة حقوق اللاجئين. ويحمل بعضها في طياته خطرا على المصالح الفلسطينية وبخاصة “إنهاء المطالب” وشطب قرارات الأمم المتحدة 194 و242 و338 كمرجعية، واستبدال هذه القرارات بالأفكار ذاتها. آخرون من المتشددين في السلطة ومن المعارضة لم يروا في أفكار كلينتون أية إيجابية واعتبروها مشروع تصفية للقضية الفلسطينية لحساب المشروع الصهيوني، واتفق الاتجاهان على رفضها من حيث المبدأ. وظهر اتجاه ثالث، ظل ضعيفا وهو امتداد للاتجاه الذي ظهر في كامب ديفيد، دعا إلى قبول أفكار كلينتون كما هي، إذا تعذر تعديلها.
وفي اجتماع مشترك ضم اللجنة التنفيذية ومجلس الوزراء والوفد المفاوض خصص لدراسة الرد تقرر ارسال الرد باسم اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير باعتبارها أعلى هيئة قيادية فلسطينية. وحمل الرد عنوان “ملاحظات وأسئلة فلسطينية حول الأفكار الأمريكية”(57) .وتضمن الرد، قراءة للأفكار بينت نواقصها، وحمل أسئلة تفصيلية عديدة حول نقطها الأساسية. وأكد تمسك منظمة التحرير بحل النزاع بالطرق السلمية وعلى أساس قراري مجلس الأمن الدولي 242 و338، ورفضت المقترح الأمريكي، كما هو، كأساس لحل النزاع وأبدت استعدادها لمواصلة المفاوضات. وتعمد بعض أركان القيادة توزيع الرد الفلسطيني على القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية لتأكيد صلابة موقف القيادة، وتبديد شكوك البعض ومخاوفهم حول إمكانية رضوخ القيادة الفلسطينية أمام الضغوط الكبيرة المسلطة عليها من كل الجهات
وأصدرت القوى الوطنية والإسلامية بيانا يوم 6/1/2001 قالت فيه(58):” في الوقت الذي تزداد فيه الهجمة الصهيونية الإجرامية التي يشنها جيش الاحتلال وعصابات المستوطنين ضد شعبنا تزداد المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية الهادفة جرنا إلى فخ القبول بالمقترحات الأمريكية التي ليست سوى تعبير صارخ عن المخطط الصهيوني الهادف إلى فرض الاستسلام على شعبنا وعلى منظمة التحرير الفلسطينية وإلى إخماد جذوة انتفاضة شعبنا العملاقة”. وأكد البيان “الرفض الفلسطيني الحازم للمقترحات الأمريكية”.
ومع اقتراب رحيل كلينتون من البيت الأبيض يوم 20 كانون الثاني/ يناير2001 ألغت الإدارة الأمريكية إرسال دينس روس إلى المنطقة، وصار همها تأمين رحيل هادئ وليس اكثر. واستجابت إدارة كلينتون لطلب باراك ومارست ضغطا على القيادة المصرية لرعاية مفاوضات فلسطينية إسرائيلية. ووافقت القيادة المصرية من حيث المبدأ على استضافة جولة جديدة من المفاوضات إذا طلب الطرفان ذلك، وكان واضحا أنها لم تكن متحمسة للموضوع وتشك في نجاح هكذا لقاء. ولاحقا عقدت المباحثات في طابا وعقد الوفدان جولة ماراثونية من المفاوضات استمرت أسبوعا كاملا. ومنذ البداية، طرح جلعاد شير على صائب عريقات تقدير ظروف باراك وطلب إصدار بيان في نهاية الجولة يساعد باراك في كسب المعركة الانتخابية.
وأظهرت مناقشات طابا، ومفاوضات أخرى سرية جرت في قناة موازية، أن ما طرحه الرئيس كلينتون في قمة كامب ديفيد بشان الدولة والأرض واللاجئين والاستيطان والحدود كان موافق عليه إسرائيليا. وبشأن اللاجئين؛ جدد الطرفان في طابا ما ورد في “ورقة الأفكار الأمريكية” التي قدمها كلينتون. وقام يوسي بيلين في لقاءاته الثنائية مع الوزير نبيل شعث بتوضيح مفهوم إسرائيل “للأفكار الأمريكية” حول اللاجئين وفصلها أكثر، ووافق على أن ينص الاتفاق حول اللاجئين الفلسطينيين على اعتراف إسرائيل بحقهم بالعودة إلى “ارض فلسطين التاريخية”، شرط أن يكون مفهوما أنها لا تشمل أرض إسرائيل في حدود العام 1967. وتقتصر عودتهم على المناطق الخمسة التي حددتها “أفكار كلينتون”.ونقل عن بيلين إمكانية استيعاب 70ـ 100 ألف لاجئ في عشر سنوات. وان يضع هذا الحل حدا نهائيا، لمطالب اللاجئين، واعتباره ترجمة نهائية لقرار الأمم المتحدة رقم 194المتعلق بعودة اللاجئين وتعويضهم(59).
ورفض الجانب الإسرائيلي اقتراح نبيل شعث إدراج عائدات “صندوق أملاك الغائب” وفوائده البنكية خلال نصف قرن ضمن مستحقات اللاجئين بالتعويض، باعتبارها عائدات ناتجة عن استثمار أملاك اللاجئين أرضا وعقارات. وادعى بأنها أنفقت بقرارات حكومية وظفت في نقل واستيعاب المهاجرين اليهود من الدول العربية وسواها. وكرر بيلين اقتراح الرئيس كلينتون حول تشكيل صندوق دولي لتعويض اللاجئين الفلسطينيين تساهم فيه إسرائيل بسخاء ومسئولية، أسوة بالدول الغنية الأخرى.
إلى ذلك، اعتقد ان أطروحة كلينتون ـ باراك في الكامب كانت أقل من اتفاق على قضايا الحل النهائي وضمنها قضية اللاجئين، وما طرح في طابا يوفر الحد الأدنى المطلوب للتوصل إلى اتفاق شامل ونهائي ، لكنه وللأسف الشديد طرح في وقت متأخر جدا.
وثيقة جنيف مساهمة ايجابية في البحث عن الحل(60)
إلى ذلك، أكد “ائتلاف السلام الفلسطيني الإسرائيلي” بزعامة بيلين ـ عبد ربه أن بإمكان الطرفين التوصل إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي الشائكة. وقدموا في “وثيقة جنيف” التي توصلوا لها منتصف تشرين الأول “أكتوبر” 2003 صيغة محددة لحل مسألة اللاجئين وقضايا الحل النهائي الاخرى. صحيح ان وثيقة جنيف تبنت افكار كلينتون بشأن حل قضية اللاجئين، الا ان ذلك لا يقلل من قيمتها بل زادها قيمة عندما تحولت الى مسودة اتفاق غير رسمي فلسطيني اسرائيلي. واذا كانت وثيقة نسيبة ـ ايلون خفضت سقف الموقف الفلسطيني بشأن حل مشكلة اللاجئين، وحصرت حقوقهم في التعويض والعودة الى اراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في حدود عام 1967، فهي اجتهاد ومجرد وجه نظر غير رسمية اثبتت حملة التواقيع ان لها انصار في الجانبين، رغم الملاحظات الفلسطينية الاساسية عليها.
خلاصة
يبين هذا العرض المختزل، ان قصة اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم المشروعة قصة طويلة ومعقدة، كانت وما تزال مليئة بالعذاب والألم والأمل. وظلوا سنين طويلة يحلمون بالخلاص والعودة للوطن وكثيرا ما هبط أملهم للحضيض، وارتفع احيانا الى الأعالي. وكانت أحلامهم دوما مليئة بوقائع وبكوابيس مؤرقة؛ اولها فقدان الارض والبيت والهوية، وتآمر الحكومات العربية وأخرها تواطؤ الدول الكبرى والامم المتحدة ضدهم. وظل القدر يحوّل الكوابيس الى حقائق وعذابات، قال عنها رجال الدين والاتكاليين منهم إنها امتحان من الله. وبرغم نجاح الحركة الصهيونية في توطيد دعائم دولة إسرائيل، لم يفقد اللاجئون الأمل في التحرير والعودة، تارة من خلال التحركات والنشاطات الدولية، واخرى على يد الجيوش العربية او الكفاح المسلح الذي رفعوا لواءه ضد اسرائيل.
وبعد اربعين عاما من القهر والعذاب، والنضال في الداخل ومن الخارج، أطلقت القيادة الفلسطينية الشرعية ممثل بمنظمة التحرير “مبادرة سلام واقعية عام 1988، اعترفت فيها بحق اسرائيل في الوجود وقبلت، لأول مرة، فكرة تقسيم فلسطين الى “دولتين للشعبين على أرض فلسطين التاريخية”، ووافقت على قراري مجلس الامن الدولي 242 و 338 كأساس لحل الصراع. واقرت لاحقا بانها لا تفكر في حل لمشكلة اللاجئين يخل بالتركيبة الديمغرافية لاسرائيل وينهي عنها صفة الدولة اليهودية، من نوع عودة اللاجئين وذريتهم والبلغ عددهم زهاء خمسة ملايين الى ارض الآباء والأجداد التي صار اسمها اسرائيل.
إلى ذلك، اعترف المؤرخون الاسرائيليون “الجدد”، بعد خمسين عاما من قيام دولة اسرائيل، بان “الدولة العبرية” لم تقم على “ارض بلا شعب”، بل قامت على حساب وجود ومصير شعب فلسطين وأرضه. واعترفوا بان كفاح الحركة الصهيونية العالمية من اجل انقاذ يهود اوروبا من مذابح النازيين دمر مجتمعا آخر كان متكاملا، واقتلع ناسه من ارضهم وبددت هويتهم الوطنية. واعترفت قوى سياسية اسرائيلية وازنة (حزب العمل وحزب ميرتس) في عام 2000 في مفاوضات كامب ديفيد ومحادثات طابا عام 2001 بان اسرئيل شريك رئيسي في المسئولية عن خلق مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، واقرت ان هذه المسئولية تفرض المساهمة في تحمل اعباء الحل المادية والمعنوية.
وبصرف النظر عن اسباب تأخر الطرفين في تقديم هذه الاعترافات، لا خلاف بين القوى الدولية والاقليمية المعنية باستقرار اوضاع منطقة الشرق الاوسط حول أن قضية اللاجئين وحقوقهم هي جوهر النزاع الفلسطيني الاسرائيلي. واكدت وقائع الحياة على مدى اكثر من نصف قرن من الصراع الدموي عددا من الأمور الجوهرية: الاول، انه لا أمن ولا استقرار في الشرق الاوسط دون حل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي، ولا حل لهذا النزاع دون حل عادل لقضية اللاجئين. الثاني، ان الحل العادل لمشكلة اللاجئين لا يفرض بالقوة على اي من الطرفين، والاعتماد على عامل زمن وحده في تليين مواقف الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي وتغيير شروط الحل يطيل امد الصراع. والامرالثالث، لا حل لمشكلة اللاجئين طالما ظل اليمين الاسرائيلي المتطرف ممسكا بزمام الحكم في اسرائيل، ولا حل لها أيضا إذا تولت القوى الفلسطينية المتطرفة والمتشددة، الاسلامية والعلمانية، زمام سلطة القرار. الامر الرابع، ان الحل القابل للحياة لن يكون كما يتصوره المتطرفون والمتشددون من الطرفين. واذا كانت عدالة الحل متوفرة في قرارات الشرعية الدولية وبخاصة القرار194، فان سقف تنفيذه لا يتجاوز الافكار التي بلورها الطرفان في محادثات طابا وكامب ديفيد وفي المبادئ التي وردت في مبادرة الرئيس الامريكي كلينتون، ومبادرة جنيف التي توصل لها جماعة تحالف السلام الفلسطيني الاسرائيلي. وفي كل الاحول لا غنى عن دور طرف ثالث فعّال، ليس فقط للمساعدة في استنباط الاتفاق وبلورته، بل وأيضا للمساعدة في تطبيقه وتغطية تكاليفه المالية.ويبقى اعتراف اسرائيل والمجتمع الدولي والدول الكبرى بان ظلما تاريخيا لحق باللاجئين الفلسطينيين ضرورة سياسية وانسانية لها قيمة معنوية كبيرة في تصفية ما في النفوس وديمومة اي حل يتم التوصل له.

الهوامش والمراجع
1ـ راجع موقف الجامعة العربية بخصوص املاك اللاجئين والتوطين في كراس وثائق فلسطين مئتان وثمانون وثيقة مختارة، اصدار دائرة الثقافة في منظمة التحرير سنة 1987.
2ـ راجع قرارات القمة العربية الاولى المتعلقة بتشكيل المنظمة في المصدر المذكور اعلاه.
3ـ راجع وثائق منظمة التحرير ـ قراررات المجلس الوطني الفلسطيني الاول ـ اصدار المجلس الوطني.
4ـ راجع بنود الميثاق الوطني الفلسطيني في كراس الميثاق اصدار م ت ف.
5ـ راجع قرارات دورة المجلس الوطني الثانية في وثائق المجلس الوطني الفلسطيني.
6ـراجع قرارات المجلس الدورة الثالثة في وثائق المجلس الوطني الفلسطيني.
7ـ راجع نص المبادرة في وثائق فلسطين مئتان وثمانون وثيقة اصدر دائرة الثقافة في المنظمة.
8ـ راجع قرارات قمة الخرطوم في الوثائق الفلسطينية العربية.
9ـ تعتبر معركة الكرامة منعطفا في مسيرة الكفاح المسلح الفلسطيني. وارست اسس استيلاء القوى المقاتلة على قيادة المنظمة، وزرعت بذور التصادمات التي وقعت بين الجيش الاردني والفدائيين. راجع تفاصيل اكثر حول المعركة في كتاب البحث عن كيان يزيد صايغ مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت.
10ـ تألف المجلس الوطني الفلسطيني الرابع من ممثلين عن جميع المنظمات الفلسطينية المقاتلة، ومن عدد من الضباط كممثلين جيش التحرير الفلسطيني. وعدد من المستقلين غير المنتمين للتنظيمات. راجع التشكيلة التفصيلية في وثائق فلسطين مصدر سبق ذكره.
11 ـ راجع توزيع مقاعد المجلس الوطني الخامس في كتاب مئتان وثمانون وثيقة مختارة ص 322 اصدار دائرة الثقافة م ت
12ـ للاطلاع على المشروع راجع المصدر المذكور أعلاه ويشير الى ان المعلومة منقولة عن جريدة The Jewish observer
13ـ راجع قرارات الدورة الخامسة في وثائق المجلس الوطني الفلسطيني.
14ـ للاطلاع على المشروع راجع كتاب مئتان وثمانون وثيقة نقلا عن وكالات الانباء 23/3/1969.
15ـ وذاع صيت الجبهة الديمقراطية في هذا المجال. وبرزت الطفولة اليسارية باروع صورها في مواقف هذا التنظيم السياسية والجماهيرية. وصلت حد اقامة الاحتفالات الجماهيرية بذكرى ميلاد لينين مفجر الثورة الاشتراكية في روسيا، والاعلان عن هذه الاحتفالات من مآذن المساجد. وكانت قيادته تؤدلج الموضوع.
16 ـ راجع كتاب وليم كوانت الدبلوماسية الامريكية والنزاع العربي الاسرائيلي ـ مركز الاهرام 1994.
17 ـ راجع قرارات الدور الثامنة للمجلس الوطني.
18ـ عام 1968 – 1969 وقعت مصادمات بين الجيش اللبناني والفدائيين الفلسطينين، دعا على اثرها الرئيس عبد الناصر ممثلين عن الحكومة اللبنانية وم ت ف الى اجتماع. وفي تشرين الثاني 1969 توصل الطرفان الى اتفاق عرف باسم “اتفاق القاهرة” ظل سريا حتى على المجلس النيابي اللبناني، كي لا يعطي اسرائيل مبررا لمهاجمة لبنان. خاصة وان الاتفاق رسم وجود الفدائين في لبنان وسمح بتسليح ابناء المخيمات، وحدد لهم طرق مرور وقواعد ارتكاز، واعطاهم حرية القيام بعمليات عسكرية ضد اسرائيل.
19 ـ راجع قرارات الدورة التاسعة في وثائق المجلس الوطني.
20ـ راجع قرارات الدورة العاشرة الاستثنائية في وثائق المجلس الوطني. واقر المجلس وضع برنامج مرحلي يوحد فصائل الثورة وقوى الشعب. يرتكز نضال م ت ف على اربعة محاور: مواصلة تعبئة وتنظيم كل طاقات الشعب داخل الوطن وخارجه. تحقيق التحام نضال الشعب الفلسطيني بنضال الشعب الاردني. رفض قاطع لمشروع المملكة العربية المتحدة وتنظيم عملية مواجهة حاسمة للمشروع الاردني المذكور. مطالبة الدول العربية التي قبلت قرار 242 باعلان رفض القرار المذكور.
21ـ في اطار اثبات وجود م ت ف وتكريسها ممثل للشعب الفلسطيني نفذت فتح عملية متقنة احتجزت فيها الفريق الاسرائيلي في الالعاب الاولمبية واشرف على تخطيط العملية ابو اياد وابو داوود. في حينه الحقت العملية اضرار سياسية بمنظمة التحرير ولم تكرر حركة فتح بعدها هذا النمط من العمليات. وصممت اسرائيل على تصفية كل من شاركوا في تلك العملية ونجحت في تصفية غالبيتهم العظمى.
22ـ كان “ابو الوليد” قائدا لاحد ألوية الجيش الاردني، التحق مع معظم ضباط وحدته بالثورة عام 1970. غادر الاردن في اطار الخروج الفلسطيني، وشكل لواء اليرموك ضم لصفوفه الضباط والجنود الذين التحقوا من الجيش الاردني. حظي باحترام وتقدير القيادات الفلسطينية. ولعب دورا في اعادة تنظيم قوات فتح، وادخل نظام الرتب والتشكيلات النظامية في بنية الثورة. امتاز بمواقفه الوحدوية، وانتخب عضوا في مركزية لفتح، وتولى مهمة مدير غرفة العمليات، وكان دوره مركزيا في الصمود في حرب 1982، وبعد الخروج جعل من دمشق مقرا له. قاوم حركة انشقاق فتح. وخلال احدى جولاته الميدانية في البقاع، اطلقت عليه النيران من كمين اعد باحكام، واستشد يوم 29 ايلول/سبتمبر 1982، ودفن في مقبرة الشهداء قرب مخيم اليرموك.
23ـ راجع نص البرنامج المرحلي الاول الذي قدم في الدورة الحادية عشر في وثائق فلسطين.
24ـ بعد تصاعد عمليات المقاومة قررت القيادة الاسرائيلية تصفية ابو يوسف وكمال عدوان وكمال ناصر. وبعد تحضيرات استخبارية دخلت القوة المهاجمة بيروت عن طريق البحر وكان رجال وعملاء المؤسات سبقوهم الى بيروت بجوازات سفر ازرزبية وامريكية واقاموا في فنادقها واستأجروا 7 سيارات. في حينه تولى باراك قيادة المجموعة المكلفة باغتيال القادة الثلاث، وقاد شاحاك القوة المكلفة بنسف مقر الجبهة الديمقراطية. ونجحت المجموعتان في الوصول الى اهدافها وانجزت مجموعة باراك مهمتها دون خسائر، اما مجمعة شاحاك فقد قتل منها جنديان من قوات المظلات “ابيدع شور وحجاي معيان”.
25ـ اسفرت لقاءات كيسنجر وزير الخارجية الامريكية في موسكو عن تقدم الدولتان بمشروع قرار مشترك لمجلس الامن يطالب الاطراف المتنازعة بوقف اطلاق النار. ووافق المجلس على المشروع وعرف بقرار 338. جاء فيه: وقف اطلاق النار فورا. بدء مفاوضات بين الاطراف تحت اشراف الامم المتحدة بهدف اقامة سلام عادل ودائم. وافقت مصر وسوريا على القرار وتعهدت باحترامه لكن اسرائيل لم تلتزم به. راجع نص القرار 338 في وثائق م ت ف.
26ـ راجع قرارات الدورة الثانية عشر للمجلس الوطني في وثائق المجلس.
27ـ راجع قرارات الدورة الثالثة عشر في وثائق المجلس الوطني.
28ـ راجع نص اتفاقية الاطار الحكم الذاتي في اتفاقيات كامب ديفيد في كتاب مئتان وثمانون وثيقة مختارة.
29ـ راجع نص اتفاقية الاطار بين المنظمة والحكومة الاردنية في المصدر المذكور اعلاه.
30ـ راجع قرارات الدورة الرابعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني في كتاب مئتان وثمانون وثيقة مختارة.
31ـ راجع قرارات المجلس الوطني الدورة الخامسة عشر في المصدلر المذكور اعلاه.
32ـ تضمنت مباردة ريغان مواقف يمكن اعتبارها ايجابية، منها؛ اعتبار “الخسائر العسكرية لمنظمة التحرير، لم تقض على تطلعات الشعب الفلسطيني إلى حل عادل لمطالبه” و” أظهرت الحرب في لبنان، حقيقة أخرى، هي تشرد الفلسطينيين الذين يشعرون بقوة أن قضيتهم أكثر من مسألة لاجئين، وأنا أوافق على ذلك.” راجع نص المبادرة في وثائق م.ت.ف. “القرارات الدولية حول القضية 1917 ـ 1991.
33ـ في نهاية اعمالها اعتمدت القمة ثمانية مبادئ منها ، تاكيد حق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة، بقيادة م.ت.ف. ممثله الشرعي والوحيد وتعويض من لا يرغب من اللاجئين في العودة. قيام الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس
34 ـ راجع مبادرة الامير فهد وقرارات قمة فاس الثانية.
35ـ اصدر من فاس، ثلاثة من اعضاء الوفد الفلسطيني هم: ابوماهر اليماني عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية ـ عضو اللجنة التنفيذية، وطلال ناجي، ممثل الجبهة الشعبية القيادة العامة في التنفيذية، ونمر صالح، “ابوصالح” عضو مركزية فتح، بيانا مشتركا اكدوا فيه ان الاقرار بحق اسرائيل في الوجود يمثل انتهاكا صارخا لقرارات المجلس الوطني، وتنازلا مجانيا امام العدو الصهيوني مقابل آمال وهمية. وبعد عودة الوفد من فاس، انضمت منظمة الصاعقة الموالية لسوريا، وجبهة النضال الشعبي، الى الذين رفضوا البند السابع في بيان القمة. وتحولت موافقة عرفات على قرارات فاس الى قضية خلافية كبرى.
36 ـ يوم 17 ايلول/سبتمبر 1982، دخلت قوة كبيرة من القوات اللبنانية مخيمي شاتيلا وصبرا، بقيادة احد قادتها “ايلي حبيقة،” وارتكبت، بتشجيع واشراف مباشر من وزير الدفاع الاسرائيلي “شارون” وأركانه، مجزرة رهيبة راح ضحيتها قرابة ألف طفل ورجل وإمرأة معظمهم من الفلسطينيين.
37 ـ اتفاق عمان: راجع نص الاتفاق ـ وثائق فلسطين ـ م ت ف. 1987 .
38ـ راجع نص المبادرة في كتاب “الانقلاب”، ممدوح نوفل /دار الشروق ـ عمان
39ـ في 31 تموز /يوليو 1988، ألقى الملك حسين خطابا قال فيه ” في الفترة الاخيرة تبين ان هناك توجها فلسطينيا وعربيا ودوليا يؤمن بضرورة ابراز الهوية الفلسطينية، بشكل كامل، في كل جهد او نشاط يتصل بالقضية الفلسطينية وتطوراتها. كما اتضح ان هناك قناعة عامة بان بقاء العلاقة القانونية والادارية مع الضفة الغربية يتناقض مع هذا التوجه”. ويمكن القول ان هذا الاعلان ساهم في انهيار اسس مبادرة شولتس. راجع “نص خطاب الملك حسين.” شؤون فلسطينية، العدد 185، آب/ اوغسطس 1988 .
40 ـ راجع نص الكلمة مجلة الحرية الناطقة بلسان الجبهة، عدد النصف الثاني من شهر تشرين الثاني/نوفمبر 1988.
41 ـ راجع نص وثيقة اعلان الاستقلال في وثائق المجلس الدورة التاسعة عشر.
42 ـ راجع برنامج حركة حماس ـ كتاب ماهر الشريف ـ البحث عن كيان ـ نيقوسيا 1995
43ـ راجع نص خطاب عرفات في جنيف في وثائق منظمة التحرير.
44 ـ نصت نقاط بيكر على على : 1) تفهم الادارة الامريكية أن مصر لاتنوب عن الفلسطينيين، وسوف تتشاور معهم حول كل الموضوعات التي تهمهم وتمس حياتهم. 2) إن مصر واسرائيل وافقتا على إجراء حوار فلسطينياسرائيلي في القاهرة .3) اسرائيل سوف تشارك في المباحثات على أساس اقتراح 14 أيار 1989 مبادرة شامير الخاصة باجراء انتخابات في المناطق المحتلة، وطبقا للمشروع الاسرائيلي. 4) وتفهم أن الفلسطينيين سوف يكونون أحرار في اثارة موضوعات تعبر عن رأيهم في أسلوب وكيفية إجراء الانتخابات، ونجاح عملية التفاوض. 5) إن اسرائيل سوف تشترك في حوار مع الفلسطينيين بعد أن تشعر بارتياحها للقائمة التي تضم أسماء الوفد الفلسطيني.
45 ـ راجع نص النقاط العشر ملحق في كتاب ممدوح نوفل، الانقلاب، عمان: دار الشروق، 1996.
46ـ قبل انعقاد مؤتمر مدريد وجه الراعيان الامريكي والسوفيتي رسالة الى جميع الاطراف لحضور مؤتمر مدريد، تضمنت أسس وقواعد عمل المؤتمر على كل مسار من المسارات، راجع نص رسالة الدعوة في المصدر المذكور اعلاه.
47ـ رسائل التطمينات: بعد اطلاعهم على رسالة الدعوة لمؤتمر مدريد اثارت اطراف الصراع العديد من التحفظات حول بعض النصوص التي تقصد بيكر ان يبقيها غامضة، وطالبت بتوضيحات لها وباضافات عليها، في حينها عمل بيكر على ارضاء الاطراف من خلال تسليم كل طرف رسالة ضمانات امريكية رسمية، عرفت في حينها برسائل التطمينات الامريكية.
48ـ راجع نص بيان المجلس المركزي ـ أرشيف السلطة الوطنية الإلكتروني www .pna.gov.ps
49 ـ راجع حديث صائب عريقات في ندوة مغلقة عقدتها مجلة آفاق ـ فصلية تصدر عن أكاديمية المستقبل للتفكير الإبداعي ـ رام الله ـ العدد 8 صيف 2000.
50ـ حديث عرفات في اجتماع مجلس الامن القومي. راجع كتاب الانتفاضة ـ انفجار عملية السلام ـ ممدوح نوفل ـ دار الاهلية للطباعة والنشر والتوزيع ـ عمان الاردن 2001.
51 ـ راجع نص بيان كلينتون حول نتائج قمة شرم الشيخ في المصدر المذكور اعلاه.
52 ـ راجع بيان القيادة الفلسطينية يوم 17/10/2000 وفا الالكترونية www.wafa.net.com
53ـ راجع ورقة أفكار كلينتون/ملحق 12 في كتاب الانتفاضة ـ انفجار عملية السلام ممدوح نوفل ـ الاهلية للنشر والتوزيع ـ عمان 200
54ـ راجع كتاب الانتفاضة مصدر ذكر سابقا
55 ـ راجع خطاب كلينتون في “مؤسسة المنبر اليهودي”؛ مجلة الدراسات الفلسطينية العدد 47.
56ـ راجع نص حديث فيصل الحسيني: الحياة اللندنية تاريخ 11/1/ 2001.
57ـ راجع ورقة الملاحظات الفلسطينية على أفكار كلينتون مجلة الدراسات الفلسطينية ـ العدد 45/46.
58ـ راجع بيان القوى الوطنية والاسلامية في أرشيف الانتفاضة الالكتروني.او صفحة فتح الالكترونية
59ـ حديث الدكتور نبيل شعث في اجتماعات فلسطينية رسمية. راجع كتاب الانتفاضة مصدر سبق ذكره.
60ـ راجع نص وثيقة جنيف المعروفة بوثيقة بيلين عبد ربه في …..
61ـ راجع وثيقة نسيبة عامي ايلون في …..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المادة ادناة تضاف للمقدمة بحيث تصبح المراجعة من بداية نشوء القضية
نشوء وتشكل قضية اللاجئين
مشكلة اللاجئين الفلسطينيين نتاج فكرة صهيونية.
بعد خمسين عاما من قيام دولة اسرائيل اعترف المؤرخون الاسرائيليون “الجدد” بان “الدولة العبرية” لم تقم على “ارض بلا شعب لشعب بلا ارض”، بل قامت على حساب وجود ومصير شعب فلسطين وارضه. واعترفوا بان كفاح الحركة الصهيونية العالمية من اجل انقاذ يهود اوروبا من مذابح النازيين و”حرب الاستقلال” التي شنها جيشها على ارض فلسطين دمرت مجتمعا آخر كان متكاملا وارتكبت خلالها مجازر ضد الفلسطينيين وتم اقتلاعهم من الارض وبددت هويتهم الوطنية.
إلى ذلك، يجب الاعتراف ان الوطنية الفلسطينية بأشكالها التي ظهرت مطلع القرن في العهد العثماني ظلت عاجزة عن التفكير، لاعتبارات موضوعية وذاتية متنوعة، بقيام كيان فلسطيني مستقل في فلسطين. ولم تدرك ابعاد تلاقي تطلعات الحركة الصهيونية في اقامة دولة يهودية في فلسطين مع مصالح الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية في استعمار المنطقة واستغلال ثرواتها. ولم تلحظ تحوّل يهود اوروبا وامريكا الى قوة إقتصادية وسياسية كبيرة. وظلت عاجزة عن تصور قيام كيان فلسطيني في فلسطين مستقل عن سوريا الكبرى، وظل نشاط الفلسطينيين مرتبطا بالنشاط العربي العام من اجل الاستقلال عن الامبراطورية العثمانية.
وفي سياق البحث في نشوء وتشكل قضية اللاجئين أعتقد ان رواية مآسي اللاجئين الفلسطينيين ليس بالامر الهين، وإن تحديد نقطة بدايتها وتاريخها هو الاصعب. ولربما كان انفجار الحرب العالمية الاولى عام 1914 وانهيار الامبراطورية العثمانية هي المحطة الانسب لانطلاق البحث في نشوء وتشكل القضية الفلسطينية ورواية قصة اللاجئين لبها وجوهرها.
بعد تلك الحرب وانهيار الدولة العثمانية جزأت الدول الأوروبية المنتصرة في الحرب البلاد العربية. وتقاطعت اهداف الحركة الصهيونية في اقامة دولة يهودية في فلسطين “ارض الميعاد” مع مصالح دول اوروبية خاصة بريطانيا وفرنسا، في استعمار المنطقة واستغلال ثرواتها. وبالكاد وضعت تلك الحرب اوزارها حتى اعطى بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى في العام 1917 لليهود حق اقامة وطني قومي في فلسطين، وتجاهل مصالح الشعب الفلسطيني وحقوقه في العيش بأمان في ارضه. وتعامل بيلفور مع الفلسطينيين كطوائف لها حقوق دينية ومدنية وقالت رسالته الى اللورد “روتشلد” رئيس المنظمة الصهيونية العالمية: “ان حكومة صاحبة الجلالة تنظر بعين العطف الى تاسيس وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين”. وانها “ستبذل جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية”. “على ان يفهم جليا انه لن يؤتى بعمل من شانه ان ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة الان في فلسطين، ولا الحقوق او الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى”(1).
وفي تشرين الاول/ اكتوبر 1918 أتمت القوات البريطانية بقيادة الجنرال اللنبي احتلال فلسطين، ووضعت البلاد تحت الادارة العسكرية المباشرة. ولم تلتزم قوات الاحتلال بالقاعدة الدولية التي تلزم قوة الاحتلال بالمحافظة على اوضاع البلد المحتل الى ان يتم تقرير مصيرها السياسي. وراحت قوات اللنبي تعمل كل ما يلزم لتهيئة فلسطين بالتدريج كي تصبح وطنا قوميا لليهود عملا بوعد بلفور.
وحرّكت تجزئة البلاد العربية ووعد “بلفور” الوطنية الفلسطينية وايقظتها من سباتها وفرضت عليها طرح تصورها لمستقبل فلسطين. ووقعت تطورات في الفكر السياسي الفلسطيني يمكن وصفها بالنهضة الوطنية الاولى. وبرزت فكرة إستقلال فلسطين ككيان منفصل عن سوريا الكبرى ونمت الفكرة بسرعة خصوصا ان الوعد لم يكترث بمصير الفلسطينين. وجاء “صك الانتداب” على فلسطين الذي أصدرته عصبة الامم المتحدة عام 1922، وأجج مشاعر الوطنية الفلسطينية وعزز فكرة النضال من أجل إقامة كيان فلسطيني مستقل عن الدول العربية. وجاء في مادته الثانية: “تكون الدولة المنتدبة مسئولة عن وضع البلاد في احوال سياسية واقتصادية وادارية تضمن انشاء الوطن القومي اليهودي، وتعمل على الارتقاء بمؤسسات الحكم الذاتي وتكون مسئولة عن صيانة الحقوق المدنية والدينية لجميع السكان بغض النظر عن الجنس والدين”. وفي المادة الرابعة اعترف “الصك” بالوكالة اليهودية ونشاطاتها ونص على:”يتم الاعتراف بوكالة يهودية ملائمة ما دامت الدولة المنتدبة ترى تأليفها، ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض” (2). وبديهي القول ان هذه المواقف زرعت بذور تشكل قضية قضية سياسية وانسانية عرفت لاحقا بقضية اللاجئين.
إلى ذلك، أجج “صك الانتداب” “الوطنية الفلسطينية” وعزز فكرة النضال من أجل إقامة كيان فلسطيني مستقل عن الدول العربية. وبرزت مطالبة الفلسطينيين باقامة حكومة فلسطينية مسؤولة أمام برلمان. الا أن الحكومة البريطانية رفضت الطلب وظلت مصممة على توفير شروط اقامة الوطن القومي اليهودي.
وفي10 آب /اغسطس1922وضعت بريطانيا “دستور فلسطين”، ضمنته، “انشاء مجلس تشريعي يشارك في اصدار القوانين بما لا يتعارض مع صك الانتداب، ولا يعمل بأي قانون لا يوافق عليه المندوب السامي البريطاني الذي سيراس هذا المجلس”. وتحدد عدد اعضائه بـ 22 عضوا، منهم10موظفين معينين (6 بريطانيين و4 يهود) و12عضوا منتخبا (منهم 8 مسلمين و2 مسيحيين و2يهود)(3).
ومع تزايد هجرة اليهود الى فلسطين خلال عقدي الثلاثينات والأربعينات بمساعدة دولة الانتداب بريطانيا، اتسع انتشار تيار الوطنية الفلسطينية وبلور المجتمع الفلسطيني حركته السياسية والكفاحية وبرز شعار مقاومة وعد “بلفور” ومنع تنفيذه والتصدي للمطامع الصهيونية في قلسطين، وإنهاء الانتداب البريطاني.
وغدا استقلال فلسطين هدفا مركزيا وخاض الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية نضالا سياسيا وعنيفا غير متكافئ من اجل تحقيقه وقاوم بمختلف الوسائل التوجهات البريطانية والصهيونية الاستعمارية، وتصدى لقوافل المهاجرين اليهود بعدما صاروا يشكلوا خطرا حقيقيا على أرضه وعلى أمنه الفردي والجماعي. وعملت الحركة الوطنية الفلسطينية في ثلاث محاور اساسية في آن واحد: الاول، شن نضال سياسي جماهيري ومسلح ضد القوات البريطانية، وتعاملوا معها باعتبارها قوات استعمارية متواطئة ومنحازة لجانب المشروع الصهيوني. وقام الفلسطينيون بعدة انتفاضات وإضرابات شعبية ومسلحة لمنع تنفيذ الوعد، بدأت في العام1919 وتواصلت بصورة متقطعة حتى العام 1948، كان أشهرها الاضراب الذي تم في العام 1936، ودام 6 شهور. وبمقدار ما كان هذا الاضراب مفيدا في تبلور الحركة السياسية الفلسطينية واظهار تصميم الشعب وقواه على مواجهة التوجهات البريطانية ـ الصهيونية كان الاضراب ضارا في الاقتصاد الفلسطيني وعطل تطوره ووجه ضربة قوية للرأسمال الفلسطيني الناشئ. وارهق طبقات وفئات المجتمع الفلسطيني خصوصا العمال والتجار، واضعف القدرة على تطوير النضال من اجل التحرر واقامة الدولة المستقلة. والمحور الثاني، تمثل في دخول قتال مباشر ضمن الامكانات العسكرية المتوفرة، ضد “العصابات” الصهيونية المسلحة التي لم تخفي نواياها في الاستيلاء على الارض وفي طرد سكانها الاصليين. والثالث، التوجه الى الدول والشعوب العربية والاسلامية وطلب مساندتها في الدفاع فلسطين ومقدساتها.
ويسجل لقيادة لحركة الصهيونية أنها أجادت في تلك المرحلة ركوب رياح الحرب العالمية الثانية التي هبت من اوروبا على شتى بقاع الارض اواخر عقد الثلاثينات وامتداد عقد الاربعينات من القرن الماضي. وانجزت تحضيرات المرحلة الاولى من مشروعها التاريخي لإقامه دولة يهودية كبرى على أرض فلسطين. واستثمرت جيدا ارتكاب النازيين في تلك الفترة مجازر بشعة بحق اليهود في المانيا وبولندا وعدد من دول اوروبا. وركزت على هدف استراتيجي واحد هو اقامة الدولة اليهودية في فلسطين، ورفعت شعار انقاذ اليهود من مذابح النازيين ونجحت بتواطئ مع سلطات الانتداب في نقل مئات ألوف المهاجرين اليهود الى فلسطين، وأسست منهم جيش الوكالة اليهودية “قوات الهجنا، شتيرن، والارغون”. ودربته وسلحته باحدث الأسلحة، ووفرت له فرصة ذهبية لشن هجمات وحشية ضد الفلسطينيين وأرضهم. وكأن الفلاحين الفلسطينيين هم الذين ارتكبوا المجازر والجرائم بحق اليهود وأوقدوا لهم المحارق في اوروبا…
ونجحت الحركة الصهيونية في 9 كانون الثاني/ديسمبر 1945 باستصدار قرار اجماعي من الكونغرس الامريكي جاء فيه ( ان الولايات المتحدة سوف تستعمل مساعيها الحميدة لدى السلطة المنتدبة لجعل ابواب فلسطين مفتوحة لدخول اليهود بحرية الى ذلك القطر الى اقصى قدرته الزراعية والاقتصادية وسوف تتوفر هناك فرصة للاستعمار والتنمية بحيث تكون لهم الحرية في استئناف بناء فلسطين كوطن قومي لليهود بالاشتراك مع سائر عناصر السكان لجعل فلسطين “كومن ولث” ديمقراطي حيث يكون الجميع بغض النظر عن الجنس والمذهب متساوين في الحقوق)(4).
وفي 4 تشرين الاول/ اكتوبر 1946 اصدر رئيس الولايات المتحدة “ترومان” تصريحا دعم فيه اهداف الحركة الصهيونية اقامة وطني قومي لليهود في فلسطين جاء فيه (لقد عرفت بمزيد من الاسف بان اجتماعات مؤتمر فلسطين المنعقد في لندن قد أجلت وبانها لن تستانف حتى السادس عشر كانون الاول/ ديسمبر 1946 وعلى ضوء هذا الوضع فان من المناسب فحص سجل جهود الادارة في هذا الموضوع. …ومما يدعو للتذكر انه عندما قدم تقرير بشأن الاشخاص المشردين من اوروبا طلبت حالا اتخاذ الخطوات لتخفيف حالة هؤلاء الاشخاص الى حد اقصاه قبول 100000 يهودي للدخول الى فلسطين. ومن دواعي سروري ان اشير الى الادارة اهتمت باستنباط الطرق والوسائل لنقلهم والاعتناء بهم عند وصولهم)(5)
إلى ذلك، لم تدرك “الوطنية الفلسطينية” خطورة الدعم الدولي الكبير الذي تلقته الحركة الصهيونية وابعاده على أرضهم. وعندما توقفت الحرب العالمية الثانية لم تعي التغيرات التي أحدثتها في أوضاع المنطقة وفي العلاقات الدولية، ولم تلاحظ تحول المهاجرين اليهود في فلسطين الى “قومية” شبه محددة الملامح وان دعم الراسمال اليهودي والعالمي لاسرائيل يجعلها قوة إقتصادية وسياسية كبيرة.
وبعد إحتدام المعارك بين الفلسطينيين والمهاجرين اليهود تكثفت التحركات الدولية لايجاد حل مناسب للصراع، وبرزت فكرة تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية. وخطى الفكر السياسي الفلسطيني خطوات على طريق طرح تصور متكامل لمستقبل فلسطين. وادركت القيادة الفلسطينية، مجسدة في “الهيئة العربية العليا” التي تشكلت بقرار صدر عن الجامعة العربية في 12حزيران/ يونيو 1946 أهمية مواجهة التطورات(6). وحاولت إيجاد إطار دستوري سياسي واداري يملأ الفراغ، الا ان مجلس جامعة الدول العربية الذي انعقد في مدينة عاليه بلبنان في تشرين الاول/اكتوبر1947 رفض الفكرة. وبرز في النظام السياسي الفلسطيني تياران: الأول قومي قوي رفض التفاهم مع زعماء اليهود وتمسك بقيام دولة فلسطينية مستقلة على كل الأراضي الفلسطينية. والآخر، وكان الأضعف مثلته عصبة التحرر “الحزب الشيوعي الفلسطيني”، تبنى فكرة اقامة دولة ديمقراطية موحدة يتعايش فيها العرب واليهود دون تمييز امام القانون(7). لكن مواقف القوى الدولية المقررة وموازين القوى المختلة لصالح اليهود حالت دون نجاح هذا الحل الديمقراطي خصوصا أن فكرة التعايش كانت مرفوضة بالمطلق من زعماء الحركة الصهيونية، وكان نفوذ الحزب الشيوعي بسبب نشأته اليهودية ضعيفا في صفوف الشعب الفلسطيني.
في حينه، أيدت الولايات المتحدة الامريكية وروسيا والدول الاوروبية مشروع تقسيم فلسطين الى دولتين عربية ويهودية، ومارست الولايات المتحدة ضغوطاً شديدة على وفود الدول الأعضاء في هيئة الأمم المتحدة للحصول على ثلثي الأصوات من أجل اصدار شهادة الميلاد للدولة الجديدة ولإقرار مشروع التقسيم. وفي29 تشرين الثاني/نوفمبر1947 أصدرت الجمعية العمومية للامم المتحدة قرار تقسيم فلسطين الى دولتين مستقلتين حمل الرقم181 بأغلبية 33 صوتا ومعارضة13وامتناع10 أعضاء عن التصويت(8). واقتطع القرار جزءا من ارض فلسطين بما نسبته 54% لانشاء دولة اسرائيل رغم ان اليهود في العام 1945 كانوا يملكون 1491699 دونما من ارض فلسطين التي تبلغ مساحتها 26323023. وكان عددهم في العام 1947 اقل من ثلث السكان عشرهم من الفلسطينيين السكان الاصليين(9).
فهل بدأت قصة اللاجئين الفلسطينيين بتبلور الحركة الصهيونية في اوروبا قوة سياسية اقتصادية قوية، ام بوعد “بيلفور”، ام بقرار التقسيم، أو بالهزيمة المرة التي لحقت بالحركة الوطنية الفلسطينية والجيوش العربية عام 1948 التي هبت لنجدة الفلسطينيين وانقاذهم من المجازر وتحرير أرضهم من الصهاينة؟
قرار التقسيم 181 رسّم وجود اسرائيل وكرس هجرة اللاجئين.
رسّم قرار التقسيم وجود الكيان اليهودي على ارض فلسطين، ومثل اشارة لبدء قوات الحركة الصهيونية في شن هجمات قوية وحشية على القرى العربية لتهجير سكانها من بيوتهم واجبارهم على الهرب خارج فلسطين، واستكمال السيطرة على المناطق التي أعطاها لها القرار وتوسيعها بأكبر قدر مستطاع من الارض. وتحولت الهجمات في أحيان كثيرة الى مجازر بشعة ارتكبت بحق اهالي القرى الفلسطينية، دفعت بالكثير من كبار التجار والملاكين الكبار والمقتدرين، وضمنهم اقسام من الفئة السياسية الفعّالة في المجتمع الى تهريب عائلاتهم قبل ان تصل الاشتباكات مدنهم وبلداتهم. ولم تتدخل بريطانيا لوقف المذابح وسهلت وقوع بعضها. وجاء اعتراف الامم المتحدة وبخاصة “امريكا، روسيا، بريطانيا، فرنسا” السريع بدولة اسرائيل عام 1984 وكرس وجود الدولة اليهودية الناشئة حقيقة من حقائق الشرق الأوسط على حساب أرض فلسطين ومصير شعبها، وعلى حساب تطلعاته نحو الاستقلال والتحرر من الاستعمار البريطاني.
الى ذلك، طلب الرئيس الامريكي “ترومان” من دولة الانتداب الانسحاب من فلسطين قبل 15أيار/مايو 1948، ولم تعارض بريطانيا الطلب رغم الاوضاع المضطربة فيها. واعلنت في 8 كانون الاول/ ديسمبر1947، قرارها بانهاء الانتداب وإحالة القضية الى الامم المتحدة وحددت يوم 15 أيار/مايو 1948، موعدا لسحب قواتها قبل تنفيذ قرار التقسيم. ولاحقا قدمت الولايات المتحدة لاسرائيل بشكل متدرج ومتصاعد دعماً اقتصادياً وعسكرياً خياليا شجعها على التمرد على القرارات الدولية وضمنها المتعلقة باللاجئينً. ووطدت الادارات الامريكية المتعاقبة هذه العلاقة وطورتها أكثر فأكثر حتى بلغت إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.
في حينه، طالبت الدول العربية الحكومة البريطانية “دولة الانتداب” بعدم سحب قواتها من فلسطين قبل قيام سلطة شرعية تضمن سلامة السكان العرب، الا انها رفضت الطلب العربي وسحبت قواتها في الموعد الذي حددته لنفسها ليلة 14ـ 15أيار/مايو 1947. وهيأت القيادة البريطانية الظروف لارتكاب القوات الاسرائيلية النظامية مزيد من المجازر وعمليات التهجير المنظمة ضد من تبقى من الفلسطينيين في بيوتهم. واستولت اسرائيل على أراضي اضافية خارج الحدود التي رسمها قرار التقسيم في المثلث والجليل.
وعلى امتداد عقود لاحقة عملت الادارات الامريكية المتعاقبة، انطلاقا من مصالحها الخاصة على توثيق علاقاتها بإسرائيل، بدأ بعد اعلان قيام دولة إسرائيل عام 1948 مباشرة واعترفت بها دولة مستقلة. وكان التصريح الثلاثي الامريكي البريطاني الفرنسي في ايار/مايو 1950 حول تعزيز السلام في الشرق الاوسط نموذجا صارخا على الانحياز. حيث اكدت الدول الثلاث معارضتها “استخدام القوة او التهديد او الالتجاء الى القوة بين دول المنطقة لحل نزاعاتها”. وكان هدفها تكريس الواقع الجديد وحماية اسرائيل. وقالت “لن تتوانى الحكومات الثلاث اذا هي علمت ان احدى هذه الدول تستعد على الحدود او خطوط الهدنة عن اتخاذ الاجراءات سواء في نطلق هيئة الامم المتحدة او خارجه طبقا لالتزاماتها باعتبارها اعضاء في الامم المتحدة لتنمنع هذا الاعتداء”.
وبقيام دولة اسرائيل فوق ارضهم وتوفر الدعم الدولي لها انتقل الفلسطينيون الى واقع جديد، ودخل الفكر والنظام السياسي الفلسطينيان مرحلة نوعية جديدة كليا. ولم يكن أمام شعب فلسطين وقيادته من خيار سوى رفض الاعتراف بالواقع السياسي والميداني الذي صنعته الصهيونية، وقررت القيادة الفلسطينية ممثلة “بالهيئة العربية العليا” رفض التسليم بالامر الواقع وتعاملت معه باعتباره غير دائم وقابل للتغيير. وتمسكت بفكرة اقامة دولة عربية على اسس ديمقراطية على عموم فلسطين، تكفل احترام جميع الاقليات ومصالحها. ورفضت الاعتراف بقرار تقسيم وطنها الى دولتين عربية ويهودية، فمعظم الاراضي كانت في حوزة الفلسطينيين “90%ـ95%” وتحت سيطرتهم، وكانوا أكثرية واليهود أقلية. والخيار الآخر اي اقرار القرار والتسليم بالامر الواقع، كان يعني التسليم باغتصاب ارضهم وتاريخهم وممتلكاتهم التي ورثوها عن الآباء والاجداد والرضى بعيش ذليل في المنافي او تحت إستبداد الحكم العسكري الاسرائيلي.
منذ عام 1948 طرحت أسئلة كبرى تتعلق بالموقف العربي الفلسطيني في تلك الفترة من قرارات الامم المتحدة، وما زال الكثير من تلك الاسئلة مطروحة حتى الان منها: هل كان ممكنا للعرب والفلسطينيين قبول قرار التقسيم في تلك الظروف والأوضاع التي عاشوها، وهل كان للنتيجة ان تتغير في ظل موازين القوى التي كانت سائدة، لو قبلوا بالتقسيم ؟ هذا السؤال وسواه من الاسئلة التاريخية تبقى مطروحة على المفكرين والبحاثة الاستراتيجيين.
واذا كان حكم التاريخ أكد خطأ موقف القيادة الفلسطينية في تلك المرحلة ممثلة بالهيئة العربية العليا، خاصة بعد قبول الفلسطينيين في العقد الاخير من القرن الماضي ما رفضه الآباء والاجداد، فالسؤال حول صحة الموقف الفلسطيني والعربي من قرار التقسيم يبقى مطروحا على المفكرين والبحاثة الاستراتيجيين. والامانة التاريخية تفرض الاعتراف بأن نزع الأحداث من سياقها التاريخي والتسرع والانفعال في الإجابة، يقودان إلى الوقوع في الأخطاء واصدار أحكام ظالمة.
لا شك ان بامكان ومن حق الجيل الحالي او اللاحق من الفلسطينيين والعرب إدانة موقف الآباء والأجداد في تلك الفترة وبخاصة رفضهم التقسيم، ولكن لو دارت عقارب الزمن نصف قرن للوراء فهل بإمكان الأبناء والاحفاد اتخاذ موقف غير الذي اتخذه الآباء والأجداد في ظل الظروف المحلية والدولية والاقليمية التي سادت تلك الفترة ؟ واذا كان إدانة موقف الاجداد سهلا الان، فالقول بان النتيجة كانت ستتغير لو قبلوه ليس مؤكدا وليس بالضرورة دقيقا.
في تلك الفترة، رفضت جميع الحكومات العربية القرار ورفضت الاعتراف بدولة اسرائيل، والتزمت بمقاطعتها سياسيا واقتصاديا وثقافيا. وقررت جامعة الدول العربية تشكيل “حكومة عموم فلسطين وفي 23/9/1948 تم تشكيلها(10). وبعد اسبوع عقد في غزة يوم 30/9/1948 مؤتمرا ضم 75ـ85 شخصية فلسطينية ساندت تشكيل. لكن هذه الحكومة لم تعمر طويلا ولم تنجح في تكريس ذاتها كجزء من النظام السياسي وقائدة له، وضاع إسمها بتلاشي معظم قواه واندماج بعضها في أطر الحركة القومية العربية. واذا كانت مواقف القوى الكبرى حالت دون حصولها على الاعتراف الدولي المطلوب بدولة فلسطينية فرفض قرار التقسيم وتسميتها حكومة “عموم” فلسطين وفرت غطاء لموقف تلك الدول الجائر كما اعتقد.
وفي حينه تفرد الحزب الشيوعي الفلسطيني “عصبة التحرر” بالدعوة للقبول بقرار التقسيم وحذر من تآمر الدول الكبرى الداعمة لمطامع الصهيونية التوسعية التي تطال كل الارض الفلسطينية، الا ان القيادة الفلسطينية رفضت الدعوة ولم تجد دعوة الحزب أذنا فلسطينية او عربية صاغية وتعرض لاتهامات متنوعة من شتى الاتجاهات الفلسطينية الاخرى بلغت حد التخوين.
الى ذلك، آزرت شعوب الدول العربية وحكوماتها مواقف الشعب الفلسطيني وقيادته الرسمية وساندت موقفهم السياسي، وبرزت ظاهرة المتطوعين العرب للدفاع عن فلسطين والاماكن المقدسة فيها، لكن جامعة الدول العربية رفضت، في البداية، فكرة تشكيل جيشا منهم يطلق عليه اسم “جيش الجهاد المقدس، وقررت حشد جيوش الدول العربية على حدود فلسطين.
وامام تصاعد هجمات القوات الصهيونية وارتفاع صرخات الفلسطينيين بطلب النجدة وضغط زعمائهم، وافقت جامعة العربية بعد صراع قاسي ومرير على تشكيل “أدارة مدنية” ووافقت على تشكيل “جيش الجهاد المقدس” بقياد عبدالقادر الحسيني الذي أقام مقر قيادته العامة في بيرزيت، وكان هذا الجيش اقرب الى مليشيا مجاهدين. وظهرت فعالياته في الدفاع عن القدس ومنطقة يافا بقيادة حسن سلامة.
وفي تشرين الاول /اكتوبر1947 قررت الجامعة تشكيل جيشا آخر من المتطوعين قوامه اربعة آلاف محارب، أكثريتهم من الفلسطينيين ومن ابناء الدول العربية المجاورة لفلسطين سمي “جيش الانقاذ”. واسندت مهمة قيادته للمناضل فوزي القاوقجي الذي ظهر دوره خلال ثورة العام1936. وتم التعامل مع فصائل الجهاد المقدس بوصفها جزء من جيش الانقاذ.
ومع دخول الجيوش العربية ارض فلسطين لانقاذ اهلها وتحريرها من “العصابات الصهيونية”، شاعت في صفوف الفلسطينيين مظاهر أمل باستعادة ما خسروه، وبرزت بعض مظاهر الاتكالية على دور الجيوش العربية الهاجمة من كل الاتجاهات ماعدا الغرب حيث البحر(11). وتعقد الوضع القيادي والاداري والمدني الفلسطيني، خاصة ان دخول الجيوش العربية زاد في تهميش الحكومات العربية لدور الهيئة العربية العليا السياسي والعسكري، وتضمنت توجهات المشاركة العربية في “التحرير” حل جميع المنظمات العسكرية الشعبية الفلسطينية باعتبارها تعرقل عمل جيوشها النظامية.
واثر تدهور الموقف اندلع القتال. وتحركت الامم المتحدة وأصدر مجلس الامن الدولي عدة قرارات لوقف القتال وتنفيذ قرار التقسيم، وشكل في كانون أول /ديسمبر1948 لجنة توفيق من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وتركيا، كان من ضمن واجباتها العمل على تنفيذ قرار الامم المتحدة الخاص بالتقسيم.
وفي الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تأمل بتدخل دولي فعال لدعم قرار السلام، رفض بن غوريون وقف المعارك وتحديد حدود دولة اسرائيل واعتبر ما حصلت عليه بقرار من الامم المتحدة وبالقوة لا يلبي طموحات شعب اسرائيل. وبدلا من الالتزام بتنفيذ القرارات الدولية، اعطى بن غوريون اوامره بالاسراع في ضم المثلث والجليل اللذين لم يكونا ضمن مناطق الدولة اليهودية حسب قرار التقسيم، ولا تزال حدود دولة اسرائيل من الناحية القانونية الدولية هي الحدود التي رسمها قرار التقسيم. ووافق بن غوريون على تدمير القرى العربية “450 قرية” وازالتها من الخارطة وتهجير من تبقى من الفلسطينيين فوق أرضهم، ومعظهم من فقراء المدن والفلاحين وحولهم الى مهجرين “لاجئين” داخل ارضهم التي صار اسمها اسرائيل(12).
ولا يزال اللاجئون وضمنهم من عادوا لاحقا الى قراهم تسللا محرومين من العودة الى بيوتهم واراضيهم، رغم ان بعضهم مثل اهالي اقرت وكفر برعم، حصلوا في وقت مبكر على قرار محكمة العدل العليا الاسرائيلية بالعودة الى اراضيهم. وهم جميعا يعتبرون مواطنون اسرائيليون ويحملون الجنسية الاسرائيلية ويشاركون في الانتخابات التشريعية “الكنيست” منذ انتخابات الكنيست الاسرائيلية الاولى 25/1/1949 وحتى آخر انتخابات جرت لها. ويشغل بعضهم مناصب متنوعة في المؤسسات الرسمية، ويخدم بعضهم من ابناء الطائفة الدرزية والبدو والشركس” في جيش الدفاع الاسرائيلي ويحمل رتبا عسكرية متوسطة.
وبعد معارك عنيفة، ألحقت التشكيلات العسكرية الاسرائيلية هزائم مؤلمة بجيش الانقاذ وجيش الجهاد المقدس، وبالجيوش العربية التي هبت لنجدة الفلسطينيين “وانقاذ فلسطين”. وعجزت الجيوش العربية عن وقف المجازر ضد الفلسطينيين مما دفع بالكثير من أبناء المدن والقرى للهرب الى الدول العربية المجاورة لفلسطين.وعاش من تبقى من الفقراء والمعدمين والعاجزين عن الحركة تحت رحمة قادة التشكيلات العسكرية الاسرائيلية. ولم تجد القوات الاسرائيلية في الغالبية الساحقة من التجمعات الفلسطينية التي احتلتها قيادات محلية تتفاوض معها. ولم يجد الاهالي من يدافع عن حقوقهم الانسانية وخضعوا لمزاج الجنود الاسرائيليين المهاجمين في تطبيق قرار قيادتهم بالقتل والتهجير والتدمير.
ومع تواصل عجز الجيوش العربية عن وقف المجازر ضد الفلسطينيين، اتسعت ظاهرة المغادرة “المؤقتة” من المدن والقرى الواقعة على خط النار الى المدن والقرى الفلسطينية الداخلية البعيدة عن ميادين الاشتباكات المباشرة، وتوجه آخرون الى الدول العربية المجاورة لفلسطين. واستقبلت الاردن وسوريا ولبنان ومصر مئآت الالوف من الفلسطينيين اضطروا لمغادرة بيوتهم وهم يحملون ما خف حمله وغلى ثمنه، بأمل النجاة والعودة الى بيوتهم واراضيهم بعد استقرار الوضع خلال فترة وجيزة. ووصل بعضهم الى العراق والى دول اوروبا وامريكا. وشملت المغادرة فئات واسعة من الفلاحين وصغار التجار والملاكين اضافة لكبارهم الذين سبقوهم. وارتاحت اسرائيل من كابوس وجود أكثرية عربية في فلسطين. وتشتت شعب فلسطين في شتى انحاء المعمورة، ولم تبذل القيادة الفلسطينية والقوى الوطنية في حينه الجهود الممكنة للحد من الهجرة ولم تعط النموذج المطلوب لتثبيت الناس في ارضهم، وتساوت في سلوكها العملي مع بقية المغادرين، وخلت معظم المدن والبلدات والقرى من رموزها الوطنية ومن الموظفين الاداريين.
وكان لتلك الهزائم نتائجها وآثارها المدمرة على الوضع في المنطقة خصوصا على الفلسطينيين، حيث انهت عمليا وجود قيادة وطنية مستقلة للفلسطينيين، ونقلت مسالة البت بالمصير الفلسطيني للدول العربية وجامعة الدول العربية وهيئة الامم المتحدة. واحيت الحلم الصهيوني وحولته الى حقيقة عملية وجعلت من اسرائيل دولة ذات قوة عسكرية لايستهان بها. ومزقت ارض فلسطين وتشتت شعبها وتحول ما تبقى من الارض الفلسطينية بيد الجيوش العربية “الضفة الغربية وقطاع غزة” الى تجمع كبير للاجئين. وانتهى من الزاوية العملية وجود قيادة وطنية فلسطينية وانتهى المصير الفلسطيني بيد النظام العربي كدول وجامعة.
عدم تنفيذ القرار 194 عقد القضية وأطال في عمرها
رغم الهزيمة المرة التي لحقت بالجيوش العربية وظهور دولة اسرائيل عام 1948 ظل اللاجئون الفلسطينيون يحلمون بالعودة وظل القدر يحوّل احلامهم الى كوابيس مزعجة وحقائق معذبة، لكنهم لم ييأسوا ولم يبخلوا في التضحية من اجل تحقيق هذا الحلم. الى ذلك واصلت الشعوب العربية وحكوماتها مؤازرة مواقف الفلسطينيين. واحتدم النزاع السياسي والمسلح بين العرب واسرائيل واتخذت الامم المتحدة عدة قرارات بوقف اطلاق النار وتنفيذ قرار التقسيم. الا ان القيادة الاسرائيلة لم تلتزم بالقرارات واستولت على مزيد الاراضي.
لاحقا، في 11 كانون الاول “ديسمبر” 1948 أصدر مجلس الامن الدولي قراره رقم 194 الذي تتضمن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة الى بيوتهم وممتلكاتهم وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم وتعويض من لا يرغب قي العودة عن ممتلكاته(13)، لكن حكومة اسرائيل رفضت تنفيذ القرار ولم تتحرك الامم المتحدة ولا الدول الكبرى لارغامها على تنفيذه. وتحملت تلك الدول مع هيئة الامم المتحدة “مشكورة” مسؤولية تامين لقمة العيش لهم. واتخذت الجمعية العامة في دورتها الرابعة في كانون الاول/ديسمبر 1949 قرار رقم 302 بتشكيل كالة غوث اطلق عليها اسم وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين(14). وبعد تشكيلها تمت مراعاة الحالة البائسة لسكان قلقيلية، وعدد آخر من القرى والبلدات الحدودية المنكوبة، وصرفت لهم بطاقات اغاثة ومساعدات تموينية ثابتة، لكنها كانت تختلف عن بطاقات اللاجئين الاصليين لجهة كميات التموين المصروفة، فحصة المواطن من اهل البلدة كانت تساوي نصف حصة اللاجئ الاصيل، وحصلت عائلتي على بطاقة تموين “كرت لاجئيين”. ومثلت تلك المساعدات الدولية المورد الرئيسي لرزق اللاجئين وتموينهم. ولم يكن امام اهل البلدة سوى استصلاح ما تبقى لهم الارض، وقلعوا الصخور الجبل وردوا ارضها بالتراب وزرعوا ما كسبوا من مساحات. وحفروا الآبار الارتوازية بطرق يدوية بدائية، وشكلوا ما يشبه الجمعيات التعاونية الزراعية الصغيرة، وباعوا حلي النساء واشتروا مضخات والانابيب لري البساتين والبيارات الجديدة. ولم يتركوا بابا للرزق الا وطرقوه، وسافر كثير من شبابها للعمل في دول الخليج ودخولها معظمهم بطرق غير شرعية، وتعرضوا لانواع مؤلمة من الاضهاد، وتضامنوا مع بعضهم في المسكن وتوفير العمل.
وبعد تدهور الموقف أصدر مجلس الامن الدولي عدة قرارات لوقف القتال، وشكل في كانون أول 1948 لجنة توفيق من الولايات المتحدة الامريكية وفرنسا وتركيا، كان من ضمن واجباتها العمل على تنفيذ قرار الامم المتحدة الخاص بمسألة اللاجئين الفلسطينيين. ولكن في الوقت الذي كانت فيه الدول العربية تأمل بتدخل دولي فعال لدعم قرار الامم المتحدة كانت اسرائيل تسعى لتوسيع رقعة الارض التي خصصها لها قرار التقسيم، وضمت بقية منطقتي المثلث والجليل وهجرت مزيدا من الفلسطينيين.
وبدلا من التفكير في حل مشكلة الفلسطينين الذين ارغموا على هجرة بيوتهم وممتلكاتهم، أقرت الحكومة الاسرائيلية في سنة 1950ميلادية 5710 (قانون العودة) الخاص بحق يهود العالم “العودة الى ارض الآباء والاجداد” والحصول على الجنسية الاسرائيلية(15).
وفي 1/12/1948 عقد عدد كبير من زعامات فلسطين مؤتمرا وطنيا في اريحا ترأسه الشيخ محمد الجعبري وشدد المؤتمر على ضرورة الاسراع بارجاع اللاجئين الى بلادهم والتعويض عليهم. وقرر ضم الضفة الغربية لامارة شرق الاردن ونال اللاجئون الفلسطينيون في الاردن الجنسية وحملوا جوازات اردنية سلهت لهم حياتهم وحركتهم ورحل عدد كبير منهم الى دول الخليج طلبا للرزق. ورفضت جامعة الدول قرار الضم. وفي 13 نيسان/ ابريل 1950 أكد مجلس الجامعة على قرار اللجنة السياسية الذي اتخذ باجماع الدول الاعضاء في 12 ابريل سنة 1948 والذي ينص على ان دخول الجيوش العربية فلسطين لانقاذها يجب ان ينظر اليه كتدبير مؤقت خال من كل صفة من صفات الاحتلال والتجزئة لفلسطين وانه بعد تحريرها تسلم البى اصحابها ليحكموها كما يريدون. وفي بند آخر قال القرار : اذا اخلت اية دولة من الدول العربية بهذا القرار تعتبر ناقضة لتعهدها ولاحكام ميثاق الجامعة. لكن موقف الجامعة وقراراتها لم تغير في الواقع الجديد الذي فرض على اللاجئين.
ومنذ ذلك التاريخ تبعثرت مكونات النظام السياسي الفلسطيني واندثر دور “الهيئة العربية العليا” وتلاشت “حكومة عموم فلسطين”. وعاش من تبقى من الشعب الفلسطيني في وطنه ” قرابة180 ألف”، ومن رحل منه قرابة “750 ألف”، سنوات طويلة على أمل التحرير والعودة. وراحوا يرقبون التطورات الاقليمية واجتماعات الجامعة العربية وهيئة الامم المتحدة وقراراتها السنوية. وينتظرون العودة والتحريرعلى يد الجيوش العربية التي راحت تستعد لليوم الموعود..
بالمقابل، يسجل للحركة الصهيونية والقيادة الاسرائيلية انها أجادت، مرة اخرى، ركوب رياح الحرب الباردة مع بدء هبوبها مطلع الخمسينات على المنطقة. وحددت موقعها فيها بجانب المعسكر الغربي وعملت بكل السبل على تأجيج الصراع بين اقطابها، ووظفت امكانتها المتنوعة لصالح مخططات وتوجهات حلف “الناتو” في مواجهة حلف “وارسو”، وبما يدعم وجود دولة اسرائيل ويعزز تطورها.
بوقوع “النكبة” وتجسيد نتائجها السياسية والديمغرافية على الارض، دخل المجتمع الفلسطيني ونظامه السياسي مرحلة جديدة اختلفت نوعيا عن تلك التي مر بها في النصف الاول من القرن، يمكن تسميتها بمرحلة الاتكالية الفلسطينية على العرب وانتظار الحلول الدولية. بدأت هذه المرحلة بالهزيمة المرة التي لحقت بالجيوش العربية وبالحركة الوطنية الفلسطينية عام 1948، واستمرت حتى النهضة الوطنية الثانية وتشكيل م ت ف 1964 وانطلاق الثورة المسلحة عام 1965.
وفي هذه المرحلة قسمت الارض الفلسطينية بين عدد من دول المنطقة “إسرائيل، الاردن، سوريا، لبنان”، وبددت الهوية الوطنية بين “الاردنة” و”الاسرلة” وهوية مواطن اللجوء والشتات. وبقيت اراضي قطاع غزة فلسطينية، ووضع تحت الوصاية المصرية واحتفظ سكانه بهويتهم الفلسطينية. وتشكلت أرضية حقيقية لقيام ثلاثة اجنحة للنظام السياسي الفلسطيني.الاول، في “الداخل” فوق أرضه التي صار إسمها إسرائيل. والثاني، فوق ما تبقى من فلسطين خارج نطاق السيطرة والسيادة الاسرائيلية اي “الضفة الغربية وقطاع غزة. والثالث في الشتات حيث تواجد اللاجئون. وتلاشت أحزاب الحركة الوطنية الفلسطينية وانخرط طلائعها في حركات وأحزاب قومية عربية واسرائيلية وأممية. منها: حزب البعث، حركة الاخوان المسلمين، حركة القوميين العرب، الحزب الشيوعي، حزب التحرير الاسلامي، الاحزاب الاردنية، الاحزاب الاسرائيلية اليمينية واليسارية الحاكمة والمعارضة. وظهر منتصف الخمسينات على أرض غزة عدة تنظيمات سياسية لم ترق لمستوى تشكيل حركة وطنية فلسطينية مستقلة ونظام سياسي واضح المعالم.
بعد النكبة خاض شعب فلسطين صراعا مريرا مع الذات ومع الآخرين من اجل العودة والاستقلال، وعانى وقياداته عذابات كثيرة ومتنوعة حتى تكون لهم دولة مستقلة ذات سيادة اسوة ببقية شعوب الارض، وواصلوا رفض الحلول الدولية المجحفة التي عرضت عليهم. ورغم نجاح الحركة الصهيونية في توطيد دعائم دولة اسرائيل منذ مطلع الخمسينات منتصف القرن الماضي ظل الفلسطينيون متمسكين بشعار التحرير والدولة والعودة، ومن أجل هذا الهدف القومي شكلوا لاحقا حركتهم الوطنية المستقلة، ولم يلغوا دور العرب والمسلمين في تحرير الاراضي الفلسطينية المقدسة. ورفضوا إعتماد المفاوضات كوسيلة رئيسية لحل نزاعهم مع الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل.
ولاحقا في آذار/مارس 1953 أعلن وزير الخارجية الأمريكية جون فوستر دالاس: أن الرئيس أيزنهاور كلفه بزيارة الشرق الأوسط من أجل تخفيف حدة التوتر بين العرب وإسرائيل والعمل على إقرار صلح دائم بينهما. في حينه، كان العرب واقعين تحت تأثير الصدمة التي أحدثها “اغتصاب إسرائيل لفلسطين”، وطردها لمئات الآلاف من أبنائها، ولم يكونوا في وضع القادرعلى الدخول في أي بحث جدي لأية حلول. ورفضوا التجاوب مع حركة دالاس، وارتاحت القيادة الإسرائيلية من تحديد موقف من تلك المبادرة غير المتحمسة لها أصلا، وماتت مبادرة دالاس قبل أن تدخل الأطراف في بحثها.
وفي عام 1955 إقترح دالاس وزير الخارجية الأمريكي مشروعاً لتوطين اللاجئين في صحراء سيناء(16). وتضمن اقتراحه توطين بعضهم في عدد من الدول العربية الأخرى. في حينه رفض العرب الاقتراح ندد الفلسطينيون في جميع اماكن تواجدهم بفكرة التوطين وأكدوا تمسكهم بحق العودة الى ارضهم وممتلكاتهم، وقامت مظاهرات وتحركات شعبية فلسطينية صاخبة ضد المشروع.
ورغم بروز اسرائيل كقوة عسكرية كبيرة ومشاركتها في حرب السويس وإحتلالها قطاع غزة عام 1956وإنسحابها منه بعد بضعة شهور، بسبب الضغوط الدولية الهائلة التي تعرضت لها وبخاصة من الولايات المتحدة الامريكية، إلا أن اللاجئين الفلسطينيين لم يسلموا بوجودها ولم يستسلموا للامر الواقع ولم يفقدوا الأمل بالعودة الى بيوتهم وقيام دولتهم المستقلة. وحافظت حكومات الدول العربية على ذات المواقف التي اتخذته قبل “النكبة” نهاية الاربعينات. وظلت ترفض الاعتراف باسرائيل او اقامة اية علاقات سياسية او اقتصادية او ثقافية معها. إلى ذلك، لم تتوقف مؤسسات هيئة الأمم المتحدة جمعية عمومية ومجلس أمن عن مناقشة القضية الفلسطينية، وتحركت الدول الكبرى مرات عدة لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين.
وبعد مشاركة اسرائيل في حرب السويس وتكرار اعتداءاتها على القرى والبلدات الاردنية(17) في الضفة الغربية، ظهر في صفوف عدد من الدول العربية وبخاصة دول الطوق “مصر وسوريا والاردن ولبنان”، خوف حقيقي من نوايا اسرائيل العدوانية واطماعها التي لم تكن تخفيهافي الاراضي والمياه العربية.
وفي عام 1961 وجه الرئيس كينيدي رسالة إلى الملوك والرؤساء العرب عرض فيها تصوره لحل المشكلة الفلسطينية، على أساس حق كل فلسطيني بالعودة إلى وطنه إذا شاء، أو تعويضه عن ذلك إذا لم يشأ. الا ان إسرائيل رفضت بشدة أفكار كينيدي، وشنت حملة واسعة ضدها. ولم يوافق العرب عليها لأنها كانت تحمل في طياتها مبدأ توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية، ودعوة مبطنة للاعتراف بوجود إسرائيل كدولة من دول المنطقة.
هذا ولم لم تبقى القضية الفلسطينية وجوهرها مسألة اللاجئين بمنأى عن تأثيرات الحرب الباردة التي انفجرت بين المعسكرين الاشتراكي والرأسمال بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية بفترة وجيزة. ويستطيع الباحث ان تحميل الحرب الباردة وهو مرتاح الضمير، قسطا كبيرا من المسؤولية عن تعطيل البحث الجدي عن حل لقضية اللاجئين وعطلت المحاولات الدولية التي ظهرت في سماء المنطقة في تلك الفترة لحل القضية برمتها. وساهمت في تاجيج النزاع العربي الفلسطيني ـ الاسرائيل وعمقت العداوة بين العرب والاسرائيليين، وأخرت تقدم وتطور شعوب المنطقة بضع عقود من السنين وعطلت تقدم الفكر السياسي الواقعي عند الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي وباقي شعوب المنطقة.
وبعد طول انتظار أدرك طلائع اللاجئين أن إنتظار التحرير على يد الغير لا يحرر الأرض ولا يعيد الحقوق المغتصبة. وظهر في صفوفهم اواسط خمسينات القرن الماضي ميول جدية للقيام بدور سياسي عسكري مستقل ضد إسرائيل. وقامت عدة تنظيمات فلسطينية صغيرة في قطاع غزة رفع بعضها شعار “الكفاح المسلح من اجل عودة اللاجئين وتحرير الوطن السليب”.
الى ذلكن أكدت الأحداث ومسار حركة التاريخ أن القوى الدولية المقررة وبخاصة قطبي الحرب الباردة الولايات المتحدة و”الاتحاد السوفيتي” لم يكونا جادين في ايجاد حلول واقعية وعادلة لقضايا المنطقة وبخاصة قضية اللاجئين. وظل كل منهما ظل يسعى لتوظيف الصراع العربي الأسرائيلي في تعزيز نفوذه في المنطقة.
لقد اصاب وزير الخارجية الامريكي الاسبق “جيمس بيكر”مهندس مؤتمر عملية السلام في مدريد وأظهرالحقيقة عندما قال إن توقيع الاتفاق على إعلان المبادئ “اتفاق اوسلو” بين اسرائيل ومنظمة التحرير تم بفضل إنتهاء الحرب الباردة. وأظن أن اعتراف قادة دول المنطقة بخطأ انجرارهم وتورطهم في الحرب الباردة، وانجرافهم مع تيارها يساعد في فكفكة العقد التاريخية الكامنة في نفوس شعوب المنطقة وبخاصة التي اكتوت بافرازاتها وبنيران الحروب التي شهدتها المنطقة منذ عام 1948.

الهوامش والمراجع
1ـ وجاء في رسالة “بيلفور” على ان يفهم جليا انه لن يؤتى بعمل من شانه انتقاص الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية، ولا الحقوق او الوضع الذي يتمتع به اليهود في البلدان الأخرى. راجع نص الوعد في كراس مئتان وثمانون وثيقة مختارة اصدار دائرة الثقافة في م ت ف سنة 1987.
2ـ وجاء في صك الانتداب على فلسطين:”يتم الاعتراف بوكالة يهودية ما دامت الدولة المنتدبة ترى تأليفها ودستورها يجعلانها صالحة ولائقة لهذا الغرض”. راجع نص الصك كاملا في المصدر المذكور أعلاه.
3ـ راجع وثائق م ت ف مئتان وثمانون وثيقة اصدار دائرة الثقافة 1987 .
4ـ الكومنولث: رابطة الشعوب الناطقة باللغة الانجليزية.
5ـ راجع المصدر المذكور اعلاه.
6ـ تشكلت “الهيئة العربية العليا لفلسطين” بقرار صدر عن الجامعة العربية في 12 حزيران/يونيو 1946، وبقيت حتى النكبة بمثابة المؤسسة السياسية العليا الوحيدة للشعب الفلسطيني. وتشكلت الهيئة في البداية من اربعة اشخاص “جمال الحسيني، اميل الغوري، حسين الخالدي، واحمد حلمي باشا” عينتهم الجامعة العربية، واتفق ان يبقى مركز الرئاسة شاغرا لحين حضور المفتي الحاج امين الحسيني من اوروبا الذي تسلم الرئاسة بعد عودته الى مصر، وقام بتعيين خمسة اعضاء جدد. ومثلت الهيئة شعب فلسطين وبقيت تمارس نشاطها من خارج فلسطين بعد النكبة. لمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى كتاب نويض الحوت “القيادات والمؤسسات السياسية في فلسطين ـ اصدار
7ـ ظهر الحزب الشيوعي الفلسطيني مطلع العشرينات بين صفوف التجمع الاستيطاني اليهودي، ومثل الشيوعيون تيارا مستقلا تمتع بخصوصية تأثرت بنشأته. ولم يفلح الحزب في في استقطاب اعدادا مهمة من الفلسطينيين الى بعد تبنيه شعار التعريب وانتسابه سنة 1924 الى الاممية الشيوعية، وتزاوجه مع تيار الوطنية الفلسطينية.
8 ـ نص القرار في قسم “تقسيم مع اتحاد اقتصادي” تحت بند نهاية الانتداب على” أ- ينتهي الانتداب على فلسطين في أقرب وقت ممكن وعلى كل حال لا يتجاوز موعده اول آب/اوغسطس 1948. ب- تجلو القوات المسلحة للدولة المندبة عن فلسطين تدريجيا ويجب ان ينتهي هذا الجلاء في اقرب وقت ممكن بحيث لا يتجاوز اول آب /اغسطس 1948. ج- يبدأ وجود الدولتين المستقلتين العربية واليهودية وكذلك النظام الدولي الخاص المقر لمدينة القدس المبين في القسم الثالث من هذا المشروع بعد شهر من انتهاء جلاء القوات المسلحة للدولة المنتدبة، وفي موعد لا يتجاوز اول اكتوبر 1948. د- تعتبر الفترة الواقعة بين موافقة الجمعية العامة على توصياتها بشان المسألة الفلسطينية واقامة استقلال الدولتين اليهودية والعربية فترة انتقال. لمزيد من التفاصيل يمكن العودة الى كتاب “وثائق القضية الفلسطينية” اصدار الجامعة العربية.
9ـ معظم الاراضي كانت في حوزة الفلسطينيين “90%ـ95%” وكانوا أكثرية واليهود أقلية. والخيار الآخر أي القبول بالتقسيم كان يعني التسليم باغتصاب ارضهم وعيش ذليل في المنافي او تحت إستبداد الحكم العسكري الاسرائيلي. انظر جدول يبين ملكية الارض في كتاب القرارات الدولية حول القضية الفلسطينية 1917ـ1991 ص14 و15.
10ـ حاولت الجامعة العربية تدارك النقص الكياني الفلسطيني وشكلت “الادارة المدنية” في حزيران “يوليو” 1948 برئاسة “احمد حلمي باشا عبد الباقي” وفتحت الباب امام تكوين “حكومة عموم فلسطين”. وبعد تشكيلها عارضها الاردن وعطلت الجامعة العربية اي سلطة فعلية لها على الارض. لمزيد من التفاصيل انظر كتاب “محمد خالد الازعر” “حكومة عموم فلسطين ” طباعة دار الشروق – القاهرة ـ عام؟؟؟.
11ـ بدخول الجيوش العربية فلسطين تعقد الوضع القيادي الفلسطيني خاصة وان الهيئة العربية العليا كانت تعاني من تهميش عربي. في حينه وصلت القوات العراقية الى مناطق جنين، وطولكرم وقلقيلية. وصلت القوات المصرية الى قرية الفالوجة الواقعة بين غزة والخليل. ووصلت القوات الاردنية مدينة القدس والى مدينتي اللد والرملة، اما القوات السورية فتأخر دخولها واصطدمت بالتحصينات والحشودات الصهيونية في منطقتي طبريا وصفد.
12ـ تم تدمير أكثر من 450 قرية” وهجر من تبقى من الفلسطينيين وتحولوا الى مهجرين “لاجئين” داخل ارضهم التي صار اسمها اسرائيل. وما يزال الآف من الفلسطينيين في اسرائيل محرومين من العودة الى قراهم، رغم ان بعضهم منهم “اهل اقرت وكفر برعم” حصل في وقت مبكر على قرارات من محكمة العدل العليا الاسرائيلية بذلك. وجميعهم يحملون الجنسية الاسرائيلية ويشاركون في الانتخابات التشريعية “الكنيست”، منذ انتخابات الكنيست الاسرائيلية الاولى 25/1/1949 وحتى آخر انتخابات جرت لها.
13ـ راجع نص قرار مجلس الامن رقم 194 في كراس القرارات الدولية حول القضية الفلسطينية 1971 ـ1991 إصدار م ت ف ـ الوفد الفلسطيني لمؤتمر السلام 1991. ص 20
14ـ راجع نص قرا ر الأمم المتحدة المتعلق بتشكيل وكالة غوث اللجئين في المصدر المذكور اعلاه ص 23
15ـ راجع قانون العودة الاسرائيلي في كراس وثائق فلسطين مئتان وثمانون وثيقة مختارة، مصدر سبق ذكره.
16ـ راجع اقتراح دالس ورد الجامعة العربية بخصوص املاك اللاجئين والتوطين المصدر المذكور اعلاه.
17ـ راجع مزيد من المعلومات حول حرب السويس ؟؟؟؟

ملخص المادة

مراجعة سيرة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي تبين ان موقف قوى النظام السياسي الفلسطيني من حل قضية اللاجئين لم يبق ثابتا، ومر في مراحل عدة: وفي الفترة الممتدة من عام 1948- 1988تطور الموقف على النحو التالي :

أولا/ ظل الفلسطينيون موحدين حول شعار التحرير والعودة. ورفضوا ما هو دون تنفيذ قرار الامم المتحدة رقم 194 الذي تضمن حق العودة والتعويض. ومن أجل هذا الهدف أعادوا تشكيل حركتهم السياسية التي اندثرت بعد هزيمة 1948. واسسوا عام 1964بدعم من الرئيس عبد الناصر منظمة التحرير وجعلوا منها كيانهم المعنوي. وتم تشكيل “المجلس الوطني الفلسطيني” كأعلى هيئة تشريعية فلسطينية يختار من بين اعضاءه “لجنة تنفيذية” كقيادة يومية.
وعقد المجلس أولى دوراته في القدس 28/5/1964، وانتخب احمد الشقيري رئيسا ، وصادق على الميثاق الوطني والنظام الاساسي للمنظمة. والتدقيق في نصوص “الميثاق” يبين انه وضع لتعبئة طاقات الفلسطينيين “لاجئين ومقيمين”، وتنظيم العلاقة مع العرب والعالم. وتمسك الفلسطينيون بالكفاح المسلح وسيلة للتحرير. ونص الميثاق في مادته الثانية على أن (فلسطين بحدودها التاريخية التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة اقليمية لا تتجزأ). وقالت مادته الثالثة (الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه ويقرر مصيره بعد ان يتم تحرير وطنه وفق مشيئته وبمحض ارادته واختياره). وفي مادة اخرى عرّف الميثاق الفلسطينيون بانهم (المواطنون العرب الذين كانوا يقيمون في فلسطين حتى عام 1967. وكل من ولد من أب عربي فلسطيني). وثبت في المادة 11 ثلاث شعارات (وحدة ـ تعبئةـ تحرير). واعتبر تقسيم فلسطين عام 1947 باطل من أساسه وكذلك وعد بلفور وصك الانتداب.

ثانيا/ كان للاعلان عن تشكيل م ت ف دورا في حرق قيادة “فتح” مرحلة الاعداد العسكري. وخشي عرفات واخوانه بدء فصل جديد من الوصاية العربية وتكرار تجربة “الهيئة العربية العليا” وتجربة “حكومة عموم فلسطين”. واتخذت فتح موقفا سلبيا من المنظمة واعتبرتها اداة بيد الانظمة العربية. وسارعت لبدء الكفاح المسلح في1/1/1965، ودعت المواطنين في الضفة والقطاع واللاجئين في الشتات للانخراط في الكفاح. ونجحت في نشر افكارها خاصة في المخيمات. وبعد هزيمة 1967 انخرطت مجموعات اخرى في الكفاح المسلح منها حركة القوميين العرب وحزب البعث العربي الاشتراكي. ورفضت الاتجاهات الدينية ممثلة بحركة الاخوان المسلمين وحزب التحرير تبني الكفاح المسلح وشككت في جداوه، وظلت خارج المنظمة.

ثالثا/ رفض الفلسطينيون لاجئين وغير لاجئين، جميع المشاريع التي قامت على التوطين والتعويض، ورفضوا تصريحات الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة التي اطلقها في مدينة اريحا عام 1964، ودعا فيها العرب الى قبول قرار الامم المتحدة رقم 181 الداعي الى تقسيم فلسطين دولتين عربية ويهودية، وأكد الفلسطينيون تمسكهم بالقرار 194وبحق العودة الى بيوتهم ارضهم. وشجبوا الدعوات المشبوهة لانشاء “كيان فلسطيني في الاراضي المحتلة في5 حزيران/يونيو 1967″. ورفضت القيادة الفلسطينية صيغة الحكم الذاتي الانتقالي التي وردت في اتفاقات كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية “1978ـ1981″. وفي اكثر من محطة حاول بعض أطراف الحركة الفلسطينية معالجة مشكلة اليهود في فلسطين بعد التحرير، وتم تبنى فكرة دولة فلسطينية ديمقراطية يتعايش فيها الطرفان على قدم المساواة أمام القانون.

رابعا/ رغم بروز اسرائيل قوة عسكرية قوية وإحتلالها قطاع غزة عام 1956 ثم احتلالها الضفة والقطاع وصحراء سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية عام 1967، وعبورها نهر الاردن عام 1968 وقناة السويس في عام 1973، وغزوها الاراضي اللبنانية مرات عدة وشنها حربا شاملة ضد م ت ف ودخول جيشها مدينة بيروت عام 1982، وملاحقتها قادة المنظمة واغتيال عددا منهم..الخ إلا الفلسطينيين لم يسلموا بوجودها ولم يستسلموا للامر الواقع وتمسكوا بقرارات الشرعية الدولية، ولم يفقد اللاجئون الأمل بتحرير ارضهم والعودة الى بيوتهم. وخاضوا كفاحا باسلا ضد اسرائيل، وتحولت قضيتهم من قصة انسانية الى قضية سياسية وجزء اساسي من مفهوم استعادة الحقوق الوطنية الفلسطينية.

خامسا/ خلال فترة 1964ـ 1988 عقد المجلس الوطني ثمانية عشر دورة في القدس والقاهرة وعمان ودمشق وتونس والجزائر. صحيح ان الاعضاء اظهروا تغيرا في موقفهم وتقدموا نحو الواقعية عندما وافقوا على “مرحلة” اهدافهم الوطنية واقروا في الدورة الثانية عشر في مدينة فاس في 6ـ 9/9/1982، البرنامج المرحلي الذي عرف “برنامج النقاط العشر”..الخ لكن من يدقق في الموقف يظهر له ان التغير والتقدم كانا لفظيين ومحدودين. وموافقتهم على “مشروع الامير فهد” بمبادئه الثمانية والذي اشار في بنده السابع الى “حق اسرائيل في الوجود” اساسا لحل النزاع..الخ لم يغير في جوهر موقفهم من وجود دولة اسرائيل ومن القرار 2424وقرار 194 وحق اللاجئين في العودة والتعويض كما وردت في الميثاق الوطني. واعتبرت المعارضة وضمنها التيار الاسلامي وقوى قومجية البرامج المرحلية استسلام وتنازل عن حق اللاجئين في العودة والتعويض. وتجدر الاشارة الى أن القوى الوطنية بدلا من تركيز جهدها داخل الاراضي المحتلة، رفعت درجة اهتمامها بدور اللاجئين في الخارج في العملية النضالية وبخاصة في لبنان واهتمت بقضاياهم اليومية على حساب الاهتمام بحقوقهم الوطنية وخاصة حق العودة والتعويض.

سادسا/ في 9/12/1987، تفجر احباط الفلسطينيين في انتفاضة شعبية عارمة في وجه الاحتلال. وقرروا أخذ زمام تحرير أنفسهم بأنفسهم. ومثلت الإنتفاضة محطة فاصلة صححت وضع هرم الحركة الفلسطينة ونقلت ثقلها من الخارج الى الداخل. ومع ترسخها على الارض راحت الانتفاضة ترسل شحنات قوية من الفكر السياسي الواقعي للقيادة في الخارج دعتها الى أخذ المتغيرات الدولية بالاعتبار وتطوير البرنامج المرحلي بما يتلائم والمتغيرات وطبيعة المرحلة ومتطلباتها. ومع تصاعد الانتفاضة، طرح وزير الخارجية الامريكية “شولتس” مبادرة سياسية. أكد فيها ان الهدف “سلام دائم يضمن امن جميع دول المنطقة والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني”. والمفاوضات تتم على مرحلتين و”أساسها قراري مجلس الامن 242 و 338″..الخ في حينه، رفضت القيادة الفلسطينية إقتراح شولتس ورأت فيه خدعة هدفها شطب القيادة لصالح تشكيل قيادة بديلة. وبالغ بعضهم بقدرات الإنتفاضة ونتائجها ورفضوا “ومنهم أبو اللطف” أن تكون حدود الدولة الفلسطينية المنشودة محصورة في الأراضي التي إحتلت عام 1967، وطالبوا بتبني موقفا رسميا، خلاصته المطالبة بتنفيذ قرار التقسيم رقم181 الصادرعن الامم المتحدة في العام 1947.

الموقف الفلسطيني في المرحلة الثالثة 1988 ـ2004

اتسمت المواقف الفلسطينية في هذه المرحلة بسمتين: الأولى وقوع تحول رئيسي في الفكر السياسي باتجاه الواقعية والتخلي عن الاحلام التاريخية وانهاء وجود دولة اسرائيل. والثانية، احتدام الصراع الفكري والسياسي بين القوى والاحزاب والاتجاهات المختلفة حول حل نزاع الفلسطينيين مع الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل. وتحرك الموقف على النحو التالي:

1) تراجع الفلسطينيون عن مواقف مبدئية كانت اقرب الى معتقدات مقدسة الاقتراب منها محرم. واطلقوا مبادرة سلام عام 1988 واعترفوا بقراري مجلس الامن 242 و338، اساسا لحل النزاع واعترفوا بحق اسرائيل في الوجود، واقروا بدولتين للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على أرض فلسطين التاريخية. وهذا التبدل بجانب خلافات أخرى اسس لانشقاق المنظمة. وطرحت حركة “حماس” برنامجا آخر يقوم على التأكيد على أن أرض فلسطين كاملة غير منقوصة حق للشعب الفلسطيني وللامة كلها لا يحق لاحد التفريط بجزء منها، والوجود الصهيوني عليها او على جزء منها سواء ما احتل في عام 1948أو عام 1967 لا يبطل هذا الحق.

2) في العام 1991 وافقت قيادة م ت ف على مبادرة لصنع السلام طرحها الرئيس بوش الاب قامت على: مبدأ الأرض مقابل السلام. وتطبيق قراري 242 و 338. وتحقيق الحقوق السياسية المشروعة للشعب الفلسطيني. وضمان الأمن والسلام لدولة إسرائيل. ووافقت المنظمة على وضع السلاح جانبا، وتوجه وفد فلسطيني الى مؤتمر مدريد للسلام وجلس وجها لوجه مع الوفد الاسرائيلي ودخلا مفاوضات ثنائية مباشرة. ووافقت على الاسس الواردة في رسالة الدعوة التي وجهها راعيي المؤتمر الولايات المتحدة و”الاتحاد السوفيتي” والتي تضمنت تأجيل بحث حقوق اللاجئين الى المرحلة الثانية اي مفاوضات الوضع الدائم.
إلى ذلك، وجد الجانب الفلسطيني في اجتماعات “مجموعة اللاجئين” 1992ـ 1995، التي انبثقت عن مفاوضات متعددة الاطراف، منبرا لعرض قضية حقوق اللاجئين. وتمسك على مدى ثمانية اجتماعات عقدت في موسكو واوسلو واوتوا وتونس والقاهرة وجنيف، بالقرار 194 كأساس لحل المشكلة. وضغط باتجاه التعامل مع قضايا ملموسة جوهرها انساني لها بعد سياسي منها قضايا لم شم العائلات. وناقش قضايا التعويض والتوطين وتحسين ظروف معيشية اللاجئين. ولم تسفر المحادثات عن نتيجة، وصار ذكر حقوق اللاجئين كما ورد في القرار 194 اشبة بالروتين. وزج الجانب الاسرائيلي المحادثات في متاهات تحديد التمثيل الفلسطيني وتعريف من هم اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم وموقع اللاجئين اليهود في الحل.

3) في مفاوضات اوسلو السرية، انتقلت قضايا اللاجئين والنازحين الى طاولة المفاوضات. وفي اتفاق اعلان المبادئ “اتفاق أوسلو” 1993 احيلت حقوق اللاجئين الى مفاوضات الوضع النهائي على أن تبدأ منتصف عام 1996. وجاء في الاتفاق (يتفق الطرفان على ان الوقت قد حان لانهاء عقود من المواجهة والنزاع والاعتراف بحقوقهما المشروعة والسياسية المتبادلة…ولتحقيق تسوية سلمية ومصالحة تاريخية من خلال العملية السياسية..). وفي بند آخر حدد الاتفاق قضايا الحل النهائي (وهذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها، القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين، ومسائل أخرى ذات الاهتمام المشترك). و(يتفق الطرفان على ان لا تجحف او تخل اتفاقيات المرحلة الانتقالية بنتيجة مفاوضات الوضع الدائم). (ومن المفهوم ان المفاوضات حول الوضع الدائم ستؤدي الى تطبيق قراري مجلس الامن 242 و338).

وتجدر الاشارة الى أن اتفاق اوسلو ميز بين لاجئي 1948 ونازحي 1967 واحيلت قضية النازحين الى اللجنة الرباعية التي تشكلت عام 1995 من مصر والاردن واسرائيل والمنظمة. واغرق الطرف الاسرائيلي مفاوضات الحل الدائم وضمنها اللاجئين والنازحين في مناقشات قانونية ادت الى هدر الوقت. وبقيت حقوق النازحين معلقة لا بل يمكن القول انها ربطت عمليا ودون قرار بمعالجة حقوق اللاجئين.

4) بعد تشكيل السلطة الوطنية وانتقال القيادة الفلسطينية من الخارج الى الضفة وقطاع عام 1994بدأ الجانب الاسرائيلي يلح على ضرورة التزام الجانب الفلسطيني بالاتفاقات والغاء بنود الميثاق الوطني الفلسطيني التي تدعو الى تدمير اسرائيل وتتعارض وروح الاتفاقات الموقعة بين الطرفين. في حينه حاولت القيادة الفلسطينية التهرب من تنفيذ هذا الالتزام الا ان ادارة كلينتون كانت لها بالمرصاد. وبعد جدل داخلي صعب دعت اللجنة التنفيذية الى عقد الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني. وعقدت الدورة على ارض فلسطين في قطاع غزة في صيف1996. وبعد نقاش مسئول قرر المجلس باغلبية الاصوات اعادة صياغة الميثاق الوطني الفلسطيني بما يتلائم واستيعاب التطورات، والغاء كافة البنود التي تتعارض مع الالتزامات والاتفاقات التي وقعتها قيادة المنظمة مع اسرائيل. وبقيت م ت ف حتى الان دون ميثاق جديد.

5) في مفاوضات كامب ديفيد في تموز/يوليو 2000 شكل الطرفان ثلاث لجان مواضيع: الأولى خاصة بالقدس، والثانية بقضايا الحدود والمستوطنات والأمن، والثالثة لبحث قضية اللاجئين من جميع جوانبها. وعند دخول الرؤساء الثلاث كلينتون وباراك وعرفات في بحث مصير اللاجئين تمسك عرفات بقوة بتنفيذ قرارات الشرعية الدولية، ورفض التوقيع على أي اتفاق ينص على إنهاء النزاع ولا يتضمن حل قضيتي القدس واللاجئين وفق القرارات الشرعية الدولية الخاصة بهما. وكشف عرفات للرئيس كلينتون أنه لا يستطيع التصرف بمصير اللاجئين والقدس بمفرده، ولا بد من العودة لأخذ رأي عدد من زعماء العرب.
إلى ذلك، رفض باراك الاعتراف بمسئولية إسرائيل عن النكبة التي حلت باللاجئين ورفض الإقرار بحقهم في العودة حسب القرار 194. وعندما ركز الرئيس كلينتون على حل قضية اللاجئين، تحدث عرفات عن خصوصية وضعهم في لبنان، وبعد سماع كلينتون رقما عن عددهم ( 380 ألف) قال بحضور باراك؛ يمكن تنظيم عودتهم في غضون 10سنوات.وكان يعني حصر العودة الى اسرائيل في هذا العدد فقط.

6) يوم 23/12/2000 أملى الرئيس كلينتون في 20 دقيقة على أعضاء الوفدين الفلسطيني والاسرائيلي في واشنطون بحضور اركانه (مبادرة) لحل القضية الفلسطينية وإنهاء النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، عرفت لاحقا “بأفكار كلينتون”. لخص فيها مفاوضات الطرفين في عهده. وبشان تصوره لحل قضية اللاجئين قال: “اشعر بان الخلافات تتعلق بدرجة كبيرة بالصياغات وبدرجة اقل بما يجري على مستوى عملي”. وأضاف “أعتقد أن إسرائيل مستعدة للاعتراف بالمعاناة المعنوية والمادية التي تعرض لها الشعب الفلسطيني نتيجة لحرب 1948″. واقترح إنشاء لجنة دولية لتنفيذ الجوانب التي تنجم عن الاتفاق على التعويض وإعادة التوطين. وأعطى تفسيرا خاصا لقرار الأمم المتحدة رقم 194 المتعلق بحق اللاجئين في العودة والتعويض. وأيد ضمنا موقف اسرائيل الذي يعتبر العودة تهديدا لأمنها وطابعها اليهودي.

وأشار الرئيس كلينتون إلى أن المبدأ المرشد للحل هو اعتبار الدولة الفلسطينية في الضفة والقطاع نقطة الارتكاز للفلسطينيين الذين يختارون العودة، ولم يستبعد قبول إسرائيل بعض اللاجئين كمواطنين. وقال:
“اعتقد إننا نحتاج إلى تبني صياغة بشأن حق العودة توضح أن ليس هناك حق محدد في العودة إلى إسرائيل نفسها لكنها لا تلغي تطلع الشعب الفلسطيني للعودة إلى المنطقة”. واقترح بديلين: “أ) يعترف الجانبان بحق اللاجئين في العودة إلى فلسطين التاريخية أو، ب) يعترف الجانبان بحق اللاجئين في العودة إلى وطنهم. وسيحدد الاتفاق تنفيذ هذا الحق العام بطريقة تتوافق مع الحل القائم على أساس دولتين”. وحدد خمسة مواطن محتملة للاجئين:
1) الدولة الفلسطينية
2) مناطق في إسرائيل ستنقل إلى فلسطين ضمن تبادل الأراضي
3) إعادة تأهيل في الدول المضيفة
4) إعادة توطين في دولة ثالثة
5) الإدخال إلى إسرائيل”. وطلب اعتبار الحل المقترح تنفيذ لقرار مجلس الامن عام 1948رقم 194المتعلق باللاجئين..

إلى ذلك، رأت تنفيذية المنظمة في “أفكار كلينتون” إيجابيات، لكنها اعتبرتها بالإجمال منحازة لمواقف إسرائيل، وتجحف بحقوق الفلسطينيين وبخاصة حقوق اللاجئين. آخرون من المتشددين في السلطة والمعارضة لم يروا في أفكار كلينتون أية إيجابية واعتبروها مشروع تصفية للقضية الفلسطينية، واتفق الاتجاهان على رفضها من حيث المبدأ. وظهر اتجاه ثالث، ظل ضعيفا دعا إلى قبول الأفكار كما هي، إذا تعذر تعديلها. وحذر رموز هذا التيار من إضاعة فرصة قد لا تعوض لسنوات. وفي اجتماع ضم اعضاء التنفيذية والوزراء والوفد المفاوض تقرر ارسال الرد باسم اللجنة التنفيذية. وحمل الرد عنوان “ملاحظات وأسئلة فلسطينية حول الأفكار الأمريكية”. تضمن قراءة تفصيلية للأفكار بينت نواقصها وثغراتها. وأكد الرد تمسك قيادة المنظمة بحل النزاع سلميا وعلى أساس القرارين 242 و338،. ورفضت في الفقرة ذاتها قبول المقترح الأمريكي، كما هو. وتعمد بعض أركان القيادة توزيع نص الرد على القوى والاحزاب لتأكيد صلابة موقف القيادة. وأصدرت “قيادة القوى الوطنية والإسلامية” بيانا في 6/1/2001 اعتبرت المقترحات الأمريكية تعبير صارخ عن المخطط الصهيوني الهادف إلى فرض الاستسلام وإخماد جذوة الانتفاضة “.

7) لاحقا على ابواب الانتخابات الاسرائيلية شباط/فبراير 2001عقد الطرفان مفاوضات في طابا. وأظهرت المناقشات أن افكار كلينتون في الكامب موافق عليها إسرائيليا. وبشأن اللاجئين؛ ثبت الطرفان ما ورد في “ورقة كلينتون”. ووافق بيلين في لقاءاته الثنائية مع الوزير نبيل شعث أن ينص الاتفاق حول اللاجئين على اعتراف إسرائيل بحقهم بالعودة إلى “ارض فلسطين التاريخية”، شرط أن يكون مفهوما أنها لا تشمل أرض إسرائيل في حدود العام 1967. وتقتصر عودتهم على المناطق الخمسة التي حددتها ورقة كلينتون. وروى اعضاء في الوفد الفلسطيني ان بيلين تحدث عن إمكانية استيعاب 70ـ 100 ألف لاجئ في عشر سنوات. وان ينهي جميع مطالب اللاجئين. ورفض الجانب الإسرائيلي إدراج عائدات “صندوق أملاك الغائب” وفوائده البنكية ضمن مستحقات اللاجئين باعتبارها عائدات ناتجة عن استثمار أملاكهم. وبصرف النظر عن اسباب إنهاء محادثات طابا دون وثيقة، فإني اعتقد ان أطروحة كلينتون ـ باراك في الكامب حول اللاجئين وقضايا الحل النهائي كانت أقل من اتفاق، وما طرح في طابا يوفر الحد لاتفاق لكنه جاء متأخر جدا.
إلى ذلك، أكد “ائتلاف السلام الفلسطيني الإسرائيلي” بزعامة بيلين ـ عبد ربه أن بإمكان الطرفين التوصل إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي الشائكة. وقدموا في “وثيقة جنيف” التي توصلوا لها منتصف تشرين الأول “أكتوبر” 2003 صيغة محددة لحل مسألة اللاجئين وقضايا الحل النهائي الاخرى. صحيح ان وثيقة جنيف تبنت افكار كلينتون بشأن حل قضية اللاجئين، الا ان ذلك لا يقلل من قيمتها بل زادها قيمة عندما تحولت الى مسودة اتفاق غير رسمي فلسطيني اسرائيلي. واذا كانت وثيقة نسيبة ـ ايلون خفضت سقف الموقف الفلسطيني بشأن حل مشكلة اللاجئين، وحصرت حقوقهم في التعويض والعودة الى اراضي الدولة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في حدود عام 1967، فهي اجتهاد ومجرد وجه نظر غير رسمية اثبتت حملة التواقيع ان لها انصار في الجانبين، رغم الملاحظات الفلسطينية الاساسية.

تطور الموقف العربي من حقوق اللاجئين

عند البحث في تطور الموقف العربي من حقوق اللاجئين تجدر الاشارة الى مسألتين: الأولى، ان مؤسسات الأمم المتحدة والدول الكبرى لم تتوقف، بناء على طلب الدول العربية عن مناقشة القضية الفلسطينية وضمنها قضية اللاجئين وحقوقهم والبحث عن حلول لها. والثانية، ان الفلسطينيين لم يلغوا دور العرب والمسلمين في تحرير فلسطين واسترداد حقوق اللاجئين. واحتضنت الحكومات والشعوب العربية اللاجئين وتضامنوا معهم. ومن اجل فلسطين قدم العرب تضحيات جسيمة، ودفعوا الكثير من قوتهم اليومي ومن تقدمهم الحضاري وازدهارهم الاقتصادي. وقمعت شعوب عربية وفرضت عليها الاحكام العرفية تحت شعار التحضير لتحرير فلسطين. وتمسكت جامعة الدول العربية بالقرار 194 وما ورد فيه بشأن عودة وتعوبض اللاجئين. وحافظت على الاسس التي اعتمدتها بعد نكبة عام 1948 بخصوص حماية املاكهم.

ومنذ العام 1964 وحتى توقيع اتفاق اوسلو عام 1993حافظت الدول العربية على موقفها، وظلت ترفض الاعتراف باسرائيل وترفض اقامة علاقات معها. ورفضت مشاريع الحلول لمشكلة اللاجئين التي تجاوزت حق العودة. وباستثناء مبادرة “الامير فهد” في القمة العربية الثانية عشر واتفاقات كامب ديفيد المصرية الاسرائيلية ظل الموقف العربي الرسمي، يلتزم موقف م ت ف من حل قضية اللاجئين كجزء من حل القضية الفلسطينية ككل. وظل قرار 194 ارضية الحل وسقفه.

في القمة الأولى عام 1964 أشرك الزعماء العرب احمد الشقيري ممثلا لفلسطين وقال بيانهم ” ايمانا بحق الشعب الفلسطيني في التحرر وتقرير المصير اتخذ الاجتماع قرارات لاتقاء الخطر الصهيوني”.

وفي القمة الثانية والثالثة والرابعة كرروا موقفهم من حقوق اللاجئن ومقاومة “محاولات تصفية قضية اللاجئين”.

وفي قمة الخرطوم التي عقدت في ايلول/ سبتمبر 1967 إثر هزيمة حزيران/يونيو قرر الزعماء العرب عدم الصلح مع اسرائيل او الاعتراف بها وعدم التفاوض عها والتمسك بحق الشعب الفلسطيني في وطنه. ورفضوا مبادئ جونسون التي طرحها في حزيران/ يونيو1967: وقالت في بندها الثاني “ينبغي توطين اكثر من مليون لاجئ قبل الوصول الى سلم دائم”.

وفي القمة الخامسة كانون الاول/ ديسمبر 1969: قال الزعماء العرب ان وصول الحل السلمي الى طريق مسدود جعل التعبئة والقوة والحشد والاعداد لاعمال جدية الطريق الوحيد امام العرب المنظمة.

وفي القمة السادسة التي عقد بعد حرب 1973 اعتبر الزعماء م ت ف الممثل الشرعي الوحيد للشعب الفلسطيني.وتم تفويض سورية ومصر بعدم تفويت فرصة التوصل الى حل بشرط عدم المساس باي حق عربي ولا سيما بالحقوق الوطنية الثابتة لشعب فلسطين.

ويمكن اعتبار مؤتمر القمة السابع الذي عقد في الرباط 1974 أكثر القمم اهمية اتجاه القضية حيث قرر بالاجماع وبموافقة الاردن على ان م ت ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. وتراجع موقع القرار القومي العربي بشأن القضية وضمنها مسالة اللاجئين لصالح القرار الوطني. وتم تحديد الهدف المرحلي للامة العربية بناء على توجهات الفلسطينيين بتحرير الاراضي المحتلة عام 1967 واستعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني وفق ما تقرره منظمة التحرير. ومراجعة وقائع مفاوضات كامب ديفيد عام 1978 ـ1981 تبين أن هدف السادات كان أبعد من الحل الثنائي بين مصر وإسرائيل. وحاول أن يضع أسساً لحل النزاع برمته. ودخل في مفاوضات حول الجولان السوري وحول القضية الفلسطينية. ولاحقا توصل مع الإسرائيليين وبمساعدة الرئيس كارتر إلى “اتفاقية إطار للمفاوضات حول وضع الضفة الغربية وقطاع غزة”، تضمنت موافقة إسرائيل على إقامة سلطة حكم ذاتي فلسطيني منتخبة في الضفة والقطاع. ووضع الترتيبات العملية لعودة النازحين الذين غادروا الضفة والقطاع منذ 5 حزيران/يونيو 1967. وتم تحديد الفترة الانتقالية بخمس سنوات. وبعد انتهاء هذه الفترة يجب الاتفاق على الحل النهائي للقضية الفلسطينية، وضمنها طبعا اللاجئين.

وفي قمة بغداد عام 1978 قرر الزعماء العرب “ان القضية الفلسطينية قضية عربية مصيرية وهي جوهر الصراع مع العدو”. واكدوا الالتزام بالتحرير الكامل للاراضي المحتلة منذ عام 1967. والالتزام باستعادة الحقوق الفلسطينية بما في ذلك حق العودة وتقرير المصير. واكدوا رفض مشروع الحكم الذاتي ومشاريع التوطين.

وفي القمة العاشرة عام 1979، اكد الزعماء المبادئ الاساسية التي تضمنتها قرارات القمة التاسعة. وادانوا اتفاقيتي كاب ديفيد ومعاهدة الصلح المصرية الاسرائيلية.

وفي القمة الحادية عشر اكدوا تمسكهم بمقررات بغداد وتونس خاصة ما يتعلق منها بقضية فلسطين باعتبارها جوهر الصراع. واكدوا ان القرار 242 لا يتفق مع الحقوق العربية ولا يشكل اساسا صالحا لحل الازمة وخاصة قضية فلسطين.

وفي القمة الثانية عشر التي عقدت في فاس في المغرب عام 1982أِشار الزعماء في بيانهم الى “مشروع الرئيس التونسي بورقيبة” الذي استند الى قرار الامم المتحدة رقم 181عام 1947بشان تقسيم فلسطين. وانتهى المشروع الى اعتماد الشرعية الدولية اساس لحل القضية الفلسطينية. واعتمدت القمة مشروع الملك فهد وبمبادئه الثمانية التي اساسا لحل النزاع. ونصت في بندها الرابع على “تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وممارسة حقوقه الوطنية الثابتة وتعويض من لا يرغب في العودة.

وفي مرحلة أوسلو ـ الانتفاضة الثانية 1993ـ2004التزم العرب في اجتماعاتهم التي عقدوها بالتوجهات الفلسطينية وفي محطات كثيرة دفعوا قيادة م ت ف باتجاه مزيد من الاعتدال ومسايرة الموقف الامريكي.

ملاحظة: الهوامش والمصادر مذكورة في المادة الاساسية الموسعة.