التطيّر في قراءة “وعد” بوش وخطة شارون يقود إلى توجهات خيالية / الحلقة الثانية

بقلم ممدوح نوفل في 08/05/2004

لا خلاف بين أطراف النظام السياسي الفلسطيني على أن مرحلة ما بعد “وعد” بوش لشارون شديدة التعقيد وما تزال في طور التشكل والتكوين. وان بقية مرحلة بوش شارون تحمل في طياتها أخطار كبيرة تمس المصالح الفلسطينية العليا. وحماية هذه المصالح في هذه المرحلة الصعبة يتطلب حنكة سياسية تستند إلى صلابة مبدئية. وتباين أطراف النظام السياسي الفلسطيني في تقييمها وتحديد أشكال النضال الملائمة أمرا طبيعيا. وإذا كان خيار رفض مشروع الفصل احادي الجانب “الشاروني” يزيد في الخسائر الفلسطينية، فالخضوع لإرادة سيد البيت الأبيض والتسرع في قبوله لا يقللها.

وفي سياق بحث الخيارات المطروحة وتحديد الخيار الأسلم، تجدر الإشارة أن التحليل المبني على نظرية المؤامرة يضر ولا ينفع، وأختلف مع الرأي القائل أن شارون ذهب للاستفتاء وهو ينشد الفشل ضمن خطة هدفها التنصل من خطته بعدما حصل على الضمانات الامريكية. وأعتقد أن شارون كان يرغب في الحصول على نتيجة تعزز موقعه في العلاقة مع بوش وداخل الائتلاف الحكومي. لكنه تلقى صفعة من تلاميذه الذين رباهم على التطرف العنصري ومن المستوطنين الذين شجعهم على استيطان قطاع غزة واحتلال تلال الضفة. واظن أن المبالغة والتطير والتطرف يمينا أو يسارا في قراءة خطة شارون وقراءة “وعد” بوش والضمانات التي قدمها للاطراف الثلاث ـ إسرائيل والاردن والسلطة الفلسطينية يقود لرسم توجهات خيالية تلحق أضرارا فادحة بالمصالح القومية العليا.

وأرى ان اعتماد وجهة نظر قوى الرفض الفلسطينية التي تم توضيحها في الحلقة الاولى يندرج في خانة التطير ورد الفعل المتطرف. ويسهل وصم النضال الفلسطيني العادل بالارهاب. ويضع الاهداف الفلسطينية في مهب رياح التطورات الدولية والمتغيرات الإقليمية، ويضعف موقف الفلسطينيين في المحافل العالمية ويعطل قدرة الاشقاء والاصدقاء على دعم حقوقهم العادلة ومطالبهم المشروعه. ويبدد انجازات وطنية هامة تحققت، ويزيد في تدهور احوال الفلسطينيين ولا يساعد في حشد طاقاتهم في مواجهة الاحتلال، ويحولهم إلى متفرجين ينتظرون ظهور احد المقاتلين الابطال “الانتحاريين” وهو ينفذ عملية استشهادية ضد الاسرائيليين مدنيين او عسكريين ومستوطنين.

صحيح أن النضال الفلسطيني وضمنه العمل العسكري في عهد م ت ف أجبر القيادة الإسرائيلية على الجلوس مع ممثل الشعب الفلسطيني، وأن الانتفاضة الثانية “المسلحة” والعمليات “الإستشهادية” أجبرت شارون وقطاع واسع من اليمين الإسرائيلي على التخلي عن فكرة بناء إسرائيل الكبرى والتفكير في اخلاء مستوطنات قطاع غزة وبيعها في مزاد علني دولي، لكن الصحيح أيضا أن هذه الانجازات لم تغير في خلاصة تجربة عمرها نصف قرن أكدت أن الحل السياسي والمفاوضات هما اقصر الطرق وأنجعها لتحقيق الحقوق الفلسطينية، وأن الحروب الكلاسيكية والعمل الفدائي والتقليدي و”الانتحاري” لم ولا يحل النزاع وكان دوما ميدان شارون واليمين الاسرائيلي المفضل.

وإذا كانت القوى الرافضة للحلول السياسية تخشى الوقوع في فخ عملية احتيال ونصب سياسي إسرائيلية أمريكية، فالدعوة للتصادم مع الإدارة الأمريكية وإعلان الحرب ضد توجهات سيد البيت الأبيض في وقت يحاول الجميع تجنب شره يزيد في عذاب الفلسطينيين، ويزيد عدد الشهداء والأرامل واليتامى دون نتيجة. ولا أظن أن قوى المعارضة تفكر في عمل