وقائع الصراع تؤكد ضرورات دور الطرف الثالث (1 3)

بقلم ممدوح نوفل في 30/12/2003

رؤية فلسطينية لتكوين الطرف الثالث ودوره في حل النزاع الفلسطيني الإسرائيل (الحلقةالاولى)

بعد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991 واتفاقي “أوسلو” والاعتراف المتبادل عام 1993 بين م ت ف وإسرائيل وما تلا ذلك من اتفاقات على المسارين الفلسطيني والأردني ومفاوضات جدية على المسار السوري، انتعش أمل أنصار السلام بحل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي بالطرق السلمية. واعتقد البحاثة والمحللين الاستراتيجيين أن تجربة الصراع المسلح المريرة علمت الطرفين دروسا مفيدة في أهمية السلام. وفي حينه تأمل الجميع بانفراج أمني واسع في الإقليم بعد الانفراج المهم الذي أحدثته اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل عام 1979.
لاحقا، أكدت وقائع الصراع خطأ هذا الاستخلاص وأن خيار العودة لميدان الحرب ظل كامنا في ذهن فئات واسعة في المجتمعين. وبيّن فشل قمة كامب ديفيد الثلاثية التي جمعت باراك وكلينتون وعرفات في تموز “يوليو” 2000، وفشل محادثات طابا أواخر كانون الثاني “يناير” 2001، وانفجار “الانتفاضة المسلحة” أواخر أيلول “سبتمبر” 2000 وسقوط قرابة 3000 شهيد فلسطيني و1000 إسرائيلي وآلاف الجرحى من الطرفين..الخ أن عشر سنوات من المفاوضات والاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية فشلت فشلا ذريعا في المحافظة على السلام خيارا وحيدا لمعالجة النزاع المزمن ولم ترسي مبادئ ثابتة لعلاقة سلمية نامية. ولم تنجح الجهود الأمريكية والدولية والإقليمية الهائلة في بناء سياج متين يحمي الاتفاقات ويصون علاقات السلام، وظل في الجانبين من لم يستوعب دروس التجربة وما زال يعتقد أن بإمكانه حسم النزاع بالقوة وفرض موقفه على الطرف الآخر بالإكراه.
بعد فوز اليمين الإسرائيلي بزعامة شارون بالحكم في إسرائيل في شباط 2001 تعطلت عملية السلام وتعقدت علاقات الطرفين وتصاعدت أعمال القتل والتدمير والقتل المضاد. وبدأ المعنيون بصنع السلام في المنطقة يبحثون عن سبل الخروج من المأزق. وظهرت أصوات دولية وإسرائيلية تؤكد عدم قدرة الطرفين وحدهما معالجة خلافهما المتعلق بقضايا الحل النهائي(القدس، اللاجئين، الاستيطان الحدود،المياه،الأمن، والعلاقات المستقبلية). وأولت مراكز الأبحاث والدراسات الفلسطينية والإسرائيلية والدولية مسألة الاستعانة بقوات طرف ثالث اهتماما خاصا. ودعا بعض الخبراء في النزاع منهم مارتن انديك السفير الأمريكي السابق في تل أبيب إلى فرض انتداب دولي على فلسطين وفرض وصاية كاملة على الفلسطينيين ومساعدتهم في بناء دولة ديمقراطية قابلة للحياة. وظهرت أصوات فلسطينية تمثل “جبهة الرفض” المعارضة للحلول السلمية ترفض فكرة تواجد طرف ثالث على الأرض جملا وتفصيلا، وظلت تدعو لحسم النزاع بقوة السلاح. ولم تكن معارضة هذا التيار لدور طرف ثالث في حل النزاع أضعف من معارضة الليكود وبقية الأحزاب اليمينية المتطرفة.
فهل دور طرف ثالث في حل هذا النزاع ضرورة لإنقاذ الأمن في الإقليم، أم أن الأزمة الحالية سحابة صيف يمكن للطرفين تجاوزها دون تدخل الآخرين؟ وإذا كان وجود قوات طرف ثالث على الأرض ضرورة لا غنى عنها فما هو طبيعة التفويض الذي يجب أن يمنح لها ؟ وما هو دورها وحجمها ومن هي الجهات التي يمكن أن تشارك فيها ؟
بديهي القول إستقرار الوضع في المنطقة وإنقاذ أمن الإقليم ووقف خسائر الشعبين مهمة جماعية تتحملها قوى السلامالمحلية والاقليمية والدولية، وهروب هذه القوى من مواجهة الحقائق المرة يزيد الخسائر ويعرض أمن الإقليم لأخطار جسيمة. وإذا كانت الهدنة بين الفلسطينيين والإسرائيليين ضرورية لوقف تدهور الوضع وتمهيد الأجواء للعودة إلى طاولة المفاوضات، فالتجربة أكدت أن استمرار أية هدنة وإنقاذ عملية السلام ونشر الأمن في الإقليم يتطلب أعدادا كبيرة من المراقبين من طرف ثالث يتولون مهمة مراقبة الطرفين والتحقق من التزامهما بالهدنة ومترتباتها. وهذه الدراسة تجيب على بعض الأسئلة وتقدم رؤية فلسطينية غير رسمية تعبر إلى حد كبير عن رأي الأغلبية، وتركز على دور الطرف الثالث في المجال الأمني العسكري فقط تحت العناوين الرئيسية التالية.
أولا/مراجعة دور الطرف الثالث في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي. ثانيا/ مكونات الرؤية الفلسطينية لقوات الطرف الثالث. ثالثا/ مهام قوات الطرف الثالث. رابعا/تنظيم عمل قوات الطرف الثالث. خامسا/ مبررات وضرورات وجود قوات طرف الثالث. سادسا/ موقف إسرائيل من دور قوات طرف الثالث. سابعا/ التفويض المطلوب لقوات الطرف الثالث. ثامنا/ ميزانية قوة الطرف الثالث.

مراجعة دور الطرف الثالث في النزاع العربي الاسرائيلي
تؤكد سيرة الصراع العربي الإسرائيلي أن فكرة الاستعانة بطرف ثالث ليست حديثة على شعوب المنطقة وتم تداولها في سوق النزاع مرات كثيرة. وإذا كانت وقائع 10 سنوات وأكثر من المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بيّنت صعوبة حل النزاع دون تدخل فعّال لطرف ثالث، فإن مراجعة التجربة واستخلاص دروسها وعبرها يساهم في بلورة دور ناجح لهذا الطرف. ويبين البحث في جذر الصراع أن طرفا ثالثا ساهم قبل أكثر من نصف قرن في خلق ما يعرف بالمسألة الفلسطينية. ويختزن الفلسطينيون في ذاكرتهم صورة سلبية عن دور الطرف الثالث بدءا من دور بريطانيا في نكبتهم عام 1947ـ 1948 وقيام دولة إسرائيل فوق أرضهم، مرورا في فشل هيئة الأمم المتحدة في إنصاف الفلسطينيين، وانتهاء بفشل الدور الأمريكي في رعاية عملية السلام التي انطلقت من مدريد عام 1991.
ويحمّل الفلسطينيون الولايات المتحدة الأمريكية مسئولية هزيمة العرب في حزيران “يونيو” 1967 واحتلال إسرائيل بقية أرضهم في الضفة وقطاع غزة. ويتذكرون الدور السلبي للقوات الدولية في جنوب لبنان بين عام 1978 وعام 1982 وفشلها في منع الاعتداءات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين واللبنانيين. ولم ينسى الفلسطينيون في الداخل والخارج فشل القوات المتعددة الجنسية بقيادة أمريكية في حماية المخيمات في لبنان إبان غزو إسرائيل بيروت في حرب 1982، ومسئولية الإدارة الأمريكية السياسية والمعنوية عن وقوع مجازر صبرا وشاتيلا الفظيعة. ويتهم الفلسطينيون المجتمع الدولي ومجلس الأمن والدول الكبرى وبخاصة الولايات المتحدة بالتقصير في حل قضيتهم واستمرار مأساتهم أكثر من نصف قرن.
وبرغم ذلك كله، يدرك الفلسطينيون أن نزاعهم مع إسرائيل معقد. وبينت تجربة 10 سنوات من المناقشات والمفاوضات صعوبة توصل الطرفين وحدهما إلى حل شامل لقضايا الحل النهائي المعقدة (القدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه والأمن والعلاقات المستقبلية). وأكدت مفاوضات طابا عام 2001 وقبلها مفاوضات كامب ديفيد عام 2000 أن لا غنى عن طرف ثالث يساعد في إيجاد هذا الحل وقد يكون لا مفر من فرض الحل على الطرفين إذا رفضه أحدهما كما هو متوقع.
إلى ذلك، ظهر دور الطرف الثالث على امتداد نصف قرن من النزاع العربي الإسرائيلي مرات كثيرة وبأشكال متنوعة:
ـ بعد الحرب العربية الإسرائيلية الأولى عام 1948 وافقت إسرائيل وحكومات الدول العربية المحيطة بفلسطين (الأردن ومصر وسورية ولبنان) على الاستعانة بقوة مراقبين دوليين مسلحة ومحدودة العدد، للتحقق من الالتزام باتفاقات الهدنة التي وقعتها إسرائيل مع كل طرف على انفراد ومنع خرقها.
ـ بعد العدوان الثلاثي البريطاني الفرنسي الإسرائيلي على مصر عام 1956، تمت الاستعانة أيضا بقوات دولية كبيرة العدد والعدة تولت مهمة مراقبة وقف إطلاق النار على الحدود المصرية الإسرائيلية وتأمين حرية الملاحة في مضائق تيران في البحر الأحمر، وظلت هذه القوة الدولية في مواقعها حتى حزيران “يونيو” 1967.
ـ بعد حرب تشرين الأول “أكتوبر” 1973 استخدمت قوات دولية محدودة العدد مسلحة في تثبيت وقف إطلاق النار على الجبهتين السورية والمصرية ولتنفيذ الاتفاقات التي وقعتها الأطراف، ولا تزال “القبعات الزرق” الدولية تعمل في الجبهتين وعلى طول الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
ـوتمت الاستعانة أيضا بقوات طرف ثالث بقيادة أمريكية في تنفيذ اتفاقات كامب ديفيد المصرية الإسرائيلية عام 1979، ولا تزال هذه القوات تقوم بدورها كما حدده الطرفان.
ـ وبعد المجزرة التي ارتكبها المستوطن “غولد شتاين” في المسجد الإبراهيمي في الخليل عام 1995 وافقت حكومة أسحق رابين على الاستعانة بمجموعة صغيرة من المراقبين أفرادها غير مسلحين يستخدمون كميرات التصوير والأوراق في مراقبة الوضع وتسجيل الحوادث.
ـ وفي أيار “مايو”2000 طلب باراك رئيس الحكومة الإسرائيلية، في حينه، من أمين عام الأمم المتحدة كوفي أنان توفير خبراء دوليين لمشاركة الجيش الإسرائيلي في إعادة رسم الحدود الإسرائيلية اللبنانية وتظهير علامات ما قبل حرب حزيران “يونيو” 1967. ولقي طلب باراك دعما أمريكيا ودوليا في الأمم المتحدة وخارجها، ووافقت الحكومة اللبنانية على الفكرة ولقي موقفها دعما سوريا وعربيا شاملا.
ـ ودراسة عملية السلام السورية واللبنانية والفلسطينية الإسرائيلية 1991ـ2003 يبين أنها انطلقت برعاية طرف ثالث تمثل في دور الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا “الاتحاد السوفيتي” سابقا، وظل دور هذا الطرف موضع تداول بين الفلسطينيين والإسرائيليين حتى آخر جولة مفاوضات في طابا. وأصر الجانب الإسرائيلي على حصر دور الطرف الثالث بالدور الأمريكي فقط، ولم تتمسك الإدارات الأمريكية المتعاقبة بالشريك الآخر الروسي. ولم ينجح الفلسطينيون والسوريون في فرض دور الراعي الروسي.
وجدير بالذكر أن دور الطرف الثالث ورد ذكره في الأسس التي قامت عليها عملية السلام، وأشار اتفاق أوسلو على سبيل المثال، في المادة X V (للأطراف أن تتفق على عرض المنازعات التي لا يمكن تسويتها من خلال التوفيق على التحكيم، ومن أجل هذا الغرض وبناء على اتفاق الطرفين ستنشئ الأطراف لجنة تحكيم). وأشارت مبادرة الرئيس كلينتون التي طرحها يوم 23/12/2000 للموضوع. ورآى الاتفاق “إن المبدأ الرئيسي في وجود دولي انه لا يمكن سحبه إلا بموافقة متبادلة كما سيتولى هذا الوجود مراقبة تطبيق الاتفاق بين الطرفين”. إلا أن إسرائيل ظلت ترفض الاستعانة بطرف ثالث للتحكيم أو الفصل على الأرض.
إلى ذلك، يصعب العثور على وثائق رسمية تتضمن تصورا فلسطينيا رسميا متكاملا لدور الطرف الثالث في معالجة الجوانب الأمنية والعسكرية للنزاع. ولم يسبق في زمن الثورة عام 1965ـ1991 أو زمن عملية السلام والمفاوضات 1991ـ2003 أن بلور خبراء فلسطينيون مثل هذا التصور. وظلت القيادة الفلسطينية تتحدث في موضوع الطرف الثالث دون تحديد. وكثيرا ما أشارت قرارات اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وتوجهات المجلسين الوطني والمركزي في دوراتهما المتعاقبة وبيانات الفصائل إلى المسالة. ولخصت الهيئات الفلسطينية الموقف بالمطالبة بتوفير حماية دولية للشعب الفلسطيني وإرسال مراقبين دوليين للأراضي الفلسطينية دون تحديد هويتهم وعددهم وطبيعة التفويض الممنوح..الخ وكان لعدم الثقة بإمكانية انتزاع قرار دولي ملزم دورا في عدم بلورة مثل هذا التصور المتكامل.

مكونات الرؤية الفلسطينية لقوات لطرف الثالث
يؤمن الفلسطينيون جماعة وأفراد، أن أمنهم مهدد من قبل الاحتلال، وظل سنين طويلة مهملا ونادرا ما نال اهتماما جديا في المحافل الدولية أو في مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة في نزاعات المنطقة. قابله دائما اهتمام مبالغ فيه بالاحتياجات الأمنية الإسرائيلية التكتيكية والاستراتيجية. وبصرف النظر عن الأسباب السياسية والتاريخية الكامنة وراء عزوف القوى الدولية عن معالجة القلق الأمني للشعبين على قدم المساواة فإن نجاح معالجة النزاع العربي الإسرائيلي يتطلب اعتراف المعنيين بصنع السلام في المنطقة بالاحتياجات الأمنية الفلسطينية أيضا، ودون تلبيتها يظل الأمن ناقصا ويعب تحقيق تسوية تقود إلى استقرار المنطقة.
والفلسطينيون في الضفة الغربية وقطاع غزة مقتنعون أن وجود قوات طرف ثالث على الأرض يساهم في تأمين هذه الاحتياجات ويقلص الأخطار التي تهدد حاضرهم ومستقبلهم. ويراهن الفلسطينيون على مساهمة الطرف الثالث في توفير ظروف حياة أفضل، وإيجاد آلية عمل فعّالة توقف التهديد الذي يتعرضون له. والجانب الفلسطيني يعرف قدر نفسه ويعي الأوضاع والظروف الإقليمية والدولية المحيطة بالقضية الفلسطينية، ويعرف أنه ليس في وضع يفرض على أحد شروط أو صيغ تتعلق بالتواجد العسكري للطرف الثالث. ويدرك أن طمئنة المواطن الإسرائيلي على أمنه ومستقبله يقوي التيار المؤمن بالسلام مع العرب ويضعف مواقف القوى الإسرائيلية المتطرفة المعارضة لفكرة قيام دولة فلسطينية، ومقتنع أيضا أن التواجد الدولي يولد مستوى من الطمأنينة للطرفين. ويقبل الفلسطينيون أن يقتصر تواجد هذا الطرف في أراضي الجانب الفلسطيني إذا رفضت إسرائيل تواجده على أرضها.
وتدرك القيادة الفلسطينية أن تحقيق تواجد قوات طرف ثالث على الأرض في الظرف الراهن وتحديد تفويضها ومرجعيتها وصلاحيتها وحجمها وتسليحها..الخ رهن بموافقة إسرائيل أو قرار أمريكي أو دولي ملزم يفرض على الطرفين. ويظل المطلب الفلسطيني أن تتشكل هذه القوات بقرار دولي ملزم لإسرائيل وأن تأتي بأسرع وقت ممكن، مطلبا وهميا يستحيل تحقيقه دون موافقة الولايات المتحدة الأمريكية ولم تغير موقفها المساند لإسرائيل ظالمة أو مظلومة. وفي سياق توضيح رؤية الجانب الفلسطيني ومفهومه لمسألة الاستعانة بقوات طرف ثالث لمعالجة نزاعه التاريخي مع الإسرائيليين يمكن تثبيت:
أ) الفلسطينيون هم الطرف الأضعف في المعادلة ويعيشون منذ 36 سنة تحت احتلال صيغه متنوعة وهم بحاجة لمساعدة الآخرين. ويعتقدون، رغم تجربتهم المريرة، أن تفعيل دور هذا الطرف يوفر لهم مستوى من الأمن والطمأنينة ويخفف من معاناتهم ويساعدهم على التخلص من القهر والخوف والاستبداد. ويرون في وجود طرف ثالث ضرورة عملية ومعنوية وعاملا مساعدا في تحييد الأهمية العسكرية للأراضي الفلسطينية. ومقتنعون أن عدم الاستعانة بالطرف الثالث عقد حل النزاع ويغذي التطرف ويضع عملية السلام في مهب الريح، ويؤدي إلى تواصل الموت والدمار في صفوف الفلسطينيين والإسرائيليين.
ب) يتمسك الفلسطينيون بأن يبقى دور الطرف الثالث مساعدا للقيادة الفلسطينية الشرعية وليس موازيا لها أو بديلا عنها كما يحصل الآن في العراق. ويختلف بعضهم مع بعض حول قيام الطرف الثالث بمهام فرض الانتداب والوصاية كما يدعو بعض الخبراء بشئون المنطقة ضمنهم السفير الأمريكي السابق في إسرائيل مارتن “إنديك”، ووزير خارجية إسرائيل الأسبق في عهد حزب العمل شلومو بن عامي.
ج) خيار الجانب الفلسطيني المفضل أن يتكون الطرف الثالث من قوات دولية تتشكل بقرار يصدر عن مجلس الأمن الدولي يفرض على الطرفين في حال رفضته إسرائيل. وأن يظل مجلس الأمن الدولي المرجعية المباشرة للقوات في جميع النواحي المتعلقة بتشكيلها وتواجدها وطبيعة عملها. وأن يحدد مجلس الأمن التفويض الممنوح لها، وأن يراعى في تفويضها وتشكيلها الخلل الفاحش في ميزان القوى العسكري لصالح إسرائيل في مواجهة الفلسطينيين ومعهم العرب أجمعين، وان يتضمن التفويض مهام ذات طابع دفاعي ردعي للطرفين.
د) ويرحب الفلسطينيون بدور قوي للطرف الثالث في جميع مراحل الحل الانتقالي والنهائي التي وردت في اتفاق أوسلو وفي “خريطة الطريق” التي صاغتها اللجنة الرباعية الدولية (الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا الاتحاد الأوروبي وأمين عام الأمم المتحدة) لترجمة “رؤية” الرئيس بوش لقيام دولة فلسطينية عام 2005 بجانب دولة إسرائيل.
هـ) وإذا تعذر الأخذ بالخيار المذكور أعلاه بند “ج”، يقبل الفلسطينيون أن تتشكل قوات الطرف الثالث باتفاق مع إسرائيل، وأن تكون متعددة الجنسية أو أمريكية صرفة ويرحب بمشاركة دول الإسلامية ودول عدم الانحياز ولا يجعل من مشاركتها شرطا. ويرغب في تشكيل القوات بأسرع وقت ممكن، وأن تتواجد على الأرض سواء بتفويض واسع أو تفويض محدود. ولا يعارض الجانب الفلسطيني أن تكون مرجعية قوة الطرف الثالث أمريكية أو متعددة الجنسية أو اللجنة الرباعية الدولية التي شكلت للإشراف على تنفيذ خريطة الطريق. ويرحب الجانب الفلسطيني بمراقبين دوليين غير حكوميين يعملون بجانب هذه القوات قبل وبعد وصولها. وهو مستعد أيضا للتعامل مع قوات الطرف الثالث دون اتفاق مع الطرف الآخر أي إسرائيل إذا كان هناك طرفا مستعدا للعمل دون موافقة إسرائيلية.
و) يأمل الفلسطينيون أن لا يقتصر دور الطرف الثالث على مساعدة الطرفين داخل غرف المفاوضات، ويرون في وجوده على الأرض في قلب ميدان النزاع ضرورة ملحة. ويطالبون بان يشمل تواجده جميع الأراضي الفلسطينية في الضفة وقطاع غزة التي احتلتها إسرائيل في العام 1967 وضمنها مناطق B C + داخل وخارج الجدار الفاصل الذي بناه الإسرائيليون. وأن تغطي مهامها خطوط التماس مع المستوطنات والطرق المؤدية إليها، وتتمركز في نقاط ومناطق محدودة ومحددة يتفق عليها ويتم توسيع رقعة الانتشار بالتدريج.
ز) يفضل الجانب الفلسطيني أن يتم نشر هذه القوات على جانبي حدود 1967 لكنه لا يمانع في نشرها على أراضي الجانب الفلسطيني فقط إذا أصر الجانب الإسرائيلي على ذلك، وأن تغطي في مهامها الحدود البرية والحرية والأجواء والمياه الإقليمية الفلسطينية.
ح) يفضل الجانب الفلسطيني أن تنتشر قوات الطرف الثالث في مواقع خاصة بين الطرفين دفعة واحدة ويقبل أيضا بتجزئة وجودها وتوسيعه بالتدريج “غزة بيت لحم أولا” مثلا. وأن تبقى في فلسطين سنوات طويلة حتى ينال الفلسطينيون حريتهم واستقلالهم وتسود علاقة حسن جوار بين الجانبين. ويصعب على الفلسطينيين الموافقة على تواجد قوات طرف ثالث في غزة وحدها لاعتبارات سيكولوجية ومعنوية تتعلق بخوف الفلسطينيين قيادة وشعب من أطماع اليمين الإسرائيلي المعلنة بالضفة الغربية ومن مقولة أرض الميعاد التي وهبها لبني إسرائيل، ومقولة غزة أولا وأخيرا.
ط) التمعن في طبيعة الصراع وأبعاده الإقليمية وطول الحدود بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع (أكثر من 350 كلم) وتداخل مواقعهما يؤكد أن الحاجة تتطلب وجود قوات كبيرة الحجم قوية ومسلحة وليس قوة مراقبين محدودة وضعيفة. ويقبل الجانب الفلسطيني وجود مجموعات صغيرة من المراقبين وما هو بين المستويين إذا تعذر تأمين قوات كبيرة. ويفيد التذكير بفشل مجموعة المراقبين العاملة في الخليل في لعب دور حقيقي في الرقابة والتحقق ناهيك عن فشلها في منع التعديات على المدنيين.
ق) الطرف الفلسطيني حساس نتيجة ممارسات الاحتلال وبخاصة قمعه ومحاولات إذلاله، ويهمه أن يتعامل الطرف الثالث معه بصدق ووضوح وأمانة وان يحترم عزته وكرامته الوطنية والشخصية. ويعطي الجانب الفلسطيني أهمية بالغة لالتزام قوات الطرف الثالث بحصر علاقة العمل في المستوى المتفق وان يظل الانفتاح على المستوى الأدنى بعلمه وموافقته. ويحرص الجانب الفلسطيني على احترام قنوات التعامل مع مرجعيات الطرف الثالث.
ل) يهتم الجانب الفلسطيني بكفاءة قوات الطرف الثالث ويفضل أن تكون ذو خبرة متقدمة في مجالات العمل المسند إليها. ويريدها أن تكون قوة حاضرة عند الحاجة وليس بعد زوالها. وأن يتم إعلام الجانب الفلسطيني بالموقف وتطوراته على الأرض فورا ودون تأخير. وان تبقى القوات في الخدمة ولا تنسحب إلا بقرار مشترك وعلم فلسطيني مسبق.
إلى ذلك، بديهي القول أن أنصار هذا التوجه من الفلسطينيين يهمهم نجاح دور قوات الطرف الثالث في أداء مهامها ويحرصون على أمنها وسلامتها في جميع الظروف والأحوال. وقد تثقل القيادة الفلسطينية على هذا الطرف بهمومها اليومية بعض الهم خارج التفويض.
ويأمل الفلسطينيون أن ينجح الطرف الثالث في مطلع القرن الحادي والعشرين في تكريس صورة ايجابية تمحو الصور السلبية التي تراكمت منذ العام 1947ـ1948، وحتى عام 1982 وأن ينتصر دائما للحق ولا شيء سواه، ويساعد في انبعاث الدولة الفلسطينية المستقلة كما ساعد سابقا في انبعاث دولة إسرائيل. فهل سيتحقق هذا الحلم بعد نصف قرن من التأخير. سؤال مطروح على المجتمع الدولي ؟