حوار القاهرة وسبل الخروج من المازق

بقلم ممدوح نوفل في 24/01/2003

رغم استياء الشارع الفلسطيني لعدم قدرة القوى الوطنية والإسلامية، سلطة ومعارضة، حل خلافاتها السياسية والتنظيمية والعقائدية دون تدخل الأشقاء، إلا أن الناس في الضفة والقطاع تمنوا نجاح جهود القيادة المصرية في توحيد الصف الفلسطيني، وبلورة رؤية واقعية تصون الحقوق، وتقلص الخسائر البشرية والاقتصادية التي يلحقها الاحتلال يوميا بالجميع. وبدلا عن استثمار الجهود المصرية في تحقيق الأمل الشعبي، يأبى أصحاب الشعارات “الحربجية” اللفظية وأنصار العمليات الانتحارية في قلب المدن الإسرائيلية، إلا أن يبددوا آمال الناس.
وإذا كان حوار القاهرة ونتائجه سوف يبقى موضع جدل لفترة، فهذا الحوار أكد حقيقة خلاصتها؛ أن أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية عميقة ومعقدة، وأن صراعا ديمقراطيا يجب أن يخاض من اجل تصحيح أوضاعها وتصويب برامجها وتصحيح علاقاتها الداخلية. وهذا يفرض تسليم الجميع بحقائق موضوعية أكدتها وقائع الحياة في العقد الأخير. أهمها؛ أن عملية السلام واتفاق اوسلو، بعجره وبجره، وتشكيل السلطة الوطنية، نقلت ثقل الحركة الوطنية والقرار الوطني من الخارج للداخل بعد أن ظلا قرابة ربع قرن خارجها. وأحدثت تغيرا نوعيا في مفهوم م ت ف ومهامها. وان استمرار بعض القوى النظر للوطن باعتباره ساحة من ساحات النضال المتعددة، ورفضها إحداث تغيرات جوهرية في مفاهيم العمل، يؤكد عدم استيعابها لهذا التطور النوعي.
ويفترض أن لا يكون خلاف فلسطيني، حول اعتبار الانتخابات التشريعية مكسبا وطنيا يعزز النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وتحقيق الاستقلال وبناء مرتكزات الدولة. وهي المخرج الديمقراطي للازمة السياسية والفكرية والتنظيمية التي يعيشها النظام السياسي الفلسطيني بشقية، سلطة ومعارضة، والعنصر الحاسم في تحديد موقف الشعب من قضايا الخلاف بدءا من العمل العسكري والعمليات “الانتحارية، مرورا باتفاق اوسلو، وانتهاء بالمشاركة في عملية السلام. وإن المطالبة العادلة والمشروعة بالإقرار بالتبدل النوعي الذي وقع في السنوات الأخيرة على الوزن الشعبي والدور السياسي والكفاحي للقوى، يبقى ناقصا إذا لم تقرن بالتسليم بأن صناديق الاقتراع هي السبيل الموضوعي الوحيد لتحديد حجم هذا التبدل وترجمته. وأيضا تحرير الشعب الفلسطيني من نظام الكوتا غير الديمقراطي الذي فرضته الفصائل في مرحلة الكفاح المسلح.
في كل الأحوال، تبقى الانتخابات أقصر الطرق لتحقيق الإصلاح السياسي والديمقراطي الذي ينادي به الجميع، وتستحق منحها أولوية وطنية. فهل تلتزم القوى الوطنية والإسلامية بالعمل على إنجاز هذه المهمة، أم أن المصالح الحزبية الضيقة تسد الطريق وتدفع البعض إلى المضي قدما في فرض موقفه على الجميع؟ وعوض مراجعة الذات واستخلاص العبر المفيدة من التجربة، تعميق القناعة بان قوى النظام السياسي الفلسطيني القديم تحرث في حقل لا يمت بصلة لهموم الناس..