الجنرال عمرام متسناع شريك في العمل من اجل السلام؟

بقلم ممدوح نوفل في 02/12/2002

لا يفيد الجانب العربي عموماً والفلسطيني خصوصاً المرور مر الكرام على سحب قواعد وكوادر حزب العمل ثقتهم في زعيم الحزب بنيامين بن اليعيزر وانتخاب عمرام متسناع بديلاً له. وليس من حكمة استراتيجية او تكتيكية في قول بعض قوى المعارضة الفلسطينية على ابواب الانتخابات الاسرائيلية “لا فرق بين متسناع وشارون ونتانياهو” ولا في قول ناس في السلطة الفلسطينية “ان الانتخابات الاسرائيلية شأن اسرائيلي داخلي لا يجوز التدخل فيه” فكلا الموقفين خاطئ من حيث المبدأ، ويلحق اضراراً بالمصالح الفلسطينية لا تقل عن الاضرار التي لحقت بها بسبب عدم التمييز بين باراك وشارون ودعوة عرب اسرائيل الى مقاطعة الانتخابات التي تمت عام 2001.

كنت ولا أزال أؤمن بان الانتخابات الاسرائيلية لم تكن في اي مرحلة من مراحل الصراع العربي ـ الاسرائيلي شأناً اسرائيلياً داخلياً، خصوصاً ان نتائجها تمس دائماً جيرانها العرب وتؤثر في استقرار المنطقة. واذا لم يكن خلاف بين الفلسطينيين على توافر كل مواصفات العنصرية والفاشية في تكوين شخصيتي شارون ونتانياهو واحتقارهما للعرب والاستمتاع بقتل الفلسطينيين واذلالهم والعمل على تهجيرهم، فإني اجيز لنفسي تربئة متسناع من هذه التهمة، وادعو جميع من له تأثير في الانتخابات الاسرائيلية التي ستتم بعد شهرين الى التدخل لمصلحته، مستنداً في ذلك الى التجربة المميزة التي قدمها في مجال التعايش بين العرب واليهود اثناء ترؤسه بلدية حيفا لسنوات طويلة، واستقالته من الجيش بعد المجازر التي خطط لها شارون في صبرا وشاتيلا عام 1 9 8 2، والى برنامجه الانتخابي وبخاصة شقه المتعلق بحل الصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي.

واذا كان استعراض تاريخ الافراد لا يكفي للحكم على مواقفهم المستقبلية، فمتسناع خاض معركته الحزبية في مواجهة بن اليعيزر تحت راية انقاذ حزب العمل من حال التدهور والانحطاط التي وصلها بسبب المشاركة في حكومة وحدة وطنية برئاسة شارون والتي تسببت في تدهور الوضع الامني والاقتصادي الاسرائيلي وتدمير بذرة السلام مع العرب وغطت على الجرائم التي ارتكبها شارون بحق الفلسطينيين ارضاً وشعباً وقيادة وممتلكات. والرجل، متسناع، يرفع شعارات واضحة للمعركة الانتخابية الجديدة خلاصتها “لا حل عسكرياً للنزاع” مع الفلسطينيين، ويؤكد انه في حال انتخابه رئيساً للوزراء سيعمل على استئناف المفاوضات السلمية مع القيادة الشرعية للشعب الفلسطيني من حيث توقفت وعلى اساس التفاهمات التي تم التوصل اليها، ولم يضع وقف “العنف والارهاب” الفلسطينين وتبديل القيادة الفلسطينية شرطاً مسبقاً لاستئناف المفاوضات ولم يحاول استغلال حديث الادارة الاميركية عن اصلاح وتطوير ودمقرطة اوضاع السلطة الفلسطينية. وتعهد بالاعتراف بالدولة الفلسطينية واخلاء المستوطنات وسحب الجيش الاسرائيلي من قطاع غزة خلال عام، ورسم حدود نهائية لدولة اسرائيل مع الضفة الغربية، الامر الذي ظل معلقاً نصف قرن.

وبصرف النظر عن الدوافع الحزبية والعقائدية التي تحجب رؤية بعض القوى الفلسطينية للحقائق الموضوعية، فإن فوز متسناع في قيادة حزب “العمل” يمثل محطة رئيسية في بداية انحسار الهجوم الاسرائيلي الشامل ضد الشعب الفلسطيني وضد قيادته الوطنية، حتى لو لم يفز برئاسة الوزراء. وقيمة فوز هذا الرجل لا تكمن فقط في ظهور أمل بتوافر “شريك اسرائيلي” لصنع السلام في المنطقة، بل ايضاً في خلق معارضة اسرائيلية قوية تؤمن بتعايش الشعبين بأمن وسلام في اطار دولتين، وزعزعة مفاهيم التوسع والعدوان التي تعتاش عليها الأحزاب اليمينية الاسرائيلية المتطرفة، وتوفير امكان جدي لمحاصرة سياسة “ليكود” وفضحها داخل اسرائيل وخارجها في حال بقائه في السلطة، وحدوث شرخ في موقف اللوبي المؤيد لاسرائيل في اميركا، خصوصاً ان متسناع يرفض سلفاً المشاركة في حكومة يقودها نتانياهو أو شارون، ومصمم على متابعة الصراع، بغض النظر عن نتائج، من أجل تحقيق برنامجه السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.

صحيح انه يجب عدم خلق أوهام حول هذا التطور الجديد في الخريطة الحزبية الاسرائيلية، وان متسناع لم يخضع لاختبار عملي يؤكد صموده كرئيس للوزراء عند مواقفه التي يطرحها الآن، إلا أن تسخيفه وتبهيته وإدارة الظهر له يربك الموقف العربي – الفلسطيني، ويفقد الحكومات العربية والحركة الوطنية الفلسطينية القدرة على اشتقاق التوجهات الصحيحة للتقليل من خسائرهم ودحر الهجمة الشرسة التي يتعرضون لها تحت شعار محاربة الارهاب. والمصالح الفلسطينية العليا تقتضي العمل على تعزيز هذا التطور الايجابي وتفعيله الى أبعد حد ممكن واستثماره في تعزيز نضالهم العادل من اجل استرداد حقوقهم المغتصبة. وأظن ان موقف متسناع من السلطة الفلسطينية ورئيسها يوفر، من جهة، مادة حيوية للقيادة الفلسطينية تسهل عليها فضح موقف ادارة الرئيس بوش من السلطة الفلسطينية وتبنيها مواقف “ليكود” والمتطرفين، وتجاهلها مواقف متسناع والمعتدلين الاسرائيليين. ويفرض، من جهة أخرى، على الدول العربية مطالبة الادارة الاميركية والكونغرس بتغيير موقفهم “الليكودي” من عرفات والسلطة الفلسطينية واعتماد مواقف متسناع الواقعية والعملية.

وإذا كان وجود اليمين الاسرائيلي في قمة الهرم السياسي الاسرائيلي يعرض الأمن القومي العربي للخطر، وشارون وحكومته يتدخلان بتفاصيل الانتخابات الفلسطينية ويضعان شروطاً تعجيزية على اجرائها، فلن يخسر العرب والفلسطينيون شيئاً إذا تدخلوا في الانتخابات الاسرائيلية، بل انهم قد يخسرون الكثير إذا تقاعسوا عن التدخل. وأظن أن في امكانهم التأثير فيها وتقليص نتائجها الضارة بهم وبمصالحهم من خلال:

– أولاً – العمل بكل الوسائل الممكنة على رفع نسبة مشاركة العرب في اسرائيل في هذه الانتخابات، وأن يكون التصويت لمصلحة زيادة عدد مقاعد الأحزاب العربية في الكنيست، واجراء الاتصالات اللازمة لتوحيد الكتل الانتخابية في قائمتين انتخابيتين فقط. وأظن ان القوى الوطنية والاسلامية “قيادة الانتفاضة” مطالبة بتصحيح موقفها الخاطئ من الانتخابات الاسرائيلية السابقة حين دعت الى مقاطعتها. وعليها توجيه نداء للجماهير العربية تدعوها باسم “الانتفاضة” الى عدم المقاطعة وتوحيد الصفوف والمشاركة بقوة في الانتخابات، والتصويت لمصلحة مرشحي الأحزاب العربية.

ثانياً – التعامل بإيجابية مع مواقف متسناع السلمية. وليس مطلوباً من العرب أكثر من تجديد موقفهم من مسألة صنع السلام مع اسرائيل، والتأكيد على ان اطروحة متسناع ترسي اساساً صالحاً لإحياء عملية السلام. وأظن ان مبادرة الجامعة العربية أو وزراء الخارجية العرب لتذكير الرأي العام الاسرائيلي بالمبادرة السعودية التي أقرتها قمة بيروت، وبصمود اتفاقات كامب ديفيد المصرية – الاسرائيلية واتفاق وادي عربة بين الأردن واسرائيل، يساهم في تعزيز توجهات متسناع داخل حزب العمل، ويدعم موقفه ومواقف قوى السلام الأخرى في مواجهة المتطرفين ودحض ادعاءات اليمين ان سورية والفلسطينيين والعراق لا يريدون السلام ويسعون الى تدمير دولة اسرائيل، وليس عسيراً على الحكومات والاحزاب العربية اشتقاق أدوار خاصة تساهم في تشجيع الناخب الاسرائيلي على ادارة الظهر للقوى المتطرفة والتصويت لمصلحة السلام.

– ثالثاً – اطلاق مبادرة فلسطينية تتضمن: اعلان صريح من قيادة منظمة التحرير يعتبر ان فوز متسناع بزعامة حزب العمل أحيا الأمل بتاوفر شريك حقيقي لصنع السلام في المنطقة بعد غياب الشريك الاسرائيلي طوال العامين الماضيين، ودعوة شعب اسرائيل الى توسيع هذا الأمل، واعلان وقف اطلاق النار من جانب واحد ووقف كل أنواع العمليات العسكرية ضد اسرائيل والاسرائيليين الى اشعار آخر، ومطالبة قيادة حزب العمل وقوى السلام في اسرائيل وكل القوى الاقليمية والدولية المعنية باستقرار اوضاع المنطقة وبتهدئة الصراع الدموي الجاري بين الطرفين، بالضغط على شارون وحكومته لوقف عمليات المداهمة والإغتيال والنسف والتدمير التي يمارسها الجيش الاسرائيلي وسحب وحداته الى مواقعها قبل 2 8 ايلول (سبتمبر) عام 2 0 0 0، والترحيب بتوجهات متسناع المتعلقة باستئناف المفاوضات من دون شروط مسبقة، وتأكيد جاهزية القيادة الفلسطينية للدخول فوراً في محادثات مع قيادة حزب العمل الجديدة وقوى السلام بهدف التوصل الى اتفاق مبدئي حول سبل استئناف المفاوضات السلمية الفلسطينية – الاسرائيلية، على قاعدة الخطوط العريضة التي طرحها متسناع في حملته الانتخابية لزعامة الحزب والتفاهمات الفلسطينية – الاسرائيلية التي تمت في كامب ديفيد وطابا في عهد باراك، وكذلك تضمنته ورقة الافكار التي طرحها الرئيس بيل كلينتون على الطرفين يوم 1 8 كانون الأول (ديسمبر) عام 2 0 0 0.

لا شك في ان التشاور مع الأحزاب العربية في اسرائيل ومع قيادة حزب العمل وميرتس وقوى السلام حول التحركات الفلسطينية المقترحة وسواها يجنب الجميع الوقوع في محظور استثمارها من قبل اليمين الاسرائيلي. وبديهي القول ان لا قيمة لأي موقف عربي أو فلسطيني اذا لم تتوقف العمليات “الانتحارية” ضد المدنيين الاسرائيليين. وان مصداقية التحرك المطلوب يتوقف عى مدى النجاح في اقناع حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” والفصائل الفلسطينية الاخرى الالتزام بمبدأ “ان جنحوا للسلم فاجنح لها”، وان هناك فرقاً مهماً بين شارون ومتسناع، وان وقف هذا النمط من النشاط العسكري يخدم أولاً، وقبل أي جهة اخرى، المصالح العليا للشعب الفلسطيني. فهل سيلتزم الجميع وضع هذه المصالح فوق كل الاعتبارات الأخرى؟ سؤال ينتظر الجواب…