وقائع المفاوضات أكدت أن اسرائيل غير ناضجة لحل واقعي

بقلم ممدوح نوفل في 15/01/2002

أكدت وقائع الصراع العربي الإسرائيلي في العام الماضي 2001 أن استخلاص المحللين الإستراتيجيين حول خيار شعوب المنطقة للسلام استخلاص غير ثابت وغير دقيق. وبينت العمليات الحربية وأنواع وأشكال الإجراءات العنصرية والعقوبات التي فرضت على الفلسطينيين، أن جميع اللقاءآت والاتفاقات الفلسطينية الإسرائيلية المتنوعة والمفاوضات العربية الإسرائيلية، العلنية والسرية، التي تمت في 10 سنوات، لم تبني أخلاقية واضحة بين الطرفين ولم ترسي مبادئ ثابتة لعلاقة سلمية نامية ومتطورة بينهما. ولم تنجح الجهود والإمكانيات الدولية والإقليمية الهائلة التي بذلت من اجل صنع السلام، في بناء سياج متين يحمي الاتفاقات التي تم التوصل إليها ويصون بذور علاقات السلام، من عدوانية القوى المتطرفة. وفشلت فشلا ذريعا في إرساء الأسس اللازمة لبقاء خيار السلام خيارا وحيدا لمعالجة هذا النزاع المزمن.
ويستطيع كل من يدقق في وقائع مفاوضات الحل النهائي التي تمت في قمة كامب ديفيد في صيف عام 2000 وبعدها في طابا مطلع عام 2001، ان باراك رئيس وزراء إسرائيل السابق أدرك في وقت متأخر جدا استخلاص معلمه وقائده رابين القائل؛ لا حل للنزاع بقوة السلاح. صحيح ان باراك قدم في حينه عرضا بشان حل قضايا القدس واللاجئين والانسحاب والاستيطان لم يقدمه زعيم إسرائيلي آخر، بما في ذلك رابين نفسه. وفاق ما قدمه تقديرات كثير من رموز السلام وضمنهم شمعون بيريز مهندس اتفاق اوسلو الذي اعتبره عرضا سخيا أكثر من اللازم، لكنه وبدلا من الاندفاع إلى الأمام على طريق السلام تردد باراك في استكمال خطوته الجريئة وخشي وضع الدرس الذي تعلمه من معلمه رابين موضع التطبيق. وبالغ في قدرته على الإقناع وأصر على إنهاء النزاع دفعة واحدة، ورفض مرّحلة وتجزئة قضايا الحل النهائي، وفشل في إقناع أركان القيادة الفلسطينية بصدق نواياه. وعندما وافق على تجزئة الحل النهائي وتأجيل قضيتي القدس واللاجئين مع عدم إنهاء النزاع، كانت القيادة الفلسطينية قد امتلكت انتفاضة. وطلّقت الحلول المرحلية واعتبرتها لا تلبي حقوقهم كما أقرتها الشرعية الدولية. وظلت تشك بموقف باراك وبقدرته على تنفيذ ما يطرحه حتى آخر يوم من حكمه. وظهرت القيادة الفلسطينية أمام قوى السلام في إسرائيل وأركان حزب العمل وإدارة كلينتون والدول الأوروبية أنها غير ناضجة لسلام نهائي واقعي، خصوصا عندما تمسكت بالقرار194 الخاص بحقوق اللاجئين، وتمسكت بحقهم في العودة إلى أرضهم التي صار اسمها إسرائيل.
وجاءت زيارة شارون للحرم القدسي الشريف أواخر أيلول/سبتمبر عام2000 وأحيت في ذهن الفلسطينيين صورة تلاعب إسرائيل بالاتفاقات التي وقعتها مع قيادة م ت ف، ومساندة الرئيس كلينتون طلب الوفد الإسرائيلي في “كامب ديفيد” تقسيم المسجد بين المسلمين واليهود ومنح اليهود زاوية للصلاة. وتجلّت أمام المسلمين المؤمنين صورة الحرم الإبراهيمي الشريف في الخليل المقسم، ومعاناة المسلمين أثناء أداء فريضة الصلاة. وانتشرت إشاعات كثيرة في الضفة وقطاع غزة في صفوف الناس حول ما تحيكه الحكومة الإسرائيلية والجماعات الدينية المتطرفة ضد المسجد الأقصى وتشكلت قناعة فلسطينية جماعية إن المسجد الأقصى في خطر ويجب الدفاع عنه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة.
وأيا تكن أهداف باراك من تسهيل الزيارة وهدف شارون من تنفيذها، فقد كانت شرارة كافية لتفجير موجة قوية من غضب مختلف طبقات وفئات المجتمع الفلسطيني من الاحتلال. دفعت الجميع في الداخل والخارج وفي إسرائيل إلى النزول للشوارع والتصدي لجند الاحتلال بالحجارة وبالرصاص أيضا. أطلق البعض عليها في البداية “هبة الأقصى” أسوة بهبة العام 1996.
وفي اليوم التالي، تفجر عقب صلاة الجمعة 29/9/2001 على ارض المسجد الأقصى يأس الناس من النتائج البائسة لعملية والسلام وكرههم للاحتلال وحقدهم عليه وعلى أدواته المستوطنين. وتحولت هبتهم الى “انتفاضة” شعبية اتسمت بالقوة والعنف في كل مكان في الضفة وقطاع غزة وداخل إسرائيل. وفرضت نفسها على المجتمع الإسرائيلي. وينقل كوادر وقادة القوى والأحزاب العربية “داخل الخط الأخضر” ومن يتسلل من أنصار السلام من الإسرائيليين ان الانتفاضة دخلت الى كل بيت إسرائيلي. وتابع الإسرائيليون يوميا عبر شاشة التلفاز مشاهد القتل والدمار في الجانبين. ويدور بينهم كما بين الفلسطينيين باستمرار جوار حيوي حول الانتفاضة وما يرافقها من أعمال قتل وعنف وتحركات سياسية.
وبصرف النظر عن رأي أطراف النظام السياسي الإسرائيلي أو الفلسطيني في”الانتفاضة والمقاومة” وما رافقها من أعمال عسكرية فقد ساهمت في إحداث هزة سياسية قوية في إسرائيل وغيرت خريطة تحالفاته السياسية والحزبية. وزرعت حالة من القلق والاضطراب في صفوف نسبة واسعة من الإسرائيليين. وساهمت في عامها الأول في ميل المجتمع الإسرائيلي نحو مواقف قوى اليمين، وأنعشت سياسة المستوطنين، وأضعفت قوى اليسار. وتقلصت الفروقات بين حزب العمل والجناح المعتدل في تيار اليمين. وبجانب الخسائر البشرية ومقتل أكثر من 250 مدني وعسكري إسرائيلي وجرح بضع مئات آخرين ، تقلص عدد المهاجرين اليهود إلى إسرائيل. وألحقت الانتفاضة بالاقتصاد الإسرائيلي خسائر لا يستهان بها، إضافة لخسائره نتيجة الركود في الاقتصاد العالمي. وتضررت مصالح فئات واسعة من المجتمع، وتحطم فرع السياحة في وقت توقع ناسه ازدهارا قويا في نهاية الألفية السابقة وبداية الألفية الجديدة، وألغى مستثمرون أجانب ومستثمرون محليون مشاريع استثمارية كبيرة في هذا الفرع. وأصيبت فروع البناء والصناعة والتجارة والزراعة بأضرار واسعة، نجمت عن نقص في العمالة الفلسطينية الرخيصة وتدني التصدير إلى الضفة الغربية وقطاع غزة والدول العربية.
وإذا كان ضجر أصحاب رؤوس الأموال وأرباب العمل في إسرائيل من الخسارة لا يزال خافتا، فهدوء الحالة الأمنية يدفع بهم إلى التعبير عن ضجرهم من الأوضاع التي وضعهم فيها باراك وتفاقمت في عهد شارون. ولن يتأخروا في اتهام رئيس الحكومة شارون ـ بيريزـ بن إليعازر “فؤاد” بالفشل في تحقيق الأمن والسلام وتخريب الوضع الاقتصادي.
وبينت مجريات الصراع في زمن الانتفاضة أن القيادة الإسرائيلية فوجئت بسرعة التحول في مواقف رجال الأمن والشرطة الفلسطينية، وانخراطهم السريع في الدفاع عن أهلهم وعن شرف السلاح الذي حملوه. وبعد شهور قليلة من انطلاقة الانتفاضة وما تخللها من مصادمات، أدرك قادة الأذرع الأمنية الإسرائيلية ان عهد اعتماد إسرائيل على أجهزة الأمن الفلسطينية في ضبط الأمن في المناطق الفلسطينية وفقا للمفهوم الإسرائيلي قد انتهى. وعهد تعامل جيش الدفاع الإسرائيلي معها باعتبارها قوات صديقة قد ولى. وبات قادة الجيش الإسرائيلي يعتبرونها اقرب إلى صنف القوات المعادية، وتحولت في أحيان كثيرة أهداف لإطلاق النار. وبصرف النظر عن الموقف النهائي الذي سيبلوره أركان المؤسستين الأمنية والسياسية في إسرائيل إزاء قيادة السلطة الفلسطينية وأجهزتها المدنية، فلم يعد بامكان الطرفين الحديث عن العودة إلى تعاون وتنسيق أمني بصيغته القديمة، بعد ان أطلق رجال الأمن من الطرفين النار على بعضهما البعض، وسقط عدد كبير من القتلى. فسقوطهم اسقط أسس الترتيبات الأمنية المشتركة التي اعتمدت بعد اتفاق أوسلو.
إلى ذلك، كشفت “هبة العرب” في إسرائيل، التي رافقت الانتفاضة، للرأي العام العالمي عيوب أساسية في تكوين دولة إسرائيل الديمقراطي، وفي مجال حماية حقوق الإنسان. ودفعت عملية القتل، التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين في الجليل والمثلث والنقب، بعض المؤسسات الدولية المستقلة والتابعة للأمم المتحدة إلى التدخل لفحص مدى الاعتداءات على حقوق الإنسان العربي في إسرائيل. وبينت هذه “الهبة”، وما تلاها من عمليات اضطهاد وقمع، ان إسرائيل دولة ديمقراطية لمجموعة إثنية واحدة فقط، وليست دولة ديمقراطية لجميع مواطنيها. وان قانون المواطنة، الذي ينظم علاقة المواطنين بعضهم ببعض وينظم علاقتهم بالسلطة السياسية، يستخدم للسيطرة على العرب وليس لتمكينهم من تحقيق طموحاتهم والتعبير عن تطلعاتهم المشروعة. وبجانب انعدام المساواة بين العرب واليهود في الحقوق المدنية تعمد الحكومات الإسرائيلية الى فصل الفلسطينيين في إسرائيل كليا عن مؤازرة إخوانهم في الضفة وقطاع غزة، ويحظر عليهم مساندتهم في تحقيق أهدافهم وأمانيهم الوطنية المشروعة.
وبينت الانتفاضة للعالم أن لا سلام مع الاستيطان، وانه كان وسيبقى سببا في تفجير الصراع وإدامته بين الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي. وأخطأت حكومة باراك وبعدها حكومة شارون حين أشركتهم مباشرة في الصراع. وارتكبوا أعمال قتل ضد الفلاحين الفلسطينيين قبل أن يصبحوا هدفا للمسلحين الفلسطينيين. وأصبحت حركتهم على الطرقات محفوفة بالمخاطر. وثبت لهم أن الطرق الالتفافية الطولية والعرضية والتحصينات القوية غير كافية لتوفير الأمن المطلوب. وتحولت حياة بعضهم إلى جحيم واضطروا إلى البحث عن سكن مؤقت، وعاد آخرون إلى بيوتهم القديمة في المدن الإسرائيلية. وزاد عدد الشقق الخالية في معظم المستوطنات وتدنت أسعار البيوت فيها وبخاصة المستوطنات المعزولة والقريبة من المدن والقرى الفلسطينية، وتلك التي صنفها اسحق رابين تحت بند مستوطنات سياسية.
وتعززت أطروحة حزب العمل التي قدمها مفاوضو الحزب في كامب ديفيد وطابا حول الاستيطان. وتأكدت الأغلبية في إسرائيل أن تعايش المستوطنين مع الفلسطينيين المحيطين بالمستوطنات أمر مستحيل. وظهر للإسرائيليين أن مجاراة مطالب المستوطنين الأمنية وتوجهاتهم التوسعية في الأرض الفلسطينية مكلف أمنيا وسياسيا وماليا. ويلحق أضرارا فادحة بسمعة إسرائيل وعلاقاتها الإقليمية والدولية وبالاقتصاد الإسرائيلي. ويزج الإسرائيلين في صراع دموي بداياته معروفة ونهاياته مجهولة. وزادت قناعة أنصار صنع الأمن والاستقرار في المنطقة بان الاستيطان، كما العمليات الإرهابية، عقبة كأداء في طريق صنع السلام ويمكنها تدمير بذوره التي ساهموا في زراعتها.
وبدلا من استخلاص باراك دروس الانتفاضة والمفاوضات، وتنفيذ قرارات الشرعية المتعلقة بالقضية الفلسطينية كما نفذها في جنوب لبنان، راح يشهر بالقيادة الفلسطينية ويتهمها بأنها تنوي تدمير إسرائيل من خلال إعادة أكثر من أربعة ملايين لاجئ. علما انه يدرك، أن القيادة الفلسطينية ميزت في مفاوضات كامب ديفيد وطابا بين الإقرار بحق العودة من حيث المبدأ وبين تنفيذ هذا الحق على الأرض. وأن الخلاف تمحور حول عدد الذين سيمنحون حق العودة إلى إسرائيل، وليس حول مبدأ العودة بصورته النظرية المجردة. ووافق شخصيا على عودة قرابة 100 ألف لاجئ فلسطيني إلى إسرائيل في إطار استيعاب المهاجرين ولم الشمل، بينما طلب المفاوضون الفلسطينيون أن يكون العدد قرابة 400 ألف لاجئ، وان يتم جدولة عودتهم في مدى زمني طويل وان تعطى أولوية العودة للاجئين في لبنان.
صحيح أن المفاوضات في عهد باراك بينت للفلسطينيين، لأول مرة، الحدين الأقصى والأدنى لموقف حزب العمل وقوى السلام في إسرائيل بشأن كافة قضايا الحل النهائي، إلا أن هذا الوضوح في الصورة عقد حل النزاع ولم يساهم في تقريب مواقف الطرفين واخرج قطار السلام عن سكته. وحصد باراك الفشل ولم يتوصل طيلة عهده، إلى أي اتفاق ذو قيمة مع الفلسطينيين، ودفع ثمن تخبطه في إدارة دفة المفاوضات وطار من رئاسة الوزراء. وتبخر أمل الفلسطينيين في صنع السلام وتحقيق أهدافهم الوطنية في وقت قريب. واستنفرت مواقفه القوى الإسرائيلية والفلسطينية المتطرفة والمتشددة المعارضة للحل السلمي الواقعي والممكن. واستغل المتطرفون الإسرائيليون تردد باراك في استكمال مشروع الحل حتى نهاياته المنطقية، ونجحوا في تعقيد مسيرة التسوية. وتوترت علاقات الاتجاهين، وأجبرت أحزاب اليمن باراك على الرحيل من ديوان رئاسة الوزراء قبل وضع أفكاره موضع التطبيق. واحتفظ الفلسطينيون في ملفاتهم بملخصات عن أطروحة إسرائيل في عهد باراك. والتي كما قال عنها الجنرال أمنون شاحاك ” الآن عرفتم أقصى ما يمكن ان تقدمه إسرائيل”. ويعتقد معظم المفاوضون الفلسطينيون ان ما طرح في مفاوضات طابا هو السقف النهائي للموقف الإسرائيلي وأية إضافات جديدة سوف تكون في إطار التفاصيل وليس أكثر.
انتخاب شارون انقلاب ضد السلام مع العرب والفلسطينيين
وأي تكن خلفيات انتخاب شعب إسرائيل شارون في شباط 2001، رئيسا لوزراء بأغلبية كبيرة فانتخابه كان بمثابة انقلاب سلمي في إسرائيل، لعبت أخطاء حزب العمل وتخبط باراك، وانفجار”الانتفاضة والمقاومة” وفشل مفاوضات الحل النهائي، دورا محوريا في وقوعه. وهذا الانقلاب عكس تمرد أغلبية المجتمع الإسرائيلي على الوفاق الدولي وعلى توجهات القوى الإقليمية والدولية الراغبة في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي بالطرق السلمية، وصنع الأمن والاستقرار في هذه المنطقة المضطربة من العالم. وأعاد هذا الانقلاب القوى المتطرفة بقيادة شارون إلى سدة الحكم في إسرائيل. ويشبه بعض المحللين الاستراتيجيين هذا الانقلاب بالانقلاب الذي وقع في العام 1977 عندما فاز اليمين بالسلطة لأول مرة في تاريخ إسرائيل، واستمر في الحكم حتى العام 1992. خصوصا أن حزب العمل يفتقد إلى زعيم من مستوى رابين، يوحده ويعيده للسلطة بعد أن فقدها بالضربة القاضية التي وجهها له اليمين.
ويجمع أنصار السلام، إسرائيليين وفلسطينيين وآخرين على أن نجاح هذا الانقلاب السياسي الجديد عمق مأزق عملية السلام على مساراتها الثلاث الفلسطيني والسوري واللبناني. وأطال أزمة المفاوضات على المسار الفلسطيني وزاد في تعقيدها. وبينت وقائع الحياة في العام الأخير أن وجود شارون على رأس الحكومة له ما بعده من نتائج سلبية على مجمل أوضاع منطقة الشرق الأوسط برمته.
بعد تبوء شارون سدة الحكم ظهر المجتمع الإسرائيلي أمام الفلسطينيين انه غير ناضج للوصول إلى سلام حقيقي وشامل معهم. وان المرونة العربية والجهود الدولية التي بذلت لحل النزاع لم تفلح في إخراج الأغلبية في إسرائيل من صومعة العنصرية المتقوقعين فيها. وليسوا مهيئين لبناء علاقة سلام طبيعية متوازنة مع الشعب الفلسطيني. وعند الاقتراب من لحظة الحقيقة التي تتضمن تنازلات جوهرية مؤلمة مالوا نحو التطرف وقفزوا عن الدرس التاريخي الذي استخلصه رابين. وتمسكت هذه الأغلبية بالمعتقدات الدينية الغيبية، وفضلوا العودة إلى الأسر الذي بنوه لأنفسهم، وحرسوه 50 عاما بالدبابات والطائرات والأسلحة النووية. واختاروا العودة بأوضاع المنطقة برمتها للوراء. ولم يقتنعوا بان في السلام منافع استراتيجية كبيرة وكثيرة لهم وللعرب والفلسطينيين ولكل القوى المعنية باستقرار أوضاع المنطقة، تفوق المنافع الآنية والمحدودة التي تجنيها إسرائيل من استعمار شعب آخر واحتلال أرضه بالقوة، رغم أنهم تذوقوا من السلام ثمارا كثيرة ومتنوعة لم يتذوقها الفلسطينيون إطلاقا.
ولا خلاف بين أنصار السلام في الحقلين الإقليمي والدولي على أن فوز شارون زعيم اليمين يوم 7 شباط 2000 برئاسة الوزراء غيّر قواعد اللعبة السياسية الأمنية التي حكمت علاقة الفلسطينيين بالإسرائيليين منذ اتفاق أوسلو عام 1993. وان وجوده في قمة الهرم السياسي كاف تماما لإبقاء عملية السلام في حال مزرية طيلة فترة حكمه. وهو لم ولا يخفي عداؤه لاتفاق أوسلو ولجميع الاتفاقات التي تلته. ويسعى جاهدا لتدميرها وتحقيق أحلام المتطرفين الذين انتخبوه. وبدأ عهده بالإصرار على تغيير قواعد المفاوضات من جانب واحد. ويطرح حلولا مرحلية طويلة الأمد بدلا من الالتزام بمواصلة المفاوضات حول قضايا الحل النهائي من حيث انتهت في عهد من سبقوه. ويطالب شارون بالتزام السلطة والناس في الضفة وقطاع غزة الصمت على توسيع المستوطنات ويلزمهم بتطبيع العلاقة مع المستوطنين مسبقا إذا تعذر عشقهم…
وإذا كانت اتجاهات الرأي العام في إسرائيل تشير إلى أن الأغلبية في إسرائيل ظلت تحبذ السلام من حيث المبدأ على الحرب ولا تعارض قيام دولة فلسطينية بجانب دولة إسرائيل، فمفهوم السلام الذي يحبذوه يثبت الاستخلاص المذكور أعلاه ولا ينقضه. والاستطلاعات ذاتها تؤكد ان 25% فقط من الإسرائيليين يوافقون على ان يتضمن الحل العودة إلى حدود 1967، وان فقط 10% يوافقون على نقل القدس الشرقية التي احتلت في العام 1967، إلى السيادة الفلسطينية الكاملة. وفوجئوا بتمسك القيادة الفلسطينية بقرارات الشرعية الدولية القديمة والجديدة، ودب الذعر في صفوفهم بعد إصرارها على جعل مدينة القدس عاصمة لدولتين. واعتراف إسرائيل بمسئوليتها عن الجريمة التاريخية التي ارتكبت بحق اللاجئين الفلسطينيين في العام 1947ـ 1948. ولا تزال أغلبية الإسرائيليين “قرابة 70%” تتبنى برنامج الدم والدمار البديل الذي يطرحه شارون، والذي يدعو إلى قيام دولة فلسطينية فقط على 42% من الأراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، منقوصة السيادة ومقطعة الأوصال بالاستيطان. ويصرون على بقاء القدس مدينة موحدة وعاصمة إسرائيل وحدها، وضم مساحات من أراضي الضفة الغربية تحوي80% من المستوطنين وفيها جميع خزانات المياه الجوفية. وينكرون على اللاجئين والنازحين حقوقهم التي أقرتها الأمم المتحدة، وأدنى حقوق الإنسان كما أقرتها الشرائع الأرضية والسماوية.
وتعتقد الأغلبية أن مواصلة استعمار الفلسطينيين احتلال أرضهم ومتابعة الصراع مع العرب خير من سلام مخيف ترى انه قفزة في المجهول. ويتصورون سلبيات استمرار هذا الصراع محدودة قياسا لسلبيات السلام بالمفهوم الفلسطيني، خصوصا ان إسرائيل لم تهزم في الحروب، وقوية بما فيه الكفاية لتنتصر في جميع الحروب اللاحقة، كما يعتقدون.
وبديهي القول ان الشعب الفلسطيني وقيادته الذين رفضوا في كامب ديفيد أطروحة باراك “السخية والكريمة” و”أفكار كلينتون” يرفضون برنامج شارون وتوجهاته التوسعية. وأكدت انتفاضتهم يأسهم من السلام الذي يعرضه اليمين الإسرائيلي، وقرروا إعادة النظر في طريقة إدارة الصراع معها، واختاروا عدم اعتماد النضال السياسي والدبلوماسي شكلا وحيدا لتحقيق أهدافهم في الحرية والاستقلال كما تجسد في 10 سنين من المماطلات والعبث بالاتفاقات التي وقعت معهم. وترى القيادة الفلسطينية، سلطة ومنظمة تحرير، في الموقف الإسرائيلي كما ورد في أطروحة شارون، ردة فاحشة عن السلام، تشبه ردة المرتدين عن الإسلام، لا يمكن التسليم بها والتعاطي معها. خصوصا ان ملف المفاوضات يتضمن عرضا قدمه باراك في مفاوضات كامب ديفيد وطابا يتضمن قيام دولة فلسطينية على قرابة 96% من الأرض خالية من الاستيطان، ولها سيادة كاملة على حدودها الدولية. ووافق باراك، أمام شهود، اقرب إلى إسرائيل، على تعويض الفلسطينيين عن النسبة الباقية في مساحة الضفة والقطاع في إطار تبادل الأراضي. وتحويل مدينة القدس عاصمة للدولتين، إسرائيل ودولة فلسطين..الخ
والتدقيق في حال عملية السلام على المسارين السوري واللبناني في زمن الانتفاضة وزمن شارون وقبلهما، يبين أن هذين المسارين سبقا المسار الفلسطيني واستقرا في قلب مرحلة الجمود منذ فشل اللقاء الذي جمع الرئيس كلينتون بالرئيس المرحوم حافظ الأسد في جنيف في آذار عام 2000. ويفترض أن لا يكون خلاف بين أنصار صنع السلام في المنطقة على أن عملية السلام على هذين المسارين تزودت في مرحلة، الانتفاضة ـ شارون، والحرب الأمريكية الدولية ضد الإرهاب بمزيد من مقومات التعقيد والجمود. وبات في حكم المؤكد أن العلاقات السورية اللبنانية ـ الإسرائيلية مرشحة لمزيد من التدهور في عهد شارون. وعاد أطراف النزاع يتباهون بطريقة استعراضية بقدراتهم العسكرية الأمنية. وباتوا يتباهون بكل عمل عسكري صغير أو كبير ينفذه أحدهما ضد الآخر. أبرزها افتخار الحكومة الإسرائيلية وأركان المؤسسة الأمنية العسكرية بقصف رادار سوري في لبنان في العام الماضي.
وليس عاقلا من يتصور ان القيادة السورية الجديدة مستعدة لاستئناف المفاوضات مع إسرائيل من نقطة الصفر كما يطالب شارون، أو الموافقة إعادة فتح ملف الترتيبات الأمنية بعد إغلاقه في عهد الرئيس المرحوم الرئيس حافظ الأسد. ولا يمكنها قبول إعادة البحث في مسألتي المستوطنات والانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، بعد موافقة الحكومات الإسرائيلية السابقة، بحضور “كلينتون” الشاهد العدول في نظر الإسرائيليين، على إزالة جميع المستوطنات والعودة إلى خطوط الرابع من حزيران 1967. وتمحور الخلاف فقط حول بضع مئات من الأمتار على شاطئ بحيرة طبريا الشمالي الشرقي فقط. ومن غير المعقول أيضا أن توافق القيادة السورية على أن يكون الانسحاب الإسرائيلي من هضبة الجولان مختلف عن الذي نفذه في جنوب لبنان. أو قبول الدخول في بحث الحلول المرحلية الطويلة التي يدعو إليها شارون، خاصة انه يصر على أن تبدأ أولا بتطبيع العلاقات والاتفاق بين البلدين وعمل ترتيبات ميدانية تضمن أمن إسرائيل. ومصالح سوريا القطرية والقومية تدفع القيادة السورية الجديدة في هذه المرحلة الى التمسك بالحقوق السورية والعمل على تقصير عمر حكومة شارون قدر الممكن. وسوريا إذا لم تشجع في هذه الفترة حزب الله والقوى الوطنية اللبنانية على تصعيد نضالهم من اجل تحرير باقي أرضهم المحتلة في منطقة شعبا فلن تمارس نفوذها لثنيهم عن ذلك في فترة لاحقة.
وبصرف النظر عن الدوافع والأسباب التي دفعت إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان بعد قرابة20 عاما من احتلاله، فالتزامها بتنفيذ القرار 425 يؤكد ان قرارات الشرعية الدولية لا تموت بتقادم الزمن. ومن التزم ونفذ القرار 425 الخاص بجنوب لبنان لا يستطيع الاستمرار في التهرب في تنفيذ القرارين 242، و338 المتعلقين بالانسحاب من الأراضي الفلسطينية والسورية التي احتلت في العام 1967.
لا شك في ان تبخر فكر السلام في الشارعين الفلسطيني والإسرائيلي وانفجار الصراع الدموي بينهما من جديد، غير قواعد اللعبة السياسية ووضع منطقة الشرق الأوسط على أبواب مرحلة لا تزال في طور التشكل والتكوين، تشبه إلى حد كبير المراحل التي سبقت اتفاق أوسلو ومؤتمر مدريد. والتجربة التاريخية تؤكد ان انتقال الشعوب من مرحلة نوعية إلى أخرى من ذات المستوى يمر عادة بمرحلة انتقالية يتخللها جذب متبادل بين الماضي ومكوناته الراسخة في الأذهان، وبين الجديد القادم بمقومات قوية ونشيطة. وإذا كان المكتوب يقرأ من عنوانه، كما يقول المثل الشعبي، فبإمكان العرب، أصحاب هذا المثل، التعرف على ملامح المرحلة الجديدة والاستعداد لمواجهتها. وليسو بحاجة إلى زرقاء يمامة تنبؤهم بالأخطار الكبيرة التي تحملها مرحلة حكم شارون. وتنبههم إلى أن تلكؤ الإدارة الأمريكية والقوى والدولية الأخرى المعنية بالسلام واستقرار أوضاع المنطقة يسهل دمغها بطابع دموي عنيف.
ويجمع المراقبون على ان تعطل عملية السلام على مساراتها الثلاث، الفلسطيني والسوري واللبناني، وما تراكم من أحقاد في العام الماضي على ارض الضفة وقطاع غزة، فتح باب الصراع العربي الإسرائيلي على احتمالات عدة جميعها ليست في صالح استمرار عملية السلام العربية الإسرائيلية. وأقوى هذه الاحتمالات احتدام الصراع واهتزاز استقرار اتفاقات السلام الفلسطينية العربية ـ الإسرائيلية. وينتظر المراقبون بعد أحداث 11أيلول/ سبتمبر في واشنطون ونيويورك تطورات نوعية كبيرة تقود إلى: توسع نطاق الصراع وتمدده إلى خارج حدود فلسطين التاريخية، أو انهيار الموقف الفلسطيني واستسلامه تحت ضربات شروط شارون. او تراجع شارون عن شروطه أمام الصمود الفلسطيني واقتناعه بخطأ اعتقاده ان العرب يتنازلون أكثر كلما حشروا واضطهدوا أكثر.
استئناف المفاوضات في عهد شارون مشكلة والاتفاق مستحيل
في ظل هذه الصورة الواقعية القاتمة يمكن القول بثقة ان استئناف المفاوضات على أي من المسارين السوري ـ اللبناني الموحد والمسار الفلسطيني، يحتاج في عهد شارون إلى معجزة في زمن ولى فيه وقوع معجزات. وإذا كان مفهوم شارون لموقع هضبة الجولان في أمن إسرائيل وطمعه في مياهها، يعقدان استئناف المفاوضات على المسار السوري ويؤجلان أي اتفاق سوري إسرائيلي إلى إشعار آخر. وأطماع شارون في أراضي الضفة الغربية “ارض الميعاد” وقطاع غزة يجعلان استئنافها أمرا لا يقل صعوبة وتعقيدا بل يزيد أضعافا مضاعفة.
إلى ذلك، ليس عسيرا تخيل مجريات الأحداث في العام الجديد وتخيل بعض نتائجها المحتملة على عملية السلام الراكدة في غرفة الإنعاش الدولية. لاسيما وان الطبيب الأمريكي الذي يتولى الإشراف عليها أعلن انه لا يملك العلاج اللازم لشفائها. ومنح نفسه إجازة طويلة.. وخفّض وتيرة تدخله المباشر لحل أزمتها المعقدة، وترك أهل المنطقة يتدبرون أمرها فيما بينهم. ويطالبهم بخفض وتيرة العنف وتهدئة الوضع ويرفض إجراء العملية الجراحية الضرورية. لقد بذل الرئيس الأمريكي السابق كلينتون جهودا كبيرة في عهد باراك، حتى تم التعرف على النقطة التي توقفت عندها المفاوضات السورية الإسرائيلية في عهد رابين. واضطر كلينتون وأركانه إلى صرف ساعات طويلة حتى اقنعوا باراك بالتفسير الأمريكي ل “وديعة رابين”. وبديهي القول إن إقناع شارون بالتراجع عن شروطه لاستئناف المفاوضات مع السوريين يحتاج إلى جهود اكبر من التي بذلها كلينتون، وإدارة بوش ليست في وارد بذلها. أما إقناعه هو وأركانه من اليمين المتطرف بالموافقة على ما وافق عليه باراك في المفاوضات بشان الانسحاب من الجولان فأمر بعيد الاحتمال في المدى المنظور. خصوصا وان إدارة بوش لا تشعر بأي قلق إزاء مصالحها في المنطقة.
وبشأن المفاوضات على المسار الفلسطيني لا مجازفة في القول ان استئنافها ووصولها في عهد شارون إلى نتائج جوهرية في العام الجديد يندرج تحت بند معجزة يتعذر تحقيقها. خاصة ان شارون يضع شروطا تعجيزية على استئنافها وعلى اللقاء بياسرعرفات. أولها رفض استئنافها قبل وقف العنف واعتقال من يقرر هو من يجب اعتقالهم. ويعتبر الانتفاضة والتحريض أقوى أنواع العنف والإرهاب ويطالب وقفهما. وأدان علنا موافقة سلفه باراك على متابعة المفاوضات مع الفلسطينيين وفق القاعدة التي فرضتها الانتفاضة؛ مفاوضات واشتباكات على الأرض في آن واحد. وثاني شروطه، رفض استئناف المفاوضات من حيث توقفت في عهد سلفه باراك. ورفض علنا الالتزام بأطروحة باراك حول الحل النهائي التي وضعت على طاولة المفاوضات في قمة كامب ديفيد ومفاوضات طابا. وتعهد أمام جمهوره وشركاؤه في الحكم من أحزاب اليمين برفض اعتماد أية مواقف أو تفاهمات أو اتفاقات لم يصادق عليها الكنيست. ويدعي أركان باراك ان أكثر المفاوضين الفلسطينيين دقة لا يعرف بالضبط أين توقفت مفاوضات الطرفين في طابا خصوصا لا أحد من المفاوضين يملك وثيقة رسمية متفق عليها. وشرط شارون الثالث المسبق؛ موافقة القيادة الفلسطينية سلفا على تأجيل البحث في قضايا الحل النهائي إلى إشعار آخر وقبول حل مرحلي جديد طويل الأجل بدايته معروفة لكن نهايته مجهولة تماما.
وينطلق شارون في وضع هذه الشروط من تيقنه ان تراجعه عن اي منها يقصر عمر حكومته. ويفجر صراعات حادة داخل الائتلاف الحكومي، وبخاصة في صفوف حلفاؤه الاستراتيجيين قوى اليمين. ويقوي مواقف خصمه اللدود نتنياهو، ويعرض وضعه في تزعم حزب ليكود للخطر ويسهل على خصومه داخل ليكود وخارجه الإطاحة به. وبدلا من التصادم مع حلفاءه يسعى شارون جاهدا بكل السبل لإخضاع الطرف الفلسطيني لشروطه وتجريده من أوراقه قوته الأساسية قبل الجلوس الى مائدة المفاوضات. ويوظف كل الإمكانات لمسح المربعات والخطوط الزرقاء والصفراء والحمراء التي رسمها المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون على خرائط في عهد حكومة باراك. ويطلق العنان للمتطرفين وطليعتهم المستوطنين لتهويد مدينة القدس وتغيير معالمها العربية. وهؤلاء جاهزون لتنفيذ المهمة وترجمة قوله؛ “شلت يميني إذا وافقت على تقسيم القدس ومست مكانتها كعاصمة إسرائيل الأبدية وحدها”.
إلى ذلك، ترفض القيادة الفلسطينية شروط شارون جملة وتفصيلا، وترفض تلقي أوامر إسرائيلية. وتتمسك بالاتفاقات التي وقعت مع الحكومات الإسرائيلية السابقة. وتشترط العودة الى طاولة المفاوضات فورا واستئناف المفاوضات من حيث توقفت في عهد باراك. والشروع في تنفيذ وثيقة “لجنة ميتشيبل” كاملة، وتشدد على وقف الاستيطان وقفا شاملا. وتصر على الفصل بين الانتفاضة السلمية والأعمال المسلحة. وترفض ربط استئناف المفاوضات بوقف الانتفاضة وترى فيها حقا مشروعا وسلاحا فعالا لتحسين شروط التفاوض وإسناد المفاوض الفلسطيني في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية.
أعتقد أن بإمكان المؤرخين للصراع العربي الإسرائيلي، دون تردد، اعتماد “الانتفاضة والمقاومة” وفوز شارون في الانتخابات حدا فاصلا بين نهاية مرحلة من العلاقات الفلسطينية العربية ـ الإسرائيلية كانت أهدافها واضحة وطريقها معروفة، وبين بداية مرحلة جديدة شديدة التعقيد ليس سهلا التكهن بجميع أحداثها وتقدير جميع نتائجها النهائية. لاسيما وان المرحلة الجديدة بدأت بتهييج المشاعر الوطنية والقومية والدينية في عموم أرجاء الشرق الوسط. وتبخرت أوليات الثقة المتبادلة التي بنيت في السنوات الأخيرة بين وإسرائيل وأطراف رئيسية في النظام الرسمي العربي. وحل محلها شك بالنوايا، وتعمق الشرخ بين الشعوب العربية والشعب الإسرائيلي. واستبدل الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي لغة السلام بلغة العنف والسلاح. وظهر في إسرائيل من أدان رهان القيادة الإسرائيلية في عهد حزب العمل على إمكانية صنع السلام مع العرب وتسوية النزاع مع الفلسطينيين.
ومراجعة تاريخ شارون السياسي وأسلوبه في تنفيذ قناعته إبان إشغاله مناصب رسمية، يؤكد انه مخلص لمبادئه العنصرية المتطرفة. وإذا كان شارون لم يتورع عن خديعة حكومته وشعبه اكثر من مرة وكذب على مناحيم بيغن رئيس الوزراء في قضية مصيرية إبان حرب 1982، فهذا دليل كاف للعرب عامة وبخاصة الفلسطينيين ان لا ينخدعوا بأقواله طيلة فترة حكمه، وان يحضروا أوضاعهم لمواجهة أسوأ الاحتمالات. وتحذيرات عدد من زعماء المنطقة والعالم من اندفاع الوضع نحو مزيد التدهور لا تنطلق من فراغ وليست مطروحة من باب التهويل بل نتيجة خبرة طويلة ومعرفة دقيقة بشارون وقراءة صحيحة لتاريخه ومواقفه وأطماع شركاؤه في ارض الضفة الغربية ومدينة القدس على وجه الخصوص. وهذا الموقف الإسرائيلي المدعوم أمريكيا يفرض على أنصار السلام فلسطينيين وإسرائيليين وعرب توحيد طاقاتهم وتشمير سواعدهم وبذل الجهود الممكنة لتجنب ويلات حرب جديدة. وتنسيق خطواتهم في سبيل المحافظة على ما تحقق في عملية السلام وعلى بذرة السلام التي زرعوها. ومواجهة شارون سويا وتجريده مقومات تنفيذ توجهاته المدمر ومنعه من التحكم بمصيرهم.

إدارة بوش ساوت بين القاتل والضحية وتنتظر استسلام الفلسطينيين
رغم قراءة الولايات المتحدة والدول الأوروبية سلبيات فوز شارون في الانتخابات وأبعادها على عملية السلام، قراءة صحيحة، إلا أنها سلمت بالأمر الواقع الجديد الذي نشا في إسرائيل. وأسرعت إلى دعوة الجميع إلى الهدوء وضبط الأعصاب، وطالبت الفلسطينيين والعرب إعطاء شارون وحكومته فرصة. وأعلنت إدارة بوش ترحيبها بفوز شارون، وأكدت أنها سوف تتعاون معه وفق العلاقة الاستراتيجية التي تربطها بإسرائيل. وقالت إنها ستعيد تقويم سياستها في الشرق الأوسط، وأكدت رغبتها بحصر دورها في حدود “مسهل” عملية السلام، ولا ترغب بالقيام بدور رئيسي مباشر مشابه لما قامت به إدارة كلينتون. وبينت الاتصالات الفلسطينية والعربية مع أركان الإدارة الأمريكية الجديدة، أنها تحمّل الرئيس كلينتون مسئولية المنزلق الوعر الذي وقعت فيه السياسة الأمريكية في عهده. وتعتقد هذه الإدارة ان كلينتون اندفع بعيدا وراء حلم راوده بصنع سلام كامل ونهائي للقضية الفلسطينية. وترى ان طلب السلام الفلسطيني ـ الإسرائيلي الكامل والشامل في عهد شارون، يعادل وقوع معجزة يستحيل تحقيقها. ويثير قضايا شديدة التعقيد لم ينضج حلها، أولها القدس، وثانيها اللاجئين، وثالثها الاستيطان. ولم تخفي هذه الإدارة قناعتها بان استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني مسألة شائكة، على حد تعبير وزير الخارجية الأمريكية “كولن باول”. ولم تفكر في استئناف المفاوض على المسارين السوري واللبناني باعتبارهما أكثر تعقيدا، خاصة أنها تعرف ان شارون يعتبر هضبة الجولان منطقة استراتيجية، والوجود الإسرائيلي فيها أمرا حيويا لأمن إسرائيل لا يمكن التفريط به، ويرفض الالتزام بالعروض التي قدمها باراك.
وبرغم إدراكها هذه الحقائق، لم تفعل إدارة بوش شيئا جوهريا لمعالجة المسائل الشائكة، ولم تسمح لهيئة الأمم المتحدة والدول الأوروبية وروسيا فعل ما تستطيع فعله. وأقصى ما قامت به هو تأكيد التزامها برعاية عملية السلام، وناشدت الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي وقف العنف كمقدمة لا غنى عنها لاستئناف المفاوضات ولم توازن علاقتها بهما. وصدر عن الناطق الرسمي باسمها مواقف ساوت فيها بين الضحية والجلاد. واستقبلت شارون وعددا آخر من مساعديه في البيت الأبيض، ورفضت استقبال عرفات والاستماع لوجهة نظره بشان الأزمة وسبل استئناف المفاوضات. وأرسلت الجنرال زيني مبعوثا لتهدئة الوضع وفق شروط شارون ورؤيته. ولم تبذل جهدا يذكر في إقناعه بالتراجع عن شروطه التعجيزية للبدء بتطبيق تقرير “ميتشيل”. وغمزت من قناة رئيس السلطة الفلسطينية الذي لا يبذل الجهد المطلوب لوقف العنف والإرهاب. وما صدر عن أركانها من مواقف وتصريحات اكدت لشارون أنها تساند شروطه، وبخاصة ما يتعلق بوقف العنف والانتفاضة.
ورغم مضي أكثر من عام على سفك إسرائيل للدماء الفلسطينية، ظلت مواقف الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس بوش على حالها. والتفسير المنطقي لموقف إدارة بوش غير المتوازن، ومنعها الآخرين من تجربة حظهم في حل النزاع، هو إدراكها جيدا أن استئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني الإسرائيلي يتطلب تصادما مباشرا مع شارون وحكومته، أقوى من صدام بيكر وزير خارجية بوش الأب مع شامير في العام 1992، هي ليست مستعدة ولا مضطرة للدخول في هكذا صدام يجلب إليها متاعب مع الكونغرس. وشعورها ان انحيازها للموقف الإسرائيلي ليس مكلفا على صعيد علاقاتها بالدول العربية والإسلامية.
وبعض الظن بالإدارة الأمريكية الجديدة ليس إثم. واتهامها بأنها ليست صريحة حين تظهر عزوفها عن الشغل بجدية في عملية السلام الشرق أوسطية، ليس فيه تجني. وهي غير صادقة حين تدعي أنها لم تقرر سياستها إزاء الصراع الجاري، وأنها لم تحدد بعد الطريق الأنسب لاستئناف المفاوضات على المسار الفلسطيني والمسارين السوري واللبناني. وحديثها صباح مساء أنها لا تنوي فرض حل للنزاع ولا تريد التدخل فيه كما تدخل الرئيس كلينتون، قذيفة دخانية كبيرة أطلقتها في سماء عملية السلام لإخفاء انتظارها تصاعد القتال بين الطرفين وإنهاك الطرف الفلسطيني وخفض سقف مطالبه وقبوله ما يعرضه شارون. وتحركات وزير الخارجية “كولن باول” ومساعده لشئون الشرق الأوسط “وليام برينز” والجنرال “انطوني زيني” وقبلهم جولة مدير المخابرات المركزية “جورج تنيت”، بينت للقيادة الفلسطينية ولجنة المفاوضات وجود عدد من القواعد الثابتة تتحكم بتحرك الإدارة الأمريكية الجديدة.
أولها/ ان هذه الإدارة لم تغير تقيمها الذي استخلصته من دراسة ملف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية والسورية الإسرائيلية في عهد رئيس وزراء إسرائيل السابق ايهود باراك. خلاصته ؛ استحالة التوصل إلى اتفاق فلسطيني إسرائيلي في عهد شارون وعرفات، حتى لو كرست وقتها وجهدها للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، وغرقت في تفاصيلها كما غرق كلينتون. لاسيما أنها تعرف أكثر من سواها، أن عرفات لن يتنازل في مسألتي القدس واللاجئين والاستيطان، وشارون لا يملك مشروعا سياسيا يصلح لاستئناف المفاوضات والتوصل إلى اتفاق على المسار الفلسطيني أو السوري. وتعي تماما ان وجود بيريس وعددا من قادة حزب العمل في الحكومة لا يغير في الأمر شيئا، خاصة ان الأغلبية اليمينية تقف له بالمرصاد.
ثانيا/ ان هذه الإدارة لا تنوي في الوقت الحاضر تقديم أفكار واقتراحات أمريكية خاصة لحل النزاع، وتنصلت من “ورقة الأفكار” التي قدمها كلينتون في نهاية عهده. وتتمسك بلعب دور محدود، حدوده لا تتجاوز “إدارة الأزمة” بالصيغة التي رسمته لنفسها بعد استلامها سدة الحكم مباشرة. وهي ليست بصدد الانغماس في البحث عن حلول لأزمة المنطقة ومعالجة النزاع العربي الإسرائيلي، كما انغمست إدارة كلينتون. ولسان حالها يقول؛ إذا كان الفلسطينيون والسوريون رفضوا العروض “السخية” التي قدمها باراك لهم، فحكومة يمينية بزعامة شارون لن تقدم للفلسطينيين نصف ما قدمه باراك في قضايا الأرض والقدس والاستيطان. وحكومة يمينية برئاسة شارون لن توافق على الانسحاب من الجولان كما طرحه الرئيس كلينتون في آخر لقاء جمعه بالمرحوم الرئيس حافظ الأسد في آذار عام 2000.
ثالثا/ إن أقصى ما تسعى إليه إدارة بوش في زمن حكم اليمين في إسرائيل هو: أ) محاولة استيعاب الوضع وإبقائه تحت السيطرة، وتعطيل قيام شارون بمغامرات عسكرية كبيرة تؤدي إلى تأجيج الصراع، وتمدد النار المشتعلة في الضفة وقطاع غزة إلى دول الجوار، وتحوله إلى نزاع لإقليمي. ب) تثبيت وقف إطلاق النار بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتخفيض مستوى العنف إلى أدنى مستوى ممكن. وتليين مواقف الطرفين وإخراجهما من خنادق القتال التي تمترسا فيها بعد فشلهما في عهد كلينتون وباراك في التوصل إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي والعودة الى طاولة المفاوضات ج) تبريد حدة التوتر السياسي والمسلح على الجبهة اللبنانية السورية، والضغط على الحكومتين السورية واللبنانية للجم تصرفات حزب الله. د) بقاء مفهوم حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي والسوري الإسرائيلي بالوسائل السلمية على قيد الحياة، حتى لو لم تلتزم الأطراف بتنفيذ ما تتفق عليه في غرف المفاوضات. وظهر أن إدارة بوش تسعى قدر المستطاع لإعادة الفلسطينيين والإسرائيليين والسوريين إلى غرف المفاوضات لحل خلافاتهم الكثيرة المعقدة عبر الحوار الثنائي المباشر. وليست متحمسة للمشاركة مباشرة في المفاوضات أو ممارسة ضغوط جدية على حكومة شارون، وتخشى التورط بتقديم مقترحات أمريكية محددة.
إلى ذلك، يمكن القول بثقة إن التباين الإسرائيلي الأمريكي حول شروط تطبيق تقرير لجنة “ميتشيل” ووقف الاستيطان واستئناف المفاوضات..الخ تباين محدود لا يمس جوهر موقف إدارة بوش المتبني بالكامل مواقف حكومة شارون ومفهومها للسلام غير القابل للتطبيق. وأظهرت الوقائع أن هذا الموقف الأمريكي غير قابل للتحول إلى خلاف أمريكي إسرائيلي جوهري، يتلوه ضغط أمريكي جدي على إسرائيل يمكن للفلسطينيين والعرب البناء عليه في حال عودتهم إلى طاولة المفاوضات. وبنود “خطة جورج تنيت” لوقف إطلاق النار وتهدئة الوضع على ارض الضفة والقطاع، وتراجع وزير الخارجية “كولن باول”، عن موقفه الذي طرحه في رام الله حول الموافقة المراقبين الدوليين يؤكدان هذا الاستخلاص.
وإذا كان لا أفق لتراجع اي من أطراف الصراع عن مطالبه بشأن استئناف المفاوضات، ولا أفق لإقناع إدارة بوش بالتدخل وإلزام إسرائيل بالالتزام باستئنافها من حيث توقفت على المسارين السوري والفلسطيني في عهد بارك، وترفض دعم فكرة إرسال مراقبين دوليين للفصل بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي..الخ فالاستنتاج المنطقي يتلخص ان أركان إدارة بوش ليسوا قلقين مما يجري على الأرض، وليسوا في عجلة من أمرهم. وان عملية السلام التي عرفتها شعوب المنطقة دخلت في سبات عميق لفترة طويلة. ولا أفق للتوصل إلى حل لأي قضية من قضايا الحل النهائي على المسار الفلسطيني في الفترة الباقية من عمر حكومة شارون. وقراءة الخريطة الحزبية السياسة في إسرائيل تبين ان حكومة الوحدة الوطنية القائمة قادرة على شل عملية السلام في السنة الأولى. والتحضير لانتخابات الكنيست وانتخاب رئيس الوزراء القادمة مطلع عام 2003 كفيلة بشلها فترة إضافية. وبديهي القول ان فوز قوى اليمين الإسرائيلي في الانتخابات القادمة يعني تمديد فترة الشلل بضع سنوات أخرى. وأظن ان الأوضاع على الأرض الفلسطينية وفي عموم المنطقة قد لا تحتمل البقاء على ما هي عليه كل هذه الفترة
ويخطئ من يعتقد أن الفلسطينيين سذج لدرجة التفريط بأسلحتهم وأوراق قوتهم خلال هذه الفترة. أو بإمكان المفاوض الفلسطيني القفز عن قبور الشهداء، من اجل إرضاء الولايات المتحدة الأمريكية، والوصول إلى مفاوضات سقفها حكما ذاتيا لا نهاية له، كما يرغب شارون، فوق أقل من نصف أراضي الضفة وقطاع غزة. ويجب الاعتراف بان أعداء السلام في إسرائيل نجحوا بتجميد الزمن في المنطقة، وقد ينجحون في إعادة عقارب ساعته للوراء إذا لم تبدل إدارة بوش موقفها ألاستنكافي ولم تتدخل بقوة
وبصرف النظر عن مواقف إسرائيل في عهد شارون من قضايا الحل النهائي، لا يمكن لأي قاض نزيه وعادل تبرئة الولايات المتحدة الأمريكية من مسئوليتها المباشرة عن الحالة المزرية التي وصلتها عملية السلام في عهد الرئيس الأمريكي السابق كلينتون، وعن التدهور الذي أصاب حالتها في عهد إدارة بوش، وتدهور أوضاع المنطقة برمتها ووصولها مستوى خطير جدا، وعن النهاية المؤلمة التي ستصلها، إذا بقيت مترددة في الانغماس بعملية السلام. وإذا كان الرئيس الأمريكي السابق كلينتون غادر البيت الأبيض وهو متهم بزرع بذور حرب جديدة في منطقة الشرق من دون قصد، فالرئيس بوش الابن وأركانه مدانون من بداية عهدهم بجرم تسهيل سفك مزيد من الدماء البريئة، ومدانون بإطالة أمد الصراع الدموي الجاري على الأرض الفلسطينية. ومتهمون بترك شارون وأركانه يتحركون على هواهم ويزرعون الحقد والكراهية في كل زاوية من زوايا الشرق الأوسط، ومدانون سلفا بالمسئولية التاريخية عن نتائج ذلك.
حماية المصالح الوطنية العليا بعد زلزال 11 أيلول/ فوق أي اعتبار آخر
قبل أن تنهي الانتفاضة عامها الأول اهتز العالم على وقع زلزال مدمر ضرب واشنطن ونيويورك، حيث قامت جهة إرهابية يوم 11/9/2001 بعملية انتحارية خيالية لم يتوقعها أحد. فاق مسلسلها كل ما يتصوره صنّاع الأفلام الخيالية. وبصرف النظر عن هوية الفاعلين وأهدافهم فقد نجحوا في دفع الوضع الدولي برمته نحو مرحلة جديدة تماما. وإذا كانت الملامح النهائية لهذه المرحلة الجديدة لم تضح حتى الآن، فهي تشبه إلى حد كبير مرحلة ما بعد الحرب العالمية. حين انقسم العالم إلى معسكرين اشتراكي ورأسمالي، خاضا في مدى نصف قرن حربا باردة وأخرى ساخنة صغيرة وكبيرة، حصدت أرواح ملايين البشر، ولم تبق بقعة في المعمورة لم تتأثر بتلك الحرب. ويجمع المراقبون والمحللون الاستراتيجيون في كل مكان ان الزلزال الذي ضرب الولايات المتحدة الأمريكية سيكون له تفاعلاته الواسعة في العلاقات الدولية وفي شتى بقاع الأرض وضمنها منطقة الشرق الوسط.
وقبل ان ينقشع غبار هذا الزلزال المذهل أعلن الرئيس الأمريكي بوش حربا مفتوحة على الإرهاب في كل مكان، ووضع أسس الاصطفاف الجديد حين قال؛ “من ليس معنا ضد الإرهاب فهو في معسكر الإرهابيين”. وتبدّلت أولويات السياسة الأمريكية في معالجة النزاعات الإقليمية والدولية، وانتزعت تفويضا دوليا بقيادة هذه الحرب وتوجيهها. ولحقت بها دول الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين وهيئة الأمم المتحدة ومؤسساتها. واحتلت الحرب في أفغانستان موقع الصدارة في توجهاتها وتقلص اهتمامها بمعالجة الصراع العربي الإسرائيلي وحل القضية الفلسطينية، وصنع السلام الشرق الأوسط. ويبدو ان هذا التوجه الجديدة سوف يتحكم في السياسة الأمريكية والدولية في العام الجديد 2002 وسنوات أخرى لاحقة.
الى ذلك، أثارت أحداث 11 أيلول/ سبتمبر والتوجهات الأمريكية الجديدة مخاوف حقيقية لدى النظام السياسي الفلسطيني. بسرعة استوعبت القيادة الفلسطينية الرسمية مدلولاتها وأبعادها على القضية الفلسطينية، وتحركت في أكثر من تجاه لتجنيب الشعب الفلسطيني سلبياته. وأبدى الرئيس ياسر عرفات استعدادا لدخول التحالف الدولي ضد الإرهاب. وأعلن عن وقف تام وشامل لإطلاق النار مع إسرائيل، ودعا حكومة شارون إلى وقف عملياتها العسكرية في الأراضي الفلسطينية والعودة إلى طاولة المفاوضات. ورغم أن دعوته لم تلقى تجاوبا إسرائيليا وصعّد شارون أعماله العدوانية ضد الفلسطينيين شعبا وسلطة وأرضا وممتلكات، إلا إنها لقيت استحسانا في الشارع الفلسطيني، وتركت أثرا إيجابيا في حقل السياسة الدولية. وأرسلت إدارة الرئيس بوش “الجنرال زيني” مبعوثا خاصا للشرق الأوسط رغم انشغالها في الحرب في أفغانستان، وكلفته البقاء في المنطقة حتى يتم تشغيل قطار السلام الفلسطيني الإسرائيلي وإعادته إلى سكته الأصلية. وبغض النظر عن تفاؤل المتفائلين أو تشاؤم المتشائمين من موقف الولايات المتحدة الأمريكية، ونتائج هذا الزلزال على الصراع العربي الإسرائيلي، فالمؤكد ان الجواب العملي سوف تلمسه جميع شعوب المنطقة بعد إنهاء عملياتها في أفغانستان. واعتقد جازما ان إدانة قيادة م ت ف والسلطة الفلسطينية لهذا العمل الإرهابي الذي راح ضحيته آلاف الأبرياء، كان موقفا صحيحا اتخذ في الوقت الصحيح. وعبر بوضوح عن ألم الفلسطينيين، في الداخل والخارج، ومعاناتهم الإرهاب الإسرائيلي متنوع الصنوف والأشكال على مدى النصف الثاني من القرن الماضي، قرن العذاب الفلسطيني.
وبدلا عن استيعاب القوى الوطنية والإسلامية “قيادة الانتفاضة” هذه التطورات الكبيرة، تخلفت. ولم تحدث أي تغيير جوهري في خطابها السياسي أو في برامجها ونشاطاتها النضالية. ولم تقم بما يلزم لتحصين الجبهة الداخلية درءا للأخطار التي تحملها موجة الحرب ضد الإرهاب على القضية الفلسطينية.
وبدلا عن “التفاعل” مع موقف السلطة تخلفت “قيادة الانتفاضة” مرة أخرى، وعارضت التوجهات التي أعلنها عرفات. ولم تستوعب مدلولات موقف حكومة شارون السلبي منها، وتمترست خلف شعار تلازم “الانتفاضة والمقاومة”. وتصاعدت ظاهرة “عسكرة” الانتفاضة وطمست وجهتها السلمية، ونفذت حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” سلسلة عمليات “انتحارية” في حيفا والقدس والعفولة ومدخل مستوطنة عمانويل..الخ قتل فيها عدد كبير من المدنيين الإسرائيليين الأبرياء. واغتالت مجموعة من الجبهة الشعبية وزير السياحة الإسرائيلي “رحبعام زئيفي”. ولم تفكر هذه القوى في نتائج عملياتها على الشعب الفلسطيني والانتفاضة، وعلى علاقتها بالسلطة، وعلى دور المبعوث الأمريكي الموجود في المنطقة. ونسيت أن المدن الإسرائيلية تعرضت في حرب الخليج عام 1991 إلى قصف كثيف بالصواريخ العراقية، لكن شامير وأركانه غلاة المتطرفين فضلوا كسب الرأي العام العالمي وكسب موقف أمريكيا و”التحالف الدولي” على توجيه طائراتهم لضرب المدن والمعسكرات العراقية. والشيء ذاته فعلت القيادة السورية عندما تعرضت بعض مواقعها العسكرية في لبنان لقصف إسرائيلي مركز.
واستقبل الرأي العام العالمي العمليات “الانتحارية” ضد المدنيين الإسرائيليين باستنكار شديد، وتحولت صورة القاتل إلى ضحية. وظهرت إسرائيل في مرآة السياسة الدولية كأحد ضحايا “الإرهاب” الفلسطيني. واستثمر شارون موجة التضامن الدولي في طمس جرائمه ضد الشعب الفلسطيني، ووظفها لصالح توجهاته المدمرة لعملية السلام والاتفاقات التي انبثقت عنها. ورفع شعار محاربة الإرهاب الفلسطيني ومضى قدما تحت سمع وبصر العالم في تحطيم مقومات قيام دولتهم فلسطينية مستقلة بجانب دولة إسرائيل. واستغل الثنائي بيريز ـ شارون اندفاع إدارة بوش في الحرب ضد الإرهاب، ونجحا في إدراج أسماء حركتي “حماس والجهاد الإسلامي” وحزب الله اللبناني ضمن قائمة القوى الإرهابية، وقررت الإدارة الأمريكية وحلفاؤها عزل هذه القوى ومحاصرتها تمهيدا لمطاردتها.
ورغم إدانة السلطة الفلسطينية اغتيال الوزير “زئيفي” والعمليات “الانتحارية” وتعهد رئيسها عرفات بمعاقبة المسئولين عنها، إلا ان الإدارة الأمريكية اعتمدت عمليا مقولة شارون ؛ بان السلطة الفلسطينية إطارا يرعى الإرهاب ورئيسها يقود منظمات إرهابية. وساوت هجوم حركتي “حماس والجهاد والإسلامي” على المدنيين الإسرائيليين بالهجوم الإرهابي على المدنيين الأمريكيين. وحمّلت السلطة الفلسطينية ورئيسها عرفات مسئولية التهاون في محاربة الإرهاب والتساهل مع “حماس والجهاد” والجبهة الشعبية. وعدم بذل الجهد الكافي لتوفير المناخ الملائم لنجاح مهمة مبعوثها الخاص “زيني” وسحبته من المنطقة. ومنحت إدارة يوش شارون ضوءا اخضر لتصعيد حربه على “الإرهاب الفلسطيني” وتدمير المنظمات الفلسطينية التي ترتكب أعمالا إرهابية ضد المدنيين الإسرائيليين الأبرياء.
وربطت إدارة بوش تفعيل دورها في رعاية عملية السلام، وتخفيف معاناة الفلسطينيين من قهر الاحتلال وإجراءاته غير الإنسانية، بتنفيذ السلطة الفلسطينية عددا من الاستحقاقات الداخلية. أولها، إثبات سيطرتها الأمنية على الوضع في الأراضي الفلسطينية، ومحاربة “المنظمات الإرهابية”، ومنع وقوع عمليات جديدة ضد المدنيين الإسرائيليين، واعتقال مدبري العمليات الانتحارية التي نفذت داخل إسرائيل وتقديمهم للمحاكمة. وثانيها، تفكيك بنية (حماس والجهاد الإسلامي) التي صنفتها ضمن قائمة المنظمات الإرهابية. والتقط شارون هذا الموقف الأمريكي واندفع باتجاه القضاء على بقايا عملية السلام، وشطب “أوسلو” الاتفاقات الأخرى التي انبثقت عنه، وتدمير مؤسسات السلطة الفلسطينية وركائزها المدنية والعسكرية. وتجاوزت إجراءاته العملية جميع الخطوط الخضراء والصفراء والحمراء، وبلغت حد اعتبار القيادة الفلسطينية الشرعية المنتخبة “غير ذي شان” والتخطيط للإطاحة بها. ومنع شارون الرئيس عرفات من المشاركة في احتفالات عيد الميلاد المجيد في بيت لحم، ودفع دباباته نحو مقر السلطة في مدينة رام الله وتوقفت على بعد مئات الأمتار فقط. ولم تحاول إدارة بوش وضع حد لأعمال شارون وظهرت وكأنها تباركها. ولم يتردد شارون في القول في اجتماع موسع لكوادر الليكود بأنه لم يتعرض لضغط أمريكي لتسهيل مشاركة رئيس السلطة الفلسطينية في احتفالات عيد الميلاد في بيت لحم.
وفي سياق حماية المصالح الفلسطينية العليا وتجنيبها شر العاصفة الهوجاء وتوفير الغطاء الدولي للنضال الفلسطيني المشروع، وتقليص جبهة الخصوم والأعداء ومنع شارون استثمار التطورات والأحداث السلبية، أقدم رئيس اللجنة التنفيذية على إعلان حالة الطوارئ في الأراضي الفلسطينية، وأكد مجددا على الوقف الشامل والفوري لجميع الأعمال العسكرية. واتخذت السلطة الرسمية عددا من الإجراءات الأمنية والتنظيمية الداخلية، وضمنها اعتقال كوادر في الجبهة الشعبية وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وأغلقت عددا من مؤسساتهما الحزبية والإعلامية ووضعت اليد على مراكزهما الاجتماعية والصحية.
وبدلا عن استيعاب “قوى المعارضة” الدوافع والأسباب التي دفعت القيادة الفلسطينية لاتخاذ هذه الإجراءات، أعلنت هذه القوى، في بيانات مستقلة، تمسكها بالمقاومة المسلحة ضد الاحتلال باعتبارها حق مشروع. ودعت إلى التعبئة العامة..!؟ وأكد بعضها عزمه مواصلة عملياته القتالية بكل أنواعها ضد إسرائيل. وبدلا عن قيامها بمبادرات ذاتية نوعية تحول دون عزل النضال الوطني، دعت فصائل المعارضة في بيانات علنية إلى؛ “عدم الرضوخ إلى قرار ما يسمى بوقف إطلاق النار، وإلغاء حالة الطوارئ. والمشاركة في صنع القرار وإلغاء قرار إغلاق مؤسسات حركتي حماس والجهاد الإسلامي. وعدم الارتهان إلى خيار ما يسمى بالمفاوضات السياسة العبثية على أساس مرجعيات واتفاقات أوسلو وتحت رعاية أمريكية منحازة …” الخ. واعتبرت إجراءات قيادة السلطة مساسا بالوحدة الوطنية وتضعف تماسك الجبهة الداخلية. ونفذ بعضها عمليات عسكرية جديدة ضد المدنيين الإسرائيليين.
لا شك في أن تباين مواقف القوى الوطنية والإسلامية واختلاف رؤاها السياسية والتنظيمية والفكرية مسألة طبيعية وظاهرة صحية. وبينت التجربة الفلسطينية الطويلة، قبل وبعد قيام السلطة، أن الإجماع حول هذه القضايا مستحيل ناهيك عن كونه ليس مطلوبا من حيث المبدأ. وبصرف النظر عن النوايا، أرى إن مواقف قوى المعارضة وخاصة “حماس والجهاد الإسلامي والجبهتين الشعبية والديمقراطية” من التوجهات الوطنية الجديدة التي أعلنها رئيس اللجنة التنفيذية “ياسرعرفات” في “خطاب العيد”، اتسم بضعف الشعور بالمسئولية الوطنية، وتسبب في توتير الأجواء الداخلية. ودعوتها للتعبئة العامة للكفاح المسلح يظهرها، رغم خبرتها الطويلة، وكأنها لا تزال تعيش مرحلة من المراهقة السياسية والطفولة اليسارية. وأنها لم تستوعب المتغيرات التي وقعت في إدارة الصراع مع إسرائيل بعد هجوم 11 أيلول/ سبتمبر على نيويورك وواشنطن، مثل عدم استيعابها من قبل، أبعاد فوز شارون في الانتخابات الإسرائيلية.
لا خلاف حول عدالة الموقف الفلسطيني أو شرعية مقاومة الاحتلال، لكن الخلاف الجوهري مع قوى المعارضة الفلسطينية حول تقييم طبيعة المرحلة والممكن تحقيقه من الأهداف الوطنية في هذه الفترة الحرجة، وحول الوسائل والأساليب الأنجع لحماية المصالح الوطنية وتحقيق الممكن من الأهداف. ولا داعي للتذكير من جديد بالبديهية القائلة بان هناك دائما وسائل فعّالة مثمرة ومجدية، وأخرى فعالة لكنها ضارة وقد تتسبب في إلحاق الهزيمة بالأهداف وبالمناضلين من أجلها. وهذه يجب تفاديها حتى لو كانت عادلة ومشروعة. وهناك نوع ثالث يحرمه القانون والمبادئ الأخلاقية وهذا أيضا يجب تفاديه كليا.
ومع احترامي الشديد لدور العمل العسكري الفلسطيني في الإطاحة بالجنرال شارون من وزارة الدفاع في العام 1982، تبقى المفاوضات السلمية لا المواجهات العسكرية الوسيلة الوحيدة المتوفرة في هذه المرحلة لهزيمته. وتحميل الانتفاضة مهمة إلحاق هزيمة عسكرية بإسرائيل وإزالة المستوطنات بقوة الحجارة فيه ظلم كبير للذات ولأهل الانتفاضة. وأرى ان هزيمة شارون في العام 2002 او الذي يليه ممكنة بالوسائل السياسية، وبمدى نجاح العرب والفلسطينيون بفضح نواياه في هدم صرح التوجه الدولي الذي استغرق بناءه 10سنين. وميدان هذه المعركة؛ الشارع الإسرائيلي أولا، وعواصم العالم ومؤسسات الأمم المتحدة.
وبصرف النظر عن النوايا فليس من حق أحد ان يورط الآخرين فيما يجب تفاديه، وحديث البعض بحسن نية عن نموذج حزب الله في جنوب لبنان يضع على كاهل “الانتفاضة” مهام تفوق طاقاتها والفارق بين النموذجين هائل لدرجة يلغي المقارنة. والعمليات “الانتحارية” التي نفذتها قوى المعارضة في إسرائيل كانت من الصنف الضار جدا. وظهرت كأنها تستهدف المصالح العليا للشعب الفلسطيني وإضعاف مصداقية قيادته الشرعية “السلطة ومنظمة التحرير” أكثر من إستهداف مصالح إسرائيل الحيوية. وتريد استدراج مزيد من الضربات العسكرية الإسرائيلية المدمرة لمؤسسات السلطة ومراكز أجهزتها الأمنية والعسكرية وتدمير البنية التحتية الفلسطينية التي بنيت بشق الأنفس
صحيح أن هذه العمليات أثبتت فشل شارون والمؤسسة الأمنية الإسرائيلية نسبيا في توفير الأمن للإسرائيليين، لكن الصحيح أيضا أنها وضعت الشعب الفلسطيني أمام خطر خسارة العديد من الإنجازات الهامة التي حققها في السنوات القليلة الماضية، وخطر إسقاط نموذج الحالة الأفغانية على نضاله العادل والمشروع ضد الاحتلال ووصمه بالإرهاب. وعندما تصبح حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية في دائرة القوى الإرهابية المستهدفة أمريكيا وأوروبيا وغدا من قبل أطراف في النظام الرسمي العربي.. فان ذلك يشكل، في الظروف الراهنة المعقدة، مأزقا ليس فقط لهذه القوى بل وأيضا للقيادة الشرعية الفلسطينية. ويجعل صيغة “قيادة الانتفاضة” التي تجمع “القوى الوطنية والإسلامية” عبئا ثقيلا على الانتفاضة ذاتها.
لا شك في ان إعلان قيادتي حماس والجهاد الإسلامي وقف عملياتهما الانتحارية التي تستهدف المدنيين الإسرائيليين خطوة في الاتجاه الصحيح يجب تقديرها، لكنها بالتأكيد لم تخرجهما من دائرة الاستهداف الدولي التي حشرت نفسها فيها، خصوصا أنها جاءت متأخرة جدا. وإذا كانت السلطة وقيادة م ت ف ملزمة في المرحلة الراهنة بعمل كل ما يلزم لفرض سلطة القانون وحماية المصالح العليا للشعب الفلسطيني ووضعها فوق جميع الاعتبارات الأخرى، فان قوى المعارضة الفلسطينية وبخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية ملزمة بإجراء مراجعة شاملة لتوجهاتها واستخلاص عبر التجربة. ومطالبة بقراءة التطورات الدولية قراءة واقعية، وتأكيد التزامها بوقف جميع الأعمال التي تسهل على شارون تفريغ حقده على الشعب الفلسطيني وتنفيذ أحلامه القديمة الجديدة بتصفية الحركة الوطنية وقيادتها. ومطالبة أيضا باحترام قرارات السلطة الشرعية المنتخبة ودعم جهودها في تجاوز مرحلة الخطر التي يتعرض لها المشروع الوطني. وعمل كل ما يلزم لإنهاء حالة الترقب والقلق التي تعيشها كوادرها وجميع الحريصين على الوحدة الوطنية، والخلاص من المأزق التي حشرت نفسها فيه. وتخطئ المعارضة إذا اعتقدت ان إضعاف إسرائيل بدعم أمريكي للسلطة الفلسطينية يوفر فرصة لخلق نوعا من ازدواجية السلطة. ومفيد ان تتذكر ان الشعبين الفلسطيني والأردني دفعا دما زكيا ثمن شعار ازدواجية السلطة الذي رفعته فصائل في المقاومة الفلسطينية في الأردن العام 1970.
لا مبالغة في القول ان الحركة الوطنية الفلسطينية تواجه الآن واحدة من أصعب مراحل تطورها التاريخي. وفي تقديري ان حوارا على أعلى المستويات الفكرية والسياسية بين صانعي القرار ومراكز الأبحاث أصبح أمرا حيويا للبحث في كيفية مواجهة التطورات وترشيد إدارة الأزمة. وإذا كان السلام الفلسطيني الإسرائيلي غير متاحا في هذه المرحلة ولا طاقة للعرب على خوض حرب شاملة، فقدر الفلسطينيين حشد طاقاتهم وإعادة تنظيم حياتهم، وجدولة عمل مؤسساتهم الرسمية والشعبية بما يخدم حماية انجازتهم التي حققوها في السنوات الأخيرة، وصيانة حقوقهم الوطنية كما نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
وفي سياق حماية هذه الحقوق على السلطة والمعارضة ان لا تنسى ان الولايات المتحدة الأمريكية هي الجهة الوحيدة القادرة لجم اندفاع شارون في الحرب الصغيرة الجارية على أرض الضفة وقطاع غزة، او نحو حرب إقليمية محدودة. فهي القطب الأوحد المقرر في السياسة الدولية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة وزاد تفردها بعد أحداث 11أيلول 2000. وليس مطلوبا ان نقاطع الولايات المتحدة وأوروبا الغربية ومبعوثيها إلى المنطقة، وإنما التصدي لمحاولات إسرائيل إستخدامهما من أجل ضرب الحركة الوطنية الفلسطينية وتمكين المشروع الصهيوني من فرض انتصاره الكامل. فالتصادم معهما ضرب من دروب الانتحار.