مساندة إدارة بوش مواقف شارون يؤجج الصراع في المنطقة

بقلم ممدوح نوفل في 18/03/2001

تشن إسرائيل هذه الأيام حملة دبلوماسية وإعلامية غير مسبوقة ضد السلطة الفلسطينية ورئيسها وتتهمه بإدارة الإرهاب وتنظيمه ضد إسرائيل. وتعمل على تعبئة الرأي العام بأن عرفات تحول إلى خطر على أمن إسرائيل وأمن الشرق الأوسط كله. فهل هذه الحملة عابرة وأغراضها تكتيكية هدفها ابتزاز القيادة الفلسطينية لانتزاع تنازلات سياسية، ام إنها فصل من فصول مشروع خطير يبيته شارون ضد السلطة الفلسطينية وقيادتها وضد السلام مع العرب ؟ في سياق فهم أهداف هذه الحملة وأبعادها مفيد مراجعة واقعتين من وقائع الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الكثيرة. في الأولى، هيأت القيادة الإسرائيلية الرأي العام الإسرائيلي للحرب، وفي الثانية هيئته للسلام. في تموز 1981وقع ما اصطلح على تسميته حرب المدفعية بين قوات م ت ف في لبنان والقوات الإسرائيلية. في حينه قصفت القوات الفلسطينية بالصواريخ والمدافع الثقيلة مدينة نهاريا ومواقع عسكرية ومدنية أخرى، في وقت كان مناحيم بيغن رئيس وزراء إسرائيل الأسبق يتفقد مدن وقرى شمال إسرائيل. واضطر بيغن الى النزول لأحد الملاجئ وهناك أعطى تصريحا توعد فيه القيادة الفلسطينية وقال، “سيدفع المخربون الثمن غاليا وسأجعل الطير يقف على رؤوس قياداتهم”. وشنت وسائل الإعلام الإسرائيلية حملة قوية، دامت فترة طويلة، ضد الإرهاب الفلسطيني وخطر التمدد الشيوعي في المنطقة بواسطة م ت ف والمنظمات “التخريبية” الأخرى ربيبة الشيوعية حليفة موسكو.. وقبل حلول ساعة الصفر التي حددها الجيش الاسرائيلي لبدء الهجوم على لبنان مطلع حزيران 1982 كان الراي العام في اسرائيل والعالم قد اغرق تماما بالدعاية واشبع بالصور والتحليلات التي تؤكد ضلوع م ت ف في الارهاب الدولي. واقتنع كثيرون باهمية ان تقوم اسرائيل باجتثاث بؤرة الارهاب الدولي من لبنان وتدمير م ت ف حامية حماه. وفي يوم 3 حزيران 1982تعرض السفير الاسرائيلي في لندن لمحاولة اغتيال، وفور وقوع الحادث حمّل بيغن قيادة م ت ف مسئولية الحادث ولم تنتظر نتائج تدقيق الشرطة البريطانية. رغم ادانة م ت ف الحادث ونفي مسئوليتها عنه اعلن بيغن “نفاذ صبر اسرائيل على المخربين القتلة”. وبعد 48 ساعة بدأت عملية غزو لبنان وحملت اسم “سلامة الجليل”. لا حقا بين التحقيقات البريطانية ان جهاز الموساد الاسرائيلي كان ضالعا بالعملية من خلال اختراقه احدى المنظمات الفلسطينية.
وفي الواقعة الثانية؛ اطنب الاعلام الاسرائيلي بعد اتفاق اوسلو في ايلول1993، في الحديث عن ياسرعرفات كرجل سلام، وعملت جاهدة على تجميل صورة عرفات، ولم تتاخر وسائل الاعلام الامريكية، المعروفة بولائها لاسرائيل والممولة من منظمة ايباك واللوبي الصهيوني، في الانضمام للحملة. وتحوّل ابوعمار خلال اسبوع، بقدرة قادر، من قاتل وارهابي خطير.. الى حمامة سلام وديعة تعبت وهي تبني عش السلام لسعادة شعوب الشرق الاوسط.. ووصل الى تونس حشد من رجال الاعلام من اسرائيل واوروبا وامريكا، وبدأوا بالتنقيب في تاريخ عرفات السياسي وركزوا جهدهم على استخراج ما يمت للسلام بصلة، واهملوا ما له علاقة بتاريخه العسكري. ولم يتردد بعض الصحفيين المرموقين عن القول صراحة؛ تعليمات رئيس التحرير تجميل صورة عرفات وتنظيف صورته القديمة وتقديمه للراي العام بانه رجل صاحب كلمة كافح من اجل السلام فترة طويلة نجح بعد جهد في تحقيق مسعاه الانساني..
ومنذ فوزه بانتخابات رئيس الوزراء في 6 شباط الماضي بدأ شارون حملة قوية ضد الارهاب الفلسطيني، واصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى مكافحة الارهاب الفلسطيني. ولم يتوقف شارون عن اتهام السلطة الفلسطينية واجهزتها الامنية بالتخطيط للعمليات “التخريبية” ضد اسرائيل والمستوطنين. ولم تهدأ وسائل الاعلام الاسرائيلية في ترويج التهمة وانضمت اليها وسائل اعلام امريكية واوروبية. ومؤخرا رفع شارون مستوى التحريض واتهم عرفات شخصيا بتزعم الارهاب وتنظيمه. ورغم اعلان حركتي حماس والجهاد الاسلامي مسئوليتهما عن معظم العمليات التي نفذت في الآونة الاخيرة داخل اسرائيل وضد المستوطنين، الا ان الحملة تصاعدت ضد السلطة وضد عرفات بالاسم. وتتركز الآن حول قادة وافراد حرسه الشخصي في القوة 17 والمخابرات العامة والاستخبارات العسكرية المنضبطة تماما لامرته. وطمست وسائل الاعلام الاسرائيلية بسرعة مذهلة اعترافات المناضل الغزاوي ابوعلبة سائق الباص بمسئوليته عن دهس الجنود الاسرائيليين عند مفرق يازور، وبانه لا ينتمي لاي تنظيم سياسي او عسكري فلسطيني وخطط العملية ونفذها بمفرده انتقاما لشهداء الانتفاضة.
وبالاستناد للتجربة وتاريخ شارون، ارى ان لهذه الحملة أهدافا سياسية وامنية تتجاوز الابتزاز السياسي وتندرج في اطار توجه عدواني مبيت ويأمل شارون ان تساهم في:
اولا/ قلب الحقائق وخلط الوقائع وتبرير استمرار اسرائيل في اجراءاتها العدوانية العسكرية والامنية والاقتصادية ضد الشعب الفلسطيني وارهابه وتجويعه واظهار هذه الاجراءات وكأنها تتم في نطاق الدفاع عن النفس. ومواصلة مصادرة اموال السلطة الفلسطينية التي تجبيها اسرائيل من الضرائب والجمارك على بضائع يستوردها فلسطينيون والترويج لمقولة شارون ان هذه الاموال تنفق على اجهزة ومؤسسات تمارس الارهاب ضد اسرائيل.
ثانيا/ محاولة ارهاب القيادة الفلسطينية وقادة اجهزة امن السلطة وكوادرها وابتزازهم وتحميلهم كافراد مسئولية شخصية عن اي عمل ينفذ في الاراضي الفلسطينية يمس بالجيش الاسرائيلي والمستوطنين او يمس بالمدنيين الاسرائيليين وممتلكاتهم داخل اسرائيل.
ثالثا/ تضليل الرأي العام في اسرائيل حول الخسائر الاقتصادية والمعنوية التي تلحق باسرائيل جراء سياستها في الاراضي الفلسطينية وردود الفعل العربية والدولية السلبية على هذه الاجراءات، واظهارها وكأنها ضريبة لا بد من دفعها مقابل ضمان امن اسرائيل. وتبرير استمرار حالة الاستنفار وتحضير الشارع الاسرائيلي لاعمال عسكرية واسعة قد تضطر اليها. وابقاء حالة التوتر قائمة وتحميل الفلسطينيين المسئولية عن تسخين اجواء المنطقة، واستدراج ضغوط سياسية واقتصادية دولية واقليمية وتوجيهها ضد السلطة الفلسطينية.
رابعا/ تضليل الرأي العام العالمي بشأن مسئولية اسرائيل عن توقف عملية السلام على المسار الفلسطيني. وتبرير رفض حكومة شارون استئناف المفاوضات من حيث توقفت في عهد باراك. وابتزاز القيادة الفلسطينية واجبارها على قبول شروط شارون الامنية والسياسية لاستئنافها، ودفع الراعي الامريكي ودول اوروبا لمساندة هذه الشروط، واظهارها انها السبيل الوحيد لانهاء حالة التوتر القائمة في المنطقة. وفرضها على الزعماء العرب كخيار وحيد اذا رغبوا بوقف تدهور العلاقات العربية الاسرائيلية واستمرار عملية صنع السلام، ومنع تفاقم الاوضاع داخل الاراضي الفلسطينية نحو الاسوء.
لقد عرض شارون على القيادة الفلسطينية، قبل توجهه الى واشنطون، عبر وسطاء صفقة تتضمن تعهد اسرائيل رسميا ؛ بتجميد التوسع في الاستيطان بصورة علنية. ورفع الطوق الامني والحصار الاقتصادي المضروبين حول المناطق الفلسطينية، والعمل بالتعاون مع اوروبا والبنك الدولي على انعاش الاقتصاد الفلسطيني بسرعة وبكل السبل المتاحة. واستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في مسربين، الاول يبحث في قضايا المرحلة الانتقالية المتفق عليها ولم تنفذ في عهد بيريز ونتنياهو وباراك، دون تعهد مسبق بتنفيذ ايا منها. والثاني يتناول قضايا الحل النهائي دون تحديد نقطة البداية لهذه المفاوضات او تاريخ نهايتها. مقابل التزام القيادة الفلسطينية علنا، بالصوت والصورة، بوقف جميع اشكال العنف “اي وقف الانتفاضة”، ومحاربة الارهاب، واحياء التنسيق الامني الفلسطيني المشترك وضمان أمن المستوطنين ومستوطناتهم، قبل الجلوس خلف طاولة المفاوضات.
الى ذلك، لم تتفاعل القيادة الفلسطينية مع الصفقة المعروضة واعتبرتها تراجعا عن تفاهمات واتفاقات تم التوصل اليها في عهد الحكومات الاسرائيلية السابقة. وورأتها فيها ابتزاز مفضوح هدفه استبدال قاعدة الارض مقابل السلام التي بنيت عليها عملية السلام بقاعدة جديدة قوامها العمل والخبز والدواء مقابل الامن..! ورفض ابوعمار منح شارون مكافئة وطالب الوسطاء بذل جهودهم لرفع الطوق والحصار المضروب على الشعب الفلسطيني ووقف عمليات القتل والعقاب الجماعي التي يتفنن قادة اذرع الامن الاسرائيلية في ممارستها، قبل الحديث عن استئناف المفاوضات. ورغم الجواب السلبي الذي تلقاه شارون من القيادة الفلسطينية فقد آثر ترك المجال مفتوحا امام الرسل والوسطاء وحثهم على متابعة جهودهم لاقناع عرفات قبول عرضه السخي.. واظن ان هذه الصفقة والموقف الفلسطيني منها حملهما شارون الى واشنطون بأمل اقناع ادارة بوش تبني افكاره وممارسة ضغطها على عرفات لقبولها.
وبغض النظر عن نتائج مباحثات شارون مع اركان الادارة الامريكية يمكن القول ان لا افق لاستئناف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في وقت وقريب. ومراجعة تاريخ الصراع الفلسطيني الاسرائيلي الطويل يؤكد ان تجويع الشعب الفلسطيني وتشريده لا ينهي النزاع. واتهام شارون عرفات بتنظيم الارهاب ضد اسرائيل واتهام اجهزة الامن الفلسطينية بتنفيذه، سلاح ذو حدين، ونتيجة استخدامه سوف تكون تأجيج الصراع.
وتخطئ ادارة بوش الابن ان هي استسهلت الامر وساندت مواقف شارون وتوجهاته، وتلكأت في توجيه الدعوة الى عرفات لزيارة واشنطون. فمساندة الظلم والعدوان الاسرائيلي يدفن عملية السلام الى اشعار آخر وقد يشعل حرائق كبيرة في عدة اماكن في المنطقة. ولعل يفيد تذكير الوزير كولن باول ان مساندة “الكسندرهيغ” وزير الخارجية الامريكي الاسبق لشارون في العام 1982 شجعه على شن حرب واسعة ضد لبنان وتأخر حل النزاع سنين طويلة.