لا حاجة لنبي عربي ينبه القمة إلى الخطار المحيطة بالأمة

بقلم ممدوح نوفل في 21/03/2001

اعتاد كثير من المحللين السياسين العرب نعت الأحداث والتطورات الكبيرة التي تشهدها المنطقة بين فترة واخرى بالمرحلة الجديدة، ويصفوها دائما بالصعبة والخطرة والحاسمة..الخ من النعوت الشمولية القاطعة. واذا كان التشخيص السابق تضمن بعض أشكال المبالغة فهذه الاوصاف تنطبق على المرحلة الجديدة التي دخلتها الصراع العربي الاسرائيلي بعد فشل جهود دولية واقليمية استمرت 10سنوات في معالجته، وتردد ادارة بوش عن الانغماس فيه. وصعود التطرف في اسرائيل واستلام شارون، نبي التطرف والتوسع والاستيطان، سدة الحكم يحيط به عدد من الجنرالات العنصريين المتهورين. ولا حاجة لنبي عربي جديد ينبه قومه الى النظر في المرآة ورؤية سوء احوالهم. ويدعوهم للخروج من صوامعهم ورؤية الاخطار الكبيرة المحيطة بهم. وينقل لهم رسالة سماوية تقول لهم ان احوالهم لن تتغير والاخطار لن تزول، اذا لم يغيروا ما بانفسهم ولم يجدوا قواسم مشتركة توحد مصالحهم الوطنية في اطارها القومي الاشمل واستمر كل طرف يبحث عن طريق خلاصه الذاتي.
فقمة عمان تنعقد بعد دخول عملية السلام التي بنى العرب عليها استراتيجيتهم بعد حرب الخليج دخلت متحف التاريخ، والتحقت بالأحداث الكبرى والصغرى التي تحولت إلى ذكريات من القرن الماضي. وجميع اتفاقاتهم وتفاهماتهم السياسية والأمنية القديمة والحديثة بات عرضة للنقض في كل لحظة، ولم تكرس السلام خيارا إسرائيليا وحيدا لمعالجة مشاكلها وأزماتها المستفحلة مع العرب. ولا مجال لاستئناف المفوضات على ذات القواعد والاسس الاصلية التي قامت عليها طالما بقي شارون رئيسا لوزراء اسرائيل. الا اذا خضعوا لشروطه المذلة، ووافقوا مسبقا على صيغ حلول مرحلية طويلة مبهمة ومجهولة المستقبل لا احد يعرف بدايتها او نهايتها. ولا افق، ايضا، لحماية حقوقهم في الاتفاقات الموقعة مع اسرائيل الا اذا ابرزوا شهادة حسن سلوك اسرائيلية ممهورة بتوقيع شارون مصدقة من الادارة الامريكية.
وجولة وزير الخارجية الامريكية ” كولن باول” في المنطقة، ولقاءات شارون في واشنطن بالرئيس بوش واركان ادارته وبزعماء الكونغرس ومجلس الشيوخ تؤكد ان رهان القمة العربية على الصديق الامريكي.. لانقاذ الموقف، يشبه رهان زعماء فلسطين والعرب على الصديقة بريطانيا.. في العقد الرابع من القرن الماضي، والذي اسفر عن خسارتهم الرهان، وهزيمتهم الكبرى في فلسطين واغتصاب ارضهم وقيام دولة اسرائيل. فالادارة الامريكية الجديدة قالت بلغة عربية فصيحة انها لن تتدخل في النزاع العربي الاسرائيلي كما تدخلت الادارة السابقة، ولا تملك حلا واقعيا او سحريا لهذا النزاع، وغير ملتزمة بالتصور الذي طرحه الرئيس الامريكي السابق كلينتون. واكدت رغبتها بتقليص دورها في عملية السلام من مستوى الراعي المسئول لمستوى المسهل الذي لا يشارك المباحثات ولا يتقدم باقتراحات ولا تقع على عاتقه مسئولية تذكر.
والاخذ بالمثل الشعبي العربي القائل المكتوب يقرأ من عنوانه يشير الى ان رسالة اسرائيل التي حملها شارون الى واشنطن لقيت استحسانا كبيرا في البيت الابيض والخارجية والكونغرس ومكاتب وكالة المخابرات المركزية. وسمع تأييدا واضحا لخطة الحلول المرحلية طويلة الاجل وتاجيل القضايا الشائكة على المسار الفلسطيني مثل القدس واللاجئين والحدود والاستيطان الى مراحل لاحقة. وان من حق اسرائيل رفض استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين قبل وقف العنف “اي الانتفاضة”. وعدم استئنافها مع سوريا ولبنان قبل وقف “الارهاب” المنظم الذي يمارسه حزب الله من جنوب لبنان. والمرجح ان يعود شارون من واشطنون محملا بهدايا امريكية كثيرة ومتنوعة؛ فيها مال وسلاح وتوجهات وخطط عمل استراتيجية مشتركة لمكافحة الارهاب في الشرق الاوسط وتتضييق الحصار على الشعب العراقي، واحتواء خطر “البعبع” الايراني في الخليج ولبنان كما صوره شارون.
الى ذلك، يخطئ من يعتقد ان خطر تقاعس الراعي الامريكي عن رعاية السلام وتعطيله دور الامم المتحد واوروبا في معالجة الصراع العربي الاسرائيلي يقتصر على جمود عملية السلام لفترة زمنية قد تمتد سنة او سنتين. فصعود التطرف في اسرائيل ووصول شارون سدة الحكم كاف لنسف مقومات احياء عملية السلام القديمة على قواعدها واسسها المعروفة، ويمنع انبثاق عملية سلمية جديدة على اسس عادلة ومقبولة لسنوات طويلة، خاصة اذا اخذ راحته في الحكم ولم يجد من يردعه ومرت مواقفه المتطرفة دون دفع ثمنها. ويخطئ أكثر من يتصور ان بالامكان تدجين شارون وتكييفه مع متطلبات العلاقات الدولية في القرن الجديد، بمسايرته والتودد اليه والتقرب منه واخذه على قدر عقله.. أو ان بالامكان حصر نتائج اعماله المدمرة المتوقعة في حدود الاراضي الفلسطينية. وتصريحات شارون العنجهية حول السلام والعلاقة مع العرب قبل وبعد وصولة الى واشنطون دليل كاف على ان هذا الخطر مرشح ليطال عدة دول عربية ويهدد اكثر من قضية وطنية وقومية. فاتهامه السلطة الفلسطينية بالتحول الى قوة ارهابية ترافق مع اتهام سوريا والحكومة اللبنانية بذات التهمة”، واتهم مصر بزيادة قدراتها العسكرية وبلغت مستوى خطيرا على التوازن القائم في المنطقة، واتهم العراق بالسعي الى امتلاك اسحلة نووية وكيماوية تدمير اسرائيل.
اعتقد ان قمة عمان امتحان عسير للنظام العربي النجاح فيه ليس بالامر الهين والفشل فيه مدمر. واذا كان اقطاب القمة مقتنعين بان الحديث عن استراتيجية حرب بديلة لاستراتيجية السلام ضار، ولا افق لظهور عملية سلام بديلة في وقت قريب، فاكتفاؤهم بتجديد تمسكهم بعملية السلام القديمة ومناشدة الادارة الامريكية والمجتمع الدولي الضغط على اسرائيل والزامها بالانضباط لقواعدها، يشجع شارون المضي قدما في توجهاته العدوانية المعلنة ضد السلطة الفلسطينية والعراق سوريا ولبنان. وقد يفهم منه دوليا انهم مستعدون للعب على ارض الملعب الجديد الذي خططه شارون، ومواصلة التفاوض وفق القواعد والاسس التي طرحها قبل سفره الى واشنطون وبعد عودته منها. ولا شك في ان هناك مساحة واسعة بين الانتحار باعلان الحرب على اسرائيل والخضوع لشروط السلام الشارونية المذلة، وهي انتحار ايضا. وفي هذه المساحة يمكن للعرب اخذ زمام المبادرة وتبني استراتيجية بديلة قوامها “التصدي والصمود”. دون تحسس من “جبهة التصدي والصمود العربية القديمة” التي لم تعمر طويلا وماتت دون اعلان اهلها وفاتها. وعدم تأجيل توجهاتهم بانتظار نتائج زيارة بعضهم القريبة الى واشنطون، ونبذ فكرة منح شارون فرصة مراجعة مواقفه والنزول عن قمة الشجرة الذي صعد اليه منذ انتخابه رئيسا للوزراء.. والتصدي والصمود لا يعني، في اللغة والمضمون، حشد المدافع والطائرات والدبابات وتحريك الجيوش لشن الحرب بل تحديد مواقف سياسية مبدئية واضحة، وعدم هدر الوقت بانتظار فرج خارجي قريب.
بامكان قمة عمان الاعلان عن تمسك العرب بالسلام العادل المبني على قرارات ومبادئ الشرعية الدولية وتأكيد تمسكهم بحقوقهم القومية كاملة. ورفض اية مبادرات دولية لاستئناف المفاوضات العربية الاسرائيلية تتجاهل ما تم التوصل اليه في المفاوضات السابقة. سواء ثبت في اتفاقات رسمية او طرح على طاولة المفاوضات كافكار، وتتعارض مع قواعد العلاقات الدولية السليمة. وبامكان القمة ايضا الشروع بحملة دبلوماسية واسعة هدفها تحميل حكومة شارون مسئولية نسف اسس السلام. وتوجيه كلمات واضحة الى الشعب الاسرائيلي مضمونها؛ وقف جميع اللقاءات والاتصالات العربية الاسرائيلية الرسمية طالما ظل شارون مصرا على مواقفه المدمرة للسلام. وان مواقفه لا ولن تجلب لامن للاسرائيل ولا تصنع السلام مع العرب. ووضع خطة تحرك متكاملة لتحويل منابر موسسات الامم المتحدة وعواصم الدول المعنية بامن واستقرار المنطقة الى ساحة اشتباك سياسي دائم مع حكومة شارون. وجعل الموقف من الموقف العربي العادل من السلام مع اسرائيل وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، اسس توسيع وتطوير العلاقات التجارية والسياسية والاقتصادية مع دول الاقليم وبقية دول العالم.
اعتقد ان مقياس جدية قرارات وتوجهات قمة عمان هو الاعتراف بالتقصير في تنفيذ قرارات القمة الاخيرة التي عقدت في القاهرة في اكتوبر الماضي المتعلقة بتوفير مقومات استمرار الانتفاضة وصمود الشعب الفلسطيني في حرب التجويع والحصار الاقتصادي التي تشنها اسرائيل على اهل الانتفاضة. والعمل فورا على تجاوز هذا التقصير وتأمين وصول الدعم العيني والمالي للناس في الضفة والقطاع باقصى سرعة ممكنة. ولا يمكن للعمال والفلاحين وسكان المخيمات الجائعين استيعاب المبررات التي يسوقها وزراء المالية العرب والبنك الاسلامي. وتفسيرها الوحيد الذي يتردد في المخيمات والقرى والاحياء الفقيرة في المدن يحمل اتهامات كبيرة، ذكرها في هذا المقال لا يساهم في سد جوع الفقراء ولا يخدم تصحيح العلاقات العربية الفلسطينية وتطويرها نحو الافضل.
الى كل ذلك، اظن ان قمة عمان مناسبة مهمة ايضا لجميع القوى والاحزاب العربية وضمنها جميع الفصائل والاحزاب الفلسطينية لاجراء مراجعة ذاتية جريئة والاعتراف بانها شريك اساسي في المسئولية عن تردي الوضع العربي العام. والبدء بالتعرف على نوقصها وثغراتها التي شلت قدرتها على مساندة بعضها بعض في النضال من اجل الديمقراطية والتحرر من التبعية السياسية والاقتصادية، والتصدي للعدو الخارجي.
وخير لقمة عمان والشعوب التي تمثلها ان لا تتخذ توجهات وقرارات تبقى حبرا على ورق.