انتفاضة الاقصى في ميزان القمة العربية

بقلم ممدوح نوفل في 12/10/2000

بعد طول انتظار دعى الرئيس حسني مبارك الى عقد قمة عربية يومي 21ـ 22 تشرين الاول/ أكتوبر الجاري، وما ان تحدد الموعد حتى بدأ بعض الزعماء العرب تراشق التهم عبر الصحافة، وناقش آخرون على شاشات التلفزيون بنود من جدول اعمالها، واصدروا سلفا حكما على نتائجها، ونبه احدهم الى ان الهدف من دعوتها، في هذا الوقت، بالذات هو اجهاظ انتفاضة الاقصى واجهاظ الحركة الشعبية المتفجرة في كل العواصم العربية دون استثناء.
لا شك بان من حق كل حاكم عربي ان يقول ما شاء ويفسر توقيت دعوة القمة وفق رؤيته الخاصة، ويوجه لحكام آخرين ما يشاء من تهم، فمثل هذه المناظرة والمكاشفة العلنية على مستوى الرؤساء تريح الشارع العربي، خصوصا اذا تضمنت نقدا للنظام الرسمي العربي، الذي فقد وزنه في الدفاع عن القضايا القومية. واي تكن دوافع البعض في التشكيك بجدوى عقد القمة، فلا يستطيع حاكم عربي تبرئة ذمته امام التاريخ، من مسئوليتة في زرع عدم ثقة الشارع العربي بالنظام الرسمي العربي، ونشر الاحباط والياس في صفوف ابناء الضفة والقطاع واللاجئين من القمم العربية، وقدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة توقف العدوان الاسرائيلي المتواصل ضدهم، وتقربهم من انتزاع حقوقهم الوطنية المغتصبة. وعندما دنس شارون، بتنسيق مسبق مع باراك وبن عامي، رموز العرب ومقدسات المسلمين نزل الفلسطينيون للشوارع دفعة واحدة للدفاع عنها، ولم يفكروا باطلاق صرخة استغاثة للحكام العرب، تمام كما حصل قبل انتفاضتهم المجيدة في سنوات 1987ـ1991.
في العامين الاخيرين، طالبت القيادة الفلسطينية مرات عدة، أمين عام الجامعة العربية ورئيس القمة العربية بالدعوة لعقد قمة طارئة لبحث اوضاع عملية السلام، التي دخلها الفلسطينيون والعرب بقرار عربي، ولكن لا حياة لمن تنادي، وفشل الزعماء العرب في عقدها، وحاول بعضهم اخفاء عجزه وتهرب بدوافع قطرية ضيقة من عقدها، تارة، بالحديث عن ضرورة التحضير الجيد لضمان نجاح القمة وحل ازمة العلاقة بين الدول العربية، واخرى، ضرورة انتظار وضوح صورة التحركات والمفاوضات على المسار الفلسطيني. واظن، وبعض الظن الشعبي بالحكام ليس اثم، ان بعضهم كان ينتظر ويتمنى ان يخضع الفلسطينيون للضغوط الامريكية الاسرائيلية، ليرتاحوا من المشكلة الفلسطينية التي سببت لهم صداعا مزمنا.
وبصرف النظر عن النوايا فان ظهور النظام الرسمي العربي بمظهر الرجل المريض العاجز عن الفعل، شجع القوى الاقليمية والدولية على مواصلة التطاول على الحقوق العربية والتدخل في شؤونهم الداخلية، مثل حالة الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الاولى. وشجع حكام اسرائيل بدء من شامير مرورا برابين وبيريز ونتنياهو وانتهاء بباراك على التمرد على قرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالقضايا العربية، والتلاعب بعملية السلام التي انطلقت من مدريد قبل تسع سنوات، والاستفراد بالفلسطينيين والاستهتار بالاتفاقات التي وقعت معهم بحضور بعض الرؤساء العرب. وقد لا اضيف جديدا اذا قلت ان الرئيس كلينتون واركان ادارته استصغروا، في قمة الكامب الثلاثية، وزن كل الرؤساء العرب الذين حاول ابوعمار الاستعانة بمواقفهم للهروب من الضغوط التي تعرض لها بشان القدس ومقدساتها، وبلغ التقليل من شانهم بما هو ابعد واكبر من الاستهتار، ولم يتورع بعضهم عن القول امام الوفد الفلسطيني، لا تحاولوا التستر بالموقف العربي نحن قادرون بدقائق الزام الحكام العرب بالموقف الذي نريد، وقادرون عبر الهاتف انتزاع تأييدهم ومباركتهم اي اتفاق نوافق عليه..
الى ذلك، لا يستطيع اي من الحكام العرب التنصل من مسئوليته عن سفك دم الطفل محمد الدرة بدم بارد، فالتحقيق الموضوعي يدينهم جميعا دون استثناء بالتسبب في وقوع هذه الجريمة الفظيعة، وبالعجز عن معاقبة المجرم حتى الان، والتسبب بارتكاب الجيش الاسرائيلي والمستوطنين جرائم اخرى كثيرة بحق اطفال ونساء ورجال فلسطين لم تصلها عدسات المصورين، وقتلهم عن سابق قصد واصرار قرابة 100 انسان فلسطيني وجرح ما يزيد على 3000 آخرين، ربعهم اصيب باعاقة دائمة.
اعتقد ان من حق الفلسطينيين، ومعهم الشعوب العربية في كل مكان التسائل حول ما يمكن ان تقوله وتفعله القمة العربية ؟ فالشك بقدرتها في التأثير على الموقف الامريكي الاسرائيلي الموحد له ما يبرره، فما جرى ويجري في الضفة والقطاع هز مشاعر الانسانية في كل بقاع الارض باستثناء اركان النظام الرسمي العربي. ولاحظ المواطن العربي ان خوف الحكام العرب من العقاب الامريكي عطل قدرتهم على التعبير عن مشاعرهم بمواقف واجراءات عملية توقف المجزة المستمرة، واكتفوا باصدار بيانات الشجب والادانة. واذا كان بعض الرؤساء العرب اتهموا القمة، سلفا، بانها تنعقد لاجهاظ الانتفاضة، فمن حق الشعوب العربية وقواها المنظمة الطلب الى حكامهم اثبات براءتهم بالملموس من هذه التهمة الخطيرة التي وجهها لهم واحد منهم. ويحق للشعب الفلسطيني المكتوي بناري الاحتلال وتخاذل الانظمة العربية أخذ هذه التهمة على محمل الجد، وان يكونوا من اتباع توما، ويصدقوا من القمة فقط ما يلمسوه باياديهم ويشاهدوه باعينهم، خاصة وان انعقادها تاخر كثيرا.
وانطلاقا من شعورهم بالمسئولية القومية، وواقعيتهم ومعرفتهم الملموسة بويلات الحروب، فهم لم ولن يطلبوا من القمة شن حرب شاملة ضد اسرائيل، واسقاط خيار السلام وتشييع عملية السلام الى مثواها الاخير. لكنهم يتمنون على الزعماء العرب ان يبادروا، فرادى وجماعات، عند التئام شملهم تحت قبة الجامعة العربية، الى نبذ خلافاتهم الكثيرة والمتنوعة، وان يعيدوا الاعتبار للجامعة ومؤسسة القمة العربية، وان لا يتخذوا من قمة شرم الشيخ التي عقدت يوم الاثنين 16/10/2000، بضغط امريكي ودولي شديد، ذريعة للتهرب من تحمل مسئولياتهم القومية، وان يتخذوا توجهات وقرارات تكفل:
اولا/ العمل بكل السبل لتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، واستثمار علاقاتهم الدولية لوقف شلال الدم النازف في شوارع المدن وازقة القرى الفلسطينية، وتوفير الحماية السياسية لانتفاضة الاقصى والمساهمة في تامين مستلزمات استمرارها حتى تحقيق اهدافها. ومطالبة الامم المتحدة بالتحقيق في الجرائم التي ارتكبتها اسرائيل بحق الشعب الفلسطيني، واشهار كل اوراق قوتهم بما فيها النفط في وجه من يساند مواقف اسرائيل المناقضة للقرارات الدولية.
ثانيا/ اعلان وقف تطبيع علاقات الدول العربية مع اسرائيل وسحب السفراء فورا وتجديد المقاطعة الاقتصادية، ودعوة الدول الاسلامية والصديقة الى اتخاذ مواقف مشابهة، ومطالبة الامم المتحدة بفرض العقوبات على اسرائيل طالما لم تلتزم بحقوق الانسان وقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي، وتشكيل لجنة عربية لمتابعة الموضوع.
ثالثا/ اصدار اعلان خاص بالقدس يكون بمثابة الخط العربي الاحمر الذي لا تجاوز له، يتضمن تأكيد التمسك العربي الحازم بالحق الفلسطيني في القدس الشرقية وضرورة الانسحاب منها، ورفض كل اشكال المساومة حول حدودها التي كانت قائمة قبل حرب حزيران 1967. والاعلان بشكل واضح وصريح دعم الموقف الفلسطيني الرافض لاطروحات الاسرائيلية المتعلقة بحل قضيتها، ورفض الاقتراحات الامريكية التي تدعوا الى تدويل الاماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة، وتقسيم المدينة الى احياء وحارات، وتقاسم السيادة على احيائها الخارجية، ومشاركة اسرائيل في السيادة على احياء البلدة القديمة.
رابعا/ تجديد التمسك بقرارات الشرعية الدولية المتعلقة بالصراع العربي الاسرائيلي. وطرح خطة عربية لحل قضايا الحل النهائي الاخرى، تقوم على اساس ضمان انسحاب اسرائيل من كامل الاراضي الفلسطينية والسورية التي احتلت عام 1967، والتمسك بحق اللاجئين في العودة والتعويض. وتحذير اسرائيل من ان خرقها والغائها للاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين يقود الى تدمير اتفاقاتها مع الدول العربية الاخرى.
خامسا/ اتخاذ القرارات العملية القادرة على تحرير منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية من الابتزازات المالية التي تمارسها الولايات المتحدة الامريكية، بالتهديد المتواصل بقطع المساعدات التي تقدمها الدول المانحة للشعب الفلسطينية، وتلك التي تطبقها حكومة اسرائيل من خلال تجميد المستحقات المالية التي تجبيها من الجمارك والضرائب المفروضة على البضائع الفلسطينية المستوردة من اسرائيل وعبر موانئها.
سادسا/ دعم حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة على جميع الاراضي المحتلة عام 1967وعاصمتها القدس، والشروع في تحرك عربي موحد لتأمين الاعتراف الدولي اللازم بقيامها على الارض عند اعلان قيادة م ت ف ذلك.
الى ذلك، سيجد الرؤساء والملوك العرب انفسهم امام انتفاضة العرب في الجليل والمثلث والنقب، أنبل وأهم ظاهرة عرفها الصراع العربي الاسرائيلي منذ قيام دولة اسرائيل. لقد اسقطت هذه الانتفاضة فرضية الأسرلة التي بنت عليها اسرائيل اوهام الحفاظ على وحدتها. واذا كان غير واضحا حتى الآن طبيعة الحلول التي يفكر بها الاستراتيجيون الاسرائيليون فالمؤكد انها هزت اسس وجود اسرائيل كدولة ديمقراطية، وفتحت جبهة جديدة في الصراع العربي الاسرائيلي لا يستطيع اركان النظام السياسي العربي بشقيه الرسمي والشعبي من الآن فصاعدا تجاهلها، واذا كانت القمة غير مهيأة لاتخاذ القرارات القادرة على اسناد نضال الفلسطينيين في اسرائيل من اجل حقوقهم الوطنية والديمقراطية فليس بامكانهم اسقاط قيمة فعلها وتفاعلاتها اللاحقة على مجمل اوضاع المنطقة. خاصة وان الحلول الاسرائيلية للوجود الفلسطيني الاسرائيلي الكثيف في اسرائيل لن تكون ديمقراطية.
لا شك في ان القمة القادمة امتحان شعبي عسير للنظام العربي الرسمي، وسقوطهم فيه يقود الى انفجارات داخلية وكوارث قومية. ولعل مفيد تذكير الجميع بالتغيرات الواسعة التي احدثتها كارثة فلسطين، في العام 1947 ـ 1948، في النظام الرسمي العربي. والتذكير ايضا بالتجربة التاريخية التي اكدت ان عدم استقرار اوضاع بيت المقدس يبقي اوضاع بلاد الشام ومصر وما بين النهرين مضطربة. فهل ستوقف القمة المجزرة المتواصلة، ام انها ستتسبب في وقف الانتفاضة قبل تحقيق اهدافها ؟ سؤال مطروح على الزعماء العرب والأمل ان لا يخذلوا شعوبهم وان يخرجوا بنتائج تنقذ القدس وتوقف نزف الدم الفلسطيني في كل مكان.