المجلس المركزي محطة لانطلاقة تنظيمية جديدة

بقلم ممدوح نوفل في 01/02/2000

في الثاني من شباط يستكمل المجلس المركزي الفلسطيني دورة اعماله التي بدأت في نيسان الماضي وستتركز المناقشات حول آفاق عملية السلام بعد انتهاء المرحلة الانتقالية “نظريا”، واقتراب موعد اتفاق الاطار، وانطلاق مفاوضات الحل النهائي. واتخاذ القرار النهائي بشأن اعلان قيام الدولة الفلسطينية وبسط السيادة على الاراضي التي احتلت عام 1967. وكان المجلس قرر بقاء دورته مفتوحة الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات الاسرائيلية التي تمت في حزيران الماضي. وأنهى جولة أولى دورة اعماله التي عقدت في غزة في 27ـ 29 نيسان 1999، وحضرها نسبة عالية من الاعضاء “96” من اصل 125″. وشارك فيها لاول مرة وفد رسمي من قيادة حركة حماس برئاسة الشيخ احمد ياسين بصفة مراقب، وتحفظت قيادة حماس في الخارج على موقف اخوانهم في الداخل، في وقت أثارت مشاركتهم حفيظة القيادة السياسية والامنية الاسرائيلية. وتراجعت في حينه الجبهتين الديمقراطية والعربية الموالية للعراق وحزب الخلاص الاسلامي عن سياسة مقاطعة المجلس، وظلت الجبهة الشعبية على موقفها القديم المقاطع لمؤسسات م ت ف. علما ان بياناتها قبل المجلس وتصريحات قادتها بعده، لم تخلو من المطالبة بتفعيل مؤسسات م ت ف وتصحيح أوضاعها.
ولا مبالغة في وصف هذه الدورة بالمفصلية، وتنعقد في ظروف محلية واقليمية استثنائية وتطورات دولية بالغة التعقيد. وجدول أعمالها يتضمن قضايا أساسية لها أهمية خاصة في مسيرة النضال الفلسطيني وموقعا مميزا في حياة المجلس. والقرار بشأنها يهم الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، ويؤثر على مصيره ومصالحه المباشرة في كل مكان. وطبقا لتصريحات المعارضة ستحضر الجبهتان الديمقراطية والعربية وستتبادل الجبهة الشعبية وحركة حماس المواقف في هذه الدورة، فمن قاطع الدورة السابقة سيشارك في الجديدة، ومن شارك في القديمة سيقاطع الجديدة. ورغم ان الدعوات وجهت لجميع القوى والاعضاء، الا انه منظمة “الصاعقة” و”القيادة العامة” بزعامة احمد جبريل، المواليتين لسوريا ستقاطعان دورة المجلس كما قاطعت جميع دوراته بعد حرب اسرائيل على لبنان عام 1982، ودخولهما في صراع دموي مع “حركة فتح” عام 1984.
وكنت اتمنى لو ان لو رئاسة المجلس واللجنة التنفيذية بادرت ودعت “للجنة المتابعة العربية” في اسرائيل او من يمثلها للحضور كضيوف. وعدد من الشخصيات الوطنية والمفكرين غير الاعضاء للمشاركة كمراقبين في هذه الدورة. وتمكين الجميع من الادلاء بآرائهم في القضايا الوطنية المطروحة على جدول الاعمال. فحماية المصالح العليا للشعب مسؤولية جماعية، وتفرض على جميع أعضاء المجلس واعضاء اللجنة التنفيذية، سلطة ومعارضة، المشاركة في هذه الدورة وعدم مقاطعتها مهما كانت مواقفهم من السلطة ومن عملية السلام ومن الاتفاقات التي أنتجتها. فالمقاطعة تجسد الهروب من تحمل المسئولية، وتخلي عن دور وطني مطلوب في اوقات حرجة. ويتناقض مع الحلقة المركزية لبرنامج المعارضة الداعي الى تصليب الاوضاع الوطنية في مواجهة سياسة اسرائيل التوسعية. وطلبها المحق بأحياء وتفعيل مؤسسات م ت ف وتعزيز الوحدة الوطنية في اطارها. والاخذ في هذه الظروف بمقولة اذهب انت وربك فقاتلا..الخ تلحق أضرارا فادحة باصحابها وبالمصالح الوطنية التي يتغنى بها الجميع. خاصة وان المشاركة في اعمال المجلس لا تعني تخلي المعارضة عن مواقفها. وتقاليد العمل السياسي السائدة في الساحة الفلسطينية تعطي لكل فصيل او مجموعة او فرد معارض الحق في ان يقول ما يشاء داخل المجلس المركزي وخارجه. وان يصدر قبل وخلال الدورة وبعدها ما يريد من بيانات منفردة او مشتركة مع آخرين حتى لو كانوا خارج أطر منظمة التحرير ولا يعترفوا بها ممثلا شرعيا ووحيدا للشعب الفلسطيني. وتباين مواقف الاطراف الفلسطينية من عملية السلام، لا يلغي وجود قواسم مشتركة للنضال ضد الاحتلال. وأظن ان مشاركة حماس في اعمال المجلس المركزي يساعدها في هذا الوقت على معالجة بعض جوانب ازمتها الداخلية، وازمة علاقاتها بالسلطة وقيادة م ت ف والحكومة الاردنية. واذا كان من واجب قوى المعارضة اشعال الضوء الأخضر او الاحمر في الشارع عند المنعطفات السياسية الخطرة فدورة المجلس المركزي هي المكان والزمان المناسبين لاشعال الضوء المطلوب امام الجماهير. ولا ادري كيف يمكن للمعارضة الاسلامية والعلمانية ان تحافظ على وجودها وتزيد من نفوذها في الشارع الفلسطيني، وتؤثر في الاحداث الجارية اذا بقيت واقفة فوق اسوار ميدان الصراع، وأبعدت نفسها عن مؤسسات م ت ف، ولم تساهم في صياغة التوجهات الوطنية الاساسية، ولم تحاول التاثير في صناعة القرار. ولم تميز نفسها في الدفاع عن مصالح المواطنيين وفي النضال ضد الاحتلال ومرتكزه الرئيسي الاستيطان.
اعتقد ان لا خلاف بين مختلف التيارات الفكرية والسياسية على أن دور العامل الخارجي، في ظل موازين القوى السائدة بين الفلسطينيين واسرائيل، هام وأساسي في تقرير مصير عملية السلام، ولا بد من أخذه بعين الاعتبارعند رسم القرار. و يدرك الاعضاء ايضا ان حسم الصراع الفلسطيني الاسرائيلي لا يتم على جبهاته الخارجية ومحاورها البعيدة او القريبة من غزة والضفة الغربية. ووقائع الحياة بينت محدودية تأثير العامل الخارجي في مواقف القيادة الاسرائيلية، وسقفه منخفض جدا في هذه الحقبة التاريخية المشوهة من عمر الشعوب الضعيفة. ويبقى فعله مهما تعاظم، عنصرا مساعدا لا يمكن ان يكون بديلا عن دور الفلسطينيين أنفسهم وعلى ارضهم. وفي هذا السياق لا بد من اعتراف السلطة وقوى المعارضة انها لم تتوقف في الفترة الماضية امام تفعيل العامل الذاتي كما يستحق، ولم تبذل جهودا جدية لانجاز المهام الداخلية المتعلقة بترتيب اوضاع البيت الفلسطيني وتحصينه وتنظيم العلاقة داخله. ولم تعمل على استنهاض طاقات الشعب في الداخل والخارج ولم تحاول تفعيلها في اي من محاور الصراع. وعاش أعضاء المجلسين المركزي والتشريعي والعاملين في مؤسسات السلطة وم ت ف، حالة ارتباك، واكتفوا بمتابعة المواقف العربية والدولية من خلال ما تتناقله الصحف ووكالات الانباء العالمية. وكأن استنهاض الطاقات الشعبية وانتزاع حقوق الوطنية والدفاع عن مصالح اللاجئين والنازحين والتصدي لمصادرة الاراضي ومقاومة الاستيطان يتم بالتمني، او بمواقف عربية قوية تؤكد على الحقوق الفلسطينية، وبيانات دولية تدين الممارسات والتجاوزات الاسرائيلية..الخ وظلت الحركات والاحزاب والمثقفون والفعاليات الوطنية المشاركة في السلطة والمعارضة، تنتظر نتائج الحركة “المراثونية” الجارية على محاور المفاوضات. وبقيت المنظمات والاتحادات الشعبية والنقابات ساكنة ولم تحركها التطورات، ولم تحاول قياداتها تعبئة قواعدها وجمهورها، ولم تحاول اجراء اتصالات بنظائرها العربية والدولية، وكأنها لا حول ولا قوة لها.
واذا كان لا مجال لبحث الأسباب الذاتية والموضوعية لتراجع دور السلطة والمعارضة والاتحادات والمؤسسات الشعبية الفلسطينية، فالواضح ان حالتها لم تساعد اطلاقا على تهيئة أوضاع الشارع الفلسطيني في الداخل والخارج لمواجهة التوجهات السياسية والممارسات العملية الاسرائيلية، وأبقته في حالة عدم اكتراث مصحوبة بقلق شديد حول المسقبل وما تبيته الاقدار. ويجب الاعتراف انها اضعفت موقف المفاوض الفلسطيني، وكان بالامكان ان يكون مردود المفاوضات والاتفاقات أكبر وأشمل لو رافقتها جملة من التحركات الشعبية المنظمة. وافسحت المجال امام الحكومة الاسرائيلية للتلاعب بالاتفاقات والتهرب من دفع استحقاقات السلام. وشجعت القوى الاسرائيلية اليمينية المتطرفة على التمادي في اعمالها العدوانية وبخاصة الاستيلاء على الاراضي والتوسع في الاستيطان وتركيزه. ولا شك في ان ظهور النواقص والثغرات في الوضع الوطني على السطح، مكنت القوى المضادة من ترويج افكارها والتشكيك بالتوجهات الفلسطينية الرسمية وتشويه ممارسات القوى الوطنية، وأضعفت مصداقيتها داخليا وخارجيا. واثرت سلبا على الحركة السياسية والدبلوماسية الفلسطينية، وقلصت قدرة التأثيرعلى المواقف العربية والدولية، وحدت امكانية تفعيلها في مساندة الحق الفلسطيني وتحصيل ما نصت عليه الاتفاقات. وخلقت انطباع لدى عدد من دول العالم بان الوضع الفلسطيني الرسمي والشعبي يتحمل تمديد المرحلة الانتقالية، ويتقبل اطالة امد مفاوضات الحل النهائي وتأجيل اعلان قيام الدولة. وسهلت على بعضها وفي مقدمتها الادارة الامريكية ممارسة ضغوطا قوية على القياة الفلسطينية، والتملص من تعهداتها والتزاماتها بما في ذلك عدم الدفاع عن الاتفاقات التي شهدت عليها.
وهذه اللوحة الواقعية للاوضاع الداخلية تفرض على أعضاء المجلس المركزي، بغض النظر عن مواقفهم السياسية وانتماءاتهم التنظيمية واتجاهاتهم الفكرية، توسيع دائرة البحث والنقاش حول افضل سبل النهوض بمهام مرحلة الجديدة. ووضع مشروع تنظيمي واقعي متكامل قادرعلى تطوير اوضاع السلطة وتحصين المناطق الوطنية المحررة وتفعيل مؤسسات م ت ف وحشد قوى الشعب في الداخل والخارج. فالتحدي المطروح هو كيف يتم انهاء الاحتلال انتزاع ممارسة حق تقرير المصير، وتحصيل كل الحقوق الوطنية الاخرى الكثيرة المغتصبة؟ وكيف يجسد الطرف الفلسطيني سيادة الدولة على الارض في وقت يعمل الطرف الاسرائيلي كل ما في وسعه لمنع ذلك ؟ واذا كان انتزاع الحقوق الفلسطينية لا يتم دفعة واحدة فلتتسابق القوى الوطنية في مراكمة النقاط على الارض وربط الاقوال بافعال ملموسة.