هل ستعوض الادارة الامريكة الفلسطينيين عن اعلان الاستقلال ؟

بقلم ممدوح نوفل في 16/03/1999

اواخر الشهر الجاري يلتقي رئيس السلطة الفلسطينية بالرئيس الامريكي كلينتون للمرة الثانية في هذا العام، وأظنه سيكون اللقاء السابع خلال فترة لا تتجاوز 15 شهرا. وبصرف النظر عما يمكن استخلاصه من كثرة لقاءاتهما السابقة “مرة كل شهرين”، وقلة نتائجها الملموسة على صعيد دفع عملية السلام خطوات هامة للامام، فالثابت ان ما تم منها بعد توقيع اتفاق واي ريفر 24/10/1998، لم ينجح في حماية الإتفاق من الضربات المميتة التي وجهها له اليمين الاسرائيلي، واخراجه من وحول الانتخابات الاسرائيلية التي زجه فيها نتنياهو، والشيء ذاته ينطبق على الاتصالات الفلسطينية الاسرائيلية العلنية والسرية التي تمت مؤخرا. ورغم أن التصريحات الامريكية المتكررة حول تنفيذ الفلسطينين كامل التزامتهم بددت حججه الواهية، فقد ظل يعطل تنفيذ الاتفاق ولم تفلح إدارة كلينتون في إلزامه تنفيذ ما التزم به.
وبصرف النظرعن جدول أعمال اللقاء الجديد المرتقب، فهو يختلف عن اللقاءات التي سبقته، وحاسم من وجه نظر الفلسطينيين لجهة إعادة تحديد أسس ومنطلقات عملية السلام واهدافها. ويتم في وقت تتصاعد فيه حمى الانتخابات الاسرائيلية، وإستحقاق انتهاء المرحلة الانتقالية في 4 أيار القادم يدقق أبواب دول المنطقة وكل المعنيين باستمرار عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي. ووفقا لنتائجه، ونتائج ما سبقه من اتصالات، أجرتها القيادة الفلسطينية مع العديد من الدول العربية والاوروبية، سيحددون قرارهم النهائي بشان كيفية التعامل من هذا الاستحقاق. فهل سينجح الزعيمان في لقائهما المرتقب في ايجاد الحلول والمخارج الكفيلة لتجاوز هذا القطوع الخطر من عمر عملية السلام؟ وهل سيتجاوب الرئيس كلنتون مع طلب الفلسطينيين العادل والمشروع بملئ الفراغ بالاعلان عن قيام الدولة وبسط سيادتها على جميع أراضي الضفة والقطاع التي إحتلتها اسرائيل في حزيران 1967، أم أنه سيستغل الانتخابات الاسرائيلية ومأزق القيادة الفلسطينية وينجح في انتزاع موافقة فلسطينية على تأجيل الاعلان ؟ وهل سيعوض كلينتون الفلسطينيين عن اعلان الاستقلال وعن بلطجة نتياهو ضد عملية السلام ورعاتها، وضد اتفاق واي ريفر الذي رعاه وشهد عليه بنفسه ؟
أظن أن الادارة الامريكية كانت ولا تزال تتمنى ان يتم لقاء كلينتون بعرفات بعد توصل الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي الى تفاهم ما حول سبل تجاوز هذا الاستحقاق بهدوء وسلام. أما وان عروض نتياهو، في الاتصالات المباشرة وعبر الوساطة الامريكية، لتجاوز استحقاق 4 ايار، رفضت من قبل عرفات، حيث إقتصرت على “إبداء الاستعداد لاطلاق سراح دفعة جديدة من المعتقلين، وفتح الممر الآمن بين الضفة والقطاع، والموافقة على شروع السلطة الفلسطينية في بناء ميناء غزة”، وقفزت عن وقف الاستيطان، وتنفيذ إنسحابات جديدة من مناطق C، فالأماني والرغبات الامريكية بتوصل الطرفين الى اتفاق ما لم ولن تتحقق لاسيما وأن زمن الزيارة بات قريبا، وغير متوقع ان يتراجع نتنياهو عن تعنته في زمن الانتخابات، ويبدل موقفه من المطالب الفلسطينية النابعة من الاتفاقات الموقعة بين الجانبين. وكل وسطاء الخير من عرب واجانب يعرفون ان إتفاق “واي ريفر” سقط ضحية مواقف اليمين الاسرائيلي على خلفية تمسك نتنياهو بأيدلوجيته المتطرفة، وتفضيله حل الكنيست والذهاب لانتخابات مبكرة هروبا من تنفيذ الانسحاب الثاني من الضفة الغربية، وتجميد الاستيطان.
اما بشأن الموقف الامريكي في اللقاء الموعود فالمكتوب يقرأ من عنوانه، وسلفا يمكن القول بأن الادارة الامريكية لن تقدم على أي خطوة عملية أو موقف رسمي معلن ضد سياسة نتياهو ويمكن أن يفسر بأنه تدخل في الانتخابات لصالح خصومه ومنافسيه. ورفضت على لسان الناطق الرسمي ومنسق عملية السلام “روس” اعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، وحبذت ان تأتي كنتيجة للمفاوضات بين الطرفين. ومجلسي الشيوخ والكونغرس اتخذا قررات متحيزة وطلبا من ادارة الرئيس كلينتون عدم الاعتراف بها. والمؤكد ان الطرف الفلسطيني الذي تحمل ما تحمله من خداع واهانات ومن تطاول على حقوقه في الاتفاقات، سوف يتعرض في اللقاء للابتزاز، وسوف تسلط عليه ضغوطا امريكية قوية لتاجيل اعلان قيام الدولة. ومقدمات هذا الضغط بدأت منذ اسابيع وستتواصل قبل وخلال اللقاء، حيث نقل عن الرئيس كلينتون في الاتصالات التمهيدية التي تمت قوله ” أنا لا أطلب تخلي عرفات عن الدولة الفلسطينية ولكن أناقش التأجيل”، دون تحديد تاريخ جديد أو فترة التأجيل الذي يطلبها، او المقابل الذي سيحصل عليه الفلسطينيون. وترك لمساعديه “الوزيرة أولبرايت والمنسق روس” الافصاح عن ذلك، حيث طالبا أن يكون التأجيل مفتوحا، وان يتم ربطه بنتائج المفاوضات اللاحقة بين الطرفين دون مقابل، وبدون أو اي ضمانات رسمية بالزام الحكومة الاسرائيلية الجديدة عمالية كانت أو ليكودية التقيد بسقف زمني محدد لانجاز المفاوضات، ولم يتعهدا بالاعتراف بالدولة الفلسطينية في وقت من الاوقات.
أعتقد بان المصالح الفلسطينية العليا ومصلحة صنع السلام في المنطقة تملي على القيادة الفلسطينية رفض الخضوع للابتزازات الامريكية، والصمود أمام الضغوط المتوقعة، ورفض تأجيل أعلان قيام الدولة دون مقابل مضمون يعوضهم عن خسارتهم ويصون حقوقهم كاملة. وقبل ان نسترسل في الحديث عن الصلابة الفلسطينية المطلوبة في هذا اللقاء، ونتهم بالتطرف وبالتصويت لمصلحة “بيبي” في الانتخابات، والدفع باتجاه التورط في مواقف مغامرة شبيهة بمواقف النظام العراقي، لابد من التذكير ان الجانب الفلسطيني تساهل أكثر من اللازم وصبر صبرا فاق صبر أيوب. وابدى، على مدى ثمان سنوات من عمر عملية السلام، مرونة عالية تحصنه ضد اي اتهامات بالتطرف وبنسف عملية السلام. ولا اظن ان التمسك بالحقوق الفلسطينية كما نصت عليها الاتفاقات ستحسم نتيجة الانتخابات الاسرائيلية، فلا أحد يضمن سقوط نتنياهو وفوز براك او موردخاي فيها اذا اجل الفلسطينيون اعلان دولتهم وفق قرارات الشرعية الدولية فوق أراضيهم التي احتلت عام عام 1967. فالشعب الاسرائيلي منقسم على نفسه منذ مدة طويلة حول قضايا كثيرة، وغالبيته الساحقة حددت اتجاهات تصويتها. وعلى دعاة التأجيل من فلسطينيين وعرب واسرائيليين ان يدركوا بان ترافق تأجيل الاعلان مع فوز نتنياهو “وهذا احتمال وارد” يعني خسارة مركبة للفلسطينيين، ويفقدهم القدرة على استعادة زمام المبادرة لسنوات طويلة، ويبدد فرصة تاريخية قد لا تتكرر، ويحول الضمانات الامريكية والاوروبية الى حبر على الورق لا قيمة لها، والضمانات الامريكية بشأن تنفيذ اتفاق واي ريفر شاهد ذلك ناهيك عن التجارب المرة القديمة. واذا كانت الادارة الامريكية والمروجون لمواقفها سيعتبرون تمسك الفلسطينيين بحقوقهم كما نصت عليها الاتفاقات تطرفا، فهذا شانهم. وخير للوفد الفلسطيني الذاهب الى واشنطن ان يتحمل هذه التهمة من أن يعود بخفي حنين، ويتهم من قبل شعبه بالتفريط بالمصالح الوطنية، ويفقد مصداقيته عند العرب.
صحيح ان الاوضاع الفلسطينية الداخلية لم تهئء كما يجب للنهوض بمتطلبات الاعلان وتبعاته وبخاصة مواجهة ردود الفعل اليمين الاسرائيلين، الا ان نتائج عدم الاعلان تلحق بالفلسطينيين اضرارا استراتيجية فادحة تفوق بما لا يقاس الخسائر المحدودة التي يمكن ان تلحق بالفلسطينيين في حال الاصرار على الاعلان وسقوطه على ارضية فلسطينية وعربية ودولية غير جاهزة تماما. خاصة اذا تم التأجيل بمبادرة فلسطينية من جانب واحد، ودون غطاء دولي وعربي، وبدون مقابل يحتوي على ثمن يعادل قيمة التاجيل ويضمن الحقوق الفلسطينية كاملة وضمنها اعلان الدولة بتاريخ متفق علية دون ربطها بنتائج مفاوضات الحل النهائي المقدر لها ان تستمر سنوات طويلة.
والفلسطينيون المطالبون بالتأجيل، اي تكن مبرراتهم ومنطلقاتهم، لا يستطيعون انكار ان تحرك القيادة الفلسطينية على خلفية النية بالاعلان حقق حتى الان نتائج هامة وكان بالامكان تحقيق نتائج اكبر لو انهم صمتوا حتى 4 أيار، وساند العرب جماعيا الموقف الفلسطيني ودعموا موقفهم ومطالبهم العادلة والمشروعة. فالتحرك الفلسطيني حاصر نتياهو دوليا، واعتقد جازما بأن رفض اوروبا طلب اسرائيل بتوقف وفودها عن زيارة بيت الشرق في القدس، ورفضها الاقرار بالامر الواقع الذي يحاول نتنياهو فرضه على المدينة المقدسة واعتبرتها كلها “كيانا خاصا” معيدة للاذهان قرار التقسيم لعام لعام 1947..الخ ما كان له ان يحصل لو تم الأخذ بوجهة النظر القائلة بالتأجيل. والشيء ذاته ينطبق على حديث الادارة الامريكية مجددا ضد التوسع في الاستيطان، وقرارها وقف صرف مبلغ “3،1مليار دولار” وافقت سابقا على صرفه كنفقات لاعادة الانتشار. وفي كل الاحوال من حق عرفات مطالبة كلينتون وأركانه بالاعتراف علنا بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والزام نتياهو تنفيذ، قبل الانتخابات، كامل التزاماته التي وقعها في واي ريفر، وبخاصة الانسحابات االعسكرية التي نص عليها. وخير للوفد الفلسطيني التمسك بحقوقه وتاجيل اعطاء جواب على صفقة خاسرة حتما، من التسرع بالموافقة عليها. فالتأجيل يبقي المجال مفتوحا للمناورة والمساومة شهرا كاملا على الاقل، أما الموافقة فتقطع الطريق نهائيا، وتبقى الفلسطينيين في حالة انتطار سلبية وتحت رحمة الناخب الاسرائيلي ورحمة التعهدات الامريكية غير المضمونة اطلاقا. ولا شك في ان الدولة الفلسطينية ستنال في حال الاعلان عنها في 4 أيار اعتراف ما يزيد على ماية الدولة، وحرص الادارة الامريكية على استمرار عملية السلام يلزمها عدم قطع شعرة معاوية مع الفلسطينيين، ولن يستطيع نتنياهو الدخول في صدام عسكري مع السلطة الفلسطينية، فالصدام الدموي يطيح به في الانتخابات، وتردده في الرد على عمليات حزب الله في جنوب لبنان يبين طبيعة القيود المحلية والدولية المتحكمة بموقفه.