جولة سريعة في بازار الإنتخابات الإسرائيلية

بقلم ممدوح نوفل في 02/01/1999

بات في حكم المؤكد أن يتوجه الإسرائيليون، في 17 أيار القادم 1999، الى صناديق الإقتراع لحسم خلافاتهم الحزبية والسياسية والايدلوجية. وفي العادة تكون الإنتخابات الإسرائيلية مناسبة يحاسب فيها الشعب الإسرائيلي حكومته وقادة أحزابه على ما قدمته وما قصرت في تقديمه. وفي مثل هذه المناسبة تتسابق الأحزاب الصهيونية اليسارية واليمينية المتدينة والعلمانية على أصوات الناخبين، ويجري التركيز على الفئات والجماعات المهمشة اجتماعيا وضمنها أصوات العرب في إسرائيل. فتتذكرهم وتتقرب منهم، وتتذكر قضاياهم وتتودد لهم وتغدق عليهم الوعود. إلا أن معظم وعودها للعرب سرعان ما تتبخر ويتم القفز عنها فور إغلاق صناديق الاقتراع. أما وعودها للمتدينين والمستوطنين فتتحول الى التزامات ثابتة ترصد لها الموازنات اللازمة، لتوظف لاحقا في تطوير مؤسساتهم، وتعزيز صمودهم وبناء مزيد من المستوطنات على أرض الضفة الغربية وقطاع غزة،.
وبتأمل سريع في ظروف المعركة الإنتخابية الجديدة التي بدأت مبكرة، وفي الخارطة السياسية والحزبية الآخذة في التشكل، يمكن بجلاء رؤية المخاض الصعب الذي يمر فيه المجتمع الاسرائيلي، ومشاهدة صراعاته الحقيقية التي يعيشها، وإنقسامه على نفسه إنقساما عموديا وأفقيا حادا حول قضايا عديدة ومتنوعة راهنة وتاريخية. منها الصراع بين التدين والعلمانية، والموقف من مسألة السلام مع الفلسطينيين وبقية الدول العربية، ومدى التجاوب مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية ومصالحها الاستراتيجية في المنطقة. اما النظام السياسي بأحزابه اليسارية واليمينية والوسطية فيشهد خضات تنظيمية وتقلبات سياسية وهزات فكرية، وتنافس أطرافه على مقاعد الكنيست الخامسة عشر قوي وساخن ويشوبه توتر شديد. ومقدمات المعركة حول رئاسة الوزراء تؤكد أنها سوف تكون حامية الوطيس، شبيهة من حيث حدتها ودرجة سخونتها بالإنتخابات السابقة التي أطاحت ببيريز عام 1996، بل وأسخن منها بكثير. فعدد المرشحين لهذا المنصب بلغ حتى الآن أربعة والحبل ما زال على الجرار. وحركة تنقل المرشحين بين الأحزاب تشهد ازدحاما شديدا، بعد أن قلصت عملية السلام على مسارها الفلسطيني والاتفاقات التي إنبثقت عنها، الفوارق السياسية بين الاحزاب.
ومراجعة شريط إنتخابات الكنيست السابقة “الرابعة عشرة”، يبين أنها كانت ذات نكهة خاصة وتميزت عن سواها بميزات عديدة. فمن أجل كسب الصوت الانتخابي فتحت، في حينه، جميع الأحزاب والكتل بازاراتها الانتخابية. عرضت فيها بضائعها المتنوعة وزاودت على بعضها البعض وتطرفت في مواقفها السياسية والاجتماعية الايدلوجية. وتحولت الحملات الانتخابية إلى عملية تعرية وتجريح شخصي وردح سياسي للمرشحين، مورست فيها كل أنواع الاتهامات والشتائم السياسية والتنظيمية، واستخدمت فيها كل الأساليب المباحة ديمقراطياً وغير المباحة أيضاً. وكان متاحاً لكل كتلة أن تقدم دعايتها الانتخابية عبر الصحافة وشاشة التلفاز الإسرائيلي، وكانت حرة في أن تقول ما تريد، وأن تعرض ما يحلو لها من مواقف وأفكار. وكان واضحاً لكل من تابع تلك الحملات الانتخابية أنه أمام سيرك ألعاب بهلوانية وليس دعاية إنتخابية. فمن أجل الفوز بمقاعد الكنيست تجاوز المرشحون كتلاً وأحزاب وأفراد، في دعاياتهم وإعلاناتهم، كل الحدود المعقولة، وسقطت كل الروادع الأخلاقية والإنسانية والسياسية في انتخابات رئاسة الوزراء.
ومع إقرار الكنيست الاسرائيلي بالقراءة الاولى مشروع قرار التوجه للانتخابات بدأ مشهد الالعاب الحزبية البهلوانية يتكررعلى أرض البازار بصورة أكثر إثارة وتشويق. وفي سياق التحضير للمعركة الجديدة وكسب أصوات الناخبين بكرت الأحزاب فتح بازراتها الإنتخابية من جديد، وعرضت بضائعها السياسية والامنية والإجتماعية والإقتصادية. ولم يتردد بعضها في الأقدام على التزيف، وقدم مواقفه السياسية والاجتماعية والاقتصادية بصورة مجملة ومنمقة لتضليل الناخبين. وعرض البعض الآخر بضاعته الاصلية العتيقة، وقدم مواقفه المبنية على الأحلام التاريخية كما هي. وبدأت رائحة الرشاوى السياسية والمادية والفتاوى الدينية والمساومات غير المبدئية تسيطرعلى أجواء البازار ومحيطه. وشرعت قيادات الاحزاب الصهيونية الصغيرة والكبيرة في تخفيض أسعار بضائعها، وبدأت بتسويق مواقفها وبناء التكتلات الحزبية الداخلية، وعقد ما أمكن من صفقات إنتخابية، تقوم على تحالفات آنية بين أحزاب ايدلوجياتها متنوعة وتوجهاتها الاجتماعية متناقضة ومواقفها السياسية متباينة. اما أقسام الاحزاب العربية في البازار فلا تزال شبه مقفلة، وخاوية من المواد القادرة على جذب الجمهور العربي. ولم تبلور أهدافها وشعاراتها، وبعضها يحاول فرض مصالحه الضيقة على الاخرين ويرفض الانضمام لقائمة عربية موحدة. وهناك بعض المرشحين ما زالوا يبحثون عن مواقع لهم في أحزاب صهيونية متطرفة ويروجون مواقفها.
واذا كانت كثرة الأحزاب المتنافسة تعسرعلى المتجول في البازار التوقف أمام كل جميع صنوف البضاعة المعروضة، وتزج الباحث والقارئ في متاهات زواريب مصالح مختلف القوى الاجتماعية في اسرائيل، وتدخله في عملية ملاحقة بوليسية مضنية للصفقات السرية والعلنية غير المبدئية التي يسعى الجميع لعقدها، فاليافطة الرئيسية المعلقة على كل قسم حزبي من أقسام البازار تقول هدفنا خدمتكم بعد الفوز في الانتخابات.. ولأجل تحقيق هذا الهدف يعرض حزب الليكود والاحزاب الدينية المتطرفة بضائعها متشابهة تستهوي المستوطنين والمتطرفين الذين لا يزالون يشكلون نسبة هامة في صفوف الرأي العام الاسرائيلي. كلها مغلفة بشعارات: احذروا الدولة الفلسطينية في 4 أيار 1999، وحافظوا على وحدة أرض اسرائيل الكاملة التي وهبها الرب لبني اسرائيل. وصوتوا لمن هو قادرعلى وأد عملية السلام مع العرب والفلسطينيين وتعطيل الاتفاقات المدمرة لأمن اسرائيل. وتضيف الاحزاب القومية المتطرفة القديمة والجديدة، “حزب بني بيغن، وتسومت”، انتخبونا لالغاء كل الاتفاقات التي تم التوصل لها، وتطفيش وتسفير الممكن من الفلسطينيين. ويستطيع كل مدقق في بضاعة حزب العمل المعروضة للناخبين في عهد رئيسه باراك، اكتشاف تشابه الرئيسي منها مع بضاعة الليكود الاصلية القديمة والجديدة المجملة. فالمعروض بشان حل مسألة القدس، وعودة اللاجئين الفلسطينيين والنازحين، والامن الخارجي، وحدود دولة اسرائيل، واستغلال مياه الضفة الغربية، لا يختلف كثيرا عن مواقف الليكود والمتدينين المتشددين. ولم تحدد قيادته للآن موقفا رسميا من مسألة حق تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية في الضفة والقطاع بعد إنتهاء المرحلة الانتقالية في 4 أيار القادم. وتسعى لضم أراض فلسطينية، ولم تعرض خرائطها النهائية لحدود دولة اسرائيل. والتباين الحاصل بين حزب العمل والاحزاب اليمينية الأخرى بشان الاستيطان ليس مبدئي ولا يطال جوهره. فكلهم يؤمنون بضرورات وجوده. حزب العمل يريده ويسعى لتطويره لإعتبارات أمنية، ويرضى بأن يكون مجمعا في كتل إستيطانية كبيرة يسهل ضمها لاسرائيل، وقادرة على تمزق وحدة الضفة الغربية الجغرافية وفصلها عن القطاع، والآخرون يريدوه مبعثرا وموسعا لإعتبارات أيدلوجية إضافة للأمنية. اما بشأن الانسحاب من الجولان وجنوب لبنان فيسجل لرابين انه فرض قبل وفاته على الحزب موقفا لا يرق لبراك، خلاصته الانسحاب الكامل مقابل ترتيبات دائمة تضمن اسرائيل.
أما حزب الوسط الذي يسعى الجنرال السابق شاحاك لتشكيله، فلا يزال جناحه في البازار شبه مقفل، ولم يحدد رئيسه للآن مواقف نهائية من القضايا الاجتماعية والاقتصادية. ورغم غموض البرنامج الانتخابي لهذا الحزب الجديد. فالاخذ بالحكمة العربية الشعبية القائلة “المكتوب يقرأ من عنوانه” يساعد في التعرف المبكر على مواقفه السياسية الاساسية، وتوجهاته ازاء القضايا المطروحة على أجندة المفاوضات العربية الاسرائيلية. فدعوته للاسرائيليين الى الانضمام لحزب وسط جديد سيئة تضعف مواقف قوى اليسار، وتعزز فرص اليمين كسب الانتخابات. وقوله بأنه “لم ينضم لحزب العمل كي لا يعتبر من اليسار” فال شر لا يبشر بالخير، يبعث الريبة والشك حول توجهاته السياسية وبرنامجه السلمي. فحرصه على تمييز نفسه عن اليسار وعدم ممانعته إنضمام رموز من اليمين لحزبه، من أمثال لفنات ودان ميريدور وموردخاي، مؤشرات على نواياه في إعطاء الاولية لكسب الممكن من أصوات يمين الوسط ويسار اليمين، ويقوده حتما الى إتخاذ مواقف على يمين حزب العمل، أو قريبة منها في أحسن. وكأنه لم يستخلص العبر من سقوط بيريز في الانتخابات الأخيرة نتيجة تودده لليمين وتردده في اتخاذ مواقف حاسمة من أطروحاتهم الايدلوجية والسياسية. صحيح أن تجربة الجنرال شاحاك، إبان المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية التي قادها في طابا بعد اتفاق أوسلو، بينت أنه رجل عملي يؤمن بضرورة صنع السلام مع العرب من حيث المبدأ، وتجربته العسكرية العريقة أقنعته بأن الحروب لا تحققه، وأظهر تفهما لعدد من مطالب الفلسطينيين التفصيلية، الا أن ذات التجربة أكدت أن موقفه من مسألة أمن إسرائيل ومن الإستيطان والمعتقلين لا تختلف عن مواقف براك، وتتناقض مع متطلبات صنع سلام دائم مع الفلسطينيين. وجدير التذكير بأنهما “براك وشاحاك” هما أصحاب نظرية تقسيم أراضي الضفة والقطاع الى مناطقC B A ، وضغطا في عهد رابين لابطاء الانسحابات، وربطها باختبار مدى تجاوب الفلسطينيين مع متطلبات أمن إسرائيل.
واذا كان من المبكر الحديث عن فائز وخاسر في انتخابات الكنيست الخامسة عشر الجديدة، فالناخب الإسرائيلي يدرك سلفا طبيعة الاستحقاقات السياسية المطلوبة من الحكومة الاسرائيلية، ويعرف ما سيترتب على فوز أي من الإتجاهات الثلاث ـ اليسار والوسط واليمين ـ إزاء القضاياه الداخلية وفي العلاقات الدولية ومع الجيران. والواضح أنه سيدلي بصوته على أساس سياسي بالأساس. فذهابة إليها مبكرا تم لأسباب سياسية، أبرزها حسم الموقف الإسرائيلي من مسألة صنع السلام مع العرب والفلسطينيين، والموقف من قيام دولة فلسطينية بجانب دولة اسرائيل، ومن قضايا الحل النهائي المطروحة على جدول المفاوضات مع الفلسطينيين، وتحديد سقف الانسحاب النهائي من الضفة الغربية، وسقف بقية الاستحقاقات الاسرائيلة الأخرى التي لا بد من دفعها ثمنا لإستئناف المفاوضات على المسارين السوري واللبناني، وتأمين انسحاب الجيش الاسرائيلي من جنوب لبنان سلميا.
واذا كانت الانتخابات البرلمانية الجديدة ستقرر بصورة وأخرى مستقبل الحياة السياسية في اسرائيل ومستقبل السلام لعدة سنوات، فعلى انصار السلام زج ثقلهم فيها لصالح القوى المؤمنة به، وأشد المعارضين لعملية السلام لا يمكنهم إنكار أنها والاتفاقات التي إنبثقت عنها كانت سببا رئيسيا في تفجير الصراعات السياسية وتوليد الانقسامات الحزبية الأميبية التي تعيشها الاحزاب الصهيونية. أما المتجول في البازار فاظنه ينهي جولته وهو مقتنع تماما بان قرار اسرائيل بالتوجه الى صناديق الإقتراع جمد عملية السلام على مسارها الفلسطيني وأعادها الى الثلاجة بعد خروجها منها فترة قصيرة قبل وبعد اتفاق واي ريفر، وجمد تنفيذ بقية ذاك الاتفاق الى إشعار آخر. وفرض على المفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين إجازة قسرية مدتها 6 أشهر على الاقل. ويخطئ من يعتقد ان الادارة الامريكية قادرة على تغييرهذا الاستخلاص، فحركتها على طريق صنع السلام مع العرب صارت أقرب لحركة بطة عرجاء.

عدد أصوات الكتل في انتخابات الكنيست الخامسة عشر

اجمالي عدد الاصوات : 4285428
عدد الاصوات الصالحة : 3309416
نسبة التصويت العام 70،76 %
نسبة تصويت العرب : 70%

المفدال ———149307
العمل —-670484 يهودت هتوراة—–125741
الليكود —468103 الاسلامية ——- 114810
شاس 0—430676 بني بيغن ——-100181
ميرتس—253525 الجبهة ـــــــ 87022
اسرا بعليا-171705 ليبرمان ——–86153
لبيد—-167748 التجمع — ——–66103
المركز- 165622 عمير بيرس ——-64143