ما الممكن ان تقوله وتفعله القمة العربية اذا عقدت ؟

بقلم ممدوح نوفل في 10/06/1998

يكثر الحديث هذه الايام حول القمة العربية، وتتراشق خلف الكواليس اوساط فلسطينية وعربية رسمية التهم حول تعطيل انعقادها. والواضح ان حديث القمة سيتواصل خاصة وان هناك اطرافا عربية لها مصلحة في انعقاده في هذه الفترة، ومصصمة على متابعة الجهود الاولية التي بذلها في الاسابيع الماضية أقطاب الدول العربية الرئيسية. في حينه كانت حصيلة النشاطات والتحركات: اجماع نظري عربي حول اهمية وضرورة عقدها، وتفجر خلافات عربية دفينة حول هدفها وجدول اعمالها، وحول النتائج التي يجب ان يخرج بها المجتمعون اذا اجتمعوا. وادلى أكثر من طرف اقليمي ودولي برأيه في الموضوع، كان الابرز والاهم هو ما قاله مستشار رئيس الوزراء الاسرائيلي: “دعوة عرفات للقمة دعوة لتدخل خارجي في المفاوضات، وبحث مؤتمر القمة في حالة عملية السلام على مسارها الفلسطيني الاسرائيلي خرق لاتفاق اوسلو”. ولم يبق امامه الا ان يطالب العرب بالاطلاع على بيانهم الختامي قبل نشره، بعد ان حاول تحديد جدول الاعمال..! فهل ستنعقد القمة ومتى ؟ وهل هناك ضرورة لقمة عربية في هذه الفترة ؟ وماذا يمكن ان تقول وان تفعل؟ وهل استراتيجية السلام التي تبناها العرب كانت وما زالت صحيحة من حيث المبدا ام انها لم تعد صالحة؟ وهل المطلوب قمة لانقاذ عملية السلام ام للاعلان عن وفاتها وتشيعها الى مثواها الاخير؟ وهل لدى الزعماء العرب بدائل سياسية عن المفاوضات ؟ اسئلة كثيرة تركتها في الشارع العربي تطورات عملية السلام، والتحركات والتصريحات العربية المتناقضة التي صدرت حول القمة. اما فشل الزعماء العرب في الاتفاق، حتى الان، على عقدها فساهم في توسيع حالة الياس والاحباط في الشارع الفلسطيني، وعمّق انعدام الثقة الشعبية بالنظام الرسمي العربي، وزاد شكوك ابناء الضفة والقطاع في جدوى مناشدة الاشقاء. والواضح ان استمرار هذا الفشل يغري الاخرين على مواصلة التطاول والتدخل في شؤون العرب الداخلية، والتدخل الاسرائيلي الفج في الذي سمعناه وشاهدناه نموذج لذلك.

لقد حاول بعض العرب التستيرعلى الفشل بالحديث تارة عن ضرورة التحضير الجيد للقمة، واخرى باتهام الادارة الامريكية بالضغط لتعطيل انعقادها. اعتقد ان هذا الحديث هروب مكشوف من مواجهة الذات ومن مصارحة الشعوب العربية بالحقائق. فاتهام الادارة الامريكية بالتعطيل ينطبق عليه اذا صحة التهمة المثل القائل “عذر اقبح من ذنب”، والتحقيق الموضوعي في التهمة يبرأ المتهم منها. فادارة كلينتون ـ اولبرايت، في الوقت الذي لم ولن تتخلى عن تفردها في رعاية عملية السلام، بحاجة الان لارتفاع اصوات عربية واوروبية ضد مواقف نتنياهو المتطرفة والمحرجة والمهينة لها. ومثل هذه الاصوات تساعدها داخليا في مواجهة الاصوات الامريكية القوية، وبخاصة داخل الكونغرس، الداعية الى نصرة نتنياهو ظالما او مظلوما. وهي تعرف بان القمة العربية اذا عقدت لن تعلن الحرب ضد اسرائيل، ولن تتراجع عن خيار السلام، ولن تعلن سحب رعاية عملية السلام من يدها، لسبب بسيط هو عدم امتلاك العرب مقومات مثل هذا الموقف الجديد. اما الحديث العربي الذي سمعناه ومازلنا نسمعه عن ضرورة التحضير الجيد للقمة، فالواضح انه حديث تضليلي يحاول ستر عورة الحكام العرب. ويكشف بوضوح طبيعة الازمة التي يعانيها النظام السياسي العربي وعمقها في هذه المرحلة، ويبرز حاجته الماسة الى القطب القوي او الزعيم القادر على التجميع والتوحيد. ويؤكد عدم قدرة “الحكماء” منهم على معالجة الخلافات العربية العميقة. لقد تعطلت القمة بسبب استمرار الفكر السياسي العربي في التخبط بين الواقعية والمثالية والخيال، وبين الذاتية والموضوعية. وغياب المفهوم العلمي الواقعي للعمل العربي المشترك وعدم القدرة على تحديد الاولويات وعدم القدرة على الاتفاق على سبل النهوض بها. وايضا بسبب استمرار تغليب المصالح القطرية الضيقة للانظمة على المصالح القومية الواسعة للشعوب العربية، واصرار بعضهم على فرض موقفه على الآخرين، ورفض البعض الاخر اعتماد مبدأ البحث عن القواسم مشتركة توحد المواقف حول القضايا المشتركة.

واذا كان التحرك العربي لعقد القمة ليس جديد، وسبق للفلسطينيين وان طالبوا قبل شهور بعقدها، ولم يستجب لطلبهم وانطبق عليهم المثل “لقد اسمعت لو ناديت حيا ولكن لاحياة لمن تنادي” فالواضح انها كانت ومازالت ضرورية وملحة. فالعلاقات العربية ـ العربية بحاجة الى اعادة صياغة واعادة تنظيم على اسس جديدة تتناسب وتطور العلاقات الدولية على ابواب القرن الحادي والعشرين، خاصة وان النظام العربي اصبح في نظر معظم القوى الدولية “بمثابة الرجل المريض” يتربص الكل بامكانته وارضه. والواضح ان تاخير انعقاد القمة لا تعالج مشاكل الدول العربية بل تزيدها تدهورا، وتزيد من مطامع الآخرين وتطاولهم. وذات الشيء ينطبق على ترك الفلسطينيين وحدهم يواجهون ضغوط كلينتون وابتزاز نتنياهو. فمصير عملية السلام على المسار الفلسطيني شأن اقليمي يمس العرب جميعا، وانهيارها ينعكس سلبا علي اوضاعهم الداخلية وعلى علاقاتهم الخارجية شاؤوا ام أبو. واذا كان الاجماع العربي على ضرورة عقدها ليس معزولا عن خيبت الامل من مستقبل عملية السلام على كل مساراتها، بعدما ثبت بالملموس بان نتنياهو لايريد سلام، ولا يريد ان يفاوض، ويريد ان يفرض عليهم شروطه المذلة، فبعد سبع سنوات من المفاوضات عليهم ان يتفقفوا على نهج موحد في التعامل مع اسرائيل، وتحديد سبل وقف الاهانات اليومية التي يوجهها نتنياهو لهم جميعا. ووقائع حياة علملية السلام اكدت وتؤكد يوميا عدم رغبة او عدم قدرة الراعي الامريكي على القيام بالدور الذي خصصه لنفسه وفرضه على الآخرين. وهو يكرر يوميا اصدار مواقف محبطة ويطلق اوصاف مأساوية عن حالة عملية السلام: “العملية تحتضر” و “على وشك الانهيار” و “في مأزق خطير” و”امام طريق مسدود”. ويحجم عن اتخاذ المواقف المناسبة او اعلان من المسؤول عن وصول العملية لحالتها الماساوية، ويصمت على سياسات نتنياهو القاتلة لها ويقدم له دعما كبيرا.

اما ماذا يمكن ان تقول وتفعل القمة، فالواضح ان بامكانها ان تقول اشياء كثيرة ضرورية، وان تفعل اشياء قد تكون قليلة لكنها مهمة جدا. فبجانب الشروع في اعادة تنظيم العلاقات العربية الداخلية السياسية والامنية والاقتصادية والعلمية، ووضع ميثاق شرف ينظم العمل المشترك في ظل وجود الخلافات، لا بد من ان تكون هناك سياسة عربية واضحة وخطوات عملية ملموسة مقرونة باعادة تحديد المسؤوليات والواجبات تجاه حالة عملية السلام شبه الميؤوس منها. ومن غير المنطقي ان يبقى العرب ينتظرون ما يمكن ان يقوم به الاخرون، وان يستمروا في الظهورعاجزين، وان لا يعملوا المتاح سياسيا ودبلوماسيا واقتصاديا. فمواقف اسرائيل تعتمد في كثير من الاحيان على العجز العربي. واستمرار حالة العجز والتردد السائدة ستؤدي حتما الى مزيد من اضاعة الوقت ومن ضياع الحقوق. وتشجع الآخرين على التدخل اكثر فاكثر في شؤونهم، وتولد مزيد الضغوط الامريكية عليهم. وقد تتسبب في تفجير صراعات تناحرية فيما بينهم. وتشجع كل طرف من الاطراف العربية على البحث عن حلول لمشاكله وقضاياه خارج الاطار العربي وبالتحالف مع آخرين، حتى لو كانت ضارة بمصالح بعض العرب ومؤذية للمصالح القومية وللاستراتيجية العربية المشتركة ان وجدت. واذا كانت القناعة مشتركة بان كلينتون غير قادر على القيام بدور الراعي العادل والنزيه، حتى اذا رغب، يصبح المطلوب ان يعلن العرب بان الادارة الامريكية عاجزة عن رعاية عملية السلام ودعوة العالم والامم المتحدة لتحمل مسؤولياتها. وربط اعلانهم بخطوات عملية موحدة تجذب تدخلا دوليا اوسع. واذا كانت القناعة العربية مشتركة بان نتنياهو يريد ان ينسف الاتفاقات التي وقعها مع الفلسطينيين، وان يدفن عملية السلام، ولا يمكن التقدم على طريق السلام في عهده..الخ يصبح المطلوب عربيا اعلان التمسك بالسلام كاستراتيجية لحل صراعات المنطقة ونزاعاتها المستفحلة. والحفاظ على المكاسب التي تحققت على المسارين الفلسطيني والاردني، ودعم واسناد الموقفين السوري واللبناني المتمسكين بوحدة مساريهما وبمواصلة المفاوضات من حيث توقفت وليس من حيث يريد نتنياهو، ومواصلة التمسك بالاتفاقات الموقعة ورفض اي تلاعب فيها. وافهامه بان التلاعب بالاتفاقات مع اي طرف عربي يهدد مصير الاتفاقات مع الآخرين. واعلان مقاطعته ووقف التفاوض معه لحين الالتزام بتنفيذ ما اتفق علية ووقعه. وربط هذا الاعلان بوقف اشكال التنسيق الامني وكل اللقاءات الثنائية الفلسطينية الاسرائيلية السرية قبل العلنية. ووقف كل خطوات التطبيع السياسي والتجاري التي قدمت للاسرائيليين من قبل العرب تشجيعا لهم على السير في طريق السلام، ورهن عودتها بعودة الحكومة الاسرائيلية للسير عليه باستقامة، ووقف اجراءاتها احادية الجانب وبخاصة عمليات الاستيطان التي تقوم بها في هذه الايام داخل اسوار مدينة القدس القديمة وفي مواقع اخرى متعددة.

ومن الان وحتى تضح المواقف العربية من مسالة انعقاد القمة لا بد من ان تكون هناك مواقف فلسطينية حاسمة وقاطعة تقول للعرب والعالم ولشعبها موقفها من توجهات نتنياهو، وبخاصة نسبة الانسحاب المعروضة والشروط الموضوعة حولها. فالتردد والعجز الفلسطيني يؤديان الى مزيد من اضاعة الوقت ومن ضياع الحقوق. وعدم وضوح الموقف واستمرار اللقاءات العلنية والسرية يضعف القدرة على حشد الطاقات العربية. واعتقد بأن المصلحة الوطنية، بما في ذلك تعزيز الموقف التفاوضي الفلسطيني، باتت تفرض على القيادة الفلسطينية اعادة النظر فورا في ترتيب الاولويات الوطنية ووضع مسألة تصليب البناء الداخلي، وتعزيز تماسك الجبهة الداخلية في رأس مهام عملها اليومي من الآن وحتى نهاية عهد الليكود عام 2000. والعمل على حشد طاقات الشعب الفلسطيني داخل الوطن وخارجة لمواجهة الاحداث والتطورات النوعية المتوقعة على صعيد العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية. فالمنطقة حبلى بتطورات كبيرة، والوضح ان ضعف الجبهة الفلسطينية الداخلية يبدد الكثير من الطاقات، ويضعف موقف المفاوض الفلسطيني، ويشجع نتنياهوعلى المضي في مواقفه العنصرية المعادية لصنع السلام في المنطقة وللفلسطينيين والعرب كشعوب.

وفي سياق الحديث عن القمة لعل من الضروري القول اذا تعذر عقد القمة ، كما هو واضح، خلال فترة قريبة فمن المهم ان لا تقود الدعوة والتحركات والتباينات تجاه عقدها الى تعميق الانقسام وتوسيع التناحر بين الانظمة العربية. وان لا تتحول اذا عقدت الى ميدان للمزاودة ولتصفية الحسابات. فمواجهة التحديات الخارجية اهم بكثير من تصفية الحسابات الداخلية.