هل سينجح الرئيس كلينتون حيث فشلت الوزيرة اولبرايت ؟

بقلم ممدوح نوفل في 02/01/1998

بعد آخر لقاء عقدته الوزيرة اولبرايت اوخر عام 1997، مع نتنياهو وعرفات كل على انفراد، قالت “ان سنة 1997كانت سيئة لعملية السلام، ولم تقدم اية مقترحات عملية لانقاذها من حالتها السيئة، وتمنعها ان تسوء اكثر في عام 1998. وتعمدت القفز عن تحديد الاسباب والمسؤوليات عن هذه النتيجة، واكتفت بأحالة الرجلين على الرئيس كلينتون، وقررت ارسال دينس للمنطقة للقائ بهما تحضيرا لاجتماعهما بالرئيس. فهل أنضجت اولبرايت طبخة الاتفاق الجديد وامتنعت عن الاعلان عنها من اوروبا، تمهيدا لاعلان الرئيس كلينتون عنها من البيت الابيض، كما يعتقد البعض؟ حتى لا يتبدد هذا الانجاز ويحافظ على نكهته الامريكية الخالصة. ام انها تحاشت الاعلان عن فشلها المدوي، وارادت استخدام ثقل ورقة الرئيس لتدارك فشلها والتستيرعليه؟ وهل سينجح رئيس الولايات المتحدة حيث أخفقت وزيرة خارجيته ؟
اعتقد بان مصلحة صنع السلام في المنطقة، وتحضير الاوضاع الفلسطينية والعربية لمواجهة التطورات الكبيرة التي يحملها العام الجديد، تفرض عدم احلال الرغبات الذاتية مكان الوقائع العنيدة، وعدم دفن الرؤوس في الرمال وتركها للاقدار لتفعل ما تريد. فلا حاجة لعبقرية خارقة حتى يتم اكتشاف فشل الادارة الامريكية في عهد اولبرايت في ارغام نتنياهو على احترام الاتفاقات التي وقعها مع الفلسطينين، وفي القيام بواجب الرعاية المطلوبة لعملية السلام ككل. ولا تستطيع السيدة الوزيرة ومساعدوها ان يسجلوا لانفسهم اي انجاز ملموس في مجال صنع السلام بين العرب والاسرائيليين وصنع الاستقرار في منطقة الشرق الاوسط طيلة عام 1997. فحالة عملية السلام المتردية على المسارين السورين واللبناني لم تتغير، ان لم تكن قد ساءت أكثر. وعلاقة اسرائيل بالعرب عامة تراجعت، اما الخاصة مع من وقعت معهم اتفاقات، “مصر والاردن”، فلم تتطور وشابها بعض الشكوك ويسيطرعليها توتر متزايد. ولا تستطيع الوزيرة اولبرايت التنصل من مسؤوليتها عن تدهور حالة عملية السلام على المسار الفلسطيني الاسرائيل خلال عام 97. فاتفاق الخليل وملحقاته “الانجاز اليتيم” الذي تم التوصل له اواخر فترة سلفها ” كريستوفر” تحوّل في عهدها من انجاز يسجل للادارة الامريكية الى اخفاق مدوي، وأصبح شاهدا حيا على هذا الاخفاق، ومس دورها على صعيد نزاهة رعايتها لعملية السلام الجارية في الشرق الاوسط. وأضعف موقعها كقطب أوحد يتحمل مسؤولية تاريخية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الباردة، وشوه قدرتها على تنظيم العلاقات الدولية على اسس ملزمة، وحماية الاتفاقات الدولية التي تشهد عليها.
والمعلومات المتوفرة تؤكد بان الوزيرة اولبرايت اخفقت في اقناع نتنياهو بالالتزام بتنفيذ ما وقع عليه، ولم تستطع انتزاع تواريخ ومساحات الانسحاب من اراضي الضفة الغربية حسب نصوص اتفاق الخليل. واضطرت، لاعتبارات تتعلق بطبيعة علاقة الولايات المتحدة باسرائيل وأخرى أمريكية داخلية، قبول الاعذار والمبررات التي طرحها. ومنحته المهلة الزمنية التي طلبها. ويسجل لنتنياهو بانه تمكن من افراغ جولة اولبرايت اليتيمة للمنطقة وكل لقاءاتها اللاحقة من كل مضمون. ثم نجح في اسقاط اول مبادرة تبنتها الوزيرة اولبرايت شخصيا التي قالت فيها TIME OUT للاستيطان، فقد ظنت لفترة بانها انتزعته من زعيم الليكود، لكنه تحداها وواصل الاستيطان وكثف العمل فيه ومضى قدما في خرق الاتفاقات. ورغم ان الايام اثبتت انها كانت واهمة الا انها قبلت بالهزيمة وحاولت التستير عليها، وجارته في مواقفه. ورضيت لنفسها الغرق في متاهات الوضع الاسرائيلي الداخلي، ودخلت سراديب متطلبات أمن اسرائيل. ولم يتوانى نتنياهو عن تقديم وعود جديد، بالتجاوب مع الرغبات الامريكية، بعد تجاوز قطوع التصويت على ميزانية الدولة للعام الجديد. ولم يتردد في تأكيد حاجته لفترة زمنية لا تقل عن 4 ـ5 شهور، يختبر فيها الجانب الفلسطيني قبل تنفيذ الانسحاب الموعود، وشدد على ضرورة الذهاب فورا لمفاوضات الحل النهائي. ويستطيع كل من تابع مناقشات الكنيست الاسرائيلي للميزانية، ومناقشات الحكومة لمساحة الانسحاب، الاستنتاج بان وعود نتنياهو تضليلية وخادعة. فالموازنة زادت حجم المبالغ المخصصة للاستيطان وتوابعه وملحقاته. أما الجولات الاستعراضية المتعددة التي قام بها اعضاء حكومة الليكود في الضفة الغربية لقراءة الخرائط على الارض فكان هدفها التستيرعلى كذبته الكبيرة ضمن كذباته الكثيرة، والامعان في خداع وتضليل الامريكان والاوروبيين وكل الحريصين على صنع الاستقرار في الشرق الاوسط. فنتنياهو واركان حكومته ناقشوا بعضهم البعض، في اجتماعات طويلة ومتكررة التي عقدوها في مقر رئاسة الوزراء، حول مساحة الاراضي التي سيتم ابقائها تحت السيادة الاسرائيلية، وتلك التي سيبقوها تحت سيطرتهم الامنية الكاملة، والتي سينقلوا فقط ادارتها للفلسطينيين. وبحثوا ميدانيا سبل ضمان امن المستوطنات، وتوسيع بعضها وزيادة عددها، وربطها بعضها ببعض وشق مزيد من الطرق الاستراتيجية. ولم يكلفوا انفسهم عناء بحث الامر مع الشريك الفلسطيني، ولم يعيروا مصالحه وامنه اي اعتبار، ولم ينطلقوا في جولاتهم ومناقشاتهم من الاتفاقات التي وقعوها معهم. فالموضوع المطروح في ذهن نتنياهو ووزرائه هو ضم اراضي جديدة لاسرائيل، وضمان الامن القومي الاسرائيلي الشامل على الجبهة الشرقية، وترتيب الوضع على الحدود مع الاردن وليس أمن حدود دولة اسرائيل مع السلطة الفلسطينية.
صحيح ان الادارة الامريكية اضطرت في مرحلة من مراحل الفاوضات الى توجيه بعض الانتقادات لسياسة نتنياهو بعدما تبين لها ان استمرار سياسته الراهنة يهدد منظومة العلاقة التي بنتها في المنطقة بعد حرب الخليج، الا ان خطأ فادحا يمكن ان ترتكبه السلطة الفلسطينية ان بنت على هذا النقد، واعتقدت بان اللقاء المرتقب مع الرئيس كلينتون وما قام به دينس روس تحضيرا له، سوف تحدث انطلاقة جديدة في عملية السلام. فوعود نتنياهو للوزيرة اولبرايت ليست جديدة، ولقائه مع الرئيس كلينتون ليس اللقاء الاول ولن يكون الاخير. وتجربة عام كامل من عهد كلينتون ـ اولبرايت بينت بان السياسسة الخارجية الامريكية ليست معادية لسياسة الليكود بل كانت في مفاهيمها السياسية قريبة منها، وبخاصة حول كيفية التعامل مع الفلسطينيين. وكل ما تسعى له هو ان تتفهم حكومة نتنياهو خططها الاستراتيجية في المنطقة بالقدر الذي تبدي هي تفهمها لسياستها. ولم تتوقف الادارة الامريكية مطولا امام عامل الزمن، وسايرت نتنياهو واعطته كامل وقته ولم تراعي التوقيتات الوادردة في الاتفاقات ولم تنتبه لللوقت حسب ساعة الفلسطينيين. والمهلة الزمنية التي منحتها اولبرايت له استغلت جيدا في تقوية مواقع القوى الاكثر تشددا في المجتمع الاسرائيلي حيث استجاب نتنياهو لمطالبها بدعم الاستيطان وخصص له مبالغ كبيرة. ومكنته من لملمة اوضاع حكومته وحوّل مجرى النقاش داخل المجتمع من نقاش قضايا الائتلاف الحكومي وصراعاته المتنوعة الى نقاش مع اليسار الصهيوني وحزب العمل حول مساحة اعادة الانتشار وحول متطلبات امن اسرائيل وهو النقاش الذي يسهل فيه اتهام اليسار بالمواقف التفريطية في حين يظهر اليمين حرصا اكبر على الارض وعلى امن اسرائيل.
ولا حاجة لعبقرية خارقة حتى يتم التنبؤ بما سيطرحه نتنياهو على الرئيس كلينتون ، والتعرف على الرد الذي سيتلقاه. فهو ذاهب للقاء وتفكيره منصب حول كسب مزيد من الوقت وتأجيل دفع الاستحقاقات المطلوبة اطول فترة زمنية ممكنة. وقد يحمل معه اقتراحا بانسحاب القوات الاسرائيلية من مساحة تتكون من رقمين حسب الطلب الامريكي، تتراوح ما بين 10.5% و15% فقط من مجموع الاراضي المفترض الانسحاب منها والبالغة 66% حسب التقديرات الفلسطينية المستخلصة من الاتفاقات. ولن يتنازل نتنياهو عن فترة الاختبار التي تحدث عنها مع الوزيرة اولبرايت “4-5شهور”، مراهنا على وقوع تطورات خلالها عند الفلسطينيين تمكنه التهرب من تنفيذ وعوده الجديدة التي سيقدمها للرئيس كلينتون، وتعطيه بالحد الادنى الحق في طلب وقت اضافي وكسب مهلة اضافية جديدة، يتلطى بعدها باقتراب موعد الانتخابات وقد يضطر تبكيرها.
ويخطئ المفاوض الفلسطيني اذا اعتقد بان مقترح نتنياهو مطروح للتنفيذ. ولاحقا لن تخونه وقاحته في خلق الاعذار لعدم الالتزام بما سيتعهد به، ولن تعجزعبقريته عن افتعال الازمات مع الفلسطينيين اذا لم يسعفه رهانه. ويخطئ اكثر اذا اعتقد بان الرئيس كلينتون سيرفض اقتراح نتنياهو، او انه سيمارس عليه ضغوطا لتغيير موقفه. فالعكس هو المتوقع، وعلى القيادة الفلسطينية توقع تعرضها لضغوط امريكية سيمارسها روس والبرايت وبعدهما الرئيس كلينتون لمراعاة اوضاع نتنياهو الصعبة.. وارغامها على القبول بثلاث امور اساسية: الاول الذهاب لمفاوضات الحل النهائي والاكتفاء بوعود نتنياهو بالانسحاب من المساحة المكونة من رقمين، التي سيتم الاتفاق عليها بحضور الرئيس كلينتون، وقبول وعوده الاخرى المتعلقة بتنفيذ بقية استحقاقات اتفاق الخليل وضمنها فتح الممر الامن واستكمال العمل في بناء الميناء وتشغيل المطار..الخ. والثاني الموافقة على الذهاب لمفاوضات الحل النهائي بناء على الوعود المقدمة. والثالث الالتزام بتنفيذ المهام الامنية المطلوبة منها وفق المعايير الاسرائيلية في مكافحة الارهاب، والموافقة على التعديلات الاسرائيلية المقترحة على صيغة العمل الامنية الثلاثية الاسرائيلية الفلسطينية الامريكية .
لا شك في ان المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض على المفاوض الفلسطيني الصمود داخل غرف المفاوضات وخارجها، والتحلي بالهدوء وبطول النفس، والتسلح بالحقوق الواردة في الاتفاقات وبالحالة الشعبية في مقاومة الضغوط متعددة الجنسيات، والاصرار على التمسك بالمطالب الاساسية، وبخاصة تجميد الاستيطان، والانسحاب من الارض ورفض اي تأجيل جديد له. والتجربة اثبتت ان ذلك امر ممكن وضروري وصحيح ومنتج ايضا. وحتى لا يتكرر المشهد في العام الجديد لا بد من قرار فلسطيني استراتيجي باحداث تغيير نوعي في الاولويات الفلسطينية قبل اجراء التعديل او التغيير الوزاري، يضع تصليب الاوضاع الداخلية في قمتها، وتركيز الجهود الوطنية باتجاه هذا الهدف الرئيسي وتسخير المفاوضات وكل الطاقات في خدمته بعكس ما كان حاصلا منذ اتفاق اوسلو وحتى الآن.