وقائع ليلة اعلان الاستقلال وقيام الدولة ـ الحلقة الثالثة

بقلم ممدوح نوفل في 10/11/1997

الحلقة الثالثة جدل وحوار فلسطيني ساخن حول اعلان الاستقلال
دأبت الفصائل الفلسسطينية وقياداتها على الأسراع في الاعلان عن مواقفها من كل مسألة، وكل حدث يومي وكل تصريح يصدر في الصحافة يمس القضية والعمل الفلسطيني اليومي، قبل التحقق من دقة وصحة الموقف المطروح. قبل عام 1982 كان التسابق يتم حول تبني العمليات العسكرية ضد اسرئيل، وكان ذلك يسبب شيء من الصراع الداخلي بين الفصائل ويمس من مصداقية البيانات والبلاغات العسكرية الفلسطينية في صفوف الشعب الفلسطيني وعند الصحفيين والمراقبيين السياسيين. كانت الفصائل بارعة في رصد نشرات أخبار الاذاعة الاسرائيلية بهدف تسقط أخبار العمليات والحوادث التي كانت تقع داخل اسرائيل ولإصدار بلاغات عسكرية بكل عملية، وكل حادث يلحق أضرار بالمجتمع الاسرائيلي حتى ولو كان الحادث عرضيا وناتج عن تماس كهربائي أوخطأ فنيا أو حادث طرق. ورويدا رويدا طال التنافس على الاعلام المسائل السياسية وقضايا جوهرية تمس المصير الفلسطيني، وتمس المواقف المعلنة للفصائل. ووفقا لتقاليد العمل الفصائلي فقد كانت المواقف المعلنة تمثل قيدا حقيقيا على مواقف الفصائل في الاجتماعات الداخلية، وكانت تعيق التوصل الى القواسم مشتركة فيما بينها، وتحد من حركة مندوبيها في كل الهيئات القيادية الفلسطينية المشتركة بدء من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وحتى أدنى هيئة وطنية. وعند مناقشة الموقف من اعلان الاستقلال وقيام الدولة المستقلة حرص ابوعمار على ان لا يندفع اي من القادة الفلسطينيين باتجاه اتخاذ موقف علني حاسم، كي لا يتحول هذا الموقف الى موقف نهائي يصعب التراجع عنه لاحقا. وتعمد اطالة الحوار الوطني واخذ الوقت اللازم لانضاج المواقف بصورة تدريجية، ولاجراء ما يلزم من استطلاعات واتصالات عربية ودولية. واستكمالا للمناقشات السابقة عقدت القيادة الفلسطينية اجتماعا موسعا، بتاريخ7/10/1988 كان الدكتور جورج حبش الامين العام للجبهة الشعبية أبرز المتحدثين الذين عبروا بدقة عن رأي المتحفظين حول الاعتراف بالقرارين 242و338، وقدم مداخلة طويلة ومتماسكة حول الموضوع، قال فيها: “تابعت تفاصيل مناقشاتكم السابقة من خلال الرفيق أبو علي مصطفى، ومن واجبي أخذ ما دار فيها بعين الاعتبار. ورغم أ همية الموضوعات المطروحة علينا الان أود لفت نظر الأخ أبوعمار الى ضرورة الوقوف أمام موضوعات الانتفاضة وقضاياها. وفي ذهني إجراء تقييم عام وتحديد المهمات الملموسة التي تحدث تصعيدا حقيقيا في حركة الانتفاضة…” اما بشأن الخيارات المطروحة فقال “نحن لا نستطيع تحديدها بمعزل عن التحليل السياسي، وفي هذا السياق واضح أن الانتفاضة فرضت قضيتنا بقوة على الرأي العام العالمي وعلى الجبارين. وبعد ذلك أصبح المجتمع الدولي يطالب اسرائيل بحل الموضوع والقضية الفلسطينية، وتزامن ذلك مع الوفاق الدولي. أعتقد أن هدف أمريكا الان هو إنتزاع تنازلات مجانية منا. ولوكنا أمام تنازلات مقابل تنازلات، أي أمام دولة فلسطينية مقابل تنازلات لاستطعت تفهم الموضوع بغض النظر عن موقفي. ولذا أعتقد أن من الخطأ الانجرار الان وراء مطالبهم بالاعتراف بالقرار 242 والاقرار بوجود دولة اسرائيل. أما بشأن بقية النقاط التي لخصها الأخ أبو عمار، أي إعلان الاستقلال وتكليف اللجنة التنفيذذية والمجلس المركزي بتشكيل الحكومة فنحن معها، مع توضيح وثيقة إعلان الاستقلال. أما توقيت تشكيل الحكومة فأظن أنه مرتبط بوضع سياسي جديد. وبدون ذلك نقع في إشكالية الازدواجية بين اللجنة التنفيذية والحكومة”. وختم مداخلته بالقول “وعلى كل حال لدينا وقت لمناقشة هذا الموضوع بصورة أشمل وأعمق”.
بالمقابل تولى أبو إياد عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الدفاع عن فكرة ربط الاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بمبادرة سياسية تشمل الاعتراف بصيغة ما بالقرارين 242و338 وقال: “قبل الانتفاضة كان لدينا برنامج مرحلي صار عمره 14 سنة، ولم نفكر من قبل في تعديله وتطويره، أو في طرح أية مبادرة سياسية. والانتفاضة هي التي تدفعنا الآن للتفكير في الموضوع. من السهل الحديث عن قدسية الميثاق الوطني الفلسطيني، وأنا من الداعين الى التمسك بالميثاق وبالبرنامج المرحلي. ولكن نحن ممثلين للشعب الفلسطيني علينا أن نفكر بالخروج من الجمود بكيفية التحرك بإتجاه الدولة. فالدولة لن تأتينا وحدها من السماء. الرفض المطلق يخدم الاعداء. عدونا شرس وقد يخلق لنا فتن داخلية. تجربتنا تؤكد ان من يريد تحرير فلسطين عليه أن يبدأ بدولة على أي جزء من الأرض الفلسطينية، والحديث الآن يدور حول الضفة والقطاع. ومن أجل الدولة نقدم كل شيء. عدونا أخذها منا شبرا وراء شبر. ويجب أن لا نتهم بعضنا بتقديم التنازلات. وإذا لم نفكر بعقل هادىء كما فكر اليهود من قبل فلن نستطيع الانتصار في هذا الصراع المرير. علينا أن نفكر كيف نعطي الأجيال اللآحقة الفرصة والقدرة على متابعة النضال. قد نتحرك ولايستجاب لنا، فليس من شي جاهز حتى الآن. علينا التحرك، ودخولكم المفاوضات يحتاج الى صراع قاسي، ووصولكم الى دولة على أراضي الضفة والقطاع يحتاج الى نضال قاسي وشرس وطويل. لكننا في هذه الحالة نكون حاولنا وعملنا شيء. وإذا كنتم لا تريدون التحرك عودوا الى الأردن وقولوا له نحن أخطأنا في إعتبار أنفسنا الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطين. دعونا نحشر عدونا، أو عودوا الى الملك حسين.. العرب تآمروا علينا، وجميعهم تخلوا عنا، وهم يراهنوا على عدم قدرتنا على عقد دورة المجلس الوطني. وإذا عقدناها فهم يراهنوا على عدم الخروج بشيء جديد. الثورة تعيش على إستمرار الحركة وتموت بالجمود. الخيار الدولي مطلب وسيبقى كذلك لكنه جزء من عملية طويلة توصل الى التسوية. إذا أعلنتم الاستقلال وأعلنتم قيام الدولة بدون بيان سياسي واقعي يخاطب العالم نخسر، وتكون النتيجة عكسية، ويفضل عدم عقد المجلس. الآن لا أحد يتحدث عن الخيار الأردني. السؤال المطروح كيف نستطيع التقدم خطوة الى الأمام دون الاقتراب من ميثاق منظمة التحرير؟ بالامكان ترك الداخل يأخذ المبادرة على عاتقه، لكن هذا خيار خطر جدا قد يقود الى شق وحدة الشعب، والى إنهاء منظمة التحرير كممثل لكل الشعب. لابد من قرار فلسطيني كبير بمستوى القرار الأردني بفك الارتباط بالضفة الغربية”.
في نهاية المناقشات تم تثبيت توجه بالاعلان عن قيام دولة فلسطينية مستقلة الىجانب دولة اسرائيل بالاستناد الىالقرار 181، وهو ذات الأساس الدولي الذي قامت علية دولة اسرائيل. وأتفق على تكليف محمود درويش ومن يريد الاستعانة به. وإتفق أيضا على إستكمال الاتصالات العربية والدولية بشأن المبادرة السياسية. ولاحقا قامت قيادة م ت ف بإستطلاع واسع لمواقف الدول العربية والقوى الدولية الصديقة بشأن التوجهات الجديدة. وتحركت وفود عديدة الى العديد من البلدان العربية والصديقة.وفي حينها رحب الاتحاد السوفيتي ودول السوق الأوروبية المشتركة بالتوجهات السياسية الواقعية الفلسطينية. ونصحوا بتأجيل خطوة الاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، بإعتبارها خطوة تصعيدية تعقد عملية البحث عن السلام في المستقبل. ولم يتردد السوفييت في طرح تحفظهم مباشرة مع قيادة المنظمة. وأبلغوا الوفد الفلسطيني الذي زار موسكو في النصف الأول من تشرين أول 1988 برئاسة أبومازن وعضوية أبو علي مصطفى، وسليمان النجاب، وعبد الله حوراني، وعبد اللطيف ابو حجلة (ابوجعفر) وممدوح نوفل، بالاضافة لنبيل عمر سفير فلسطين في موسكو” أن الاتحاد السوفياتي يقدر الدوافع الفلسطينية للإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية، لكنه يرى في صدور هذا القرار عن المجلس الوطني تعقيد لعملية السلام في المستقبل. ونصح بتأجيل الموضوع والاكتفاء بالاعتراف بالقرارين 242 و338، وبحق إسرائيل في الوجود. وشدد على عدم الإقدام على مغامرة تشكيل حكومة فلسطينية مؤقتة، بإعتبارها خطوة غير مضمونة النجاح وقد تلحق أضرارا بمنظمة التحرير، وتفقدها بعض الاعتراف الدولي الذي تتمتع به. وذات الشيء فعل السوفيت مع وفد الجبهة الديمقراطية الذي زار موسكو خلال ذات الفترة وكان برئاسة الامين العام نايف حواتمة وعضوية ممدوح نوفل، وهشام عبد العزيز، وصارم ممثل الجبهة في موسكو. وفي حينها قمت بناء على اتفاق مسبق مع ياسرعبد ربه بإبلاغ بعض العاملين في الخارجية السوفيتية بتطور الخلافات داخل الجبهة، وبتبلور تيارين فيها، واحد مع إعلان الاستقلال ومع التوجهات الفلسطينية الداعية الى الاعتراف بالقرارين 242و338 والاقرار بدولتين للشعبين، والآخر ضد هذه التوجهات. وانطلاقا من القناعة بأن قيادة الجبهة تتأثر كثيرا بالمواقف السوفيتية فقد أبلغتهم بأن الأوضاع في الجبهة تسير بتسارع شديد بإتجاه الفرز الداخلي، وبالتالي بإتجاه الانشقاق. وقمت بتسليمهم الوثيقتن اللتين تعبران عن وجهتي نظر التيارين الذين تشكلا داخل الجبهة (الأقلية والأغلبية). وطلبت منهم إبقاء الموضوع طي الكتمان، وطالبتهم بالتدخل مع الأمين العام للتراجع عن موقفه الرافض إعلان الاستقلال، والرافض للتوجهات الفلسطينية الجديدة. وبالفعل تدخل السوفيت مع الأمين العام، وبدّل موقفه امامهم وقبل مغادرته موسكو. إلا أنه بعد عودته من موسكو الى دمشق تراجع عن الموقف الأيجابي الذي أبلغه للسوفيت. ولاحقا قامت بعض عناصر ال k g b بإبلاغ مسؤل الأمن المركزي في الجبهة الديمقراطية بما قمت به في موسكو، وتسببوا لي بإحراج شديد داخل المكتب السياسي، ناهيك عن الانذار الحزبي الذي تلقيته كعقوبة على هذه المخالفة الحزبية.
أما مواقف الدول العربية من التوجهات الفلسطينية الجديدة فقد تباينت في حينها بين من مشجعها وساندها، وبين من رفضها وعمل على إحباطها وإفشالها. فالاردن ودول المغرب ودول الخليج، رحبوا بإنعقاد دورة المجلس الوطني وبالتوجهات التي إعتمدتها القيادة الفلسطينية، وسهلوا سفر أعضاء المجلس الوطني المتواجدين في بلدانهم. أما القيادة المصرية، فبجانب ترحيبها بالتوجهات السياسية، فقد ضغطت باتجاه عقد دورة المجلس الوطني بعد الانتخابات الأمريكية والاسرائيلية وليس قبلهما. ودفعت أبوعمار بإتجاه التفاهم مع الملك حسين حول صيغة تشكيل الوفد المشترك.
وفي أواخر أكتوبر 1988 بادر الرئيس مبارك الى ترتيب قمة ثلاثية مصرية أردنية فلسطينية عقدت في مدينة العقبة. وجه إثرها الرئيس مبارك بمناسبة عيد المولد النبوي الشريف رسالة الى الملوك والرؤساء العرب. عرض لهم ما دار في إجتماع العقبة. وفي رسالته قال :”لقد رأيت من المناسب أن أضعكم في الصورة بالنسبة لنتائج المباجثات التي أجريتها مع أخي جلالة الملك حسين والاخ ياسرعرفات في العقبة يوم السبت 22 أكتوبر الجاري…تعلمون أننا كنا نسعى طوال الفترة الماضية الى إعادة بناء الجسور بين الأردن ومنظمة التحرير، باعتبار أن العلاقة الطيبة بينهما هي شرط أساسي لازم لبلورة موقف عربي موحد”. وبشأن فك الارتباط مع الضفة الغربية قالت الرسالة “وكان هناك تسليم من الطرفين بأهمية الحفاظ على خصوصية العلاقة بينهما، وعدم التفريط فيها أو المساس بها. وفي هذا الاطار تفهم الجانب الفلسطيني الاجراءات التي إتخذتها المملكة الأردنية الهاشمية مؤخرا بشأن الرابطة القانونية مع الضفة الغربية، وأعتبر أن هذه الاجراءات متى وضعت في سياقها الصحيح كفيلة بأن تصبح عنصرا إيجابيا على طريق تحرير الأرض وإستخلاص الحقوق…وأعرب السيد ياسرعرفات عن الحرص على إقامة إتحاد كونفدرالي بين الدولة الفلسطينية عندما تنشأ وبين الأردن. وإتفق الطرفان على تهيئة المناخ لعقد المؤتمر الدولي للسلام، والحصول على موافقة جميع الأطراف على مشاركة م ت ف”. وبشان دورة المجلس الوطني الفلسطيني قالت الرسالة “وطرح رئيس اللجنة التنفيذية تصور القيادة الفلسطينية لما يمكن إنجازه في الدورة القادمة للمجلس الوطني الفلسطيني التي تقرر عقدها في العاصمة الجزائرية. ويقوم هذا التصور على إعلان دولة فلسطينية تطبيقا للقرار رقم 181 الصادر من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947″. وفي ما يتعلق بالحكومة المؤقتة ” فالرأي الفلسطيني يشير الى تأجيل هذه الخطوة “..الخ
أما العراق فرسالة الرئيس مبارك ذاتها أشارت الى موقفه الأولي من التوجهات الفلسطينية حيث قالت :”وقد توجهت عقب إنتهاء هذه المباحثات (العقبة) الى بغداد ومعي السيد ياسرعرفات، حيث جرى إستعراض للموقف.وأعرب الرئيس صدام عن تأييده لتحرك م ت ف بهدف إنهاء الاحتلال وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقوقه المشروعة”. ولاحقا تبين أن الموقف العراقي كان مع عقد دورة المجلس الوطني ومع إعلان الدولة الفلسطينية، لكنه ضد الاعتراف الفلسطيني بالقرارين 242و338. وبقيت معارضته للموافقة الفلسطينية على القرارين هادئة. أما ليبيا وسوريا فكانتا ضد عقد الدورة وضد التوجهات السياسية الفلسطينية. وفي حينه بذلت القيادة السورية جهودا دبلوماسية مع الحكومة الجزائرية من أجل تعطيل إنعقاد الدورة على أرض الجزائر، ودفعت كل الفصائل والشخصيات الفلسطينية المرتبطة بها الىمقاطعة الدورة، والى فتح النار الاعلامية ضد توجهات اليمين المستسلم والمتساوق مع الحلول الامريكية. وحاولت دفع الجبهتين الشعبية والديمقراطية الى المقاطعة، لكن قيادتهما لم تستجيبا لهذا الطلب. وأكدتا بإنهما ذاهبتان الىالجزائر لمصارعة اليميين الفلسطيني، وتعطيل توجهاته الاستسلامية.
وفي ضوء نتائج الاتصالات، تم تحديد موعد إنعقاد الدورة 19 للمجلس الوطني بصورة نهائية. وجرى شبه توافق داخلي على الاعلان عن قيام دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية التي أحتلت في عام 1967. أما الاعتراف بالقرارين 242و338 وبحق إسرائيل في الوجود وتشكيل الحكومة الفلسطينية المؤقته فقد بقيت موضع خلاف، وانتقل الحوار حولها الى جلسات الدورة التاسعة عشر للمجلس الوطني الفلسطيني، التي إنعقدت في أروقة قصر الصنوبر في العاصمة الجزائرية بحضور حشد واسع من المراقبين والصحفيين ومراسلي وكالات الانباء العربية والأجنبية. وسميت تلك الدورة بدورة الانتفاضة والشهيد أبو جهاد(خليل الوزير). وكان واضحا أن الجبهة الشعبية وجبهة التحرير العربية وعدد من قيادات فتح ومن ضمنهم أبو اللطف ضد الاعتراف بالقرارين 242و338 ، لكنهم كانوا مع إعلان الاستقلال، ومع الاعلان عن قيام الدولة الفلسطينية على الأراضي التي يتم الانسحاب الاسرائيلي منها . أما الجبهة الديمقراطية فقد ظل موقفها حتى اللحظة الأخيرة ملتبسا على جميع أعضاء المجلس. وظهرت خلافاتها الداخلية للجميع. أما حزب الشعب فكان من أشد المتحمسين لهذه التوجهات بإعتبارها تتطابق مع مواقفه التي كان يتبناها منذ سنوات طويلة، وكانت سببا في الكثير من إشكالاته مع كل الفصائل الفلسطينية دون إستثناء وكالعادة واصلت القيادات الفلسطينية صراعها حول الكلمة والحرف والفاصلة في هذا النص أوذاك من إعلان الاستقلال ومن نصوص القرارات السياسية. ومثل هذا الصراع كان يقع في كل المجالس الوطنية الفلسطينية. وهو يمكن أن يكون مقبولا لو أنه كان يقع في سياق البحث عن أدق النصوص لصيانة الحقوق الوطنية الفلسطينية، أو في سياق وضع نصوص تساعد على حشد مزيد من القوى مع القضية الفلسطينية. لكن كثيرا منه لا بل معظمه كان يقع لاعتبارات حزبية بحته أو لاعتبارات شخصية لا علاقة لها بالوضع الوطني.حيث كانت الأطراف تحاول تقريب النصوص من مواقفها الحزبية الداخلية، أو المعلنه، أو لضمان ورود نص القرار الوطني بالتعابير والمصطلحات التي يستخدمها عادة هذا القائد أو ذاك في خطابه السياسي وفي أحاديثه الداخلية والصحفية. في حينه إنبرى أبواياد للدفاع عن التوجهات الفلسطينية، بما فيها الاعتراف بالقراري 242و 338. ونظرا لما يتمتع به من إحترام فلسطيني وفتحاوي ومن بلاغة في الكلام، وقوة حجة في الدفاع عن قناعاته ومواقفه، فقد كان لدفاعه دورا حاسما في توحيد موقف فتح حول التوجهات، وفي التأثير على تصويت الجبهة الديمقراطية، وتصويت العديد من الشخصيات الوطنية المستقلة. وفي حينها قال: “هذه لحظات تاريخية، شبيهة بتلك التي مر فيها النضال الوطني الفلسطيني في منتصف الستينات، في حينها رفعت حركة القوميين العرب شعار الكفاح المسلح، وشكلت منظمة شباب الثأر ومنظمة أبطال العودة. لكنها قيدت موقفها بقرار عبد الناصر فتأخرت عن حمل البندقية، فسبقتها حركة فتح اليها، وتقدمت عليها في قيادة الشعب الفلسطيني. والآن أرى أن التاريخ يعيد نفسه. وبالنيابة عن كل عضو في الحركة أقول إن حركة فتح قررت أن تقود هذة الانطلاقة الفلسطينية الجديدة، وقررت أن تتحمل المسؤولية التاريخية ولن تهرب منها، ونحن في حركة فتح قادرون على حمل هذا الحمل وواثقون من النجاح. وسيسجل التاريخ أن حركة فتح، ومعها الحزب الشيوعي الفلسطيني فقط كانوا رواد الانطلاقة الجديدة. ولست بحاجة للقسم أمام هذا المجلس بأن حركة فتح ستبقى وفية لمبادئها، ولن توقف النضال حتى يحقق هذا الشعب العظيم كل أهدافه الوطنية التي من أجلها سقط آلآف الشهداء، وأنها لن تفرط بذرة من تراب فلسطين. فتاريخ حركة فتح خير شاهد على مواقفها ودورها”. وفي ختام تلك الجلسة تم التصويت على القرارات بصورة علنية، ولم يؤخذ بإقتراح البعض أن يكون التصويت سريا. وعند التصويت صوت أعضاء الجبههتين الشعبية والعربية في المجلس، وعدد محدودا من قيادات وكوادر فتح، ضد الفقرة المتعلقة بالموقف من القرار242، أما أعضاء الجبهة الديمقراطيية فقد صوتوا معها، وكان تصويت بعضهم على مضض، وخرجت الجبهة وخلافاتها الداخلية متفاقمة أكثر من أي وقت مضى.