الحلقة الخامسة – الاعتراف بالدولة الفلسطينية

بقلم ممدوح نوفل في 10/11/1997

الحلقة الخامسة
مباشرة بعد إنفضاض الدور 19 فتحت ورشة عمل فلسطينية جدية طويلة عريضة. فالوحدة الوطنية أصيبت بصدع كبير، وصارت بحاجة الى ترميم سريع. وتكريس إعلان الاستقلال، وتوسيع الاعتراف بدولة فلسطين يحتاج الى شغل جدي كبير. الدولة أعلنت على الورق. وشعب الداخل وإنتفاضته المجيدة هم أصحاب الفكرة. ولولا إنتفاضتهم وتواصلها عشر شهوركاملة لكان من المستحيل التفكير بالموضوع. الانتفاضة وحدها هي التي أنضجت الأمور باتجاه هذا الحدث التاريخي. الجميع يدرك هذه الحقيقة والجميع منها إنطلق في الموافقة على إعلان الاستقلال. وعليها راهن في تحويل القرار من قرار علىالورق، الى واقع ملموس على الأرض الفلسطينية. إعلان الاستقلال وقيام الدولة على أرض الضفة والقطاع والقدس حدد هدف الانتفاضة، وهدف كل الشعب. وإستمرار الانتفاضة ومواصلة التصادم مع جيش الاحتلال، والتمرد على سلطاته، وتحديها ضرورة لاغنى عنها لانتزاع إعتراف العالم بحق الشعب الفلسطيني في تحقيق هذا الهدف المقدس. إلا أن تلك الأفعال لا تستوعب كل طاقات الشعب الفلسطيني، ولا بد من ورشات عمل ينخرط فيها جميع الفلسطينيي في الخارج. ولا بد من شغل في مختلف المجالات السياسية والدبلوماسية والعسكرية لتكريس الدولة كحقيقة سياسية.
في حينها لم يكن هناك أي خلاف فلسطيني داخلي على ضرورة تكثيف الجهود، باتجاه الحصول على إعتراف دول العالم بدولة فلسطين. فالاعتراف ضروري لتكريس المولود الجديد. فهو الغذاء المعنوي للدولة الوليدة، والانتفاضة هي الغذاء المادي لنمو هذا المولود، ولتمكينه من إثبات حضوره على الأرض وفي العلاقة مع العالم . بعد المجلس جمع أبوعمار في تونس كل معتمدي منظمة التحرير لدى دول العالم. جمعهم في مجموعات صغيرة. معتمدي أوروبا جمعهم لوحدهم، والمعتمدين عند الدول الآسيوية عقد لهم إجتماعا خاصا بهم، وذات الشيء فعل مع المعتمدين في الدول الأفريقية وسواها. والهدف من كل هذه الاجتماعات هو تشغيل المعتمدين في مهمة واحدة وحيدة هي الحصول على إعتراف دول العالم بدولة فلسطين. ليس مهما الأسلوب المهم تحقيق الهدف. وكالعادة لم ينتظر أبوعمار تحرك الدائرة السياسية المسؤولة عنهم فبادر هو للدعوة، وحرص على أن يقود تلك الاجتماعات بنفسه. فهو لا يثق في قدرة القيمين عليها في تشغيل المعتمدين. هذا إذا وافق وسهل لهم القيام بمثل هذه المهمة. والمعتمدون دون إستثناء تعودوا منذ وقت طويل مخاطبة مكتب القائد العام مباشرة أكثر من مخاطبتهم لرئيس الدائرة السياسية المسؤولة عنهم رسميا. هكذا نظمت أمور علاقة مكاتب المنظمة مع القيادة. وذات النظام سارت علية بقيت دوائر منظمة ومؤسساتها ومؤسساتها. هذا هو الواقع القائم والمعمول به منذ سنيين طويلة، ولا أحد يحتج على تجاوز الدائرة السياسية أو أية دائرة أخرى، وغالبية أعضاء اللجنة التنفيذية راضون، والمعتمدون راضون ومبسوطون، وأبوعمار راضي ومبسوط رغم تزايد الشغل عليه. أما غير الراضين ومنهم أبواللطف رئيس الدائرة السياسية وبعض العاملين معه فلا يعبرون ولا يفصحون عن مواقفهم إلا بالهمهمات في المكاتب من خلف ظهر أبوعمار. وعلى كل حال هذا الأسلوب في الاحتجاج هو الذي كان دارجا في كل أطر ومؤسسات المنظمة دون إستثناء. المؤسسات موجودة بالأسماء لكن لادور لها و المبادرة الفردية ضعيفة وتكاد تكون مقتولة. أعضاء القيادة يشكون لبعضهم البعض من فردية أبوعمار لكنهم جميعا كانوا يسهلون له تفرده بالعمل وبالأستفراده بهم واحدا واحدا . في إجتماعات المعتمدين حرص أبوعمار على مشاركة بعض المسؤلين في الدائرة السياسية في كل الاجتماعات التي عقدها. مسؤول قسم أوروبا شارك في إجتماعات المعتمدين لدى الدول الاوروبية. وذات الشيء حصل مع مسؤول قسم آسيا، وقسم أفريقيا، وقسم الدول الاشتراكية. “الـوقـت مـن ذهــب، ونحـن في سبـــاق مـع الزمــن، والمسؤوليــة تاريخيــة وكبيـرة. بيـدكم قتـل هـذا المــولــود (الدولة) وبيدكم بعث الحياة فيه”. بهذه الكلمات وما شابهها خاطب أبوعمار المعتمدين. وفي الاجتماعات لم يكتفي بالحديث العام مع المجموع بل جلس مع كل واحد فيهم على إنفراد وناقشه في مهمته بالتفصيل. دخل بالأسماء وكتب رسائل خطية وحمل رسائل شفوية للرؤساء والمساعدين المقربين من رؤساء الدول. “المهم الحصول على الاعتراف وأنا جاهز لكل ما تطلبون لتحقيق هذا الهدف. المهم الحصول على الاعتراف بدولة فلسطين”. قدم الوعود والاغراءات للمعتمدين، وضمّن كلماته شيء من التهديد بالعقاب. والعقاب المطروح كان الاستبدال. قال لهم :”من لايستطيع الحصول على إعتراف الدولة التي يعمل فيها لا بد من إعتباره فاشلا في عمله، والفاشل لا بد من تغييره. المعتمد الذي يجلب الاعتراف بدولة فلسطين يعين سفيرا في تلك الدولة. أما الذي لاينجح فسيتم خلعه من منصبه. الى العمل من أجل فلسطين”. بهذه الجملة كان أبوعمار ينهي حديثه مع المعتمدين. وكان يضيف “مطلوب رسالة يومية من كل معتمد حول نشاطه وإتصالاته ونتائجها. وطلب أبوعمار رسائل و تقارير يومية من المعتمدين له ما يبرره، فهو يعرفهم فردا فردا. يعرف همة ونشاط كل منهم وأسلوب عمله. يعرف أن العديد منهم تحولوا الى العمل في التجارة بما في ذلك تجارة تبديل العملة، وبنوا لأنفسهم مشاريع خاصة بهم باتت تأخذ معظم وقتهم. ويعرف أيضا أن المهمة التي لا يلاحقها هو شخصيا تضيع في أدراج المعتمدين، أو تتبخر من أذهانهم إذا أغفل عينه عنها، وكم من مهمة نبيلة ضاعت بسبب عدم المتابعة. هكذا تعود المعتمدون على العمل في مهمامهم. والأصح هكذا أراد أبو عمار وهكذا عودهم.
لا شك أن المهمة التي حملها المعتمدين نبيلة ولكنها لم تكن سهلة، وبحاجة الى متابعة حقيقية. الجزائر شقت الطريق وأرادت أن يكون لها شرف إعتراف أول دولة في العالم بدولة فلسطين، هذا ما أعلنه الممثل الشخصي للرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد من على منصة المجلس الوطني في الليلة الشهيرة، وقبل إنفضاض جلسته الأخيرة. إعتراف الجزائر نبه الدول الصديقة كما نبه الخصوم. إنتزاع الاعتراف معركة حقيقية، لا بد من تسخير كل الأمكانات والطاقات لتحقيق النصر فيها. الهزيمة غير مسموحة. الهزيمة كارثة وطنية وسياسية، الهزيمة ضربة قاسمة للانتفاضة. إذن يجب النجاح، ويجب إنتزاع إعتراف العالم بدولة فلسطين. هكذا قالت القيادة الفلسطينية، وكل أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني. ورشة إنتزاع الاعتراف ورشة وطنية وكان من الطبيعي والمنطقي أن تنخرط فيها كل القيادات الفلسطينية، أمناء عامين، أعضاء لجنة تنفيذية، وأعضاء مكاتب سياسية ولجان مركزية للفصائل، لا سيما وأن قرار إعلان الاستقلال وقيام دولة فلسطينية صدر عن المجلس الوطني بالإجماع، وأن الورشة صبحت خاضعة لمراقبة الشعب الفسطيني. فالجميع راح يترقب ردود الفعل العربية والدولية. القوى السياسية تترقب، الشخصيات الوطني تترقب، المواطن العادي داخل الوطن وخارجه يراقب ويترقب. فالكل كان قلقا على المولود الجديد وعلى حياته..الماكينة الفلسطينية السياسية والاعلامية بدأت بالعمل. توزع المندوبون، وبدأت رحلات أبوعمار الى دول العالم للحصول على الإعتراف. قليل من أعضاء اللجنة التنفيذية إنخرطوا بجدية في الورشة. آخرون تعاملوا مع قرار إعلان الاستقلال وقيام الدولة كما يتعاملوا في العادة مع قرارات اللجنة التنفيذية. هؤلاء غادروا الجزائر الى أشغالهم ومشاريعهم الخاصة، والى أماكن سكناهم وإنضموا الى الشعب في الترقب والانتظار. الأمناء العامون للفصائل أعفوا أنفسهم من الشغل في هذه الورشة. وتعاملوا مع قرارات الدورة 19 للمجلس الوطني تماما كما كانوا يتعاملون مع قرارات المجالس السابقة ومع قرارات مكاتبهم السياسية ولجانهم المركزية .فبعد انتهاء دورة الجزائر أسرعوا في العودة الى مراكزهم القيادية. بعضهم توجه الى دمشق وبعضهم الى تونس واخرون الى عمان وبغداد. كان همهم شرح وتفسير قرارات المجلس لكوادر تنظيماتهم. الشغل في ورشة انتزاع الاعتراف مسألة تفصيلية عندهم، يكفيها مندوبوهم في اللجنة التنفيذية..ومن باب الأمانة، يجب أن يسجل أن بعضهم أصدر تصريحا ما ناشد فيه دول العالم وأصدقاء الشعب الفلسطيني الاعتراف بدولة فلسطين.وحتى لا نهضم ونطمس جهودهم يمكن تسجيل أيضا أن بعضهم أرسل رسائل الى هذا الحزب الحاكم أو ذاك الرئيس الصديق. بعد المجلس طلب أبوعمار من الأمناء العامين البقاء بجانبه ومشاركته في حركته من أجل إنتزاع الاعتراف بدولة فلسطين. في حينها بعضهم وعد بإنجاز مهامه بأسرع وقت في هذه العاصمة العربية أو تلك والالتحاق به بأسـرع وقـت للشغل معــا.
الأمناء العامون للجبهة الشعبية وجبهة النضال وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة التحرير العربية كانت مشكلاتهم بسيطة بالقياس لمشكلة أمين عام الجبهة الديمقراطية. هم عارضوا وتحفظوا على بعض القرارات السياسية المتعارضة مع توجهاتهم السياسية، أما هو فقد وافق تحت الضغط الداخلي والخارجي على كل القرارات. كانت رغبته معارضة اعتماد القرارين 242و338 كاساس لانعقاد المؤتمر الدولي ولحل القضية الفلسطينية وإستبدالهما بكل قرارات الشرعية الدولية. كان همه إرضاء السوريين وتجنب التصادم معهم. حاول إسترضائهم بفتح مسافة عن ياسرعرفات المتصادم مع القيادة السورية الراغبة في شل وتعطيل الدور السياسي لمنظمة التحرير المتمردة على مواقفهم. في الاجتماعات الحزبية الداخلية المصغرة كان يقول: “عظم حركة فتح أزرق وقوي ويتحمل الضربات، أما عظم الجبهة الديمقراطية فهو هش ولا يتحمل. فتح غير موجودة في سوريا ولا في لبنان، ورتبت نفسها مع الدول العربية ونظمت أوضاعها في تونس والجزائر واليمن والسودان والعراق وليبيا. أما نحن (الجبهة الديمقراطية) فتواجدنا في سوريا هو الأساس فلماذا نعرض أنفسنا للتصادم مع السوريين؟ في الدورة 17 للمجلس الوطني تصدرنا المعركة وساهمنا بفعالية في إستعادة الوحدة الوطنية ودفعنا ثمن ذلك غاليا وهذا يكفي. في حينها منعتنا سوريا من العودة الى دمشق وشلت عملنا وعطلت دور قيادة الجبهة. والموافقة على القرارت السياسية للمجلس تؤثرعلى وضعنا في سوريا ولبنان”. كان يرغب في تقليد مواقف الجبهة الشعبية لكنه لم يستطع. وبعد المجلس رفض الاستجابة لتمنيات بعض رفاقه من قيادة الجبهة وتمنيات أبوعمارعليه بالبقاء في تونس للمساعدة في العمل على نيل الاعتراف بدولة فلسطين.وفضل السفر الى دمشق مباشرة ليطلع اللجنة المركزية وكوادر الجبهة على مجريات الأمور في المجلس. وليعالج“تمرد” أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي الذين وقفوا مع قرارات المجلس الفلسطيني، وخرجوا على إرادته وعلى قرارات اللجنة المركزية .
في حينها كان واضحا أن الامين العام للجبهة الديمقراطية لن يعود ليشارك في الورشة فلديه ما هو أهم من ذلك بكثير.. وبخاصة الأزمة الداخلية وردود الفعل السورية على موافقة الجبهة الديمقراطية على كل قرارات المجلس. فسوريا كانت ضد عقد دورة المجلس الوطني، وهي ضد الدولة الفلسطينية، وضد كل قرارات المجلس الوطني. وأعمال المجلس بمحصلتها الاجمالية أغضبت السوريين، وزادت من عدوانيتهم ضد أبوعمار، وغضبوا على نايف وكل من وافق على قرارات المجلس الوطني. في الدورة 19 جميع القوى لاحظت الخلاف داخل الجبهة الديمقراطية وفوجئت بوقوف أمين عام الجبهة الديمقراطية ضد دولتين للشعبين، علما أن هذا التنظيم هو صاحب برنامج السلطة الوطنية الذي أقره المجلس الوطني عام 74. ولاحظت أيضا أن موافقته على القرارات تمت في حينها على مضض.
بعد صدور قرارات المجلس بعض أعضاء الجبهة في المجلس إعتبروا أنفسم مهزومين. بعضهم بكى بعد الاعلان عن قيام الدولة وبعد الإعلان عن القرارات السياسية. البكاء لم يكن فرحا بقيام دولة لشعب فلسطين كما حصل مع بعض الأعضاء، وليس حزنا على إضطرار الشعب الفلسطيني على قبول قيام دولة فلسطين على 17% من الأراضي الفلسطينية المقدسة. سبب البكاء هو تعاكس قرارات المجلس الوطني مع قرارات اللجنة المركزية للجبهة، وتمرد عدد من أعضاء المكتب السياسي على موقف الأمين العام. في تلك الليلة كان الشعب الفلسطيني داخل وخارج الأرض المحتلة يرقص ويغني فرحا بقيام دولة فلسطين، وبعض أعضاء اللجنة المركزية كانوا يبكون في ذات اللحظة.. لأن نص قرارات المجلس لم تأت مطابقة لقرارات اللجنة المركزية.
رغم تغيب الأمناء العامين للفصائل وعدم مشاركتهم في الجهود المبذولة من أجل إنتزاع الاعتراف بدولة فلسطين فالعمل في الورشة بدأ يعطي ثماره. فبعد أيام قليلة من إنتهاء أعمال المجلس توالت وبتسارع كبير إعترافات دول العالم بدولة فلسطين. الجميع ترقب الاذاعات، الشعب وأعضاء التنظيمات تابعوا يوميا عدد الدول التي إعترفت بدولة فلسطين. واحد، اثنين، خمسة،عشرة، عشرين، ثلاثين، أربعين، خمسين، ستين، ثمانين. الأرقام توبعت يوميا من كل الشعب بما في ذلك كوادر الفصائل وقياداتها. ولم يتوقف تتبع الأرقام إلا بعدما إطمئن الجميع أن شعب فلسطين تجاوز الامتحان بنجاح، وإنتزع إعتراف عدد من دول العالم بدولته يفوق عدد الدول المعترفة بدولة إسرائيل. وفي حينها ردد بعض أعضاء القيادة الفلسطينية أفكاراخلاصتها أن الادارة الامريكية ليست ضد إعتراف دول العالم بدولة فلسطين طالما أنها قضية نظرية. آخرون قالوا إن الاعتراف الدولي الواسع والسريع بدولة فلسطين تم بايعاز من الادارة الامريكية فلو كانت أمريكا ضد الاعتراف بدولة فلسطين لامتنعت غالبية الدول عن الاعتراف بها ومنها عدد من الدول العربية. الاعتراف بدولة فلسطين كان فرعا رئيسيا من فروع الورشة التي فتحتها قرارات دورة الجزائر. والنجاح في هذا الفرع مهم ومهم جدا. ولكن إكتماله يتطلب النجاح في فروع أخرى. فضمان تواصل الانتفاضة وتوفير الحماية السياسية لها فرع آخر لا يقل حيوية عن الفرع الأول. وإدارة الحوار الفلسطيني الأمريكي فرع ثالث حيوي من فروع الورشة ملامحه الأولية بدأت تظهر في الأفق.
بعد المجلس وبعد توالي إعترافات دول العالم بدولة فلسطين جرى التداول في القيادة الفلسطينية حول سفر أبوعمار الى الأمم المتحدة وحضور إجتماع الجمعية العمومية وإلقاء كلمة فيها وتوضيح التطور النوعي في الموقف السياسي الفلسطيني. في حينها أقرت الفكرة من حيث المبدأ وكلف بعض أعضاء اللجنة التنفيذية بالتحضير لها. والتحضير المطلوب هو تحضير الكلمة التي سيلقيها أبوعمار، وإجراء إتصالات سياسية مع الدول العربية والدول الصديقة لتأمين حضورها على مستوى وزراء الخارجية. وكذلك الإتصال مع الأمين العام للأمم المتحدة، ومع الجهات الامريكية المعنية لتأمين دخول أبوعمار الى الولايات المتحدة الأمريكية. وبجانب ذلك لابد من بعض الترتيبات الأمنية البسيطة. بعض أعضاء القيادة تسائلوا حول إمكانية رفض الادارة الأمريكية السماح لأبو عمار بدخول نيويورك. في حينه لم يتردد أبوعمار في القول: “هذة مسألة مضمونة والأمركان سيرحبوا بالزيارة. في عام 1974 زرت أمريكا وألقيت كلمة في الأمم المتحدة وكنت في حينها في قمة التطرف، وكان عملنا العسكري في الذروة، ولم يكن عندنا إنتفاضة”. واضاف “أنتم جهّزوا الخطاب واتركوا الباقي على أبوعمار”. وكان مفهوما للجميع أن الورشة الأمنية لاعلاقة للجنة التنفيذية بها. فمثل هذه الورشة بالتحديد يتولاها عادة أبوعمار شخصيا. صحيح أنه رجل قدري يؤمن بقوله تعالى “قل لن يصيبكم إلا ماكتب الله لكم” إلا أن قدريته كانت في المسائل الامنية مربوطة بالعمل. فهو يؤمن أيضا بقول الرسول “إعقل وتوكل”. كان يؤمن بالقدر إلا أنه كان يقظا على أمنه الشخصي الى أبعد الحدود، ويعمل به بنفسه ولا يوكله لأحد. لديه حاسة سادسة خاصة بالأمن وخاصة أمنه الشخصي. يؤمن بالقدر لكنه يؤمن بالحدس، ولديه حدسه الخاص المزعج لحياته الشخصية، ولحياة كل من يرافقه ويعيش معه. فكثيرة هي المرات التي كان يبدل فيها مكان نومه في آخر لحظة. وأكثر منها تلك المرات التي كان يحدد فيها مكانا ما لعقد إجتماع ثم يستبدله قبل لحظات من الموعد المحدد. “في المسألة الأمنية لا تساهل إطلاقا لا خجل ولا حرج”. وهذه القناعة والأفكار هي التي مكنته من النجاة والنجاح في الافلات من الكثير من محاولات الشطب والإغتيال التي تعرض لها.