مقابلة صحفية حول اتفاق اوسلو وعملية السلام

بقلم ممدوح نوفل في 05/11/1996

مقابلة صحفية
س1 / كيف تقيمون اتفاق اوسلو بشقيه 1+2بعد ان قطع مراحل متقدمة تشكلت على الارض وتمثلت في انسحاب القوات الاسرائيلية من عدد من المدن والقرى الفلسطينية وكيف ترون المستقبل على الارض؟
ج/ بداية وقبل الدخول في تقيم اتفاق اوسلو ونتائجه على الوضع الفلسطيني اعتقد ان المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني ومستقبل الديمقراطية على الساحة الفلسطينية تفرض القول ان على جميع اطراف الحركة الوطنية الفلسطينية التعامل مع هذا الاتفاق وكل الاتفاقات التي تم التوصل لها بصورة موضوعية وواقعية. فالاتفاق اصبح حقيقة من حقائق حياة الشعب الفلسطيني ومن حقائق العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، والفلسطينية العربية والدولي. وهو على كل حال نتاج موازين القوى الراهنة والظروف والاوضاع الدولية المحيطة بالصراع العربي الاسرائيلي وبالقضية الفلسطينية، والحديث عن الغائه واسقاطه حديث غير واقعي.
وفي سياق التقييم اظن ان لا مصلحة لاي طرف فلسطيني في تجميله، واخفاء عيوبه ونواقصه. فأشد المتحمسين له يعرفون انه خطوة على طريق طويلة ومعقدة جدا، وانه اتفاق جزئي في اطار اتفاق مرحلي. ولا يستطيعون انكار أنه دون الطموحات الفلسطينية، وأنه جزّء ومرّحل الحقوق الفلسطينية وبخاصة ما يتعلق بالانسحاب، وبالسيادة على الارض والمياة، واطلاق سراح المعتقلين. وأن النوايا الاسرائيلية السيئة التي اظهرتها التجربة السابقة، وأكدتها صياغة نصوص الاتفاقات، وما تلاه من تلاعب ومماطلات في التنفيذ قد يحول مدن الضفة الغربية الى جزر معزولة عن بعضها البعض، وقد يعقّد العلاقة اليومية التجارية والاجتماعية بينها وبين التجمعات السكانية في الارياف. وقد يقود الى الفصل اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا بين الضفة وقطاع غزة. وليس عسيرا على كل من يريد البحث عن الثغرات في اتفاقي اوسلو وطابا ان يضيف الكثير على ما ذكر اعلاه.
وبالمقابل لا يستطيع ألد أعداء الاتفاق تلبيسه تهمة اغلاق الطريق أمام الشعب الفلسطيني لمتابعة الصراع من أجل تحقيق حقوقه الوطنية الكثيرة المغتصبة. لقد وافق الفلسطينيون منذ بداية عملية السلام على مرحلة اهدافهم المرحلية التي حددوها لانفسهم في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني. وقبلوا تاجيل بحث القضايا الرئيسية (اللاجئين، االقدس) الى مفاوضات الحل النهائي، التي يفترض ان تبدأ في ايار القادم. واتفاق طابا راكم قضايا جديدة فوق تلك القضايا المؤجلة. ويجب الاعتراف ان هذا التأجيل فيه خضوع للابتزاز الاسرائيلي. وبالمقابل يجب انصاف الحقيقة والاعتراف ايضا ان تأجيل بحث هذه المسائل لا يعني من الناحية النظرية ضياعها. فاذا كان للجانب الاسرائيلي تفسيرا خاصا لكل القضايا الاساسية المؤجلة فللفلسطينيين تفسيرهم ايضا. ولصنع السلام الحقيقي القابل للحياة استحقاقاته، وبدون دفعها مقدما او متاخرة تتحول العملية الجارية الى نوع من الهدنة او التسوية المؤقتة اوما يشبهها.
اعتقد ان السلطة الفلسطينية واجهزة الاعلام الفلسطينية ترتكب اخطاء جسيمة حين تتردد وتخجل من تسمية الامور باسمائها. لا بد من القول صباح ومساء للشعب الفلسطيني بان الاحتلال لم ينتهي، وانه لازال يتحكم في معظم مناحي الحياة، وان زواله كاملا يحتاج الى نضال شاق وعسير. ولا بد من القول ايضا للقيادة الاسرائيلية، ولراعيي المفاوضات، وكل القوى الدولية الطامحة الى صنع السلام وخلق استقرار دائم في منطقة الشرق الاوسط ان الوصول الى هذا الهدف يتطلب ليس اعطاء الجانب الفلسطيني حقوقه التي عجز عن أخذها في اتفاق طابا فحسب، بل وايضا انسحاب القوات الاسرائيلية انسحابا كاملا ونهائيا من كل الاراضي الفلسطينية والعربية التي احتلت عام 1967. وانهاء الوجود الاستيطاني، واعطاء الشعب الفلسطيني كامل حقوقه الوطنية المشروعة وفي مقدمتها حقه في تقرير مصيره، وعودة جميع النازحين، وحل مشكلة اللاجئين، والاعتذار له عن الظلم التاريخي الذي لحق به على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمن. فعدم حل مشكلة اللاجئين مثلا على مدى 45عاما لم يضيع حقوقهم، بل ابقاها معلقة، وخلق حالة من عدم الاستقرار في كل المنطقة، وفجر بين العرب والاسرائيليين خمسة حروب كبيرة. واعتقد ان تقطيع اوصال الضفة الغربية وتحويلها الى (بانتوستانات)، وفصل غزة عن الضفة الغربية، وعدم اطلاق سراح كل المعتقلات والمعتقلين، والابقاء على المستوطنيين في قلب مدينة الخليل، يبقى على حالة التوتر بين الشعبين قائمة. ويحول الاتفاق الى صيغة من صيغ الترتيبات المؤقته.
وفي سياق البحث في النتائج البعيدة لاتفاق اوسلو بقسميه لا بد من التاكيد بان هذه العملية ليست هينة وبخاصة بعد مقتل رابين. اما المباشرة منها فالواضح انه هز الفكر الصهيوني المتطرف، الذي يتعامل مع اراضي الضفة الغربية باعتبارها أرض الميعاد. وجعل مصير المستوطنيين والمستوطنات قضية صراعية بين الاحزاب اليمينية وبين الائتلاف الحاكم. وانهى بعض الافكار التي كانت تنادى بالترانسفير للفلسطينيين من الضفة الغربية الى الاردن، وتحويل الاردن الى وطن بديل للفلسطينين. وتعرف القيادات الاسرائيلية يمينها ويسارها ان تنفيذ اتفاق طابا وتفاعلاته اللاحقة، سوف يفرض آجلا او عاجلاعلى اسرائيل رسم حدودها الدولية مع جيرانها بما في ذلك الكيان الفلسطيني المجاور لها. وأن تنفيذ هذا الاتفاق سوف يفرض أمرا واقعا يقود مع الزمن الى التخلي عن فكرة اسرائيل الكبرى، وانتهاء العقلية التوسعية التي تحكمت في السياسة الاسرائيلية منذ قيامها وحتى الان. ولعل هذا الادراك هو الذي يفسر حالة الهستيريا التي يعيشها المستوطنون وكل الاحزاب اليمنية الاسرائيلية الان.
ويفترض ان لا يكون هناك خلاف على ان اتفاق طابا بنصوصة وتفاعلاته اللاحقة فلسطينيا وعربيا ودوليا وفي العلاقة مع الاسرائيليين يحسّن جزئيا من وضع الفلسطينيين فوق ارضهم، ويحسّن موقع قضيتهم في إطار المساعي الهادفة الى تسوية الصراع العربي الاسرائيلي، ويقوي اوراقهم التفاوضية في المفاوضات اللاحقة سواء تلك المتعلقة بتنفيذ الاتفاقات التي وقعوها مع الاسرائيليين حتى الان، او تلك المتعلقة بالمرحلة النهائية. خاصة اذا احسنوا استثمار ما يعطيه الاتفاق لهم واحسنوا ادارة الصراع في مرحلة ما بعد اغتيال رابين. ويخطأ قادة الاتجاه الفلسطيني الواقعي ان هم اشاعوا بعد العبور الى جنين ونابلس وطولكرم وقلقيلية ورام الله والخليل، او تصرفوا وكأن السلام قد تحقق، فخلق مثل هذه الاجواء سيؤدي الى حالة احباط في صفوف الشعب الفلسطيني.
وتنفيذ اتفاق طابا يكرس وجود كيان فلسطيني موحد يقوم على اجزاء من الارض الفلسطينية، ويخلق سلطة فلسطينية تشمل سلطاتها كل سكان الضفة الغربية وقطاع غزة، ولها كل مقومات السطات الحاكمة، بما في ذلك مؤسساتها المدنية التنفيذية، والقضائية، والتشريعية (بحدود) المنتخبة والمعترف بها عربيا ودوليا. ولها شرطة مسلحة سيصل عددهم الى 30 الف رجل. وبالرغم من الملاحظات الكثيرة التي يمكن تسجيلها على مدى تماسك هذا الكيان، وعلى الدور الراهن واللاحق للسطة، فالواضح ان هذا الكيان قابل للتحول الى دول مستقلة.

س2/ بعد اقرار قانون الانتخابات كيف تنظرون الى الانتخابات القادمة
ج / اعطي اتفاق طابا لابناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة الحق في انتخاب مجلس السلطة الفلسطينية، وانتخاب رئيس السلطة التنفيذية، بصورة حرة ومباشرة، وفر للعملية الانتخابية رقابة خارجية عربية ودولية. واذا سارت الامور وفقا للاتفاق وللتصريحات الرسمية الاسرائيلية والفلسطينية، ولم تقع اية مفاجئات جديدة، فالانتخابات سوف تتم قبل نهاية شهر كانون الثاني من العام القادم. لاسيما وان كل التحضيرات الضرورية لها تكاد تكون منجزة، بما في ذلك وصول المراقبين الدوليين الى غزة والضفة الغربية. واظن ان اغتيال رابين يسرّع في اجرائها في التاريخ المحدد لها او بحدودة. فهي احدى القضايا المتفق عليها في حياته، واغتياله خفف من قيمة ربط اجرائها بمدى خدمتها لرابين وقيادة حزب العمل في انتخابات الكنيست، حيث اضعف تأثير الانتخابات الفلسطينية على الانتخابات الاسرائيلية، ووفر لحزب العمل اوراقا كثيرة وكبيرة تساعدها في مواجهة اليمين.
والواضح انه منذ الاعلان عن عزم السلطة الفلسطينية على اجراء الانتخابات واعلانها عن التوقيت، ونشرها لقانون الانتخابات استقطب الموضوع اهتماما واسعا في اوساط الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. كما استقطب ايضا اهتمام اوساط دولية وعربية واسعة. واصبحت الانتخابات بمثابة القضية المركزية الطاغية على الحياة السياسية في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولعل السبب الرئيسي في الاهتمام العربي والدولي الواسع يعود للترابط العميق بينها وبين عملية السلام. فمن خلالها سوف يتقرر الموقف الفلسطيني من كل موضوع المشاركة الفلسطينية فيها، بدء من مؤتمر مدريد وانتهاء بالاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية التي تم التوصل لها. وعلى ضوء نتائجها سيتقرر الدور الفلسطيني في المفاوضات اللاحقة.
اما الاهتمام الشعبي الفلسطيني الواسع بالانتخابات فاظنه لا ينطلق من كونها جزء من اتفاقي اوسلو وطابا، بل تعبير عن رغبة ابناء الضفة الغربية وقطاع غزة في المشاركة المباشرة في بناء نظامهم السياسي، وفي ارساءه على اسس صحيحة. ولانهم يروا فيها ضربا من ضروب ممارسة حق تقرير المصير، واحد الوسائل الاساسية لتطبيق الديمقراطية في حياتهم، وبداية الطريق نحو تأسيس المجتمع المدني الجديد الذي يطمحون الوصول له. ويرجح ان تكون المشاركة الشعبية فيها واسعة. فالغالبية الساحقة من ابناء الضفة والقطاع وقطاع غزة تواقون لممارسة حقوقهم الديمقراطية بعد سنوات طويلة من الاحتلال، ولانها اول انتخابات “تشريعية” فلسطينية يشارك فيها الفلسطينيون في الضفة والقطاع بصورة موحدة، وبهدف انتخاب مجلس “تشريعي” فلسطيني واحد، ورئيس فلسطيني للسلطة التنفيذية (رئيس الوزراء). واظنهم لن يدققوا كثيرا في قانون الانتخابات، ولن يستجيبوا لدعوات المقاطعة التي يتوقع ان تدعوا لها بعض القوى الفلسطينية المعارضة لعملية السلام. فالمهم بالنسبة للناس العاديين اجراؤها، تاركين التدقيق في القوانين والانظمة الانتخابية للاوساط السياسية الرسمية والحزبية الفلسطينية ولمؤسسات المجتمع المدني. اما اهتمام فلسطينيوا الخارج بالموضوع فيتضمن بعضا من القلق على المصير الوطني والذاتي. لاسيما وانهم يعرفون ان نتائجها سوف تؤثر على مصيرهم ومستقبلهم، وعلى مصير م ت ف التي يعتبرونها ممثلهم الشرعي والوحيد. وهم محرومون من ممارسة هذا الحق الديمقراطي، وممنوعون من المشاركة فيها، ولا يجدون من يجيبهم على تساؤلاتهم المشروعة حولها.
وبصرف النظر عن الملاحظات الكثيرة يمكن تسجيلها على قانون الانتخابات وعلى التدخل الاسرائيلي في وضع اسسه، وعن الصلاحيات الممنوحة للمجلس ولرئيس السلطة التنفيذية، فاني اعتقد ان النص في اتفاق طابا على الانتخابات هو من اهم نصوص الاتفاق، وان اجرائها ضرورة وطنية ومكسبا فلسطينيا كبيرا، سيكون له ما بعدة على مجمل الوضع الفلسطيني، بما في ذلك الحياة السياسية والحزبية، ومستقبل الكيان الفلسطيني، وعلى المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية اللاحقة. ولذا فممارسة هذا الحق واجب على كل القوى الفلسطينية وكل ابناء الشعب الفلسطيني القادرين على الادلاء باصواته. فالانتخابات تخلق مؤسسات تشريعية وتنفيذية فلسطينية تستمد شرعيتها من المصدر الحقيقي للسلطات. وتنهي الطعن والتشكيك الفلسطيني، والى حد ما العربي، في شرعية ثمثيل القيادة الفلسطينية الحالية للشعب الفلسطيني. وانتخاب قيادة للشعب الفلسطيني بصورة ديمقراطية خير الف مرة كما اتصور من الاستمرار في اعتماد قيادة استمدت شرعيتها عبر النضال وعبر تقادم الزمن على وجودها في مواقهعا القيادية. وأظن ان الاعتماد على التاريخ في تثبيت الشرعية القيادة لم يعد مقبولا ولا كافيا، وبخاصة بعد كل التطورات الكبيرة التي طرأت على القضية الوطنية وعلى بنية المجتمع الفلسطيني، وبنية م.ت.ف. وبنية فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية.
والانتخابات هي الوسيلة الديمقراطية الوحيدة القادرة على تحديد موقف الشعب الفلسطيني من كل القضايا السياسية والتنظيمية المختلف حولها في الساحة الفلسطينية، ومن الاتفاقات التي تم التوصل لها بما في ذلك اتفاق طابا. ووجود جسم قيادي فلسطيني يستمد شرعيته من جزء من الشعب الفلسطيني (مليونين ونصف) يعطي للقضية الفلسطينية، وللكيان الفلسطيني وسلطاته التشريعية والتنفيذية بعدا دوليا وعربيا جديدين. ويساهم بقوة في تسريع تطور هذا الكيان الى دولة مستقلة. ويحفز الشعب الفلسطيني على متابعة النضال من اجل تحويل كيانه السياسي الى دولة مستقلة وذات سيادة. ويفتح الافاق امام الدول العربية والاجنبية الصديقة للمساعدة في دعم واسناد هذا التحول. ويقوي مواقف السلطة الفلسطينية في المحافل العربية والدولية ، ويعطي الاتفاقات التي تم توقيعها مع الاخرين مصداقية كبيرة. ويفرض على القيادة الاسرائيلية واحزابها السياسية نمطا جديدا من العلاقة مع المؤسسات الفلسطينية. والتعامل مع السلطة الفلسطينية ومع المفاوضين الفلسطينيين ومع الاتفاقات التي توقعها معهم باحترام اكبر.
وبالتدقيق في مواقف القوى السياسية الفلسطينية من الانتخابات نجدها متباينه. فهناك من هو متحمس لها لاسباب وطنية وحزبية. وحريص على ان تجري بصورة حرة وديمقراطية ونزيهة، وواثق من نتيجتها. وفي اطار هذا التيار هناك من له ملاحظات على قانون الانتخابات وعلى توقيتها، ويطالب باجراء بعض التعديلات على القانون، ويفضل تاجيلها الى ما بعد استكمال الانسحاب الاسرائيلي من كل المدن والقرى الفلسطينية بما في ذلك مدينة الخليل. وهناك تيار آخر يعارضها بشدة وصار واضحا انه سيقاطعها. ويضم هذا التيار كل القوى الصغيرة المنضوية تحت لواء القوى الفلسطينية العشرة المعارضة لعملية السلام. وبغض النظر عن الاسباب الوطنية التي تسوقها هذه القوى لتبرير مواقفها المعارضة للانتخابات فالواضح انها تخفي عدم الثقة بالذات، وتخشى من نتائجها. لاسيما وانها ستعطي لكل ذي وزن في صفوف الشعب حجمه ووزنه. وهناك اتجاه ثالث ما زال مترددا في قراره، ومحتارا بين المقاطعة والمشاركة الرسمية، او المشاركة غير الرسمية، أي دعم مرشحين دون تبنيهم بشكل رسمي. وبالتمعن في خلفيات مواقف هذا التيار نجدة يعيش صراعا داخليا فهو من جهة مقتنع باهمية الانتخابات على الصعيد الوطني والتنظيمي، ويدرك ان عدم المشاركة فيها يعني التصادم مع الموقف الشعبي الفلسطيني والخروج ولو مؤقتا من الحركة السياسسية الفلسطينية الرسمية، ومن دائرة الفعل والتاثير في النشاط السياسي اليومي. ومن جهة اخرى فقيادة هذا التيار تخشى من المشاركة لسببين رئيسسين: الاول انكشاف ضعف نفوذها في الشارع الفلسطيني، والثاني تفكك وحدتها الفكرية والتنظيمية، حيث ستجد نفسها مضطرة الى مراجعة نهجها السياسي المعارض لكل عملية السلام التي انطلقت من مدريد قبل اربع سنوات، ومراجعة نشاطها العملي الذي سلكته في المرحلة الماضية في مواجهة عملية السلام.
وفي سياق الحديث عن الانتخابات لا بد من الاقرار بانها تطرح مجموعة من الاسئلة الوطنية التي تستوجب التوقف امامها الان وبعد الانتخابات. منها على سبيل المثال دور المجلس المنتخب وسلطته التنفيذية اتجاه الشعب الفلسطيني في الشتات، ومنها ايضا مصير مصير م. ت. ف. كممثل شرعي ووحيد لكل الشعب داخل وخارج الوطن، وموقع المؤسسات التشريعية والتنفيذية المنتخبة،في اطار المنظمة. وفي سياق البحث عن الحلول الوطنية لهذه الاسئلة المشروعة يجب التمييز بين مشروعية طرحها وبين دعوات البعض الى تأجيل الانتخابات لحين الاتفاق حول حلها. واظن ان كل القوى الفلسطينية تعرف ان اجراء الانتخابات يعني التشييع الرسمي لمرحلة التنظيمات والفصائل العسكرية التي بنيت على اسس عسكرية وشبه عسكرية. وانتهاء دور معظم القيادات السياسية الفلسطينية التي انتزعت دورها ومواقعها القيادية في ساحة العمل الوطني بجدارة خلال تلك المرحلة. والدخول العملي في مرحلة تكون فيها القيادات منتخبة من الشعب، وليست مفروضة علية او منتخبة من تنظيماتها في احسن الاحوال. وايضا تحوّل التنظيمات الفلسطينية الى احزاب سياسية، تستمد قوتها من ديمقراطة علاقاتها الداخلية وعلاقتها مع الناس. وبصرف النظر عن مواقف القوى فرفض المشاركة في الانتخابات يعني في الوضاع والظروف الراهنة رفض لتعزيز الديمقراطية في العمل السياسي الفلسطيني وتمسك ببقاء الاوضاع القيادية على ما هي علية حتى الان. ولا مبالغة في القول ان تاريخ اجراء الانتخابات الفلسطينية يمكن تثبيته باعتباره تاريخا فاصلا في الاوضاع الفلسطينية الداخلية وبداية طور جديد في العلاقات. وهذا الطور يفرض على الجميع التعامل بواقعية وبمسؤولية وطنية عالية، والمشاركة في الانتخابات. وبالرغم من ان فوز ابوعمار في الانتخابات التي ستتم لمنصب رئيس السلطة (الوزراء) مضمون فانني اعتقد ان المصلحة الوطنية ومستقبل الديمقراطية الفلسطينية المباشر والبعيد تستوجب ترشيح شخصية وطنية تحظى باحترام شعبي لهذا المنصب .

س3/ تشير المستجدات الى ملامح اتفاق جديد على المسار السوري الاسرائيلي فاين ترون المعارضة الفلسطينية المقيمة في سوريا على خريطة الاتفاق المتوقع؟
ج / بالرغم من الضجيج الجديد حول المفاوضات السورية الاسرائيلية ومن وصول دنيس روس للمنطقة وقيامه بجولات مكوكية بين الطرفين فانني اعتقد ان من المبكر جدا الحديث عن قرب التوصل الى اتفاق على المسارين السورين واللبناني، وذلك لاعتبارات سورية واسرائيلية، واخرى تتعلق بمتطلبات أي اتفاق على المسار السوري الاسرائيلي.
شخصيا اعتقد القيادة السورية تفضل تاجيل الاتفاق حول الجولان الى ما بعد الانتهاء من الانتخابات الامريكية القادمة. فبيع الاتفاق للادراة الامريكية الجديدة خير لها من بيعه لادارة اغلب الظن انها راحلة. لاسيما وانها تريد ضمانات امريكية حول دورها الاقليمي، وحول استمرار دورها الراهن في لبنان، واظن انها تفكر في الحصول على مساعدات مالية امريكية شبيهة بتلك التي تقدم لاسرائيل ومصر. وعلى الطرف الاخر اعتقد ان بيرس وقيادة حزب العمل لا يستطيعوا في هذه الفترة بالذات تحمل نتائج اتفاق آخر بعد الهزة العنيفة التي احدثها اتفاق طابا داخل المجتمع الاسرائيلي. لاسيما وان قيادة حزب العمل ليست موحدة حول طبيعة الاتفاق حول الجولان، وحول مصير المستوطنات المقامة هناك، وان رابين وقيادة العمل سبق لهم والتزموا امام الكنيست بعرض أي اتفاق على المسار السوري الاسرائيلي للاستفتاء الشعبي. ومن الواضح ان بيريس ليس في وارد اجراء مثل هذا الاستفتاء الان، ورفضه اجراء انتخابات مبكرة يعزز مثل هذا الاعتقاد. اعتقد ان الاوضاع الداخلية لحزب العمل ومصلحته في الفوز في الانتخابات القادمة(بعد اقل من عام) تفرض على قيادته تحريك المفاوضات على المسارالسوري وتاجيل التوصل الى اتفاق نهائي الى ما بعد انتخابات الكنيست المقررة في نوفمبر 1996، وعلى كل حال اعتقد ان التوصل اية صيغة اتفاق بين الطرفين يحتاج الى اكثر من ستة شهور من المفاوضات المعقدة. وليس بامكان ادارة الرئيس كلينتون في عام الانتخابات ممارسة ضغوطات حقيقية على الاسرائيليين والسوريين للتوصل الى قواسم مشتركة تمثل الحد الادنى من مطالب الطرفين. واظن ان ليس بامكانها ايضا تأمين عدة مليارات من الدولارات تدفع لاسرائيل تعويضا على المستوطنات التي سيجري تفكيكها من الهضبة السورية، في الوقت الذي لا تملك فيه اغلبية في الكونغرس.
اما بشان مصير المعارضة الفلسطينية بعد الاتفاق على المسار السوري الاسرائيلي فاظن لا اتجنى على احد اذا قلت وجود المعارضة في دمشق يضعفها، سواء تم التوصل الى اتفاق سوري اسرائيلي في الفترة القريبة او تم تأجل هذا الاتفاق. فمركز ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية انتقل الى الارض الفلسطينية، ومركز القرار الفلسطيني انتقل للداخل، ومن يريد ان يكون له دورا في الحركة الوطنية وفي قرارها عليه التواجد في مركز القرار وفي قلب الحركة الوطنية. حتى لو كانت معارضة للحركة السياسية الجارية الان. واظن ان من غير المفهوم فلسطينيا ان تبقى بعض القيادات الفلسطينية في هذا الوقت بالذات خارج ارضها وبعيدة عن شعبها، اذا توفرت لها سبل العودة والعيش على ارضها. وعلى كل حال اعتقد ان الانتخابات الفلسطينية سوف ترسم نهاية الاعتماد على التاريخ في تبؤ المواقع القيادية .

س4/ انتم الان على ابواب العودة الى الوطن، وان تأخرت، فكيف تخططون لما بعد عودتكم؟
ج/ كنت ولازلت احبذ تجنب الحديث حول موضوع التأخير القسري لعودتي الى ارض الوطن، والاصح منعي من البقاء في وطني بعدما عدت اليه برفقة الاخ ابوعمار. فانا من ممن يؤمنون بان عودة كل القيادات الفلسطينية، وكل اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني الى ارض الوطن حق وواجب.لاسيما وان بناء الوطن وازالة كل مخلفات وآثار الاحتلال تحتاج الى كل جهد ممكن من كل وطني فلسطيني بغض النظر عن موقعه ودوره السابق، وعن موقفه السياسي وعن انتماءه التنظيمي. ولا اخفيك انني غير قادر على فهم مواقف اصحاب القرار في اسرائيل ازاء هذا الموضوع، وازاء عودة المبعدين، واطلاق سراح المعتقلين، والشروع جديا في تسهيل عودة النازحين. فهم مثلا يوافقون على الانتخابات الفلسطينية ويحبذون بالتأكيد فوز الاتجاه الواقعي فيها، لكنهم في نفس الوقت يرفضون السماح للمبعدين بالعودة ويحتفظون بالاف الشباب في السجون، ولا يوافقون على عودة ولو اعداد قليلة من النازحين..! وهناك مثال اخر اكثر غرابة: فهم يطالبون ياسرعرفات بالغاء بنود الميثاق وبنفس الوقت يرفضون السماح لاعضاء المجلس الوطني واعضاء المجلس المركزي من العودة. هل يعقل ان يوافق عضو في المجلس الوطني على الغاء ميثاق منظمة التحرير وهو لا يستطيع العودة الى بيته؟ ولا يستطيع الحصول على هويته الوطنية؟ ولا يستطيع حضور اجتماع للمجلس الوطني اذا عقد في غزة مثلا؟
اما بشأن التخطيط لما بعد العودة للوطن فكل ما استطيع قوله: بعد العودة الى ارض الوطن كل شيء يهون. فانا لازلت احتفظ بموقعي في الهيئات الوطنية الفلسطينية التي كنت اعمل في اطارها، ومن خلالهما قمت بواجبي الوطني. وبعد عودتي ساضع نفسي تحت تصرف هذه الهيئات لتقرر لي موقعي الذي يمكنني من خلاله مواصلة قيامي بواجبي الوطني.مقابلة صحفية حول اتفاق اوسلو
بعد التوقيع على اتفاق اوسلو في حديقة البيت الابيض يوم 13/9/1993 ظهر في الساحة الفلسطينية ثلاثة اتجاهات الاول أيد الاتفاق وأفرط في التفاؤل واعتقد أن تقاطع المصالح الاسرائيلية والفلسطينية والامريكية التي أفرزت الاتفاق يدفع باتجاه التسريع في تنفيذه. والثاني عارض الاتفاق وأفرط في التشاؤم واعتقد ان الاتفاق ولد ميتا وانه غيرقابل للتنفيذ ومن السهل اسقاطه، ولاحقا اطلق اصحاب هذا الاتجاه على اتفاق غزة واريحا اسم “غزة واريحا اولاواخيرا”. اما الاتجاه الثالث فهو الذي ظهر من أهل الارض المحتلة حيث تسائل اصحابه عن موضوع الاستيطان وعن حقوق الانسان الفلسطيني وقالوا العبرة في التنفيذ. وخلال التوقيع على الاتفاق قال بيريز للمفاوضين الفلسطينيين “علينا ان نستثمر المفاجئة قبل ان تستفيق المعارضة من هول الصدمة، وأن نكون كالطيارين الماهرين الذين يحلقون في أعالي السماء ويطيرون بأقص سرعة .
والان وبعد عامين من اتفاق اوسلو جاءت الوقائع لتؤكد بالملموس أن اهل الارض المحتلة كانوا الادرى بالاحتلال وسياساته، وان تقييمهم كان واقعي ودقيق. وان الاخرين من معارضين ومؤيدين للاتفاق شطوا في تقديراتهم، ووضعوا امنياتهم ورغباتهم الذاتية محل التقييم الموضوعي. فالاتفاق من جهة بقي على قيد الحياة ونما وكبر، ومن جهة اخرى تعثرت المفاوضات حوله وتأخر تنفيذ العديد من بنوده. واكدت الوقائع ايضا أن وايزمن الطيار ورئيس دولة اسرائيل والمعروف بانه من الحمائم ومن صّناع السلام المصري الاسرائيلي تحول في التعامل مع الاتفاق مع الفلسطينيين الى صقر، وتحول من طيار الى جندي مشاة بطيء الحركة على الارض. وطالب بتعليق المفاوضات مع الفلسطينيين. أما بيريز فقد ظهر على حقيقته بانه ديماغوجي، فهو الان المساوم الاول على تنفيذ بنود الاتفاق، ويعمل كاسفنجة مهمتها امتصاص التشنجات الفلسطينية حول قتل الاسرائيليين لروح اتفاق اوسلو واكلهم للعديد من نصوصه. وهناك رواية اخرى يرويها اصحابه تقول انه مغلوب على امره، ولا يريد تفجير حزب العمل ولا تدميرعلاقته مع رابين..
ومنذ التوقيع على الاتفاق وحتى والان، لم يحاول أي من الاطراف الفلسطينية القيام بمراجعة نقدية جريئة لموقفه السابق. وتمترس اصحاب وجهات النظر المتباينة في ذات الخنادق، وخلف ذات المتاريس التي تمترسوا خلفها يوم التوقيع على الاتفاق. فكل القوى الفلسطينية عادت واستذكرت الاتفاق في ذكراه الثانية، وتناولته من الزاوية التي تخدم وجه نظرها التي حددتها قبل عامين. وكأن العامين الماضيين كانا عند الفلسطينيين كالاعوام التي سبقتهما، وكانا خاليين من الاحداث ولم تبرز خلالهما اية وقائع وحقائق جديدة.
وبغض النظر عن راي المؤيدين أو المعارضين لاتفاق اوسلو فالتدقيق الموضوعي في الوضعين الفلسطيني والاسرائيلي يفرض على الجميع الاقرار في الذكرى الثانية لاوسلو بانه احدث خلال عامين من عمره تغييرات نوعية فيهما، وآثر في الوضع الاردني والعربي. ويمكن رصد تأثيراته ونتائجة الايجابية والسلبية عليها على النحو التالي:
على الصعيد العربي
لا يستطيع اشد المتحمسين لاتفاق اوسلو انكار انه وسع الخلافات العربية العربية الرسمية والشعبية التي كانت قائمة. واذا كان من غير الانصاف تحميل اوسلو المسؤولية عن الصراعات العربية العربية باعتبارها سابقة عليه، الا ان الموضوعية تفرض القول بأنه عمقها واضا ف لها قضايا خلافية جديدة. فمنذ اليوم الذي أعلن عنه انقسمت القوى العربية الحاكمة وغير الجكومية حوله وحول الموقف منه، وراحت تتراشق شتى انواع الاتهامات ولم تتوقف حتى الان. واعتقد انه اضعف التضامن الشعبي العربي وبعض التضامن الرسمي مع القضية الفلسطينية. وانهى التنسيق الشكلي الذي كان قائما بين الاطراف العربية المشاركة في مفاوضات السلام العربية الاسرائيلية.
وبجانب ذلك ساهم في تكريس حل الصراع العربي الاسرائيلي بالطرق السلمية. وانهى من الان ولاشعارآخر افكار الحرب، وافكار اللاحرب واللاسلم، التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة. والتي لم يحصد منها العرب الا الفقر والتخلف والمرض وضياع الوقت، وتعطيل الديمقراطية في الحياة السياسية، وسيادة الاحكام العرفية. واذا كانت المفاوضات على المسارين السوري واللبناني لم تتوصل الى اتفاقات محددة فهذا لا يعني ان سوريا ولبنان او أي من الاطراف العربية الاخرى تفكر في العودة الى خيار الحرب او الى العودة الى حالة اللاحرب واللاسلم كالتي كانت سائدة في بعض مراحل الصراع. وقبل ان اتهم بالتنكر للتاريخ ولتضحيات الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من اجل فلسطين، وبادانة الحروب العربية الاسرائيلية السابقة، أود التأكيد ان تقيمي الاولي لنتائج الحروب العربية الاسرائيلية لا يمس من قريب او بعيد التضحيات الكبيرة التي قدمت. وآمل ان بان يتم التعامل معه باعتباره دعوة للمفكرين الفلسطينيين والعرب للقيام بمراجعة شاملة ومعمقة لفترة الحرب الباردة ، ولتأثيرات هذه الحرب على الصراع العربي الاسرائيلي.
على صعيد الاردن
قبل التوصل الى اتفاق اوسلو كانت المفاوضات الاردنية الاسرائيلية قد قطعت في واشنطن شوطا ابعد من تلك التي كانت المفاوضات على المسارات العربية الاخرى قد قطعتها. فقضايا الصراع الثنائي الاردني الاسرائيلي بسيطة وغير معقدة وقليلة، اذا جردت من بعدها الفلسطيني والعربي. وبذات الوقت كان واضحا للجميع ان الاتفاق الاردني الاسرائيلي لن يكون اول الاتفاقات العربية الاسرائيلية وذلك لاعتبارات اردنية عديدة اهمها ان الحكومة الاردنية كانت ترى ان المصالح الاردنية المباشرة والبعيدة، ودوره على الصعيد العربي وارتباطه مع الفلسطينيين في اطار وفد مشترك تتعارض مع ذلك. ولذا يمكن القول ان اتفاق اوسلو سهل على الاردن الوصول الى معاهدة السلام الاردنية الاسرائيلية التي وقعت في وادي عربه. وان اتفاق اوسلو ومعه المعاهدة حركا الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الاردن. وانهيا بعض الافكار التي كانت تنادى بها بعض الاحزاب اليمينية الاسرائيلية المتطرفة من نوع الترانسفير للفلسطينيين من الضفة الغربية الى الاردن، وتحويل الاردن الى وطن بديل للفلسطينين. كما انهيا ايضا فكرة الخيار الاردني لحل القضية الفلسطينية التي كانت تتبناها سابقا اوساط واسعة في حزب العمل وفي الادارة الامريكية وفي بلدان اوروبا الغربية.
على الصعيد الاسرائيلي
الواضح ان اتفاق اوسلو قدم للقيادة الاسرائيلية قبض ثمن مشاركتها في عملية السلام سلفا. وارغمها في الوقت ذاته على دفع بعض الاستحقاقات. فالاتفاق كما ظهر خلال العامين كرس استراتيجية الحكومة الاسرائيلية القائمة على الاستفراد بالاطراف العربية في المفاوضات والوصول الى حلول ثنائية مع كل طرف على انفراد. وضمن الاعتراف الفلسطيني باسرائيل. وضمن الامن لها، واوجد قوة فلسطينية تلتزم بالحفاظ على امن دولة اسرائيل ومواطنيها بما في ذلك المستوطنيين الذبن ينادون ويعملون صباح ومساء ضد تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو. وساهم في انفتاح اسرائيل اقتصاديا وسياسيا على العديد من الدول العربية. وفي استعادة علاقتها وتبادل الاعتراف مع العديد من الدول الاسلامية والافريقية. وبنفس الوقت فرض على القيادة الاسرائيلية مواجهة الحقيقة الفلسطينية التي تهربت منها اكثر من اربعين عاما. فاعترفت بان هناك شعب اسمه الشعب الفلسطيني، وان لهذا شعب ممثل شرعي هو م ت ف، وله سلطة لها الحق في ادارة شؤون حياته بمعزل عن التدخل الاسرائيلي المباشر. وان الضفة الغربية وقطاع غزة ليست اراضي اسرائيلية.
اما على الصعيد الفلسطيني فقد اسقط الاتفاق خلال عامين مقولة البعض بان في المنطقة اربعة دول وخمس شعوب، وان الشعب الخامس (الفلسطيني) شعب زائد. واوجد كيان فلسطيني قابل للتحول الى دولة. والصراع الان لا يدور حول وجود هذا الكيان، بل حول حدودة، وحدود سياديته ودوره وعلاقاته بجيرانه. واوجد سلطة فلسطينية لها كل مقومات السطات الحاكمة ما عدا السيادة والعلاقات الدبلوماسية. ولها شرطة قوامها 18 الف رجل وسيصل عددهم الى ثلاثين الف في غضون الاسابيع القليلة القادمة بعد التوقيع على الاتفاق الجديد. زنقل الاعتراف الدولي والعربي بالكيان الفلسطيني من الحيز النظري الى الحيز العملي، حيث تم الاعترف بجواز السفر الفلسطيني، ووقعت السلطة الفلسطينية العديد من الاتفاقات ذات الصبغة الدولية مع عدد من دول العالم. وخلال عامين من عمر اوسلو اوسلو انتقل مركز ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية وثقل القرار الوطني الفلسطيني الى داخل الارض المحتلة وتصحح وضع الهرم الفلسطيني الذي مقلوبا على رأسه.
لا شك ان اتفاق اوسلو عمق خلال العامين الصراعات والخلافات الفلسطينية الداخلية. ودفع بقضية الديمقراطية في الساحة الفلسطينية الى واجهة المهمات الوطنية. واظن ان وقائع الحياة اكدت ان شعار اسقاط اتفاق اوسلو شعار غير واقعي . فاسقاط اوسلو يعني اسقاط السياسية الامريكية في المنطقة. ويعني في نظر الفلسطينيين عودة الاحتلال وعودة الفلتان الامني.ونتائج اوسلو خلال العامين تؤكد انه حدث من الاحداث الكبرى، وان عمرة مديد، وانه سيبقى موضع جدل فلسطيني وسيعود له الناس في السنوات القادم وبخاصة عند كل منعطف جديد تدخله المفاوضات والعلاقات الفلسطينية الاسرائيلية.
س2 / كيف تنعكس المشاكل التي يواجهها تطبيق الاتفاق على مسارات التفاوض الاخرى، وعلى التطبيع بين اسرائيل والاردن والول العربية الاخرى؟
الوضع العربي من محيطه الى خليجه كالاواني المستطرقة المتصلة بعضها ببعض. وما يسكب في أي منها يصل بصيغة او اخرى الى البقية. فتقدم عملية السلام على المسار الفلسطيني ساهم كما قلنا في تسريع الوصول الى الاتفاق الاردني الاسرائيل. واعتقد ان تعثر التقدم والتباطىء في تنفيذ اوسلو رسم نموذجا سيئا للاتفاقات مع الاسرائيليين، وافقد عملية السلام الكثير من مصداقيتها في الشارع الفلسطيني والعربي. ومن الطبيعي ان تتجه الاطراف العربية الاخرى في ضوء تجربة اوسلو الى التدقيق في كل فاصلة وكل كلمة في اتفاقاتها القادمة مع اسرائيل. والتوصل الى اتفاق اوسلو ساهم في تأجيل الاتفاق على المسار السوري. واعتقد ان التوصل في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية الجارية الان في طابا الى اتفاق حول تنفيذ المرحلة من اتفاق اوسلو يعفي رابين والادارة الامريكية من ارهاق الذات في البحث عن اتفاق على المسارين السوري واللبناني. ويؤجل التوصل الى اتفاق على المسارين السوري واللبناني لاسيما وان حزب العمل غير موحد حول الانسحاب من الجولان وليس من مصلحة لرابين في فتح جبهتي صراع في ان واحد.
اما بشان التطبيع بين اسرائيل والاردن وبقية الدول العربية فالواضح ان التلاعب في تنفيذ اوسلو يعيد الى ذهن المواطن الفلسطيني والعربي صورة الاسرائيلي المحتل العدواني التوسعي، وتزيد من شكوكه في النوايا الاسرائيلية، وتنفره من العلاقة مع الاسرائيليين. وفي سياق الحديث عن التطبيع مع الاردن لابد من الاشارة الى ان ما يزيد عن مليوني لاجىء ونازح فلسطيني يقيمون في الاردن وانهم منتشرون في كل مناحي الحياة فيه بما في ذلك الاقتصاد. وان المواطنيين الاردنيين يتأثرون بصورة مباشرة بما يجري داخل الاراضي الفلسطينية وبمصير ومستقبل اخوانهم الفلسطينيين المندمجين معهم في حياتهم اليومية. ولا يمكن الحديث عن مشاريع مشتركة فردية وجماعية وعن شرق اوسط جديد طالما ان تنفيذ اوسلو يتعثر، فعدم تنفيذه يبقى الاوضاع في النطقة بعيدة عن الاستقرار، ولا تشجع المستثمرين على الاستثمار.
س3/ ما هو مصير م ت ف في ضوء واقعها خلال السنتين الاخيرتين؟
جـ/ لا يستطيع اشد المتحمسين لاتفاق اوسلو انكار ان الاتفاق اسهم في اضعاف بنية م ت ف واضعف دورها ككمثل شرعي للشعب الفلسطيني. وساهم في تمكين السلطة الفلسطينية من الهيمنة على معظم دور المنظمة. وشل عمل مؤسساتها. الا انني اعتقد اننا نظلم اتفاق اوسلو اذا حملناه المسؤلية الكاملة عن حالة التآكل والاهتراء التي تمر بها المنظمة الان. فالمنظمة مصابة بالعديد من الامراض المزمنة قبل الذهاب الى مدريد في نهاية اتوبر 1991، وقبل التوقيع على اتفاق اوسلو في 13/9/ 1993، اخطرها طغيان الفصائلية على بنيتها وغياب الديمقراطية في علقاتها الداخلية وفي علاقاتها مع الشعب الفلسطيني داخل وحارج الارض المحتلة، وتبقرط مؤسساتها وتحولها هياكل تنظيمية فارغة من أي مضمون. واجزم ان كل الفصائل وكل القيادات الفلسطينية مسؤولة عن زرع هذه الامراض في جسد في المنظمنة. لا شك ان اتفاق اوسلو اضاف امراضا جديدة وعمق الانقسام السياسي والتنظيمي الذي تعانيه منذ سنوات، واوصلها الى حالة من الشلل الكامل والاحتضار. وفي هذا السياق تجدر الاشارة الى بعض القيادات الفلسطينية اندفعت بعد اوسلو باتجاه تجيير دور ومهمات م ت ف لحساب السلطة الوطنية. واصرت على المزج في الاوضاع القيادية بين السلطة واللجنة التنفيذية واصر العديد من اعضاء التنفيذية على الدخول في الوزارة انطلاقا من قناعتهم بان قيام السلطة الفلسطينية يعني بداية نهاية المنظمة. وجاءت وقائع المفاوضات مع الاسرائيليين ووقائع الحياة لتؤكد ان دخول اعضاء التنفيذية في السلطة اضعف دور المنظمة ولم يقوي السلطة. وان سلب السلطة مهمات المنظمة ابقي نصف الشعب الفلسطيني المقيم خارج الارض المحتلة بدون أي دور اتجاه قضيتة الوطنية. وافتقد الى من يتابع قضايا اليومية في الدول التي يعيش فيها. ولعل ما يجري الان مع الفلسطينيين المقيميين على الاراضي الليبية خير مثال على ذلك.
ان وجود م ت ف ضرورة وطنية فلسطينية طالما لم تحل قضايا اللاجئين. فالسلطة الفلسطينية لا تستطيع متابعة قضاياهم وغير مسموح لها ان هي حاولت، فاتفاق اوسلو ينص على انها سلطة مؤقته للفلسطينيين المقيميين على ارض الضفة والقطاع. واعتقد ان خطأ استراتيجيا كبيرا ترتكبه القيادة الفلسطينية ان هي حرقت المراحل وتسرعت في تمويت منظمة التحرير فدور المنظمة ضروري من الان وحتى قيام الدولة الفلسطينية المستقلة التي تمثل كل الفلسطينيين. اعتقد ان جهدا كبيرا يجب ان يبذل من اجل انقاذ اوضاع المنظمة، والخطوة الاولى تبدأ بالفصل في المهمات بين المنظمة والسلطة. وكذلك الفصل في العضوية بين العضوية في السلطة والعضوية في اللجن التنفيذية. ولعل اجراء تغيير وزاري فلسطيني بات امرا ضروريا لتصحيح العلاقة بين المنظمة والسلطة، ولتصحيح تركيبة السلطة الفلسطينية. فالكل يعرف انها شكلت على اساس سياسي بينما طبيعة المرحلة ونوعية المهام المسندة لها تتطلب تشكيلها على اساس الكفائة والاختصاص في شتى المجالات التي تهم حياة اليومية للناس. وبجانب هذه الخطوات اعتقد ان التجربة اكدت ان خروج المعارضة من اللجنة التنفيذية اسهم في تمويت المنظمة وفي اضعاف دورها. واذا كان عدم مشاركة المعارضين لاتفاق اوسلو مفهموا ومقبولا فمن غير المفهوم وغير المقبول الاستمرار في الانسحاب من المنظمة وشل عمل هيئاتها الا اذا كان المعارضون لاتفاق لاوسلو ان لا ضرورة لبقاء المنظمة على قيد الحياة . وعلى كل اعتقد ان اتفاق اوسلو واعلان طابا الاخبر يضمنان بقاء منظمة التحرير على قيد الحياة لفترة لاحقة. فالطرف الاسرائيلي يصر على الغاء ميثاق منظمة التحرير. وهذا يعني ابقاء المنظمة على قيد الحياة من الان وحتى الغاء الميثاق حتى ولو كانت في صورة هيكل عظمي. واعتقد ان الجانب الفلسطيني قد ارتكب خطأ جسيما عندما وافق في المفاوضات الجارية الان في طابا على ربط تنفيذ الشق الثاني من الاتفاق الجديد القادم بالغاء الميثاق وحدد شهرين لانجاوز هذه العملية. فالنتيجة الوحيدة المرئية من الان تأجيل تنفيذ الشق الثاني من الاتفاق الجديد الذي سيوقع في خلال اسابيع قليلة في واشنطن. فالمفاوضون الفلسطينييون وكل اركان السلطة الفلسطينية يعرفون ان الغالبية الساحقة من اعضاء المجلس الوطني يرفضون الغاء الميثاق قبل قيام الدولة المستقلة وقبل حل قضايا المرحلة النهائية وفي مقدمتها قضية اللاجئين.
س4/ هل ما يواجهه رابين من معارضة يمينية يؤثر فعلا على تطبيقات الاتفاق؟
لست مياليا للتفسير الامني لحركة التاريخ. فالصراع الجاري داخل اسرائيل صراع حقيقي وليس مصطنعا لما انه ليس توزيع ادوار. فاتفاق اوسلو رغم كل نواقصه وثغراته ضرب جذور ركنيين من اركان الفكر الصهيوني الذي تتبناه الاحزاب واليمينية المتطرفة وهما اعتبار يهودا والسامرا ارض الميعاد. والثاني حق كل يهود العالم في العودة الى ارض الميعاد وفي استيطانها. ان ما يقيم به المستوطنون المدعومون من كل الاحزاب اليمينية ليس سوى دفاع عن وجودها وعم مستقبلها. واعتققد ان تهديدهم بمواصلة العمل باتجاه تعطيل تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو يجب ان يؤخذ على محمل الجد وليس مستبعدا ان يفرز المجتمع الاسرائيلي اشخاصا يندفعون على خطى المجرم جولدشتاين الذي ارتكب مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف. اعتقد ان رابين يحاول استثمار تحركات المتطرفين الاسرائيليين باتجاهين الاول في الضغط على المفاوضين الفلسطينيين والثاني في اظهار القوى اليمينية بانها خطر على الديمقراطية الاسرائيلية. بعد التوقيع على بروتوكولات القاهرة عارض اليمين الاسرائيلي تنفيذ الشق الاول من اتفاق اوسلو، وفي حينها نزل المستوطنون الى شوارع الضفة الغربية واطلقوا النار على المواطنيين الفلسطينيين وقتلوا العديد منهم واصطدموا بالجيش الاسرائيلي. ورغم ذلك نفذ رابين ذاك الشق من الاتفاق. اعتقد ان كان بامكانه لو اراد الاندفاع في تطبيق الشق الثاني من اتفاق اوسلو، بالاستناد الى الاغلبية البسيطة التي يملكها في الكنيست ولا تستطيع المعارضة ثنيه عن ذلك. لكنه لم يفعل ذلك لانه لم يكن قد استكمل تهسيأة الرأي العام الاسرائيلي لخطوة الانسحاب من الضفة الغربية، ولم يكن قد استكمل عمليات الاختبار للسلطة الفلسطينية ولشرطتها. واظن ان نتائج الاختبار للسلطة والشرطة فاقت تقديراته وبخاصة في مجال ضبط الامن في غزة واريحا والتصدي (للارهاب والارهابيين). وفي ضوء هذا الاستخلاص يمكن القول ان وقت تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو بالتدريج قد حان، ولن تعيقه الحركة الاحتجاجية التي تقوم بها المعارضة.
س5/ هل تلغي المعارضة اليمينية الاتفاق في حال فوزها بانتخابات 1996؟
لا اعتقد ذلك . فالاتفاق الفلسطيني الاسرائيلي ملزم للحكومة الاسرائيلية. ولا اظن ان قيادة الليكود ساذجة الى درجة ارتكاب حماقة تستنفر فيها كل القوى الدولية ضدها. وهي ليست بحاجة لهكذا خطوة استفزازية. وهناك سبل عديدة يمكنها اللجوء لها لتصل الى ذات النتيجة. اعتقد ان فوز الليكود في الانتخابات القادمة سوف يقود الى تجميد الامور مع الفلسطينيين عند الحدود التي تكون قد وصلتها. وان العد العكسي لعملية السلام التي انطلقت من مدريد سوف يبدأ، دون اعلان اسرائيلي رسمي.