نتائج وانعكاسات معركة النفق على عملية السلام ـ القسم الثاني

بقلم ممدوح نوفل في 08/10/1996

ب / نتائج ودروس مستخلصة من معركة النفق

1) اكدت معركة النفق وبالملموس ان ما حقتته عملية السلام من اتفاقات وترتيبات سياسية وامنية فلسطينية اسرائيلية مشتركة خلال خمس سنوات لم ترسي اسسا متينة قادرة على تثبيت خيار السلام كخيار وحيد لمعالجة قضايا المنطقة وازماتها المستفحلة. وغير قادرة على حماية العملية من عدوانية القوى المتطرفة. ولم تستطع ايضا بناء اخلاقية واضحة واسس مبدئية ثابتة للعلاقة بين الطرفين.
وبصرف النظر عن النتائج الامنية والعسكرية الهامة التي سنأتي عليها لاحقا، فقد بددت الاشتباكات المسلحة والصدامات الدموية اجواء السلام الزائفة التي كانت سائدة، والتي روجت لها بعض الاوساط الاسرائيلية والفلسطينية والدولية. واعادت الاجواء الى ما كانت عليه قبل انطلاق عملية السلام من مدريد. وبينت بوضوح ان عملية السلام التي عرفناها في مدريد وواشنطن واوسلو وطابا لم تعد موجودة على أي من مساراتها الثلاث السوري واللبناني والفلسطيني. وليس سهلا اعادة بعث الحياة فيها من جديد. ولعل غياب دور الراعيين فترة طويلة عن الاشراف عليها، وعدم مراقبتهما تنفيذ الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية، وضعف دورهما في معالجة الاشكالات التي تسببت في الاشتباكات، كلها قرائن توضح بعض جوانب الحالة التي كانت تعيشها عملية السلام. اما غياب اطراف اساسية مشاركة ومساندة لعملية السلام عن قمة واشنطن فاظن انه يؤكد تهاوي تلك العملية وتبعثر اركانها ومؤسسيها. لاشك في ان معركة النفق وما رافقها من تحركات سياسية اقليمية ودولية انهت حالة الجمود والمراوحة في ذات المكان التي عاشتها عملية السلام منذ ما قبل الانتخابات الاسرائيلية. ويمكن القول انه لم يعد بالامكان العودة بعملية السلام الى ما كانت علية قبل يوم 25/9/1996. الا ان المطلوب من كل انصار السلام ان يدققوا في الوجهة التي تحركت نحوها. فالعملية على المسار السوري اللبناني باتت بعد معركة النفق مرشحة اكثر من أي وقت مضى لمزيد من الجمود. والعلاقات السورية الاسرائيلية مرشحة لمزبد من التدهور. واذا كان من غير المتوقع ان يتلاعب نتنياهو بالاتفاقات التي وقعها مناحم بيغن مع المصرين الا ان مواقفه من الاتفاقات الموقعة مع الفلسطينيين تعطي المصريين الحق في التفكير بمصير اتفاقاتهم مع اسرائيل في عهده. وبذات الوقت تعطيهم الحق بالتصرف وفقا لرؤيتهم لدور مصر وواجبها الوطني ولمسؤولياتها القومية بمعزل عن التقيد الحرفي بها وبالتزاماتها. لقد عمل نتنياهو كل جهد ممكن لتغيير مكان اجتماعه مع عرفات في القاهرة تهربا من الدور المصري المعروف سلفا. وتهربا من المشاركة الاوروبية وبخاصة الفرنسية التي كان شبه متفق عليها في حال انعقاد القمة في القاهرة. لكنه نسي ان مصر شريك رئيسي في كل عملية السلام. وشريك رئيسي في اية مفاوضات عربية اسرائيلية وبخاصة حول الوضع في غزة والضفة الغربية، فغزة لها حدود مباشرة مع مصر وما يحدث فيها يؤثر مباشرة على مصر. ولعل اسشهاد ضابطين مصريين في الاشتباكات الخفيفة التي وقعت في منطقة رفح، واضطرار مجموعة فلسطينية مسلحة على اجتياز الحدود المصرية الفلسطينية وعبور الاراضي المصرية يبن مدى هذا التاثير في حال تجددت الاشتباكات وتطورها على ارض القطاع. واضطرار مثلا عشرات الالوف من المواطنيين الفلسطينيين للجوء الى اقاربهم واهلهم في رفح المصرية. او اضرارات عشرات من المقاتلين الفلسطينيين على عبور الحدود
اما على المسار الفلسطيني فالواضح ان العملية تحركت ايضا خلال وبعد معركة النفق على هذا المسار ووصلت مفترق طرق مصيري. وباتت امام احد احتمالين الاول يقود الى انقاذها وايصالها الى بر الامان. والاخر يؤدي الى انفجارالصراع بصورة اعنف واشمل. والى تشييع عملية السلام وكل الاتفاقات التي نشأت عنها في احتفال دموي رهيب تمهيدا لدفنها للابد. والتأمل السريع في تركيبة الحكومة الاسرائيلية المؤلفة من “جنرالات متطرفين ورجال دين متعصبين” لايبشر بالخير، ويجعل من فرص الاحتمال الاول ضعيفة جدا ان لم تكن معدومة تماما. اما التدقيق المعمق في مواقفهم من متطلبات السلام مع الفلسطينيين، ومن الاتفاقات التي وقعت في عهد حزب العمل، ومن الانسحاب من الجولان ومن جنوب لبنان فيظهر ان الاحتمال الاخر هو الاوفر حظا مع الاسف الشديد. وذلك بالرغم من اتفاق الطرفان في لقاء واشنطن على استئناف المفاوضات. وتعهدهما بعدم اللجوء للعنف في حل خلافاتهما. واعتقد ان تحذيرات الرئيس مبارك وعدد من زعماء المنطقة والعالم من اندفاع الاوضاع بهذا الاتجاه المدمر لا تنطلق من فراغ. وليست مطروحة من باب التهويل ولا الضغط او الابتزاز. بل من معرفة دقيقة وقراءة صحيحة لمواقف وتوجهات الليكود وشركائه في الحكم بشأن مستقبل الضفة الغربية والقدس. ولعل مفيد التذكير بان رفض الانسحاب من سيناء والجولان والضفة الغربية هو الذي فجر سابقا حرب اكتوبر. وكل الحروب التي وقعت على الاراضي اللبنانية. وان حرب النفق بينت انه في حال انفجار الصراع من جديد فقد لا ينحصر في حدود الارض الفلسطينية، وقد لا يقتصر على طرفين الفلسطيني والاسرائيلي فقط
2) مفاوضات ايرتز عودة الى ما قبل المعركة
اما بشأن تجدد المفاوضات في ايرتز يوم 6 اكتوبر الجاري فلعل رواية القصة التالية التي يرويها الفلسطينيون في غزة والضفة تعبر عن رؤية الشعب الفلسطيني والى حد كبير رؤية صف واسع من القيادة الفلسطينية لمستقبل هذه المفاوضات وما سيطرح فيها وما قد تسفر عنه. تقول الرواية: ان فلسطينيا عمل في مزرعة يملكها يهودي ليكودي. وكان يسكن فيها ويعيش في غرفة صغيرة عنده قط وكلب وحصان وحمار وبقرة وخروف وعنزة وبضع دجاجات. كبر الفتى وتزوج. طلب بعدها من صاحب المزرعة مساعدته في بناء غرفة اخرى يستخدمها كمطبخ ومبيت لحيوانته فلم يستجب لطلبه. كرر الفلسطيني طلبه مرات ومرات. وكان الليكود في كل مرة يقول له لا ضرورة لذلك وبقائك على ما انت عليه خير لك من بناء غرفة جديدة. وذات يوم قال الليكودي اذا كنت حقا منزعج دعنا نجرب طريقة اخرى نحدث فيها تغيرا في نمط حياتك قبل بناء غرفة جديدة. واقترح عليه ان يدخل للغرفة عند النوم كل حيواناته. وافق الفلسطيني. وفي المساء ادخل حيوانته كلها. وطبعا لم يسستطع النوم. في الصباح حضر صاحب المزرعة. وسأل كيف كانت ليلتك الماضية. فرد علية “زفت”. وكرر طلب بناء غرفة جديدة. خلال الحديث كان اليهودي يستمع ويسأل عن مدى ازعاج كل حيوان وكل طير. وفي النهاية قال وضعك الان صعب وحديثك يؤكد ان البقرة هي الاشد ازعاجا. دعنا نجربالنوم مع الحيوانات كلها باستثناء البقرة. والح على الامر. وافق الفلسطيني مكرها وحصل له ما حصل في الليلة الاولى ناقصا ازعاج البقرة. وفي الصباح جاء اليهودي كالعادة وسأل عن الحاله فكرر له ما قاله في اليوم السابق. مع الاشارة الى حسنات خروج البقرة. فاقترح المبيت من جديد مع الحيوانات واخراج الحصان. وفي الليلة التي تلها اقترح اخراج حيوان آخر. وبقي هكذا دواليك حتى جاءه اليوم الذي نام فيه الفلسطيني بدون حيوانات ولا طيور. وعاد الى وضعه السابق. وسأله الليكودي كيف كانت احولك في الليلة الماضية. فقال له الفلسطيني كانت مريحة جدا بالنسبة للايام السابقة. فقال له اليهودي اذن. دعنا نتفق على المحافظة على هذه الحالة. وان تبقى في الغرفة الموجودة وان تنام وحدك بدون حيوانات. فانت سعيد الان بفضل افكاري والاجراءات التي ساعتك عليها…
اعتقد ان المفاوض الليكودي سيتبع في ايرتز مع المفاوض الفلسطيني ذات المنهج الذي اتبعه المزارع اليهودي الليكودي مع العامل الفلسطيني. وستتركز مفاوضات ايرتز لفترة طويلة حول اعادة الاوضاع الى ما كانت عليه قبل حرب النفق وقبل سقوط الشهداء والجرحى. اما بشأن تنفيذ ما لم ينفذ من الاتفاقات القديمة فقد كان واضحا منذ ما قبل الاشتباكات ان نتنياهو يماطل ويتهرب من تنفيذ ابسطها واصغرها مثل اطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين. واعتقد ان هذه المفاوضات لن تستطيع معالجة القضايا الجوهرية التي تسببت في تلك المعركة. وهي الانسحاب من المنطقة ب ، والانسحاب من الخليل، وفتح الممر الآمن بين الضفة والقطاع، واغلاق النفق.. الخ فمعالجة مثل هذه القضايا بايجابية يتطلب اولا ان يتخلى نتياهو عن قناعته حول اوسلو والاتفاقات الاخرى. وان يتخلى عن فكرة ان الضفة الغربية هي ارض الميعاد التي اعطاها الرب لبني اسرائيل. وان يتخلى عن الائتلاف الحكومي الحالي. وأي ان يتحول الى الى حزب عمل او ميرتس. وفي كل الاحوال اعتقد ان حلحلة بعضها جزئيا لن يتم قبل الاعلان عن تعثر مفاوضات ايرتز. وقبل ان يضطر نتنياهو الى اللقاء مع عرفات من جديد. فما لم يقدمه نتنياهو لكلينتون لا يقدمه شمرون لصائب عريقات.. والواضح ان نتنياهو ارسل دان شمرون ومعه عدة مطالب يعتبرها اساسية. وهي العمل اولا على استعادة الثقة التي دمرتها المعارك. والمطالبة بوضع اسس جديدة للسيطرة والرقابة على الشرطة الفلسطينية لاسيما وانها من وجهة نظرة اثبتت قلة انضباط وتستحق العقاب. وطلب تقليص حجم اسلحة الشرطة واحداث تغيير في نوع تسليحها في المواقع الحساسة. وطرح تشكيل مناطق عازلة حول المواقع العسكرية والاستيطانية الاسرائيلية أي مصادرة مزيد من الاراضي بموافقة فلسطينية تحت شعار تقليص الاحتكاك بين الجيش الاسرائيلي وقوات الامن الفلسطينية والمتظاهرين الفلسطينيين. اما بشأن الخليل فمشروعة يقضي الى تقسيم المدينية الى قسمين الاول يهودي ويخضع للسيطرة الاسرائيلية الكاملة، ولا يدخلة العرب. والثاني عربي يخضع لسيطرة امنية اسرائيلية فلسطينية مشتركة ..الخ من المطالب غير المنطقية والتي تنسف اسس الاتفاقات. ووفقا للمعلومات المتوفرة فان التعليمات التي يحملها الوفد الفلسطيني حازمة وقاطعة برفض الحديث في اية قضية باستثناء تنفيذ ما لم ينفذ الاتفاقات السابقة. والمطالبة بان يكون الانسحاب من الخليل نقطة البداية الجديدة.
3) المفاوضات العربية الاسرائيلية مراوحة في المكان
عقّدت معركة النفق امكانية تحريك المفاوضات العربية الاسرائيلية الى الامام. وصار مؤكد انها لن تستطيع معالجة أي من القضايا الاساسية المطروحة على جدول اعمالها. وان استئنافها على المسارالفلسطيني حسب قرار قمة واشنطن لن يغير من النتيجة. وتبين التصريحات الصادرة عن نتنياهو بما في ذلك خطابه في الكنيست ان الحكومة الحالية تفكر في الهروب الى الامام وذلك من خلال الشروع في مفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين. فالمعروف ان هذه المفاوضات هي الاعقد، وبامكان المفاوض الاسرائيل قتل الوقت فيها لسنوات طويلة دون ان يتهم بالتلاعب بااتفاقات او باضاعة الوقت او اغراق المفاوضات في قضايا امنية فرعية. فالكل يعرف مواقف الليكود من المسائل المطروحة على جدول اعمال هذه المفاوضات وبخاصة القدس واللاجئين، والحدود والمياه. والتي يستحيل التوصل الى أي نوع من التفاهم حولها طيلة عهد الليكود بدون تدخل دولي قوي وفعال. وكشفت معركة النفق ان التعقيدات والنصوص الغامضة التي احتوتها الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية والتي ساهمت في مرحلة ما في تمكين عملية السلام من التقدم باتجاه اهدافها سرعان ما ارتدت على نوايا واضعيها وتحولت الى سلاح فعال استخدم من قبل المتطرفين في شل عملية السلام. وذات الشيء ينطبق على القضايا التي تهرب بيريز من تنفيذها. وأظن ان الطرفين لن يكتفيا بعد الان بالاعتماد فقط على جهود المفاوضين داخل غرف المفاوضات في تحقيق اهدافهم ، بل سيستعينا بطاقاتهم الكامنة واوراقهم المخفية بما في ذلك قدراتهم وامكانتهم الاخرى….
اما على مساريها السوري واللبناني. فقد بينت المعركة بوضوح للجانب العربي وللعالم ان الجانب الاسرائيلي لا يحترم الاتفاقات التي يوقعها، حتى لو وقعت في البيت الابيض الامريكي وشهد عليها اقطاب العالم. واظن ان هذا الاستخلاص سوف يدفع بالقيادة السورية واللبنانية للتشدد في المفاوضات هذا اذا تجددت على المسارين السوري واللبناني في عهد الليكود. وصار من حق القيادتين السورية واللبنانية التشدد في رفض المواقف الاسرائيلية ورفض عروض وشروط نتنياهو لاستئناف المفاوضات معهما طالما انه لم يوفي بالتزامته مع الفلسطينيين. واصبح من البديهي القول بعد معركة النفق ان المصالح الوطنية السورية واللبنانية ومصالحهما المشتركة تفرض على قيادتي هذين البلدين الاصرار على عدم العودة الى طاولة المفاوضات الا بعد التزام نتنياهو بالانطلاق في المفاوضات على مساريهما من النقطة التي وصلتها في عهد بيريز. والتزامه بتنفيذ الاتفاقات التي وقعت مع الفلسطينيين. وايضا بعد اعلان حكومة الليكود عن التزامها بقرارات الشرعية الدولية التي تنص على ان الجولان اراضي سورية محتلة. وبتلك التي تنص على سلامة ووحدة الاراضي اللبنانية، وانسحاب القوات الاسرائيلية من جنوب لبنان.
فمن العبث المراهنة على الوصول الى تفاهم خلال فترة حكم حول: الانسحاب من الاراضي العربية التي احتلت عام 67 ، وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وبخاصة القرارين 242 و338 . والقرار 425 الخاص بالوضع في جنوب لبنان. وانه مضيعة للوقت توقع اقناعها من خلال المفاوضات الثنائية باهمية عملية السلام. وبالالتزام بقواعد مؤتمر السلام الذي عقد في مدريد عام 1991. وذات الشيء ينطبق ايضا على المراهنة بشان اقناعها بضرورة الالتزام بتطبيق اتفاق اوسلو واحترام نصوصه. وبتنفيذ ما لم ينفذ من الاتفاقات الاخرى التي تم التوصل اليها على المسار الفلسطيني في عهد حزب العمل
بالمقابل اثارت معركة النفق وقتل 15 جندي وضابطا اسرائيليا، وتوتر العلاقات لعربية الاسرائيلية وبخاصة المصرية والسورية الاسرائيلية مخاوف القوى الاسرائيلية اليمينية المتطرفة من النوايا الفلسطينية والعربية. وبينت لها ان السلام مع العرب مكلف جدا ومغامرة كبيرة وطريقه محفوف بمخاطر استراتيجية. واظن ان استخدام السلاح من قبل الشرطة الفلسطينية تدفع بالمتطرفين نحو التطرف اكثر فاكثر خلال الفترة القادمة. ونحوممارسة مزيد من الضغوط على الحكومة لعدم تنفيذ الاتفاقات وعدم التقدم في المفاوضات على أي من مساراتها الثلاث. اما قوى السلام فيفترض ان تكون معركة النفق وما ترتب وسيترتب عليها حافزا لتأنيب الضمير عند قادة حزب العمل وميرتس الذين ترددوا في التقدم بسرعة على طريق السلام وترددوا في خلق حقائق على الارض وفي العلاقة مع العرب يصعب على المتطرفين الارتداد عنها. وتفرض عليهم رفع وتيرة ضغطهم ووتيرة تحركاتهم دفاعا عن السلام والامن الذي يهم الجميع على حد سواء.
4) سقوط فكرة حزب العمل حول الشرطة
نسفت معركة النفق احد الاهداف المبطنة وغير المعلنة التي كان حزب العمل، “وليس الليكود” يرمي لتحقيقها من الاتفاقات المتعلقة بدخول الشرطة الفلسطينية ومن الشروط التي وضعها على دخول قيادة وكوادر منظمة التحريرللضفة والقطاع. لقد اعتقد قادة حزب العمل ان حالة التمزق والضعف والانهاك الشديد التي كانت تعيشها قيادة م ت ف قبل وبعد التوقيع على اتفاق اوسلو، كافية لتحويل السلطة الفلسطينية الى اداة بيد الحكومة الاسرائيلية، تشبه في دورها، الى حد كبير دور قوات العميل لحد العاملة في جنوب لبنان. واعتقدوا ان بامكانهم توظيف قوات الشرطة الفلسطينية في خدمة امن دولة اسرائيل والاسرائيليين بما في ذلك المستوطنيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
اما الائتلاف الحكومي بقيادة الليكود فاظن انه ما زال في مرحلة تقييم الموقف من السلطة والشرطة وبحث آفاق التعامل معها. فموقفه قبل تولى السلطة كان معارضا لاية مفاوضات مع قيادة م ت ف. وكان يرفض بالمطلق دخول كوادر وقيادات م ت ف وافراد الشرطة للضفة والقطاع. ولعل الاصوات الليكودية التي ارتفعت بعد معركة النفق مطالبة بتجريد الشرطة الفلسطينية من اسلحتها وبمعاقبة من اطلقوا النار على الجيش الاسرائيلي تعبر عن وجهة نظر تيار من التيارات الاساسية داخل الليكود، يرفض النظر لما جرى باعتبارها طلقات تحذيرية للجميع. ولا يأخذ بعين الاعتبار ان حجم التسليح في حالة السلام بين الدول ليس مهما على الاطلاق. ويفترض ان ينطبق هذا على الوضع الفلسطيني الاسرائيلي الاستثنائي القائم الان اذا صدقت النوايا. ولا استبعد ان يكون بين صفوفه من لديهم افكار مجنونة. من نوع شن حرب شاملة ضد السلطة الفلسطينية ودخول مناطق السلطة في الضفة الغربية بهدف اعادة احتلال الضفة بصورة او اخرى من جديد .
وبصرف النظر عن الموقف النهائي الذي سيبلوره الليكود ازاء التعامل مع السلطة الفلسطينية، وازاء وجود شرطة فلسطينية مسلحة يبلغ عددها كما يعرف اكثر من 30 الف رجل، جميعهم مسلحين باسلحة خفيفة من المستوى المتفق علية بين الطرفين، فالواضح ان عهد الاعتماد الاسرائيلي على اجهزة الامن الفلسطينية في ضبط الامن قد انتهى. وان عهد تعامل جيش الدفاع الاسرائيلي مع قوات الشرطة الفلسطينية باعتبارها قوات صديقة قد ولى بعد الاشتباكات التي وقعت بين الطرفين. وحل محله تعامل يقوم على اعتبارها قوات غير صديقة واقرب الى المعادية ويمكن ان تكون هدفا لاطلاق النار. واعتقد ان قيادة الجيش وقادة الاجهزة الامنية الاسرائيلية الاخرى ستضطر الى اعادة النظر في الترتيبات الامنية المشتركة التي عمل الطرفان بموجبها مدة طويلة زادت عن السنتين والواضح انها بدأت. واظن انها سوف تفرض حصارا شديدا على تسليح الشرطة الفلسطينية، وتمنع تزودها باية اسلحة او ذخائر جديدة. ومن غير المستبعد ان تعود وتضط باتجاه التدقيق في عددها وفي تسليحها باتجاه العمل على تقليصه اكبر قدر ممكن. وحصره بالحد الادنى بالاعداد التي نصت عليها الاتفاقات الموقعة بين الطرفين. ولن يوافق على استقدام الاعداد الاضافية من الخارج المتفق عليها سابقا “خمسة آلاف”.