نتائج معركة النفق على الوضع الفلسطيني الداخلي والخارجي / القسم الرابع

بقلم ممدوح نوفل في 18/10/1996

ثالثا / لولا الخسائر البشرية الكبيرة والغالية التي لحقت بالفلسطينيين لآمكن القول ان نتائج معركة النفق كانت ربحا صافيا للفلسطينيين شعبا وسلطة وقضية. الا ان سقوط ما يزيد عن 80 شهيدا وما يزيد عن الف جريح خلال ثلاثة ايام فقط جراح بعضهم خطيرة. وغالبيتهم العظمى من الشباب ومن فئات الطلاب والعمال والجنود والمثقفين عكر صفاء هذه النتيجة. وجعل للمكاسب السياسية الكبيرة التي تحققت ثمنا غاليا. لاسيما وان التقارير الطبية تشيير الى ان الكثير من الجرحى سيغادرون المستشفيات وهم يحملون معهم عاهات دائمة. اما نتائجها الاجمالية على القضية الوطنية والوضع الداخلي، والعلاقات الفلسطينية الاقليمية والدولية الخارجية فيمكن تلخيصها على النحو التالي:
1) نتائجها على القضية الوطنية الفلسطينية
يفترض ان لايكون هناك خلاف فلسطيني على ان معركة النفق قد احيت القضية الفلسطينية من جديد. وفرضتها على جدول اعمال الامم المتحدة وكل التجمعات الدولية والاقليمية الاساسية، باعتبارها قضية عاجلة وملحة تتطلب الحل. وبينت ان التأخر او التردد في معالجتها يهدد السلام العالمي، ويهدد الامن والاستقرار في منطقة هامة من العالم. ولعل ان التحركات الدولية والاقليمية الواسعة التي تمت قبل وخلال معركة النفق، وشاركت فيها حكومات كل الدول الكبرى في العالم وعلى أعلى المستويات السياسية، تؤكد خطأ الاعتقاد والتفكير الذي ساد في ذهن بعض السياسيين والمفكريين من حزبيين ومستقلين فلسطينيين وعرب، بان مفاوضات مدريد وواشنطن واتفاقات اوسلو وطابا افقدت القضية الفلسطينية عمقها العربي. وهمشت موقعها الدولي. واظن ان التفاعلات العربية والدولية التي خلقتها تلك الممعركة اكدت العكس. فكل تلك الاتفاقات والخطوات السياسية اعطت المطالب الفلسطينية ملموسية، ووفرت لها غطاء دوليا واوجدت شركاء في تحمل المسؤولية. وجد بعضهم نفسه ملزما بمساندة الموقف الفلسطيني العادل والواقعي في مواجهة التطرف الاسرائيلي عندما صعد واستلم سدة الحكم في اسرائيل. وعززت مكانة م ت ف ككمثل للشعب الفلسطيني والسلطة الفلسطينية باعتبارهما قيادة تتصرف بمسؤولية عن قضايا شعبها وعن صنع السلام والاستقرار في المنطقة في آن واحد، وتحترم التزاماتها التي تلتزم بها.
وبينت معركة النفق وما رافقها من تحركات واتصالات واجتماعات دولية واقليمية ان العالم كان وما زال يتعامل مع القضية الفلسطيني باعتبارها محور الصراع في الشرق الاوسط. وان لا امن ولا استقرار في المنطقة بدون حل القضية الفلسطينية. وتبين الرسائل المتبادلة خلال وبعد المعركة بين القيادة الفلسطينية والعديد من الروساء والملوك العرب وعدد من زعماء العالم ان الجهود الاسرائيلية التي ساندتها الادارة الامريكية على مدى السنوات الثلاث الماضية لم تستطع تغيير طبيعة القضية الفلسطينية، ولم تفلح في تحويلها الى قضية اقليمية ثانوية او فرعية. فجميع الدول الكبرى وبخاصة امريكا وروسيا ودول اوروبا قيمت ونظرت لمعركة النفق باعتبارها معركة ذات ابعاد سياسية اقليمية ودولية خطيرة ولم تنظر لها كمعركة محلية صغيرة محدودة الابعاد. وتخوف الجميع من نتائجها السلبية على السلام والاستقرار في الشرق الاوسط، وعلى المصالح الاقتصاية والتجارية والسياسية للعديد من دول العالم، وعلى اوضاع كل دول وشعوب المنطقة دون استثناء.
اما السرعة التي انعقدت فيها قمة واشنطن الفاشلة في الجوهر يومي 1و2/10/96 بحضور زعماء الولايات المتحدة واسرائيل وفلسطين والاردن، وتغيب الرئيس حسني مبارك عنها، فقد اظهرت، رغم فشلها، ان القضية الفلسطينية كانت وما زالت قضية دولية ساخنة ومركزية في قصة الحرب والسلام في الشرق الاوسط. ولم تفلح الجهود الامريكية والمناورات الاسرائيلية التي دعمتها امريكا في تحويلها الى قضية اقلمية يمكن معالجتها باللقاءات المباشرة بين اصحابها فقط، مع تقديم المساعدة لهم بين فترة واخرى.
وجاء التحرك الاوروبي القوي والسريع ممثلا بقرارات قمة دبلن وبالرسالة الثلاثية التضامنية الحارة التي تلقاها رئيس اللجنة التنفيذية من رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الفرنسي والمستشارالالماني لتعبر بوضوح عن موقف اوروبي حازم في ادانته للمواقف الاسرائيلية. وداعم للمواقف الفلسطينية المحقة والعادلة. ومصمم على القيام بدور اكبر في حماية عملية السلام. واظن ان تلك الرسالة النادرة الحصول في الاعراف الدبلوماسية لم تكن بعيدة عن المباركة والتشجيع الامريكي. واذا كانت الحكومة الامريكية لم تعبر لاعتباراتها الخاصة في قمة واشنطن عن موقفها الداعم للموقف الفلسطيني فالنداء الذي وجهه الرئيس كلينتون لشعوب المنطقة باعطاء السلام فرصة كان موجها بالاساس للشعب الفلسطيني ولقيادته. ووفقا لما رشح من معلومات عما دار في قمة واشنطن فان اركان الادارة الامريكية اعربوا في اللقاءات الثنائية عن تضامنهم مع المطالب الفلسطينية. واعربوا عن تفهمهم للموقف الفلسطيني. وكان واضحا ان الوزير كريستوفر وكل المبعوثين الامريكيين الذين وصلوا للمنطقة في الايام الماضية وجدوا انفسهم مضطرين لمساندة المطالب الفلسطينية لا لشيء سوى انها مطالب عادلة ومحقة تماما. ويمكن القول ان الغالبية العظمى من دول العالم اعربت بصورة او اخرى عن تضامنها مع الموقف الفلسطيني ومع المطالب الفلسطينية العادلة. فالحديث عن تنفيذ الاتفاقات يعني التضامن مع الفلسطينيين والحديث عن تجنيب المنطقة ويلات حروب جديدة كان وما زال موجه للاسرائيليين. ولا مبالغة في القول ان معركة النفق وما نشأ عنها من تفاعلات دولية واقليمية فتحت أفاقا واسعة امام امكانية محاصرة الموقف الاسرائلي، وذلك بالاستناد الى الاتفاقات التي وقعتها م ت ف مع اسرائيل. وبيت للعالم اجمع ان الحفاظ على عملية السلام وانقاذها واعادة روحها لها، يتطلب تحرك القوى الدولية والاقليمية المهتمة بصنع السلام والاستقرار في الشرق الاوسط بقوة. واشتراك بعضها بصورة مباشرة في المفاوضات. والزام مركز القوة والقرار في الحكومة الاسرائيلية بتنفيذ الاتفاقات التي وقعت مع السلطة الفلسطينية في عهد حكومة حزب العمل. ولا نكشف سرا اذا قلنا ان الادارة الامريكية ودول السوق الاوروبية المشتركة طلبت من السلطة الفلسطينية دعم مطلبها في ان تكون شريكا في المفاوضات وحاضرة على طاولاتها باستمرار. لقد عارضت اسرائيل منذ البداية دخول الولايات المتحدة وروسيا واوروبا ومصر الى غرف المفاوضات كشريك، وبينت المفاوضات التمهيدية التي جرت خلف الكواليس انها مازالت على ذات الموقف ولم تترد القيادة الاسرائيلية في ابلاغ ممثل السوق الاوروبية رفضها مشاركتهم كشريك في المفاوضات. رغم علمها بان دول السوق الاوروبية وكندا واليابان هم المموليين الاساسيين لعملية السلام منذ انطلاقتها وحتى الان. ولا مبالغة في القول ان حكومة نتنياهو كانت بارعة جدا في تخريب كل النجاحات التي حققتها حكومة العمل مجانا على الصعيدين الاقليمي والدولي. وانها نجحت بتفوق فقد دمرت خلال اقل من اربعة اشهر ما بناه بيريز ورابين في اربع سنوات. واعادت مواقفها المتطرفة وغير المنطقية للقضية الفلسطينية نكهتها الدولية الاصلية. واظن انه صار بالامكان الشروع في العمل من اجل اقامة جبهة دولية عريضة لحماية السلام في الشرق الاوسط. وعقد مؤتمر دولي في القدس تحضرة كل حركات وقوى السلام في العالم. ولعل الذكرى الثلاثين لحرب حزيران 1967 خير توقيت لهذا المؤتمر .
2) نتائجها على الاوضاع الفلسطينية الداخلية
قبل معركة النفق كان المراقبون والمحللون يتوقعون انفجار الشارع الفلسطيني في وجه السلطة الفلسطينية. بسبب شعور الناس في الضفة والقطاع بان عملية السلام والاتفاقات مع الاسرائيليين ماتت قبل ان تحقق لهم تطلعاتهم الوطنية هذا من جهة. وتلمسهم من جهة اخرى ان قيام السلطة الفلسطينية لم يحدث اية تغييرات ايجابية على حياتهم اليومية الصعبة والقاسية جدا، بل زادتها ممارسات الاحتلال تحت سمع وبصر السلطة تعقيدا. وكان الناس يلمسون ضعف السلطة في التصدي لمواقف قوات الاحتلال ولممارساتها اليومية المدمرة لحياة الناس في كل مدن وقرى الضفة والقطاع. وفي حالات كثير شعر الناس وكأن السلطة الفلسطينية راضية عن المواقف والممارسات الاسرائيلية، وتقوم بتغطيتها في بعض الاحيان. وتشكلت صورة سلبية عن السلطة واجهزتها المدنية والعسكرية وبدت وكانها اداة طيعة بيد الاحتلال. وزادت بعض الاخطاء والتجاوزات الكبيرة والمتنوعة التي ارتكبها افراد من اجهزة السلطة المختلفة، ومن اجهزة م ت ف واجهزة فصائلها، حياة الناس تعقيدا وقسوة. ورسمت صورة قاتمة نسبيا للمستقبل الفلسطيني على المستويين الوطني والفردي الشخصي. وفي تلك الفترة كان هناك من يبالغ فيها ويروجها في كل مكان لغرض خاص في نفس يعقوب. وكان يدفع باتجاه قيام تحرك شعبي واسع ضد السلطة. وهناك من طرح ضرورة تفجيرانتفاضة شعبية ضد السلطة الفلسطينية ناسيا او متناسيا ان هناك احتلال، وهناك اراض وشعب قابع تحت ظلمه وجوره. وان التحريض على الحرب الاهلية يخدم الاحتلال ويسهل عليه تحقيق اهدافه. وكانت بعض اطراف المعارضة الفلسطينية تتمنى ان تنهار السلطة حتى لو كان انهيارها بسبب سياسة مخطط لها من قبل الاحتلال. وبالمقابل كان هناك ايضا من يروي تلك الاخطاء والتجاوزات ويعطيها حجمها الحقيقي والطبيعي دون مبالغة. وكانت مآربه وطنية صادقة. قبل المعركة كان الحديث عن هذه الظاهرة يطغى على ما عداه من قضايا اخرى. بما في ذلك الانجازات الكبرى التي حققها الشعب الفلسطيني عبر كفاحه الطويل السياسي والدبلوماسي وعلى مختلف الصعد وفي كل الاتجاهات بما فيها طاولات المفاوضات. وظهرت في تلك الفترة اصوات وطنية صادقة تطالب بالضرب بيد من حديد كل ضعاف النفوس من انتهازيين ، فاسدين، مرتشين، تجار، ومندسين حاقدين، لانهم يلحقون اذى كبيرا بمصالح الشعب وبسمعة السلطة. ويدفعون بقطاعات واسعة من الوطنيين الشرفاة المخلصين الى الابتعاد عن السلطة ، وعدم الدفاع عنها اطلاقا حتى في القضايا العادلة. اما السلطة الفلسطينية فكانت تسمع ما يقال عنها، وكانت تعرف الصورة المرسومة عنها عند قطاعات واسعة من الناس. وكان بعض اعضائها يتألم ويبحث عن نافذة تساعد على الخروج من هذا المأزق. وتساهم في تحسين الصورة تمهيدا لتغييرها. والحقيقة تفرض القول انه كان بالمقابل من يوغل في الفساد ولا يعيير انتقادات الشعب والكوادر النظيفة أي اهتمام. وكان يعتبر تلك الانتقادات تطاول على السلطة يجب وقفه عند حده بما في ذلك قمعة بالقوة ويزج المنتقدين في السجون. ولا نذيع سرا اذا قلنا ان العديد من اعضاء السلطة واعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قطعوا الامل في امكانية التغيير والتصحيح. واعتقدوا ان الصدام بين السلطة والشعب قادم لا محالة. وان غالبية اعضاء السلطة الوطنية فوجئوا بسرعة وبدرجة استجابة الشعب لدعوة السلطة للتحرك دفاعا عن القدس.
واذا كان لا مجال في هذه الدراسة للغوص في مناقشة جذور هذه الظاهرة الخطيرة وسبل تطهير اجهزة السلطة الفلسطينية واجهزة م ت ف والفصائل منها، الا من الضروري الاشارة الى ان مثل هذه الظاهرة موجودة بصورة او اخرى عند معظم دول العالم الثالث. وقبل ان اتهم بمحاولة التخفيف منها اود التاكيد على قناعتي بالاهمية القصوى لمحارتها بكل السبل بما في ذلك اجراء محاكمات علنية لكل من تطاله تهمة من التهم المذكورة اعلاه. مهما كان موقعه في السلطة الفلسطينية، او في م ت ف او في الفصائل الوطنية. وبذات الوقت لابد من التاكيد على اهمية التمييز في الدوافع التي تقف خلف اثارة هذه القضايا الهامة والحساسة. والتاكيد ايضا بان الاولوية في النضال يجب ان تبقى باتجاه استكمال مهمة تحرير ما لم يتحرر من الارض والناس الفلسطينيين.
اعتقد ان معركة النفق اكدت قدرة الشعب الفلسطيني على تحديد اولوياته، وتحديد اتجاهات نضاله في كل مرحلة. فبالرغم من كل اخطاء وتجاوزات افراد السلطة لبى الشعب بكل فئاته وفي كل اراضي الوطن دعوة السلطة للدفاع عن القدس والمقدسات. وذابت واختفت الخلافات الداخلية ولو مؤقتا. وتحول الشعب في الداخل والخارج الى كتلة متراصة. ونزل الناس في كل مناطق الضفة والقطاع للشوارع، واقتحموا الحواجز الاسرائيلية مضحين بانفسهم. متجاوزين الحدود التي كانت رسمتها السلطة. تحركوا قافزين عن كل المظاهر السلبية التي تحيط باوضاع السلطة. تحركوا وهم يدركون ان تحركاتهم سوف تقود الى تقوية السلطة. وسوف تقود الى تعزيز هيبة اجهزتها الامنية. والواضح ان معركة النفق وما رافقها من مستوى عال من من التفاعل بين السلطة والشارع الفلسطيني فاجئ الاسرائيليين كما فاجئ اعضاء في السلطة. وعزز ثقة السلطة واجهزتها بنفسها وبشعبها. وجدد الروح الكفاحية عند بعض اعضائها وعند كثيرين من كوادر الاجهزة. وخلق اوضاعا جديد ويمكن القول بان “الهم وحدنا وقربنا من بعضنا” وانتج معادلة داخلية جديدة. تفرض على كل القوى الوطنية الفلسطينية ادراكها بصورة مبكرة والتعامل معها بواقعية وموضوعية. وصار بالامكان تعميق المصالحة الوطنية الداخلية التي احدثتها المعركة ولكن على اسس مختلفة كليا عن تلك التي كان يجري الحديث عنها في المنافي او في الفترة الاولى من تشكيل السلطة.. فبعد اليوم لاتستطيع المعارضة الفلسطينية بمختلف تلاوينها الفكرية القول للشارع الفلسطيني ولكوادرها بان السلطة الفلسطينية سلطة عميلة متخاذلة امام الاحتلال. ولا تستطيع توجيه ذات التهم التي كانت توجهها للاجهزة الامنية الفلسطينية وبخاصة تهمة “خدم جيش الاحتلال الصهيوني”. واعتقد ان الموضوعية تفرض عليها اعادة النظر في مواقفها والاقرار بان السلطة واجهزتها الامنية تصدرت المواجهة السياسية وان الجماهير التفت حولها وسلمتها الراية. وتفرض عليها الاعتراف بانها لم تستطع استيعاب التفاعلات الجارية في الشارع الفلسطيني كما هي وكما يجب. وانها جعلت من رغباتها الذاتية بديلا للواقع، ولم تتمكن من التقاط اللحظة التاريخية المناسبة. ولم تستطع المبادرة الى الفعل الايجابي. وان السلطة وبعض قواها واجهزتها كانوا السباقين في ذلك. وعليها ان تقر بان عليها ان تدفع ثمن ذلك. اقله الادراك بان دفة قيادة النضال ضد الاحتلال باشكاله المختلفة كانت بيد السلطة وبقيت بيدها. وانها اصبحت ملزمة بالعمل ضد الاحتلال ضمن السلطة او معها اوتحت قيادتها وانه لا مكان لدورها ضد الاحتلال بمعزل عن السلطة. ولا يمكنها ان تشق في مكافحة الاحتلال طريقا مستقلا كليا عنها، او متعارضا مع توجهاتها الرئيسية. فمثل هذا التوجه لن يكون مفهوما من الجماهير. واظن انه لن يستطيع ان يفرض نفسه في الشارع الفلسطيني. ويظهر اصحابه بانهم يغردون خارج السرب الوطني. وبما ان معركة النفق مازالت متواصلة ولم تتوقف فاني اعتقد للمعارضة الفلسطينية دورا مهما ومفيدا يمكن ان تلعبه في مواجهة الاحتلال ان على الجميع وضع المصلحة الوطنية العليا فوق اية اعتبارات اخرى. والعمل بصدق واخلاص من اجل الانتصار في هذه المعركة. فالوحدة الوطنية هي اقوى سلاح. وانطلاقا من هذه المقولة الصحيحة فان على السلطة الفلسطينية وقيادة م ت ف ان تبادر هي الاخرى للتحرك آخذة بعين الاعتبار كل الملاحضات الصحيحة التي كان الناس يتداولوها. وتحمل مسؤولياتها في الحفاظ على اموال الشعب وممتلكاته. وان تبادر الى تطهير صفوفها من المفسدين ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب. واحالة من لا يصلح للعمل للتقاعد مع حفظ حقه في تامين حياته بصورة كريمة. اعتقد ان فرصة ذهبية توفرت للسلطة ولقيادة المنظمة الان لتوسيع قاعدتها الشعبية وتعميق الوحدة الوطنية بما هي وحدة الشعب بكل فئاته وقواه في اطار حركة موحدة تقودها السلطة ضد الاحتلال داخل وخارج غرف لمفاوضات، دفاعا عن الارض ودفاعا عن الحقوق الفلسطينية التي نصت عليها الاتفاقات. وتلك التي لم يجري فتح ملفها حتى الان.وهي بالتأكيد الاكبر والاهم . وهي جوهر الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وفي المنطقة.
3) انعكاسها على العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية
لا شك في ان معركة النفق قد اصابت العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية في الصميم. واكدت ان ما انجز وما نشأ من علاقات عمل ومصالح مشتركة، غير كافية على الاطلاق لتحصينها ومنع تعرضها لنكسات قوية مدمرة. وشككت الشعبين والسلطتين في كل خطوات السلام التي قطعوها سويا منذ انعقاد مؤتمر مدريد وحتى وقوع المعركة. لقد اعتقدت فئات واسعة من الشعبين ان الاتفاقات الموقعة بين السلطتين والاجتماعات المتواصلة بين وفود الطرفين ضمانة للتقدم في علاقات السلام. وظن البعض ان العلاقة تسير بخطى ثابتة وانها ستوصل الطرفين الى حالة من التعايش السلمي، وكجارين متصالحين ومتعاونيين بصورة او اخرى ضد المتطرفين المتربصين بالسلام. الا ان انتصار نتنياهو والاشتباكات العنيفة والمسلحة التي وقعت في الاسبوع الاخير من شهر ايلول وجهت ضربة قوية لكل تلك التطلعات. وبينت انها اضغاث احلام. واعتقد ان معركة النفق ونتائجها ستبقى لفترة طويلة هي والمضاعفات التي ستنتج عنها محفورة في ذاكرة الشعبين. فقد اكدت ان علاقات السلام بين الطرفين والادق بين السلطتين كانت سطحية وبعض مظاهرها كانت مزيفة. وان بيت السلام الذي شرع الجانبان في بنائه قبل خمس سنوات غير صالح للاستعمال اطلاقا. وبحاجة الى اعادة بناء من جديد وعلى اسس جديدة. وان الاسس التي قام عليها هشة جدا وغير قادرة على الصمود امام الهزات الخفيفة. وان حالة العداء الشديد بين الطرفين لم تنتهي وان الضغائن والاحقاد المتراكمة كمنت لفترة ثم عادت لتطغى على ما عداها من اشكال العلاقات السوية بين بني البشر. والان تقف علاقاتهما بعضهما ببعض على ابواب مرحلة جديدة. وجهتها العامة التشنج والتوتر والاصطدام باشكال مختلفة. ووضعت اتفاقاتهما على نار حامية فاما ان يباشر في تطبيقها او ان تتبخر او تحترق. واخشى بعد وقوع معركة النفق ان يكون قد فات الاوان على تصحيح العلاقة بين الطرفين، وعلى أي حديث عن تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين الطرفين. وان ينهار البناء قبل ان يتم وضع اساسات البناء البديل فمواقف الليكود معروفة بمعاداتها لاتفاقات التي تمت قبل توليهم السلطة. وقادته كانوا وما يزالون يعتبرون اتفاقات اوسلو وطابا تراجع واستسلام من الجانب الاسرائيلي للجانب الفلسطيني. والاتصالات واللقاءات التي عقدت بين الطرفين منذ استلام نتنياهو السلطة وحتى الان وبخاصة اجتماعات ايرتز الجارية الان بينت ان الهوة بين مفاهيم ومواقف الطرفين واسعة جدا، وانها تزداد في كل اجتماع اتساعا وتعقيدا. واذا كان أي من الطرفين لم يعلن الحقيقة حتى الان فاظن ان الوقت لن يتأخر كثيرا حتى يقول المفاوضون الفلسطينيون ما عرفه الناس مسبقا الا وهو لا امل والا افق لاية مفاوضات مع الليكود. وان طريق السلام اصبح مسدود تماما. وفتحه يتطلب اللجوء الى وسائل وقوى دولية واقليمية وفلسطينية اخرى غير التي استخدمت في عهد الليكود. ولا ادري ايهما سيسبق الاخر الاعلان عن فشل المفاوضات الجارية ام الاعلان عن تجدد الاشتباكات والمظاهرات والمصدامات.
واذا كان من حق نتنياهو وكل اركان الحكم في اسرائيل اتخاذ ما يروه مناسبا من مواقف عقائدية وسياسية وعملية، فأ ظن مصلحة قوى السلام العربية والدولية والاسرائيلية تكمن في القول ان ليس من حقهم اطلاقا ان يزجوا من جديد شعوب المنطقة ومن ضمنها شعب اسرائيل في دوامة الخوف والقلق على المصير، او اغراقها هكذا ببساطة، في بحور الصراعات العنيفة والحروب المدمرة. وقتل تطلعاتها الحديثة نحو السلام ونحو التقدم والازدهار والاطمئنان على مستقبلها. او شطب جهود اكثر من اربعين دولة بذلت على مدى خمس سنوات كاملة من اجل صنع السلام والاستقرار في الشرق الاوسط. وليس من حقهم ايضا التطاول على القوانين والاعراف الدولية، وعلى القواعد السياسية التي تنظم علاقات الدول بعضها ببعض وعدم احترام الاتفاقات التي توقع فيما بينها. واظن انه اصبح لا مناص من اجراء عملية جراحية خطيرة جدا ومعقدا جدا لكل اوضاع المنطقة. وان اجراؤها يتطلب وجود خبراء دوليين في غرفة العمليات. واعتقد ان وجود قوات دولية كبيرة الان في المنطقة خير من وجودها بعد جولة عنيفة من القتل والدمار.