التمسك بالرواية الفلسطينية للصراع مع الصهيونية ضرورة وطنية

بقلم ممدوح نوفل في 10/08/1996

(2) الاهداف الوطنية المباشرة لدور فلسطينيي الشتات
حماية وحدة الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج مهمة جماعية
من الطبيعي ان يختلف الفلسطينييون (فصائل واحزاب، جماعات وافراد) وفي مختلف اماكن تواجدهم حول الموقف من الاتفاقات ومن عملية السلام، ومن طبيعة التسوية، طالما انها لا تلبي اهدافهم الوطنية، الا ان طبيعة المرحلة تفرض عليهم الحفاظ على وحدتهم الوطنية، وعدم السماح للخلاف السياسي باعاقة التوصل الى قواسم مشتركة للعمل من اجل حماية مصيرهم الوطني. واعتقد ان الكثير من القضايا الوطنية العامة، والقضايا المطلبية للكثير من التجمعات الفلسطينية، يمكنها ان تمثل قاسما مشتركا يلتقي حوله الجميع.
واظن بان الحديث عن دور فلسطينيي الخارج في مرحلة التسوية يتطلب في ظل المعطيات والظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وفي ظل الحالة التي تمربها الحركة الوطنية الفلسطينية، تركيز الجهود وعدم تشتيتها، وتحديد الاولويات الوطنية الفلسطينية بدقة وعلى اسس واقعية، ووفقا لموارزين القوى، وللظروف المحيطة بالقضية الوطنية وباوضاع كل جالية،. وتفرض الحذر من المبالغة في القدرات الذاتية ومن احلال الرغبات والنزعات الذاتية غير الواقعية محل الوقائع المعاشة والملموسة. وتفرض التركيز ايضا على دور كل الشعب وبخاصة التجمعات الفلسطينية الاساسية، والفعاليات الاقتصادية، من ارباب عمال واصحاب رأس مال، وعلى دور الانتلجنسيا بمختلف تلاوينها من اكادميين علميين ومثقفين وكفاءات..الخ. اما ابرز الاهداف الوطنية العامة التي يمكن ان يتركز باتجاهها دور فلسطيني الشتات في الخارج في هذه المرحلة فهي:
اولا / التمسك باقامة السلام العادل والدائم والشامل، والاستمرار في رفض صيغة فرض الامرالواقع الذي خلقه الاحتلال. والتمسك بالرواية التاريخية الحقيقية الفلسطينية لاسس الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، وتتثقيف الاجيال الناشئة بها، والدفاع عنها في كل الاوقات وفوق كل المنابر وبكل الوسائل. ورفض كل محاولات التزوير او التشويه المتنوعة والمتعددة التي قد تتعرض لها في مرحلة التفاوض او في عهد التسوية السياسية. واعتقد ان من واجب الكتاب والمفكرين الفلسطينيين الان واكثر من أي وقت مضى، ابراز الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. واظهار حقيقة ان الفلسطينين تنازلوا للشعب الاسرائيلي، من اجل صنع السلام في المنطقة، عن اكثر من ثلثي ارضهم التاريخية، وقبل ان يحصلوا على الحد الادنى من حقوقهم الوطنية المهضومة .
ثانيا /التمسك بالحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني في المفاوضات وخارجها، والعمل على تعطيل كل محاولة للتفريط فيها أو في أجزاء منها. وبخاصة حق تقرير المصير واقامة الدولة المستقلة على الاراضي التي احتلت في عام 1967. والاصرارعلى انسحاب القوات الاسرائيلية منها انسحابا تاما وانهاء وجود كل المرتكزات التي اقامها الاحتلال، وبخاصة الوجود الاستيطاني. ولعل شروع قيادة م ت ف وابناء الجاليات الفلسطينية في الشتات في اعادة احياء وتشكيل لوبيات الضغط ولجان التضامن مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصيرعلى المستويين العربي والدولي يسهم في تكريس هذا الحق، ويعطيه ابعاده العربية والدولية الضرورية، ويخرجة من الدائرة الضيقة التي حشر فيها منذ بدء المفاوضات .ثالثا / التمسك بحل قضية اللاجئين حلا عادلا وفقا لقرارات الشرعية الدولية وبخاصة القرار الدولي رقم194. واذا كان حق العودة لما يزيد عن مليونين من الفلسطينيين الى المدن والقرى الفلسطينية في اسرائيل غير قابل للتفاوض ولاعادة النظر فيه من وجهة النظر الاسرائيلية ، فحق اللاجئين في الحصول على اعتراف دولي بالظلم التاريخي الذي الحقته بهم اسرائيل والحركة الصهيونية، وعلى التعويض الملائم يجب ان يبقى حقا مقدسا لايجوز المساس به. وذات الشيء ينطبق على حق الفلسطينيين المقيمين في اسرائيل في استعادة اراضيهم وممتلكاتهم المصادرة منهم حتى الان. اما النازحون وكل الذين ارغموا على مغادرة اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة منذ 5حزيران 67وحتى الان، والذين يفوق عددهم عن 700 الف، فحقهم في العودة الى اراضيهم وممتلكاتهم لا يجوز اخضاعة لاية مساومات، ويجب التمسك به في كل الظروف والاحوال. وذات الشيء ينطبق على فاقدي تصريحات العودة. واظن ان خطأ فاحشا ترتكبه السلطة الفلسطينية في حال الاستمرار في عدم اشراك ممثلين عن النازحين في المفاوضات الجارية حول موضوعهم
رابعا / حماية وحدة الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات. وصيانة الهوية الوطنية وتعميق الانتماء الوطني الفلسطيني لفلسطيني الشتات وداخل اسرائيل. ومكافحة حالة اليأس والاحباط السياسي والمعنوي الذي قد تنتشر في صفوف اللاجئين بسبب تعثر مسيرة المفاوضات وانعدام توازنها، وتأخرها في تناول قضاياهم. وبسبب طبيعة الاتفاقات المجحفة الموقعة والمتوقعة، لاسيما وانها ستخلوا من الحلول العادلة لقضاياهم. ولعل الاكثار من بناء المراكز والمؤسسات الثقافية، ومراكز التراث، والنوادي، والجمعيات الفلسطينية وسط تجمعات اللاجئين، والاكثار من الزيارات الفردية والجماعية للوطن، يساعد على صيانة الانتماء ويحافظ على الهوية الفلسطينية، وبخاصة في صفوف الاجيال الناشئة، التي ولدت خارج فلسطين ولا تعرفها.
خامسا/ ضمان الحقوق السياسية والاجتماعية والانسانية لفلسطينيي الشتات في مختلف مناطق اقامتهم والدفاع عن حقهم في المساواة والتكافؤ في الفرص مع سائر المواطنيين. وفي حق الاقامة والسفر والتنقل الحر والعمل بأجور متساوية. واعتقد ان انتزاع حق كل الفلسطينيين في الشتات في الانتماء لمنظمة التحرير، وللكيان الفلسطييني الموجود فوق ارض الوطن، وفي حمل هويته، دون المساس بأوضاعهم،وبمصالحهم في البلدان التي يعيشوا فيها يعتبرهدفا وطنيا فلسطينيا يستحق ان تبذل قيادة م ت ف وابناء الجاليات انفسهم الجهود المطلوبة لتحقيقه.
سادسا/ العمل على بناء علاقات نضال مشترك مع القوى الديمقراطية والمستنيرة العربية بهدف الحفاظ على البعد القومي للقضية الفلسطينية، وتعزيز الديمقراطية وصيانة حقوق الانسان العربي، ولوضع اسس تعاون ونضال مشترك من اجل اقامة نظام عربي يوفر التكامل الاقتصادي واحترام الديمقراطية. ولتنسيق العمل المشترك للخلاص من التبعية، وانهاء السيطرة الاجنبية على مقدرات المنطقة. ووقف نهب ثرواتها واستباحة اسواقها. واحباط اشعال الفتن الطائفية والعرقية والاثنية.
سابعا/ العمل على اقامة اوسع علاقات ممكنة مع القوى والاحزاب والمؤسسات الاوروبية المناهضة للعنصرية، والمهتمة بالدفاع عن حقوق الانسان. ونظرا للموقع الدولي المقرر الذي تحتله الولايات المتحدة الامريكية في هذة الحقبة التاريخية، ولدورها المؤثرفي عملية السلام الجارية، ولقدرتها في التأثير على القرارالاسرائيلي، فانني اعتقد ان العمل الفلسطيني على الساحة الامريكية يجب ان يولى اهمية استثنائية. ولعل نقطة الانطلاق تبدأ بتوحيد وتنظيم طاقات وامكانات الجالية الفلسطينية هناك، واقامة اوثق علاقة تعاون وعمل مشترك مع الجاليات العربية الاخرى .ومن ثم الانطلاق سويا نحو بناء لوبي فاعل في الولايات المتحدةالامريكية، يتولى مهمة الدفاع عن الحقوق العربية، والتصدي لمواقف القوى الصهيونية الامريكية العنصرية والمتطرفة والمعادية للحقوق العربية، والمناهضة لصنع السلام العادل والشامل في منطقة الشرق الاوسط.
وبجانب هذه الاهداف والمهمات في الخارج، اعتقد ان للجاليات الفلسطينية دورا اساسيا في تحقيق بعض الاهداف الفلسطينية في الداخل من خلال :
1) المساهمة في بناء الاقتصاد الوطني الفلسطيني في الضفة الغربية قطاع غزة. باقامة المشاريع الانتاجية الزراعية والصناعية ومشاريع تطوير البنية التحتية، التي تخدم تلبية الحاجات الوطنية العامة، وتقلص من نسبة الاعتماد على الاقتصاد الاسرائيلي، وتخلق اوسع قدر ممكن من فرص العمل وتقلص البطالة. والمساعدة في تنمية الطاقات البشرية الفلسطينية العلمية والتكنولوجية والثقافة والادارية. واذا كانت السلطة الفسطينية تتحمل مسؤولية عدم تشجيع الراسمال الفلسطيني الموجود في الشتات من الاندفاع نحو اخذ دوره في بناء الاقتصاد الفلسطيني، فلا يمكن اعفاء الراسماليين الفسطينيين من المسؤولية عن ذلك، وعن عدم بذل الجهود الكافية لانتزاع وفرض دورهم الوطني بصيغة او اخرى. فالوطن ليس حكرا على احد والنهوض باقتصاده واجب وطني يتحمله الجميع .
2) المساهمة في انجاح السلطة في النهوض بمهامها السياسية والتربوية والثقافية والاجتماعية. وبغض النظر الموقف من تركيبة السلطة الوطنية الفلسطينية، ومع الاقرار بممارساتها الخاطئة، المبررة وغير المبررة، فان هذه مهمة تبقى مهمة وطنية من الطرازالاول، يتحملها مسؤوليتها كل الفلسطينييون اينما تواجدوا. فهي امتحان دولي لقدرة الفلسطيين على حكم انفسهم بأنفسهم، ولقدرتهم على ادارة شؤون حياتهم بصورة مستقلة نسبيا عن تدخل الاخرين. ويخطأ من يعتقد ان فشل السلطة في هذه المرحلة وسقوطها يفتح الباب لبديل فلسطيني افضل. واظن ان من المفهوم ان الدعوة لانجاح السلطة الفلسطينية لا يعني في أي حال من الاحوال السكوت على اخطائها، اوعدم نقد مواقفها وممارساتها الخاطئة والضارة. فنقدها والدفع باتجاه دمقرطة ممارساتها وعلاقاتها الداخلية، ومع الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع تعتبر من المساهمات الاساسية والضرورية لنجاحها .
3) التعامل بواقعية مع عملية السلام ونتائجها
اعتقد ان الفلسطينيين في الداخل والخارج بحاجة الى مراجعة ذاتية لمواقفهم من المشاركة في عملية السلام ولطريقة تعاملهم مع الاتفاقات الفلسطينية الاسرائيلية. فبغض النظرعن الموقف منهما، ومن طريقة ادارة المفاوضات مع الاسرائيلين، فالتدقيق العلمي والموضوعي، المجرد من العواطف ومن الرغبات الذاتية، يبين ان المشاركة في عملية السلام والتوصل الى اتفاق اوسلو كانا نتاج لموازين قوى محلية واقليمية ودولية. وانهما(اوسلو وعملية السلام) ليسا ملكا للفلسطينيين والاسرائيليين، ولايمكنهما التصرف فيهما وازائهما وفقا لرغباتهما الذاتية ومصالحهما الخاصة. واذا كان لامجال للاسترسال في مناقشة هذة المقولة في هذا المقال ، فلعل طرح السؤال التالي: وماذا بعد الخروج من عملية السلام، والغاء اتفاق اوسلو؟ يبين ان المطالبة بالغاء هذا الاتفاق وبالانسحاب من عملية السلام فيها الكثير من التبسيط وتقوم على نزعات ارادوية ذاتية. واظن ان وضعهما من قبل المعارضة كشرط للمساهمة في بناء السلطة وفي تنظيم صيغ العمل المشترك مع السلطة ومع المؤيدين لعملية السلام، هو بمثابة تسديد في الاتجاه الخاطىء، وتضييع للوقت ولجهود فلسطينية هامة. اعتقد ان بلورة موقف وطني فلسطيني يقوم على: تحديد الخطوط الوطنية الفلسطينية الحمراء والالتزام بها، والاستفادة من اتفاقي اوسلو وطابا ومن المشاركة في عملية السلام، وتقليص ما يمكن تقليصه من الخسائر التي قد تنجم عنهما، يساعد على حشد اوسع الطاقات في هذه المعركة المصيرية.
4) تطوير العلاقات والعمل المشترك مع كل القوى السلام والتيارات الديمقراطية داخل اسرائيل، التي تعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والتي تدعو الى اقامة دولتين للشعبين على ارض فلسطين التاريخية، وتعتبر الاستيطان عقبة في طريق صنع السلام. وفي هذا السياق لعل من المفيد التنبيه الى مخاطر ما يجري منذ اتفاق اوسلو وحتى الان، وبخاصة حصر العلاقة مع الاسرائيلين بالعلاقة القائمة بين المفاوضين من الطرفين، او بين رأسي السلطة الفلسطينية والاسرائيلية.
5) الحفاظ على عروبة القدس، والاصح على ما تبقى من ذلك. ورفض سياسة الامر الواقع التي تحاول القيادة الاسرائيلية فرضها من خلال تغيير معالمها التاريخية وتغيير خارطتها الجغرافية وتوسيع عمليات الاستيطان فيها. اعتقد ان انقاذ هذه المدينة المقدسة مهمة جماعية لكل الفلسطينيين. واذا كان واجب السلطة والمفاوض الفلسطيني افهام القيادة الاسرائيلية ان حديثها عن القدس عاصمة ابدية لاسرائيل، يعني بقاء عملية صنع السلام معلقة للابد، فان مهمة تشكيل لجان الدفاع عن القدس والمحافظة على طابعها العروبي والاسلامي، ودعم صمود اهلها فيها، مهمة وطنية فلسطينية اولا وعربية اسلامية ثانيا، يجب الشروع فيها في الداخل وفي كل مناطق الشتات الفلسطيني .
6) تقوية وتوسيع الحركة الثقافية والتعليمية والاجتماعية والرياضية والفنية الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة ودعم مؤسساتها القائمة والعمل على تنشيط فعالياتها، وتشكيل اللجان الخاصة في المهاجر لدعمها واسنادها، واقامة الصلات المباشرة بين هذه المؤسسات وبين تجمعات الشعب الفلسطيني في الشتات.