لا ضغوط جدية والليكود متمسك ببرانامجه 3

بقلم ممدوح نوفل في 20/07/1996

)
قد يقول البعض لايزال الوقت مبكرا للقول ماذا سيفعل الليكود، وان الليكود خارج السلطة لن يكون كالليكود المتربع على رأس الحكومة. لاسيما وان الكل يقر ويعترف بان الشرق الاوسط منطقة سريعة التقلبات ومشهورة بالمفاجئات النوعية. ويطالب بعض المتفائلين من فلسطينيين وعرب ودوليين ان ننتظر ونراقب ما سيفعله نتنياهو كرئيس للوزراء. وانتظار ما سيتبلور من مواقف دولية، وما ستسفر عنه الانتخابات الامريكية المقرر اجراءها في الخريف القادم. اذ لا خلاف على ان اسرائيل وكل دول المنطقة تتأثر تأثرا شديدا بسياسة الولايات المتحدة في الشرق الاوسط. وان الادارة الامركية بصرف النظر عمن يكون فيها لا تسمح لاي طرف بالمساس بمصالحها واستراتيجيتها، وان صنع السلام والاستقرار في الشرق الاوسط صار ركن اساسي في سياستها الكونية، وفي سياسة مجموع دول السوق الاوروبية المشتركة. وانهم جميعا لن يسمحوا بضياع جهود خمس سنوات بذلوها من اجل صنع السلام والاستقرار في الشرق الاوسط..الخ وان هناك العديد من الحقائق خلقت على الارض يستحيل على نتنياهو تجاهلوا وتجاوزها او تغييرها .
اعتقد ان الاستسلام لهذه الاقوال وهذه الدعوات يلحق اضرارا فادحة بالمصالح الوطنية الفلسطينية والعربية العليا، ويضيع قسما من الجهود الفلسطينية والعربية ويوجهها ويوظفها في الاتجاه غير الصحيح، ويقود الى هدر مزيد من الوقت الثمين. فقديما قالوا “المكتوب يقرأ من عنوانه”. وبالاستناد للتاريخ القريب يمكن القول ان من المفيد لدعاة الانتظار استذكار ومراجعة وقائع المفاوضات الفلسطينية والعربية الاسرائيلية التي جرت في عهد الليكود في واشنطن، وكان نتنياهو عضوا في الوفد الاسرائيلي وناطقا باسمه. هذا بالاضافة لاطروحات الليكود والمؤتلفين معه المعروفة للجميع. وفي حينه شهد الجميع له ان كان بمثابة محامي ناجح برع في التغطية على المماطلة والمراوغة الاسرائيلية وفي تبرير تعطيل المفاوضات وشل حركتها. وبديماغوجيته المعروفه نجح الى حد كبير في اعفاء اسرائيل من المسؤولية امام الراي العام الامريكي عن تعطيل تقدم عملية السلام .
اما مواقفه بعدما اصبح رئيسا للوزراء وتصريحاته الواضحة والحادة التي اطلقها في البيت الابيض وامام الكونغرس الامريكي قبل ايام وقبلها في لقائه مع كريستوفر في القدس، ورفضه في القاهرة الاقرار بمبدأ السلام مقابل الارض، تؤكد انه من البداية آثر الصراحة والوضوح في الموقف على ما سواها من اعتبارات اخرى. ويفترض ان تكون صراحته كافية لاقناع من لم يقتنع بعد بانه جاد في التمسك في المواقف والبرامج التي طرحها خلال حملته الانتخابية. فقد تعمد استخدام ذات اللغة التي كان يستخدمها حين كان في المعارضة. وتمسك بذات الاطروحات التي طرحها خلال حملته الانتخابية وتعمد شرح بعض فقرات برنامجه بالتفصيل : فمبدأ الارض مقابل السلام مرفوض اسرائيليا وبالحد الادنى له تفسيران، والقدس الموحدة عاصمة اسرائيل الابدية وموضوعها غير قابل للتفاوض على الاطلاق. ولا لاي نشاط فلسطيني فيها حتى لو كان هذا النشاط من اجل السلام والتعايش بين الشعبين الاسرائيلي والفلسطيني. والمستوطنات موجودة ووجودها شرعي في كل انحاء الضفة الغربية وقطاع غزة وغير قابل للتفاوض ايضا. ولم يفش سره المعروف بانه اوكل للوزير شارون مهمة رعاية توسيعها وتطوير بنيتها التحتية وتشجيع السكن فيها حتى لو كان ذلك على حساب تل ابيب وسائر المدن الاسرائيلية الاخرى. وتعمد القفز عن موضوعي الحدود والمياه باعتبارهما قضيتين استراتيجيتين محسومتين من وجهة نظره. فالضفة الغربية وما في باطنها هي ارض اسرائيل التوراتية. وهناك فقط ادارة مدنية فلسطينية داخل مناطق الحكم الذاتي. وهذه الادارة ممنوع عليها التطور الى كيان مستقل وطبعا محرم على الفلسطينيين التحدث عن دولة مستقلة. وفي هذا السياق لعل من الضروري للمفاوض الفلسطيني العودة الى اتفاقات كامب ديفيد وما نصت عليه ازاء هذا الموضوع. اما اللاجئون الفلسطينيون فقد عاد نتنياهو وانكر عليهم حقهم في العودة الى بيوتهم او الى الاراضي التي احتلت في عام 1967، وجعل موضوعهم غير قابل للتفاوض بما في ذلك حقهم في التعويض.
وبشأن المفاوضات مع سوريا فقد جعل السلام معها جزء من الامن الاسرائيلي، واستنادا لذلك دعا السوريين للتفاوض على اساس السلام مقابل السلام، اما الارض السورية والمياه فعليهما السلام…فبرامج نتنياهو وكهلاني وايتان واضحة وتخلوا من الغموض ولا تترك أي مجال للبس او الغموض. فكلها تعتبر السيادة على الارض والمياه بالاضافة للوجود العسكري والاستيطاني في الجولان امور اساسية في استراتيجية اسرائيل الامنية والاقتصادية. اما بشأن قضايا المسار اللبناني فالواضح ان حكومة نتنياهو سوف تتعامل معه باعتبارة ملحق بالمسار السوري ولكنها لن تيأس من تكرار محاولة فصله عن السوري.
اما دعوات انتظار نتائج الانتخابات الامريكية ومواقف ادارتها الجديدة، فأيا تكن الحسابات الانتخابية للرئيس كلينتون، فقد كان واضحا مدى حرصه وحرص وزيره كريستوفر من قبله على مسايرة نتنياهو على حساب عملية السلام. وذات الشيء فعل اعضاء الكونغرس باغلبيتهم الجمهورية عندما صفقوا ووقفوا وقفة تقدير لاقوال نتنياهو،وظهروا وكأنهم يتسابقون على خطب وده، وخطب ود الناخب اليهودي الامريكي من خلاله. وفي سياق تقييم موقف الادارة الامريكية من الليكود وسياسته، لعل من المفيد تذكير دعاة انتظارالانتخابات الامريكية باقوال وزير الخارجية السابق بيكر في معرض تقييمه لادارة الرئيس كلينتون بعد رحيله من وزارة الخارجية، حيث قال لبعض الفلسطينيين “هذه الادارة مديونة للوبي الصهيوني.لا تتوقعوا منها ضغطا على اسرائيل، اسقطوا من قاموسكم كلمة ضغط امريكي على اسرائيل طيلة فترة حكمها”. وبصرف النظر عن اقوال بيكر فباستطاعة من يراجع مواقف الادارة الامريكية في عهد كلينتون ان يسجل تساهلها مع حزب العمل في تطاوله على الاتفاقات التي وقعها مع الفلسطينيين، وتحولها الى شاهد زور وراعي غير عادل، وحامي الخروقات الاسرائيلية لهذه الاتفاقات ولكل اسس عملية السلام التي قامت في مدريد عام 1991، بما في ذلك تعطيل تقدم المفاوضات على المسارين السوري واللبناني اربع سنوات.
واظن انها من الان وحتى الانتهاء من الانتخابات ستزيد من تزلفها لنتنياهو وحكومته، طالبة الغفران على مواقفها من الانتخابات الاسرائيلية وانحيازها لبيريز بشكل مكشوف، وعلى أمل الحصول على الدعم الصهيوني المؤثر، وكسب صوت الناخب الامريكي اليهودي والفوز في الانتخابات. ومن البديهي القول بان انشغال الادارة الامريكية بانتخابات الرئاسة، واصرارها على رفض اعطاء روسيا والدول الاوروبية دور فاعل فيها سيجعل عملية السلام تسير بدون راع، ويطلق العنان لنتنياهو للتحكم في مسارها من الان وحتى نهاية العام الحالي.
قد يقال ان مصلحة الادارة الامريكية والرئيس كلينتون بالذات تتطلب في مرحلة الانتخابات عودة الجميع الى طاولة المفاوضات، وان دنيس روس منسق شؤون عملية السلام ومساعدوه قادمون للمنطقة لتحقيق هذه المصلحة الحيوية. وان جميع اطراف النزاع ليس بامكانهم تعطيل رغبات امريكا “سيدة الكون”.اعتقد ان الرد على هذا القول بسيط خلاصته : ان امريكا سيدة الكون” قادرة في فترة الانتخابات وبعدها على فرض ارادتها على العرب غير الموحدين وغير المأثرين في الانتخابات الامريكية. ولكن يخطأ من يعتقد ان الادارة الامريكية ستمارس ضغوطا جدية على حكومة نتنياهو، وفرض ارادتها عليها، فاسرائيل كانت ولازالت حليفها الاستراتيجي الذي لا غنى عنه، وركن اساسي في استراتيجيتها الشرق الاوسطية. بعكس ما توقعه الكثيرون بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وانتهاء الحرب الباردة. وتجربة المفاوضات منذ انطلاقتها وحتى الان بينت ان الضغوط الدولية وبخاصة الامريكية تتركز عادة على الجانب العربي باعتباره الطرف الضعيف في المعادلة والذي لا حول له ولا قوة. واعتقد ان استمرار حالة التفكك والتمزق التي يمر بها العرب الان، وغياب التضامن والتنسيق الجدي بين الاطراف العربية المشاركة في المفاوضات يشجع الادارة الامريكية على تركيز ضغوطها من جديد على الطرف العربي لارغامه على قبول ما يقدمه نتنياهو. وذات الشيء تقريبا ينطبق على مواقف الدول الكبرى الاخرى. لاسيما وانها تدرك ان الاوضاع الاقليمية السائدة والمرئية من الان وحتى نهاية هذا القرن لا تحمل في طياتها ما يعرض مصالحها في الشرق الاوسط لاخطار حقيقية. واظن ان دينس روس ومن معه قادمون للضغط على الاطراف العربية المشاركة في المفاوضات والمؤثرة فيها للقبول بدخول غرف المفاوضات من جديد وفقا للشروط التي طرحها نتنياهو وليس العكس، بما في ذلك اعتماد قواعد واسس مؤتمر مدريد كمرجعية للمفاوضات بدلا من اعتماد قرارات الامم المتحدة 242 و338 وقرار425 الخاص بالوضع في الجنوب اللبناني، ومبدأ الارض مقابل السلام. وانهم سيتناسون التزامات الادارة الامريكية الواردة في رسائل التطمينات التي قدمتها ادارة بوش ـ بيكر للاطراف العربية وللفلسطينيين على ابواب مؤتمر مدريد.
اعتقد ان الانفع والاجدى للعرب والفلسطينيين ولقوى السلام في اسرائيل عدم انتظار نتائج الانتخابات الامريكية ولا انتخابات الكونغرس الامريكي المقدر لها ان تتم بعد عامين، والشروع في تحديد توجهاتها وفقا لمصالحها، والاعتماد على طاقتها الذاتية كاساس. ورسم خطواتها العملية وتكتيكاتها التفاوضية على اساس ان لاضغوط امريكية على اسرائيل لا الان ولا خلال الفترة التي تفصلنا عن الانتخابات، والارجح ان لا تكون هناك ضغوطا امريكية جدية وفعالة قبل عام 1998 سواء عاد الديمقراطيون للحكم او فاز المرشح الجمهوري.
وفي كل الاحوال يمكن القول بثقة ان تجدد المفاوضات في الايام او الاسابيع القادمة على أي من مساراتها سوف يكون (اذا تجددت) شكليا ومظهريا وظيفته خدمة الحملة الانتخابية للرئيس كلينتون، وامتصاص بعض مظاهر التوحد في الموقف العربي التي ظهرت في قمة القاهرة. فالتباين في مواقف الاطراف يحول تحقيق اية نتائج عملية ملموسة على أي من مساراتها من الان وحتى نهاية هذا العام. واظن ان كل الاطراف بما في ذلك الراعي الامريكي تدرك ذلك حتى لو لم نسمعه من أي منها، او سمعنا نقيضه.
وبناء على هذا الاستخلاص وعلى وصف هذه المرحلة بمرحلة اللعب بالوقت الضائع. يصبح من غير المستبعد ان تبادر القوى المتضررة من تقدم عملية السلام الى العمل من اجل خلق حقائق جديدة تعزز مواقفها المباشرة واللاحقة. باعتبارها فترة مناسبة لقيام الجميع ببعض عروضهم الخاصة. وفي هذا السياق يمكن ان يشهد الجنوب اللبناني تصاعدا في التوتر. واعتقد ان اللجنة الدولية المشتركة التي شكلت بعد عملية “عناقيد الغضب” لمراقبة الوضع هناك لن تستطيع منع وقوع مثل هذا التوتر الحاد. وذات الشيء يمكن توقع حدوثه في الضفة الغربية وقطاع غزة وداخل اسرائيل. ويستطيع كل مراقب ان يرى بوادر هذا التصاعد في التوتر في غزة وسببه الحصار الطويل والاغلاق وتفاقم البطالة. اما في القدس والخليل ومعظم انحاء الضفة الغربية فسببه بالاضافة لتفشي البطالة وزاده الاعلان عن خطط استيطانية جديدة وبدء المستوطنين بتحركات ونشاطات استفزازية. وبهذا يمكن القول ان المتطرفيين تقدموا خلال اقل من عام واحد ثلاثة خطوات كبرى. الاولى حين تخلصوا من رابين بعدما اقتنع ان لا بديل للسلام مع العرب والفلسطينيين. والثانية عندما اطاحوا بحكومة العمل واستلموا السلطة. والثالثة عندما عطلوا تقدم عملية السلام ووجهوا لها ضربة استراتيجية قد لا تظهر نتائجها في الشهور القليلة القادمة. المؤكد منها الان تأخير استقرار المنطقة، ودفع فكرة التعايش السلمي الآمن بين شعوبها للوراء لسنوات طويلة .