انفصال السلطة عن المنظمة يهدد الوحدة الوطنية الفلسطينية

بقلم ممدوح نوفل في 27/11/1995

ثالثا/انفصال السلطة عن المنظمة يهدد الوحدة الوطنية الفلسطينية
ان ابرز ما ميز المرحلة الماضية من تجربة السلطة الفلسطينية هو انفصال دورها عن مؤسسات منظمة التحرير وتراجع دور تلك المؤسسات، ومحاولة السلطة الاستيلاء على دور المنظمة .وهذا الانفصال نشر مناخا من الاحباط والشكوك لدى اوساط واسعة من فلسطيني الشتات، التي اصبحت ترى في قيام السلطة وتعطل دور مؤسسات منظمة التحرير خطوة ابتعدت فيها المنظمة عن تمثيل مصالح الشعب الفلسطيني المقيم خارج الوطن. وعن تحمل مسؤولياتها في الدفاع عن حقوقه. وخطورة هذه الضاهرة تبرز عند تأمل أبعاد انعدام تفكير القيادة الفلسطينية في تشغيل نصف الشعب الفلسطيني اتجاه قضيتهم الوطنية.وعدم اشراكهم في صنع التوجهات الوطنية التي تمس مستقبلهم ومصيرهم الوطني.واستثنائهم من المساهمة في معالجة المعضلات الوطنية المعقدة التي تواجهها السلطة الوطنية ومنظمة التحرير وكل القضية الوطنية الفلسطينية .
وبغض النظر عن النوايا والاسباب أو المبررات التي يمكن أن تساق لتبريرهذا التقصير الخطير، فالواضح أن استمراره يساهم في شق وحدة الشعب الفلسطيني بين داخل وخارج. ويجعل السلطة الفلسطينية في نظر قطاعات واسعة من الشعب سلطة لجزء من الشعب فقط، ولا تشجعهم على المساهمة في بنائها. وقد تدفع مع الزمن بقطاعات واسعة من فلسطيني الشتات الىعدم التعامل معها باعتبارها سلطتهم الوطنية التي ناضلوا وضحوا من اجل قيامها.ويمكن لهذا التقصير أن يقودعلى المدى الطويل ايضا الى اضعاف روح الوطنية الفلسطينية في صفوف الشعب الفلسطيني المقيم في المهاجر. ويدفع بعضه لأتخاذ مواقف سلبية منها، والأنخراط في تحركات مناوئة لها.وقد يدفع بقطاعات أخرى نحو البحث عن الخلاص الفردي، والأنحياز الى تأمين مصالحهم الخاصة في هذا البلد او ذاك، ومع هذا النظام أوذاك ممن يقيمون على أرضه.وتقصيرالسلطة وقيادة المنظمة اتجاه تعبأة وحشد طاقات الشعب الفلسطيني في الخارج، ومعالجة افرازات هذا التقصيرتفرض على القوى والعناصر الوطنية الديمقراطية والطليعية ليس فقط رفع الصوت النقدي لها السلولك المؤدي الى تدمير منظمة التحرير، بل والمبادرة الى ايجاد السبل التعبوية والتنظيمية لدرء الاخطار المذكورة أعلاه.
وفي هذا السياق لعل من المفيد التذكير بان القناعة الجماعية النابعة من وعي الشعب الفلسطيني كانت دوما هي المحرك الرئيسي لنضال الشعب الفلسطيني على امتداد ال 27 عاما الماضية من اجل تحقيق اهدافه الوطنية. وهي التي دفعته الى الالتفاف حول م ت ف وحمايتها كممثل شرعي ووحيد له. وتخطئ السلطة الفلسطينية ان هي اعتقدت ان بامكانها توحيد الشعب الفلسطيني المشتت في شتى انحاء العالم حولها بالاغراء اوبالوعود او بقوة الاكراه وما شابه ذلك. فلا يمكنها بقوات الشرطة والمخابرات قيادة المرحلة والسيطرة على شعب نصفه فوق ارضه ونصفه الآخر خارجها. قد تستطيع ذلك مؤقتا في غزة واريحا، ولكن ماذا بشأن البقية ؟ ان مهمة حشد طاقات الشعب الفلسطيني خلف السلطة لا يمكن ان تتم بدون بدون ديمقراطية حقيقية، وبدون تحقيق انجازات يلمسها الفلسطينييون في كل مكان، وبدون وضع برامج تقنع الناس بصحة نهجها وبصحة برامجها، وبدون اشراك اوسع قطاعات من الشعب في تقرير المستقبل الفلسطيني. واذا كانت مهمة التحريروظروف ما قبل العودة الى غزة واريحا جعلت الشعب يقبل بعض صيغ واشكال الديمقراطية الشكلية والناقصة كأمر واقع، وان يصمت على بعض الممارسات غير الديمقراطية الخاطئة والمسيئة، فأن المرحلة الجديدة قد حررته من ذلك. فسياسات وممارسات ما قبل قيام السلطة الفلسطينية لا تصلح لما بعدها .والمدخل لحل الاشكالية بين السلطة والنظمة سيبقى من الان وحتى التوصل الى اتفاق حول قضاياالمرحلة النهائية متوفرا فقط في تنظيم العلاقة فيما بينهما على اسس واقعية واضحة، ومع الشعب على اسس ديمقراطية، وفي تعبأة كل طاقات الشعب الفلسطيني خلف السلطة وعبر المنظمة، وفي مواجهة الاحتلال وانتزاع كل الحقوق الوطنية.
رابعا/تدهور الاوضاع الاقتصادية في القطاع تنذر بانفجار ثورة الجياع
في ذكرى مرور عام على تشكيل السلطة الفلسطينية، اطلق لارسن منسق اعمال هيئات الامم المتحدة والمساعدات التي تقدمها الدول المانحة صيحة استغاثة قال فيها ان البطالة في قطاع غزة بلغت ما يقارب ال60% ، وان الاوضاع الاقتصاية والمعيشسة للسكان تدهورت وصارت اسوء مما كانت علية قبل اتفاق اوسلو وقبل دخول السلطة الفلسطينية.وعزا ذلك الى كثرة ايام اغلاق اسرائيل لحدودها في وجه العمال الفلسطينيين، والى عدم ايفاء الدول المانحة بالاتزاماتها في الاوقات المحددة لذلك.ولعدم قيام مشاريع اقتصادية في قطاع غزة تستوعب نسبة معقولة من البطالة. وناشد الدول المانحة العمل على سد العجز في موازنة السلطة الفلسطينية كي تستطيع دفع رواتب الشرطة والموظفين ومنع انتشار الرشوة في صفوفهم،وناشدهم الايفاء بكل الالتزامات الاخرى، والاسراع في اقامة المشاريع الانتاجية.وبذات الفترة وجه الرئيس عرفات نداء الى الرأسماليين الفلسطينيين واصحاب الاعمال بالمبادرة الى تحمل مسؤولياتهم الوطنية في بناء الاقتصاد الفلسطيني.وبغض النظرعن الهدف من اطلاق هذه التصريحات في هذا الوقت بالذات، فهي تعطي صورة حقيقية عن الاوضاع الاقتصادية المأساوية في قطاع غزة .وكل الاحصائيات والدراسات الصادرة حول الموضوع تؤكد تراجع دخل الفرد وازدياد البطالة، وان القطاع يعيش ازمة اقتصادية حادة تهدد بانفجار إنتفاضة الجياع ضد السلطة الفلسطينية وضد الإحتلال وضد البنك الدولي، وقد تطال كل المؤسسات الدولية الموجودة هناك .
لاشك ان التدمير المبرج الذي الحقه الاحتلال على مدى 27 عاما ببنية الاقتصاد الفلسطيني، زرع في وجه السلطة الفلسطينية ازمة اقتصاية عميقة الجذور،علاجها صعب ويحتاج وقتا طويلا ومساعدات خارجية كبيرة. وان عدم ايفاء الدول المانحة بالتزاماتها، وشروع اسرائيل بحجة الامن في الاستغناء عن العمال الفلسطينيين صعب من عمل السلطة باتجاه معالجة الازمة الاقتصادية.الا انني اعتقد ان التقييم الموضوعي لتجربة السلطة في مجال بناء الاقتصاد الفلسطيني، يفرض القول ايضا ان تشكيلة السلطة ذاتها وما قامت به خلال العام الاول من عمرها وسع الازمة وعمقها.فعند تشكيل السلطة افتعلت معارك مع الراسماليين الفلسطينيين، واتهموا بانهم يريدون قطف ثمار تضحيات المناضلين.ولهذا غاب رموز الرأسمال الوطني الفلسطيني عن تشكيلة السلطة، ولم يفكر (اي روتشيلد) الفلسطيني في المشاركة فيها أو التعاون معها. وحتى الذي سمي منهم لم يسمع الناس رايه ولم يستطع الإستمرار فيها. وراح كل منهم يفكر بمفرده، ويعمل لخدمة بلده وفقا لرؤياه الخاصة.ولاحقا على التشكيل تغلبت النزعة الفردية والارادية والارتجال في ادارة عملية البناء الاقتصادي. ولمس تضارب دور المؤسسات الاقتصادية وتعددت مصادر التوجيه. وغابت القوانين والرؤيا الموحدة لمعالجة الاوضاع الاقتصادية ولتنظيم العلاقة بين السلطة والمستثمرين. وبرزت رموزغير موثوقة تولت متابعة العقود الاقتصادية. وانتشرت روائح الروشة والفساد، وغابت كل اشكال الرقابة على مجال النشاط الاقتصادي. مما خلق حالة تردد كبيرة لدى اصحاب رأس المال ورجال الاعمال الفلسطينيين من استثمار اموالهم. ولم يتمكن من قرر منهم المغامرة من الشروع في اقامة المشاريع.
وبجانب ذلك كله اثقلت التعيينات الواسعة جدا كاهل السلطة الفلسطينية باعباء مالية ضخمة، وشوشت وشوهت صورتها في عيون شعبها. وخلقت هوة واسعة بينها وبين الناس في قطاع غزة والضفةالغربية. لقد فرض على السلطة الفلسطينية انفاق كل وارداتها المحلية ومعظم المساعدات المالية التي تصلها في مجالات غير منتجة. ويستطيع كل خبير اقتصادي ان يقدر ثقل هذا العبىء المالي الكبير، واثره على مستقبل الاقتصاد الفلسطيني وعلى علاقات الانتاج فيه، اذا عرف ان منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية مضطرة لدفع رواتب ما يقارب خمسين الف موظفا مدنيا وامنيا وعسكرياحتى الان.. منهم ما يزيد عن 19 الف رجل امن وشرطة.
وفي الشهورالاولى من عمر السلطة الفلسطينية اعتقد بعض اركانها ان المساعدات الخارجية وتحسن العلاقة مع اسرائيل وعدم تعقيدها يساعد على تطبيق الاتفاقات الاقتصادية الموقعة، ويساعد في حلحلة الازمة الاقتصادية. الا ان وقائع الحياة جاءت لتؤكد خطأ هذا الاعتقاد، ولتبين ان تطور العلاقة الفلسطينية الاسرائيلية ومساعدات الدونرز لن تصل في المرحلة الإنتقاليه الى حدود إستيعاب البطالة في الضفة والقطاع. واكدت ايضا ان التوصل الى اتفقات سياسه وأمنيه واقتصاديه، ووقوع تحسن في العلاقات لا يعني تدفق المساعدات المالية الخارجية بصورة أوتوماتكية على السلطة الفلسطينية، كما تشتهيها وكمكافئات. وستنتظر السلطة الفلسطينية طويلا إذا إعتقدت أن الدول المانحة ستقدم لها الدعم المالي ككرم أخلاق أو هكذا وبدون شروط. وستنتظر فترة أطول إن هي إستمرت في رفض التعامل بايجابية مع هذه الشروط.
واكدت تجربة العام الأخيرايضا ان تقدم المفاوضات وتحسن العلاقات مع اسرائيل لايعني تشريع بوابات العبور الإسرائيليه امام عشرات الألوف من العمال الفلسطينيين العاطلين عن العمل. فالتقدم في المفاوضات وفي تنفيذ الإتفاقات لها تفاعلات عديده ومتنوعه داخل المجتمعين الفلسطيني والأسرائيلي المنقسمين على ذاتهما . فهي من جهة، تريح بعض القوى لكنها تدفع من جهة اخرى بقوى اخرى نحو المزيد من التطرف والتوتر. وأظن ان هذا النمط من التفاعلات يضيق في المراحل الأولى فتحات بوابات العبورالإسرائيليه امام العمال الفلسطينيين ولا يوسعها .ويجعل العمل في اسرائيل خاضعا لتقلبات الأوضاع الأمنيه والسياسيه بين الجانبين. واعتقد ان اقتراب المفاوضات الفلسطينيه ـ الأسرائيليه لاحقا من قضايا الإستيطان والقدس ومواضيع النازحين واللاجئين، سوف يزيد من التوتر والتطرف ويرفع وتيره التقلبات الأمنيه وسوف يدفع بالقياده الإسرائيليه الى تقليص نسبه الإحتكاك المباشر بين الشعبين. بما في ذلك تقليص عدد العابرين للعمل في اسرائيل. ومع تقلص نسبة العمالة في اسرائيل، و تأخرالدعم الخارجي المخصص للمشاريع تبرز الحاجة الماسة إلى تقليص النفقات الادارية، ووقف كل اشكال التوظيف الاعتباطي، وتركيز صرف الواردات والمساعدات في المجالات المنتجة. كما وتبرز الحاجة ايضا الى دورأكبر للرأسمال الفلسطيني والعربي في منع تدهور الأوضاع الإقتصادية، وفي إقامة مشاريع انتاجية قادرة على إمتصاص جزء من البطالة، وبناء قاعدة للإقتصاد الفلسطيني. وأعتقد أن تشجيع الرأسمال الفلسطيني و العربي في الإستثمار، وتسرسع وصول المساعدات الخارجية بات يتطلب إجراء تصليح سريع للخطأ الذي ارتكب عند تشكيل السلطة الفلسطينية (الوزارة) . أي إذا كانت الأزمة الإقتصادية هي أخطرالأزمات التي تواجه السلطة الفلسطينية، وتهدد بانتفاضة الجياع، فمعالجة الأزمة الوزارية هو المدخل الرئيسي لمعالجة الأزمة الإقتصادية، وهي الحلقة المركزية التي يجب الإمساك بها اولا.
امام هذه اللوحة السوداوية عن واقع السلطة الفلسطينية ومستقبلها المباشر والقريب اعتقد ان الواجب الوطني ومصلحة الشعب الفلسطيني، ومصلحة صنع سلام عادل وشامل في المنطقة تفرض على كل الوطنيين الفلسطينيين، وكل الحريصين على استقرار اوضاع المنطقة، ان يبادروا الى عمل الممكن لتدارك مخاطر فشل السلطة الفلسطينية، وخطر انفجارالاوضاع في قطاع غزة. ان تمني الفشل للسلطة الفلسطينية، اوالعمل على افشالها اقل ما يمكن ان يقال عنه فلسطينيا انه لايخدم الهدف الوطني الفلسطيني في تأكيد قدرة الشعب الفلسطيني على ان يحكم نفسه بنفسه وان يدير حياته بنجاح. ففشل تجربة السلطة الفلسطينية في قيادة غزة واريحا هو فشل لكل الفلسطينيين.ولا يساعد على تحقيق الاهداف الوطنية للشعب الفلسطيني المحددة في البرنامج المرحلي لمنظمة التحرير، الذي اقره المجلس الوطني الفلسطيني في دوراته المتعاقبة، والمنصوص عليها في قرارات الشرعية الدولية.
اعتقد ان تدارك الاوضاع والشروع في تصحيحها لازال ممكنا.صحيح ان من الصعب الحديث عن حل سحري يخرج السلطة الفلطينية من المأزق الذي تعيشه الان، وان معالجة المشكلات التي تواجهها السلطة لا يمكن ان يتم بحقن جسمها ببعض المسكنات التي قد تضر ولا تفيد.الا ان الاقدام على عدد من الخطوات الوطنية العاجلة والجريئة، حتى ولو كانت مؤلمة لبعض القوى ولبعض القيادات الفلسطينية كفيل بوقف التدهور الحاصل.واولى واهم هذه الخطوات واكثرها الحاحية هي اعادة بناء السلطة الفلسطينية على اسس جديدة، والاسراع في حل الوزارة واعادة تشكيلها على اسس ديمقراطية جديدة توسع قاعدتها الشعبية، وتقليص نسبة الحزبيين فيها لصالح العناصر الوطنية المستقلة، من ابناء الضفة والقطاع ومن ذوي الكفاءة والخبرة والاختصاص، وبخاصة في المجال الاقتصادي والعمل المالي والتربوي والاداري. وممن يتمتعون بالثقة والمصداقية في صفوف اهل الضفة وقطاع غزة، وفي الاوساط العربية والدولية. واكدت التجربة عدم الجمع بين عضوية اللجنة التنفيذية وعضوية السلطة في كل الاحوال بما في ذلك رئاسة الوزارة. اما الخطوة الثانية فهي تحديد مهام السلطة بدقة، وتخفيف الاعباء غير الضرورية عن كاهلها بفك التداخل الحاصل بين مهامها ومهام اللجنة التنفيذية، وحصرمهامها في ادارة الوظائف والمجالات المنوطة بها.ووضع اللوائح والانظمة التشريعية الكفيلة بتنظيم دور السلطة باعتبارها سلطة تنفيذية خاضعة لمحاسبة مراقبة والمؤسسات التشريعية في منظمة التحرير. وتحريرها من الضغط المعنوي والعملي لعملية المفاوضات الطويلة والشاقة، ومن الابتزاز الشديد الذي يمارسه المفاوض الاسرائيلي. وحصر مهمة متابعة المفاوضات بمؤسسات منظمة التحرير.
واذا كان من المشكوك فيه أن يتمكن الفلسطينيون والاسرائيليون من التوصل عبر المفاوضات الجارية الى حلول عادلة لقضايا النازحين واللاجئين والامن والحدود. فالمصالح الوطنية للشعب الفلسطيني تفرض كخطوة ثالثة ايلاء اهمية استثنائية للوضع في قطاع غزة، وللاراضي والمناطق الاخرى التي سيتم الانسحاب عنها، وبذل كل جهد مستطاع لتعزيز صمود الناس فوق ارضهم. والتعامل مع هذه الاراضي باعتبارها القاعدة التي يمكن الاستناد اليها في بناء مشروع الدولة المستقلة.ومجابهة كل الانتهاكات لاسس بناء المجتمع المدني، والتصدي لكل التجاوزات التي تعيق البناء والتطورالاقتصادي السليم.وعمل كل ما يلزم لتشجيع الراسمال الفلسطيني والعربي على الرمي بثقلة على الارض. والسعي الى تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية. والاستعداد من الان لمواجهة التطورات التي ستحمله معها نتائج الانتخابات الاسرائيلية القادمة.
اما الخطوة الرابعة فهي تشكيل وزارة لاستيعاب العائدين وتاهيل الاسرى والمحررين. ووقف سياسة التعيينات العشوائية المعتمدة في املاء المراكز والوظائف الشاغرة في مؤسسات السلطة، وحصرها في حدود الملاكات الضرورية وليس اكثر. واعادة النظر في فائض التعيينات التي تمت في ملاك الوزارات، وتحويل كل المعينين كترضيات حزبية، الى وزارة الاستيعاب لتأهيلهم وتشغياهم في مجالات اخرى اكثر جدوى .
الآفاق المباشرة والمستقبلية للسلطة الفلسسطينية
بعد هذا الاستعراض لواقع السلطة الوطنية الفلسطينية وللاوضاع الفلسطينية في نطاق سلطتها يتبادر للذهن سؤال وماذا عن المستقبل المباشر والبعيد؟
مما تقدم يمكن الاستنتاج ان وضع السلطة الوطنية، والوضع في قطاع غزة مفتوح في المستقبل المباشر والقريب على كل الاحتمالات. والمرجح ان تكون الفترة المتبقية للانتخابات الاسرائيلية والانتخابات الامريكية فترة(18 شهرا) فترة قاسية وصعبة على الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع وعلىالسلطة الفلسطينية. وقد تطول وتمتد حتى نهاية هذا القرن اذا فاز حزب الليكود في الانتخابات.وهذا احتمال وارد ويجب على القيادة الفلسطينية وضعه ضمن حساباتها، والشروع منذ الان بعمل الممكن والمساعدة على انجاح القوى الاسرائيلية المؤمنة بصنع سلام عادل وشامل ودائم بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي.واعتقد ان الحديث عن عدم قدرة الليكود على الغاء الاتفاقات الموقعة مع م ت ف ومع الدول العربية الاخرى باعتبارها اتفاقات دولية وعليها شهود، حديث فيه الكثير من التسطيح والتبسيط. فعند فوز الليكود وتوليه مقاليد السلطة في اسرائيل يصبح السؤال المطروح هل سيكون هناك مرحلة ثانية يجري التفاوض عليها بين الفلسطينيين والاسرائيليين ؟ فاذا كانت المفاوضات مع حزب العمل متعثرة الان حول تنفيذ الشق الثاني من اتفاق اوسلو، والواضح انها سوف تكون معقدة وصعبة جدا حول قضايا القدس والحدود واللاجئين والنازحين والاستيطان والعلاقات الامنيةعندما يحين وقت التفاوض حوله، فمما لاشك فيه ان عقيدة الليكود ونظرته لاراضي الضفة الغربية، ومواقفه السياسية والعملية من هذة القضايا تجعل من المستحيل التوصل الى اتفاقات معه بشأنها.
اما على المدى الاستراتيجي المتوسط والبعيد (فدويلة غزة واريحا) ستتحول الى دولة مستقلة بالرغم من كل مأساوية وسوداوية الوضع الذي نلحظة الان، والذي قد يمتد حتى نهاية هذا القرن.فبعد انسحاب الوجود المدني والعسكري الإسرائيلي، من اكثر من ثلثي قطاع غزة ومدينة أريحا، ودخول سبعة آلاف شرطي وكادر فلسطيني، وقيام السلطة الفلسطينية البديلة لسلطة الإحتلال أصبح الكيان الفلسطيني حقيقة مادية قائمة على جزء من الأرض الفلسطيني.. والتدقيق الموضوعي الهادئ والمجرد من الأحكام المسبقة، بمجريات المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية منذ اوسلو وحتى الآن، يظهر أن الصراع يدور ليس حول وجود الكيان الفلسطيني، وإنما حول حدوده، وصلاحياته الراهنة، ومستقبله اللاحق، وطبيعة علاقاته مع جيرانه. وإذا كان من الضروري تعريف هذا الكيان وتسميته باسمه الحقيقي، فهو الآن (دويلة فلسطينية) في غزة وأريحا. ودويلة غزة ـ اريحا هذه قابلة للنمو والتطور الى دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة.وان سرعة نموها وثبات تطورها مروهنة بالدور الذاتي الفلسطيني اولا، وبالموقف الاسرائيلي والعربي والدولي ثانيا.وان نعتها الآن بأبشع النعوت ومعظمها صحيح، (هزيلة، ناقصة السيادة، دويلة مسخ، أو تابعة سياسياً واقتصادياً وأمنياً لإسرائيل… الخ ) لا يلغي حقيقة أنها موجودة. ولا يمس حتمية تطورها اللاحق، طال الزمن أو قصر، الى دولة. لاسيما وأن مطلب الدولة المستقلة كان وسيبقى هدفا للشعب الفلسطيني. وما وقع من اتفاقات بين إسرائيل ومنظمة التحرير لم يلغ هذا الخيار، ولم يقفل الطريق أمامه. وهناك ما يزيد على ماية دولة تعترف بدولة فلسطين الأم الشرعية لدويلة غزة. صحيح ان بقايا الفكر الصهيوني العنصري الإستعماري العدواني التوسعي تحاول جاهدة تأخير حركة التاريخ وإعادة عقارب ساعة الزمن الى الوراء، لكن الصحيح ايضا ان الحديث الاسرائيلي عن الفصل بين الشعبين وشروع حزب العمل في تطبيقه بصورة تدريجية يقود الى تبلور الكيان الفلسطيني اكثر فاكثر، والى تصليب مؤسساته بغض النظرعن الالام التي ستصاحب ذلك. ولا شك إن استمرار بقايا هذا الفكر بصورة مؤثرة في القرار السياسي في إسرائيل سوف يجعل طريق التعايش والسلام بين الشعبين طويلا ومعقدا ومؤلما.وقد يجعل طريق تطور دويلة غزة وأريحا الى دولة مستقلة، طريقا دمويا ومؤلما لاسيما اذا عاد حزب الليكود الى الحكم في إسرائيل.
ويعرف قادة حزب العمل والمفكرون في إسرائيل ان الانتفاضة واتفاق اوسلو وقيام السلطة الفلسطينية على جزء من الارض الفلسطينية قد انهت التفكير بحل القضية الفلسطينية عبر البوابة العربية، وكرست والى الابد ان الحل يجب ان يتم مع الفلسطينيين. واظنهم يعرفون أن منح الفلسطينيين حكما ذاتيا محدودا أو واسعا لا ينهي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وإنما يبقى ناره متأججة تحت الرماد. فالحكم الذاتي كحل نهائي للقضية الفلسطينية رفضته القيادة الفلسطينية ورفضه الشعب الفلسطيني في كمب ديفيد، وخلال الإنتفاضة، ولا زال مرفوضاً حتى الآن، واعتقد انه سيبقى مرفوضا في المستقبل. لأنه يبقى على الإحتلال بصيغة أو أخرى. والشعب الفلسطيني لا يجد فيه الحرية والإستقلال والسيادة الوطنية التي يطمح لها، ومن أجلها تحقيقها تحمل صنوف الألم والعذاب وقدم تضحيات جسيمة.
وبغض النظر عن كل الملاحظات التي سجلت على السلطة الفلسطينية والتي يمكن تسجيلهاعلى اتفاق اوسلو فالموضوعية تفرض الاقرار بان المقومات الأساسية لقيام الدولة الفلسطينية على الأرض الفلسطينية زادت ونمت بتسارع كبير بعد هذين الحدثين الكبيرين، واظن انها سوف تزيد في المستقبل. طالما ان خيار الترانسفير للفلسطينين قد انتهى، وطالما يعييش الان على أرض الضفة والقطاع والقدس ما لايقل عن مليونين ونصف المليون من الفلسطينيين، وطالما يعيش ما يقارب المليون فلسطيني داخل اسرائيل. والفلسطينيون داخل الوطن وخارجه يزيدون الآن على ستة ملايين وكلهم موحد حول هدف الدولة المستقلة، ولهم الآن كيانهم الخاص بهم على جزء من ارضهم.وكيانهم له سلطة وله شرطة وجيش. ناهيك عن امتلاك الشعب والكيان للقضايا الرمزية الأساسية، علم، ونشيد، وجواز سفر، ومعها اعتراف ما يزيد على مائة دولة من دول العالم بدولة فلسطينية .
لا شك أن التسريع في ترسيم حضورالدولة الفلسطينية وحدودها، دولياً وعربياً وإسرائيلياً، وتطبيع علاقاتها مع جيرانها، مسائل أساسية لا زالت بحاجة الى جهود فلسطينية كبيرة وعملً قياديً مضنً. وذات الشيء ينطبق على توفير المقومات الإقتصادية وبناء المؤسسات الضرورية للدولة. والواضح أنه بمقدار ما يسرع الفلسطينيون في إنجاز هذه المسائل يعجلون في قيام دولتهم المستقلة على كل أرض الضفة والقطاع، ويقللون من عذابات وآلام شعبهم، وعكس ذلك صحيح تماماً. وأعتقد أن الخبرات والإمكانات الذاتية للشعب الفلسطيني كافية لإنجاز المطلوب بحدوده الدنيا وفي الوقت المطلوب، شريطة أن تحسن قيادة المنظمة وسلطة الحكم الذاتي حشد وتوظيف هذه الإمكانات والطاقات. وأظن أن الظروف والأوضاع العربية والدولية القائمة ناضجة تماماً لمساعدة الفلسطينيين على إنجاز المهام المطلوبة، ولبناء دولتهم المستقلة.وهي لم تكن في يوم من الأيام وعلى امتداد خمسين عاما،ً مواتية كما هي مواتية الآن . ولا شك ان اسراع م ت ف في تطبيع علاقاتها مع كل الدول العربية دون استثناء أمرًا ضرورياً، وحيويا للتعجيل في تحويل دويلة غزة وأريحا الى دولة مستقلة، فقيام علاقات متينة مع العرب يساعد في تثبيت فكرة الدولة دولياً، ويسرع في فرضها كحقيقة سياسية وجغرافية في المنطقة. وفي توفير قدرً أكبرمن المقومات الإقتصادية لها.
ومن البديهي القول ان إسرائيل لن تسلم بسهولة في تحويل دويلة غزة وأريحا الى دولة مستقلة. ومن الطبيعي أن تعمل القيادة الإسرائيلية على تأجيل هذا الشر أطول فترة زمنية ممكنة. وأن تسعى لأن تكون هذه الدولة في حال قيامها ضعيفة وتابعة، وغير قادرة على أن تصبح في المستقبل دولة معادية لإسرائيل أو مصدر تهديد لها. وأن تسعى للحصول على ضمانات أكيدة وصياغة كل هذه الضمانات في اتفاقات ومواثيق رسمية مضمونة دولياً. فالمسألة بالنسبة لإسرائيل هي مسألة مصير ومسألة حياة أو موت. وأعتقد أنه من الآن وحتى قبول الجمهور الإسرائيلي بقيام دولة فلسطينية الىجانب دولة إسرائيل، وقبول الشارع العربي تطبيع العلاقات مع إسرائيل، سيمضي وقت طويل، وستدفع شعوب المنطقة ثمن كل