رياح الإنتخابات الإسرائيلية تعرقل مرور الانتخابات الفلسطينية

بقلم ممدوح نوفل في 07/11/1994

أيهما سيسبق الآخر، الإنتخابات الفلسطينية أم الإسرائيلية ؟
)
في اوسلو كانت المعارضةالاسرائيلية هي الغائب الحاضر في كل المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية. حيث اكثر المفاوضون الاسرائيليون من ذكرها وترديد اسمها، واجادوا استعمال ورقتها، خاصة عندما كانت المفاوضات تتعطل بسبب اختلاف المواقف حول هذه المسألة الاساسية او تلك. فتحت شعار تسقط حكومة رابين فورا اذا مست اوضاع المستوطنيين والمستوطنات، وتتفجر حرب اهلية داخل اسرائيل اذا تم ادراج القدس على جدول الاعمال …الخ، تم تأجيل بحث مواضيع، القدس، والمستوطنات، واللاجئين، والحدود، والترتيبات الامنية، الى مفاوضات المرحلة النهائية، التي يجب ان تبدأ حسب نص المادة السابعة من اعلان المبادىء(في اقرب وقت ممكن، ولكن ليس اكثر من بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية).
وعند وقوع الحوادث الامنية، وفي المفاوضات مع الاردنيين والسوريين واللبنانيين، لم ولا يتردد راببين ، وبيريز، والمفاوضون الاسرائيليون، الاكثار من الحديث عن قوة المعارضة الاسرائيلية، وضعف موقف حزب العمل، وعن الظروف الصعبة التي تمر بها الحكومة، وعن حاجة رابين وحزب العمل الى دعم واسناد الجانب العربي في مواجهة تحالف اليمين، اقله من الان وحتى مرور انتخابات الكنيست الرابعة عشر في حزيران 1996.
ومنذ توقيع بروتوكولات القاهرة يوم 4/ايار /94 وحتى الان، بينت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ان رابين يعمل بكل السبل على اطالة امد المفاوضات مع الفلسطينين حول المرحلة الثانية من اتفاق اوسلو. على امل الهروب اطول فترة زمنية ممكنة من تنفيذ المادة 13من اعلان المبادىء التي نصت، تحت بند اعادة تموضع القوات الاسرائيلية(redeployment)، على( 1-بعد دخول اعلان المبادىء هذا حيز التنفيذ. وفي وقت لا يتجاوز عشية انتخابات المجلس. سيتم اعادة تموضع القوات العسكرية الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، بالاضافةالى انسحاب القوات الاسرائيلية الذي تم تنفيذة وفقا للمادة 14. ي الانسحاب من غزة ومنطقة اريحا.2-عند اعادة موضعة قواتها العسكرية ستسترشد اسرائيل بمبدأ وجوب اعادة تموضع قواتها العسكرية خارج المناطق المأهولة بالسكان .3-وسيتم تنفيذ تدريجي للمزيد من اعادة التموضع في مواقع محددة بالتناسب (commensurate) مع تولي المسؤولية الداخلية عن النظام العام والامن الداخلي من قبل قوة الشرطة الفلسطينية وفقا للمادةالثامنةاعلاه ). فرابين يعرف ان الانسحاب من غزة شىء يختلف تماماعند الجمهور الاسرائيلي عن الانسحاب من الضفة الغربية، حتى لو انحصر هذا الانسحاب على(المناطق الماهولة بالسكان) المدن والقرى والمخيمات. فالانسحاب من المناطق المأهولة يعني اولا الانسحاب من يهودا والسامرة (ارض الميعاد). ويعني ثانيا الانسحاب من مواقع يتواجد فيها مستوطنين ومستوطنات، مثل مدينة، الخليل،وبيت لحم ، ونابلس وقلقيلية..الخ. لقد تفاخر رابين في اتفاق غزة واريحا اولا، بانه لم يمس وضع اي مستوطنة، بينما فكك الليكود بزعامة بيغن، مستوطنة ياميت من صحراء سيناء. ويوم وقعت مجزرة الحرم البراهيمي الشريف رفض راببين الاخذ برأي الاغلبية في حكومته، واصر على بقاء اقل من 400مستوطن في قلب مدينة الخليل، منهم 200 تلميذ يأتون لها من مستوطنة كريات اربع. وجند لحراستهم اعدادا من الجنود تفوق في عددها عددهم ، وذلك بهدف تحاشي الصدام مع المستوطنين، ومع المتدينين. ومنذ ذلك الحين كان واضحا ان رابين والغالبية الساحقة من قيادة حزب العمل، يعملون على قاعدة عين على الاتفاقات مع العرب وعين على انتخابات الكنيست الرابعة عشر صيف 1996. ووفقا للمتوفر من المعلومات عن المفاوضات السورية الاسرائيلية، يحاول رابين جاهدا تجنب الاضطرار الى تفكيك اية مستوطنة من مستوطنات الجولان قبل انتخابات الكنيست، ويأمل في التوصل الى اتفاق يعفيه من ذلك،علما بأنة يقر ويعترف ان لاسلام مع سوريا في ظل بقاء المستوطنات في الجولان، ولا اتفاق معها في التمسك بها. وفي اطار محاولاته هذه يستخدم رابين ورقة المعارضة وورقة ضمان الفوز في الانتخابات القادمة .
ويستطيع كل مراقب لتطور الاوضاع الداخلية الاسرائيلية ان يرى بوضوح، بدء تحرك رياح انتخابات الكنيست الرابعة عشر، وبدء تأثيراتها على مواقف القوى السياسية الاسرائيلية في القضايا الداخلية والخارجية، بما في ذلك الموقف من الانسحاب من الجولان، ومن الانتخابات الفلسطينية، ومن اعادة انتشار الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية والقطاع، ومن تنفيذ المرحلة الثانية من اتفاق غزة واريحا اولا . فالتنافس بين اليكود والعمل على صوت الناخب الاسرائيلي بدأ مبكرا، وحمل معه حديثا عن الدعوة الى انتخابات برلمانية مبكرة، واستفتاء الرأي العام الاسرائيلي على الانسحاب من الجولان ، واعادة النظر في بعض الجوانب الامنية من اتفاق اوسلو، والاستعداد المبدئي لفتح حوار مع حركة حماس. واعتقد انه كلما اقترب وقت استفتاء الجمهور الاسرائيلي على الانسحاب من الجولان، وموعد انتخابات الكنيست الرابعة عشر، كلما تشدد رابين اكثر فأكثر وبخاصة على مسار المفاوضات مع الفلسطينيين، باعتبار قضاياه هي الاعقد، وهي الاشد حساسية عند الناخب الاسرائيلي. ومن الان وحتى الانتخابات الاسرائيلية القادمة، يتوقع ان يعمل رابين وقادة حزب العمل على:
1-التركيز علىالمفاوضات مع سوريا ولبنان،على امل الوصول الىاتفاقات تعزز مواقع رابين والحزب في انتخابات الكنيست. وتوطد العلاقة مع الادارة الامريكية المحتاجة، لاعتبارات معنوية داخلية وخارجية، لمثل هذه الخطوة (الخبطة) السياسية الاعلامية .
2-فصل انتخابات مجلس السلطة الفلسطينية عن الانسحاب العسكري من مدن وقرى ومخيمات الضفة الغربية .ولن يتوانى رابين عن تعطيل الانتخابات الفلسطينيةالى ما بعد انتخابات الكنيست عام 96، اذا اصر الجانب الفلسطيني على تنفيذ الماده 13 من اعلان المبادىء، التي تربط المسألتين وتجعلهما خطوة واحدة. فالانتخابات الفلسطينية ممكنة ومسموح بها اسرائيليا بمقدار ما تخدم رابين في صراعه مع المعارضة الاسرائيلية، وتساعده في كسب معركة الانتخابات القادمه. ويستطيع كل مدقق في مجريات المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية حول الانتخابات، وفي ال 31 سؤالا التي طرحها الاسرائيليون حول الموضوع ان يتلمس التعقيدات والعقبات التي يضعها رابين في طرق انتخاب مجلس السلطة الانتقالية، وذات الشىء يمكن استخلاصه من التصريحات الاسرائيلية المتكررة حول عدم قيام السلطة الفلسطينية بواجباتها في منع وقوع الارهاب ضد اسرائيل. وكذلك الحديث عن ضرورة تأمين الاموال اللازمة للانفاق على السلطات المنقولة قبل نقلها. صحيح ان اتفاق اوسلو يعطي للجانب الاسرائيلي حق التدخل في ادق تفاصيل العملية الانتخابية، وان القضايا المثارة شائكة ومعقدة، لكن تجربة اوسلو تقول ان اعقد القضايا امكن حلها بليلة واحدة (ليلة 17/8/93) وعلى الهاتف، عندما كانت مصلحة رابين تتطلب ذلك .
3-رفع مستوى الابتزاز والضغط على السلطة الفلسطينية، ودفعها نحو توظيف طاقتها، للقيام بدور اكبر باتجاه قضايا الامن الاسرائيلي، والحفاظ على امن المواطنيين الاسرائيليين اينما تواجدوا، حتى لو ادى ذلك الى حرب اهلية فلسطينية.
واعتقد ان تصريحات العديد من القادة الاسرائيليين مؤخراحول الحوار مع حركة حماس تدخل ضمن هذا الاطار. فهي رسالة خبيثة،ت حمل في صفحتها الاولى ترغيب وتشجيع لحركة حماس للتقدم نحو المشاركة في السلطة، وتحمل في الصفحة الثانية تخويف للسلطة من الدور المستقبلي لحركة حماس. اما هدفها الحقيقي فهو دفع الاولى نحو التطاول على السلطة الفلسطينية والتصادم معها، ودفع السلطة نحو الاسراع في تقييد وتحجيم حركة حماس باستخدام القوة ضدها. ومن البديهي القول ان حركة حماس ترتكب خطا استراتيجيا اذا قبلت الركوب في العربة الاسرائيلية للاسراع في الوصول الى السلطة، وايضا اذا قبلت دخولها من البوابة الاسرائيلية. واعتقد ان ركوب العربة الفلسطينية هو الاصح والاسلم، وان التوجه نحوالبوابة الفلسطينية، وبالتحديد بوابة الانتخابات، للعبور نحوالسلطة هو الافعل والاثبت. وبالمقابل فان ذات النوع من الخطأ ترتكبه السلطة الفلسطينية، ان هي وقعت في الفخ ، وتسرعت في اتخاذ خطوات عملية ضد حركة حماس. واذا استمرت ايضا في تجاهل دور المعارضة ككل ، وحقها الوطني في الاطلاع على كل المواقف والتطورات التي تمس المستقبل الفلسطيني. فليس صحيحا ان تشترط السلطة مشاركة المعارضة في الوزارة، حتى تتشاور معها في القضايا الوطنية الكبيرة والمفصلية، وان تدمر قنوات الاتصال معها لان لها مواقفها الرافضة للعملية السياسية الجارية، او لانها تمارس النقد والتجريح للسلطة كهيئة او كافراد، وتقوم باعمال تنال من هيبة وسلطة السلطة، ومن التزاماتها الرسمية .
من البديهي بعد هذا العرض ان يتبادر للذهن سؤال ما العمل ؟. بداية اعتقد ان الاجابة على هذا السؤال الكبير واجب وطني ملقى على عاتق كل القوى الوطنية الفلسطينية وكل المفكرين. وفي سياق الاجتهاد اعتقد ان هناك اعمالا كثيرة وكبيرة مطلوبة الان ، وفي هذا الوقت بالذات، من كل القوى الوطنية الفلسطينية معارضة ومشاركة في السلطة. اولها تأكيد وتعميق الحرص على الوحدة الوطنية الفلسطينية، وتحريم استخدام السلاح في حل الخلافات الداخلية، مهما كان نوعها ومستواها، واحترام القانون والنظام العام ، على قاعدة المتهم برىء ريثما تثبت ادانته وليس العكس. وثانيها اعتماد الديمقراطية كناظم للعلاقات الوطنية، واحترام الرأي والرأي الاخر، وضمان حق الجميع في التعبيرعن الاراء الخاصة، وصيانة حقوق وممتلكات الانسان الفلسطيني. وثالثها اعتماد الانتخابات والاستفتاءات الشعبية والتوجة نحو صناديق الاقتراع، لحسم المواقف السياسية الاساسية، وللبت في القضايا التنظيمية الكبيرة المتعلقة بالسلطة. وفي هذا السياق يخطأ كل من يعتقد ان الطريق الى صناديق الاقتراع سالكة، حتى ولو كانت للاقتراع على اعلان المبادىء، او لاختيار اعضاء مجلس السلطة. فرابين واركان حزب العمل يدركون ان قيام سلطة فلسطينية منتخبة يقوي الموقف الفلسطيني على الصعيد الدولي، وفي المفاوضات حول المرحلة الثانية من اتفاق اوسلو، ومفاوضات المرحلة النهائية. واذا كان انتزاع الحق الفلسطيني في اجراء انتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة يتطلب تضافر جهود القوى الفلسطينية وحشد طاقات الشعب خلف هذا الهدف، فواجب السلطة اليوم قبل الغد،اعادة النظر في كل العمليات التحضيرات التي قامت بها، بدء من تشكيل اللجنة التحضيرية للانتخابات، وانتهاء بقانون الانتخابات. اما العمل الرابع المطلوبة فهو احياء دور مؤسسات م ت ف وبخاصة دور اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي ، واللجان الاساسية الدائمة المنبثقة عن للمجلس الوطني .
واخيرا اعتقد لا حاجة لان يكون الانسان نبيا حتى يتنبأ ويقول ان الخضوع والاستجابة لابتزازات رابين وحكومته في الشهور القادمة سوف يلحق افدح الاضرار بالعلاقات الوطنية الفلسطينية، وبعلاقة السلطة مع شعبها داخل وخارج الوطن. ويفترض ان لا يكون هناك خلاف على ان المصالح الوطنية الفلسطينية والقومية العربية، ومصلحة صنع سلام حقيقي شامل وعادل ، تتطلب دفع رابين وبيريز وكل قيادة حزب العمل وحزب ميرتس، نحو تحمل مسؤولياتهم ، ومكاشفة شعبهم بالاستحقاقات المطلوبة منهم، وعدم تمكينهم من الهروب منها تحت مظلة فلسطينية .