التحضيرات المرتبكة للسلطة الفلسطينية تثير الشكوك في النوايا.

بقلم ممدوح نوفل في 05/11/1994

(1) خلال مفاوضات اوسلو لم يتوقف المفاوضون الفلسطينيون ،ولا الخلية التي ادارت تلك المفاوضات،مطولا امام عدد السلطات المنقولة في الضفة الغربية ،ولاعند ما بعد غزة واريحا اولا.واعتقدوا ان نقل كل السلطات المدنية،باستثناءالخارجية والدفاع ،لن يتاخر.وتصوروا ان تمدد سلطة السلطة وعبور الشرطة الى الى مناطق نابلس، ورام الله ،والخليل،وجنين ،وطولكرم وقلقيلية،وبيت لحم ،لن يتاخر اكثر من تسعة شهور ،استنادا للمادة الثالثة من اتفاق اعلان المبادئ (اوسلو)التي تقول في بندها الثاني(سيتم عقد اتفاق حول الصيغة المحددة للانتخابات وشروطها وفقا للبروتوكول المرفق كملحق رقم (1)، في مدة لا تتجاوز التسعة اشهرمن دخول هذا الاتفاق حيز التنفيذ )واعلان المبادئ دخل حيز التنفيذ كما هو معروف يوم 13/9 /93 بعد التوقيع عليه في البيت الابيض .
من ايلول 93 وحتى ايار 94،لم تولي السلطة الفلسطينية مسألة الانتخابات الاهمية المطلوبة في المفاوضات مع اسرائيل،معتمدة على الاتفاق، وعلى حسن نوايا اسرائيل في الالتزام بتننفيذة. وقفزت بصورة غير مفهومة، عن متابعة المفاوضات في واشنطون حول اتفاق المرحلة الانتقاليةالتي نصت عليها دعوة مدريد . وانشغلت في تلك الفترة في تجميع ونقل قوات الشرطةالفلسطينية الى غزة واريحا،وفي عبور القيادة الى هناك .واحالت موضوع الانتخابات الى اللجنة الامنية،كواحد من المواضيع العادية الاخرى .في حينها اعتقد الناس في الضفة والقطاع،وكل المحللين والمراقبين السياسيين،وربما الاسرائيليين ايضا ، ان مسألة اجراء انتخابات مجلس السلطة لم تعد واردة في تفكير السلطة الفلسطينية،ولا تفكير الفصائل والاحزاب التي صمتت عن الموضوع،لاسيما وان الاتفاقية تتحدث عن انتخاب مجلس سلطة، والسلطة شكلتها قيادة م ت ف .
لاحقا وبعد تأخر دام تسعة شهور ،اعلنت السلطة عن نيتها اجراء انتخابات سياسيةفي الضفة والقطاع .وحددت من جانب واحد شهر نوفمبر 94(الجاري)موعدا لذلك ،وأتبعت اعلانها بدعوة الجانب الاسرائيلي الى الشروع في مفاوضات خاصة حول الانتخابات.وفي حينها اثار ذاك الاعلان الفلسطيني ،وبخاصة تحديد الموعد استغراب واستهجان الكثيرين من اعضاء القيادة الفلسطينية ،ومن المراقبين والمحللين .اما اهل الضفة والقطاع فلم يكترثوا لاعلان السلطة، وشكوا في صدق نواياها ونظروا له على انه حديث تكتيكي . وتعاملوا معه باعتباره مناورة من السلطة،هدفها الظهور بمظهر الحريص على الديمقراطية،وحشر الاسرائيليين امام دول العالم،وامام الراي العام العالمي الديمقراطي،وليس مطروحا للتنفيذ.
اعتقد انه وبالرغم من تواتر الحديث، هذه الايام، حول انتخابات مجلس السلطة الفلسطينية،وقيام اللجنةالتحضيرية بفتح احد عشر مركزا انتخابيا في المدن الرئيسة في الضفة والقطاع ،وايفاد مئات الكوادر في بعثات دراسية حول الانتخابات، فان الشك في موقف السلطة لازال موجود ،وهو السائد في ذهن الغالبية الساحقة من الفلسطينيين، و عند المراقبين السياسيين، واظن ان لا كثرة التصريحات،ولا جولات المفاوضات التي تمت اوستتم مع الاسرائيليين تنهي هذا الالتباس، للاسباب التالية :
اولا: اعتماد السلطة الفلسطينية مبدأ التعيين في تشكيل المجالس البلدية،وتطبيقه في مدن غزة، ونابلس واريحا دون تحديد المدة الزمنية التي سيدوم فيها هذا التعيين، ولم يتم حتى الان تثبيت تاريخ معين لاجراء انتخابات بلديةعلى مستوى الضفة والقطاع ،علما بان هذه المسألة كانت ملحة قبول تشكيل السلطة، واظن انها ازدادت اهمية بعد التشيكل وبعد تواجد القيادة على ارض الوطن .
_ثانيا: الكل يعرف ان اجراء الانتخابات لمجلس السلطةالفلسطينية ،بما في ذلك تعيين تاريخها،ليس رهنا بارادة السلطة وحدها، فاتفاق اوسلو ، واتفاق بروتوكولات القاهرة اعطيا الجانب الاسرائيلي حق المشاركة في ذلك .ورهنا التنفيذ بتوصل الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني الى اتفاق حول تفسير الملحق رقم 1،(بروتوكول حول صيغة الانتخابات وشروطها) والذي ينص على :(1-فلسطينيوا القدس الذين يعيشون فيها سيكون لهم الحق في المشاركة في العملية الانتخابيةوفقا لاتفاق بين الطرفين . 2-وبالاضافة.يجب ان تغطي الاتفاقيةحول الانتخابات القضايا التالية:أ-النظام الانتخابي ،ب-صيغة الاشراف والمراقبة الدوليةالمتفق عليها وتركيبتها الفردية،ج- الاحكام والنظم المتعلقة بالحملة الانتخابية،بما فيها ترتيبات متفق عليها لتنظيم الاعلام ،وامكانية الترخيص لمحطة بث اذاعي وتلفزيوني.3- لن يتم الاجحاف بالوضعية المستقبلية للفلسطينين المرحلين(النازحين)والذين كانوا مسجليين يوم 4حزيران 67بسبب عدم تمكنهم من المشاركة في العملية الانتخابية .
والتمعن في هذه المسائل التفصيلية المطروحة على طاولة المفاوضات، يمكن الاستنتاج، ان الوصول الى اتفاقات حولها كلها يحتاج الى وقت طويل،ولن ينتهي نقاشها لا في نوفبر الجاري ولا في ديسمبر القادم.هذا اذا صدقت النوايا .والواضح ان النوايا الاسرائيلية ليست صافية ولا حسنة اتجاة الانتخابات الفلسطينيةعلى الاطلاق ،واقوال رابين (لا تواريخ مقدسة مع الفلسطينيين )خير دليل على ذلك ،اما تأخير الاتفاق حول المعابر 6 اشهر بالكمال والتمام،والمماطلة حتى الان في المفاوضات حول مساحة اريحا، وحول الوجود الدولي في اريحا وقطاع غزة ،وحول الممر الامن بينهما ،وحول وجود شرطي فلسطيني على الجسر…الخ فكان يجب ان تكون كافية لعدم التسرع في اطلاق التصريحات المتفائلة،وعدم التورط في تحديد تواريخ محددة لانتخابات مجلس السلطة الفلسطينية .
_ثالثا: ارتباك العملية التحضيرية،واهمال السلطة لدور وموقع اهالي الضفةوالقطاع .فالاعلان تم، والتواريخ حددت،ولم يبق الافتح باب الترشيح..بدون اية تعبأة للناس المعنيين بممارسة العملية الانتخابية، وقبل تعريفهم ماذا ومن سينتخبون؟،وعلى اي اساس ستتم الانتخابات؟. ان من يريد حقا اجراء انتخابات ديمقراطية للسلطة العليا،عليه اولا وقبل كل شىء تجنيد طاقات الشعب في الضغط على اسرائيل لانتزاع هذا الحق المسلوب ،وانجازنظام انتخابي واطلاع الناس علية،وتشكيل لجنة وطنية مستقلة عن السلطة للاشراف علىكل العمليات التحضيرية الضرورية .واعتقد ان ترؤس احد اعضاء السلطة،او اية شخصيةحزبية للجنة التحضيرية يضعف مصداقية اللجنةذاتها ولا يعزز الثقة باعمالها .ويفترض ان لا يكون هناك خلاف على ان اقرار النظام الانتخابي لمجلس السلطة الفلسطينية،ليس من صلاحيات الوزارة،ولا من صلاحيات اللجنة التحضيرية، بغض النظر عن تشكيلها. فالنظام الانتخابي مسألةوطنية تهم الشعب الفلسطيني كله،بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية،وكل قواه وفعالياته الوطنية.واقراره في كل الاحوال،يبقى من مسؤوليات وصلاحيات الهيئات القيادية التشريعية لمنظمة التحرير،وتحديدا المجلس المركزي.باعتباره الهيئة التشريعية المخولة من المجلس الوطني بمتابعة ومراقبةاعمال اللجنة التنفيذية المسؤولة رسميا ونظاميا عن االسلطة الوطنية.وباعتباره ايضا هوالذي اقر مبدئيا تشكيل السلطة الحالية .
واعتقد ان الاعلان عن الانتهاء من وضع النظام الانتخابي،والاعلان عن اعتمادة من قبل رئيس السلطة الوطنية ، واعتمادة كاساس للمفاوضات مع الاسرائيليين،وفي التحضير للانتخابات ،قد الحق اضرارا فادحة بالديمقراطية الفلسطينية،وهمش دور الهيئات التشريعية والتنفيذية لمنظمة التحرير،واضعف مصداقية الحديث عن الانتخابات .وكرس النطباع بأن السلطة الفلسطينية لا ترغب في وجود هيئات اعلى منها، تحاسبها وتراقبها، سواء اكانت هذة الهيئات منتخبة او غير منتخبة ،وان الاطراف السياسية المشركة في السلطة ومعظم الوزراء المعينيين يخشون من الدخول في معترك الانتخابات .
والان وبعد مرور الزمن الذي حددته السلطة،ومرور اكثر من اربعة اشهر على الزمن الذي ورد في اتفاق اوسلو،يمكن القول ان السلطة الفلسطينيةقد خسرت الجولة الاولى حول موضوع الانتخابات، مع شعبها،ومع الاسرائيليين ايضا .فلا التواريخ احترمت،ولا الشكوك في النوايا زالت .وتحميل المفاوض الفلسطيني الاسرائيليين المسؤولية،واتهامهم بانهم اخلوا في الالتزام بالاتفاقات، وعطلوا الانتخابات لا يغير في الامر شىء.وحديث بعض وزراء السلطة ، من جديد، عن نهاية العام الحالي كتاريخ لاجراء الانتخابات سوف يزيد من الخسارة ،ويضعف مصداقية السلطةالفلسطينية اكثر فاكثر ،ويكرس الانطباع عند الاسرائيليين وعند المراقبيين السياسيين ، بان لا معنىلتحديد التواريخ عند السلطة الفلسطينية .اما الحديث الاسرائيلي في المفاوضات ،عن منع وحرمان المعارضين لاتفاق اوسلو ولعملية السلام من المشاركة في الترشيح للانتخابات ، فقد صعب عمل السلطة الفلسطينية،واساء لموقفها السياسية، وعقد العلاقات الوطنية المعقدة اصلا .وجعل الحديث عن التحضير للانتخابات حديثا لا معنى له، بغض النظر عن حقيقة موقف المعارضة الفلسطينيةمن المشاركة في الانتخابات.وبات الانطلاق،من جديد، في العملية الانتخابية يتطلب اعلان اسرائيلي رسمي ، واضح وصريح بعدم التدخل في مسألة التصويت والترشيح .
اعتقد ان المصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني تستوجب اجراء انتخابات مجلس السلطة الفلسطينية بأسرع وقت ممكن .وان تتم بطريقة حرة وديمقراطية ونزيهة،تعطي لجميع المواطنين ،افرادا واحزاب وحركات، الحق في المشاركة فيها او مقاطعتها وبدون اي ضغط او اكراه .فالانتخابات الان، هي المدخل الوحيد القادر على خلق شيء من الاستقرار للمجتمع المدني الفلسطيني ،واخراج الشعب،وحركة الوطنية من حالة القلق والاضطراب الداخلي السائدة الان .وعبر الانتخابات يمكن ضمان المشاركة والتنافس في عملية بناء الوطن .وهي البوابة الواسعة لانطلاق وتفجير طاقات وابداعات الشعب الفلسطيني .ومن خلالها يمكن حسم الكثير من الاشكالات القائمة الان بين اطراف الحركة الوطنية الفلسطينية.وهي القادرة على اعطاء كل ذي حجم حجمه ووزنه في صفوف اهل الضفة والقطاع .
واذا كان الاحتلال هو المسؤول عن تعطيل الانتخابات،فالسلطة الفلسطينية هي المسؤولة عن الشكوك والتشويش والغموض المحيطة بموقفها،ولا احد سواها معني بذلك .ولديها الفرصة والوقت اللازمين لهذا العمل الضروري .فهل ستبادر السلطة الفلسطينية في اتخاذ الخطوات السياسية والتنظيمية الضرورية،ام ان المصالح الذاتية والفئوية الضيقة، والعقلية الفصائلية القائمة على الهيمنة والاستئثار ستحول دون ذلك؟. سؤال عملي مطروح على السلطة كهيئة وكتنظيمات وكافراد .