انتقال مركز القرار الفلسطيني للداخل يجب ان لا يعني نهاية منظمة التحرير الفلسطينية

بقلم ممدوح نوفل في 15/05/1994

ثانيا/ قيام السلطةالفلسطينية جمد دور منظمة التحرير الفلسطينية

ـ اتفاق اوسلو خلق اشكالية موضوعية بين قانونية الالتزام بالاتفاقات وبين شرعية مقاومة الاحتلال
ـ المنظمة محالة على التقاعد وتمر في مرحلة الاحتضار والسلطة تحاول اخذ صلاحياتها التمثيلية
ـ المصلحة الوطنية تفرض عودة المستقيلين للتنفيذية ودعوة المجلس المركزي للاجتماع فورا
ـ ليس محرما التفكير في الانتخابات الفلسطينية في ظل نصف اعادة انتشار للجيش الاسرائيلي

قبل المشاركة في عملية السلام وقبل اتفاق أوسلو لم تكن اوضاع منظمة التحرير على ما يرام. فقد كانت تعاني من امراض تنظيمية وسياسية وادارية عديدة ومتنوعة. اخطرها تراجع دورها الكفاحي في مواجهة الاحتلال. وغياب الديمقراطية في علاقتها الداخلية وفي علاقاتها مع الناس. وانحسار شعبيتها داخل وخارج الوطن المحتل. وتراجع علاقاتها مع القوى العربية الحاكمة وغير الحكومية. بالاضافة الى سيادة نظام الكوتا الفلصائلية في تكوين مؤسساتها، وهيمنة التنظيمات على تركيبتها من اعلى هيئة قيادية وحتى اصغر مؤسسة او سفارة. وكانت اطرها القيادة قد ترهلت تماما ومؤسساتها نخرتها البيرقراطية وتحولت الى مجال ارتزاق لآلاف الكوادر تمارس فيها بطالة مقنعة. وكانت جميع الفصائل المكونة لها والمهيمنة على قيادتها راضية عن تلك الاوضاع ومتعايشة معها ومستفيدة منها.

ولا يستطيع أي فصيل أو قائد فلسطيني التهرب من المسؤليةعن المساهمة في غرس كل تلك الأمراض في جسد المنظمة، وعن بنائها على أسس غير ديمقراطية، وعن شل عمل مؤسساتها بدء من المجلس الوطني ومرورا بالمجلس المركزي واللجنة التنفيذية، وانتهاء بأدنى لجنة فرعية من لجان المجلس الوطني. ولا يستطيع اشد المعارضون لعملية السلام ولاتفاق اوسلو والمناهضون للسلطة الفلسطينية تحميل عملية السلام والسلطة الفلسطينية وحدهما المسولية الكاملةعن زرع مرض الانقسام السياسي والتنظيمي في جسدها. فالانقسام والخلاف السياسي مرض طبيعي تصاب به كل حركات التحررالوطني وكل الدول. وبالرغم ان بعض امراض المنظمة كان مصدرا من الخارج الا انه في جوهره لم يكن مصطنعا، ورافقها طيلة حياتها وبخاصة منذ مطلع السبعينات وحتى الان. فقبل انطلاق عملية السلام من مدريد كان الخلاف والانقسام يدورحول اعلان الاستقلال وحول الموقف من القرارين242و338. وقبل ذلك كان الخلاف يدور حول استقلالية القرار الفلسطيني والعلاقات العربية وبخاصة العلاقة مع سوريا، ومع مصربعد اتفاقات كامب ديفيد، ومع الاردن بعد اتفاق عمان. صحيح ان الانقسام السياسي والتنظيمي الذي وقع في منظمة التحرير بعد اتفاق اوسلو كان هو الاعمق والاخطر، الا انه لم يكن الانقسام الاول ولن يكون الاخير طالما ان مفاهيم العمل الديمقراطي غير متأصلة في العمل السياسي والتنظيمي الفلسطيني.

وكل من يدقق في اوضاع الساحة الفلسطينية الان بامكانه تلمس المخاض الفكري والتنظيمي الذي تمر به. وبامكانه ببساطة رؤية حالة الشلل والانهاك الشديد ظاهرة على جسد منظمة التحرير. حيث اصبحت بعدعام واحد من اتفاق اوسلو ومن تشكيل السلطة مشلولة وشبه مقعدة ، وعاجزة عن القيام بأبسط المهام المسندة لها. ولا مبالغة في القول انها تمر الآن بمرحلة الاحتضار التنظيمي والسياسي. فالانقسام السياسي العميق الذي كان ينخر جسمها قبل تشكيل السلطة استفحل وتعمق بعد التشكيل، وتحول الى نوع من الصراع التناحري. واصبحت كل مؤسساتها الشرعية الرسمية تعاني من تآكل داخلي ومن تغييب لدورها، وصارت شبه محالة على التقاعد. ولعل عدم عقد أي اجتماع لأي من هيئاتها التنفيذية (لجنة تنفيذية ومجلس مركزي) منذ قرابة عام من الزمن، وعدم عقد المجلس الوطني الفلسطيني منذ اكثر من ثلاث سنوات خير شاهد على ذلك، وهو امر بالغ الدلالة والخطورة. لاسيما وان هذه الهيئات هي المرجعية للسلطة الفلسطينية، وهي المسؤولةعن معالجة قضايا وهموم نصف الشعب الفلسطيني المقيم خارج الضفة والقطاع. وهي المسؤولة رسميا أيضا عن قيادة وإدارة العلاقات الفلسطينية العربية الرسمية والشعبية، وعن تنظيم علاقة الشعب الفلسطيني مع كل دول وشعوب العالم.

صحيح انه منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وحتى الآن لم يصدر تصريح رسمي أو شخصي من أي مسؤول فلسطيني يمس وجود المنظمة أو ينتقص من دور هيئاتها القيادية التشريعية أوالتنفيذية. إلا أن كل من يدقق في أوضاع المنظمة وفي المهام التي تقوم بها السلطة الفلسطينية يخرج باستنتاج رئيسي خلاصته أن السلطة الوطنية الفلسطينية تصدرت قيادة العمل الوطني الفلسطيني. وأنها بغض النظرعن النوايا، حلت محل منظمة التحرير وسلبتها معظم مهامها وشلت حركتها كممثل شرعي للشعب الفلسطيني. وتولت السلطة الوطنية عمليا هذه المهمة. فهي التي تولت إدارة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ومتابعة العلاقات الفلسطينية العربية والدولية. وأعطت نفسها منذ اليوم لتشكيلها حق تجاوز اللجنة التنفيذية مرجعيتها الوحيدة حسب قرارالمجلس المركزي، الذي نص على تكليف اللجنة التنفيذية بتشكيل السلطة الوطنية. فبعض أعضاء اللجنة التنفيذية عرفوا أسماء وزراء السلطة الفلسطينية بعد تعينهم. وسمعوا بخبر تشكيل السلطة من الصحف والإذاعات. وحتى هذه اللحظة لا زال مجلس الوزراء الفلسطيني غير مستكمل، والمستنكفون والمستقيلون من السلطة لم تتدخل اللجنة التنفيية لتعيين بدلاء لهم. ولم يبادر أحد من الوزراء أو من أعضاء اللجنة التنفيذية إلى إثارة الموضوع ولو من باب الاستفسار وحب المعرفة والاستطلاع. والكل يعرف أن السلطة الفلسطينية بادرت مشكورة في أول اجتماع لها بطرح برنامجها وخطة عملها في بيان علني. إلا أن أعضاء المجلس المركزي قرأوه في الصحف بعدما تناقلته وكالات الأنباء .

وبغض النظر عن النوايا، فالواضح ان الخلط المتعمد والمقصود الذي جرى بين مهام الوزارة والوزراء وبين ومهام اللجنة التنفيذية كهيئة وكأفراد أبقى العديد من المهم الوطنية الكبرى مهملة، ولم تعد تجد من يهتم بها ويتابعها. ولعل تراجع العلاقات الفلسطينية العربية والدولية، وعدم متابعة قضايا الفلسطينيين في الخارج خير دليل على ذلك.فلا الوزراء أعضاء التنفيذية قادرين على تحمل مسؤوليات إضافية لمهامهم اليومية الكثيرة والمعقدة المطلوبة منهم في الضفة والقطاع، ولا الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل تسمح لهم إن هم حاولوا ذلك. أما أعضاء التنفيذية من غير الوزراء فهم موزعين بين مستقيلين ومستنكفين عن العمل. ومنهم من ينتظر وصول موازنة دائرته، اوعقد اجتماع للهيئة التي ينتمي لها. اما دوائر وسفارات منظمة التحريرفقد فقدت هي الأخرى منذ تشكيل السلطة من يتابعها، وحرمت من إمدادها بكل المستلزمات الضرورية لعملها.وأظن أننا في غنى عن سوق الشواهد على ذلك فهي كثيرة. ولا ضرورة لسرد ما يعانيه سفراء ومدراء مكاتب م ت ف وكل العاملين في سفارات فلسطين منذ تشكيل السلطة الفلسطينية وحتى الآن. ولا نتجنى على أحد إذا قلنا أنها تعيش منذ تشكيل السلطة حالة من الشلل والضياع والتجويع. أما الاتحادات الشعبية العمال، الطلاب، المعلمين، المهندسين، الفلاحين…الخ فهي إلى جانب الشلل صارت تعاني من تفكك في هيئاتها، ومن تشتت وتبعثر أعضاء أماناتها، ولم تعد تجد من يلملم أوضاعها. والمعلومات الواردة من غزة أريحا تفيد أن الغالبية العظمى من أمنائها العامين ومن أعضاء أماناتها، قد استوعبوا في وزارات السلطة الوطنية الفلسطينية. وان عملية الاستيعاب والتعيين قد طالت أيضا بعض السفراء. وكأن وظائفهم ومهامهم في اتحاداتهم ومنظماتهم الجماهيرية وسفاراتهم قد انتهت. أو أن هناك من يفكر في دمج هذه المنظمات الشعبية في أجهزة السلطة بما في ذلك الأمن والشرطة.وهذه الخطوات والإجراءات سارعت وتسارع اكثر في تدهورأوضاع م ت ف، وفي تجويفها وتحويلها إلى شيء آخر غيرالذي قامت من اجله وعلى أساسه.

وتجربة عام من عمر السلطة اكدت ان تدهور واهتراء أوضاع المنظمة وشلها عن الحركة وتعطيل عمل مؤسساتها قد اضعف السلطة الوطنية في نظر الشعب الفلسطيني، ولم يقويها في مواجهة الإسرائيليين. ولم يساعدها في تحصيل الالتزامات التي وعدت بها من قبل العديد من دول العالم. وان استمرار العمل وفقا لهذا المنهج يعجل في وفاة منظمة التحرير. وعندها لن يكون العالم حريصا على بقاء م ت ف على قيد الحياة، كما لن يكون بحاجة لترسيم الوفاة ليسير خلف جنازتها. وبالتمعن في ما آلت الية اوضاع المنظمة وفي الخطوات العملية التي ادت الى تجويفها من الداخل يتبين ان هناك في القيادة الفلسطينية من هو مقتنع بان اتفاق اوسلو وقيام السلطة الفلسطينية فرضا العد العكسي لوجود منظمة التحرير الفلسطينية كاطار قيادي جبهوي جامع لقوى الشعب الفلسطيني، واصحاب هذا الرأي يعتقدون ان السلطة الوطنية هي البديل والوريث الشرعي للمنظمة.
اواخر شباط الماضي وبعد تعقد المفاوضات ارتفعت اصوات فلسطينية كثيرة ووازنة طالبت باعادة الاعتبار للمنظمة ومؤسساتها القيادية، وبتعليق المفاوضات. وتحت ضغطها والحاحها بادرت السلطة الوطنية بدعوة اللجنة التنفيذية لعقد اجتماع في غزة. وبغض النظر عن شكلية مسالة من يوجه الدعوة لاجتماع هذه الهيئة القيادية، إلا أن هذه المبادرة عكست المشاعر الحقيقية لأعضاء السلطةالوطنية. حيث اعتبروا أنفسهم هيئة أعلى من التنفيذية، ومنحوا أنفسهم صلاحيات دعوتها للاجتماع وهم الذين ساهموا في تعطيل اجتماعاتها طيلة عشرشهور كاملة. وكرد فعل على هذا الموقف ارتفعت أصوات بعض أعضاء التنفيذية ممن اعترضوا على طريقة وصيغة الدعوة وعلى المكان، لتذكر السلطة بصلاحياتها. وابدوا احتجاجهم على هذا التطاول على اللجنة التنفيذية.والبعض جعلها ذريعة لمقاطعة الاجتماع. بعدها بأسابيع قليلة دعا رئيس اللجنة التنفيذية لاجتماع يعقد في القاهرة، إلا أن النتيجة جاءت لتؤكد أن الأزمة داخل اللجنة التنفيذية وداخل التيار الواقعي الذي أيد اتفاق أوسلو عميقة. وان صيغة تشكيل السلطة وطريقة عملها قد ساهما في تفاقم هذه الأزمة. ولعل الفشل مرتين خلال شهرواحد في تامين النصاب لعقد اجتماع للجنة التنفيذية يبين عمق هذه الأزمة. اما نتائج الاجتماع اليتيم الذي عقد في تونس على هامش اجتماعات اللجنة المركزية لحركة فتح فتؤكد ان هناك من يحاول حرق المراحل وتمويت منظمة التحرير، ظنا منه ان البديل قد وجد. ويحلو لبعض القيادات الفلسطينية الاستشهاد بتجربة بن غورين في تهميش دور الوكالة اليهودية بعد الاعلان قيام دولة اسرائيل وتحويلة الى دور مآزر للحكومة، لكنهم ينسون ان بن غورين اقدم على خطوته بعد قيام دولة اسرائيل على الارض. وبعدما هزمت هذه الدولة كل الدول العربية التي شاركت في حرب 1947-1948. وان ماحققه الفلسطينييون حتى الان ليس اكثر من حكم ذاتي محدود الصلاحيات وعلى جزء بسيط من الارض الفلسطينية، وان نضالا شاقا لا زال ينتظر كل الشعب الفلسطيني حتى ينتزع حلا عادلا لقضية اللاجئين، وينتزع حقه في تقرير المصيروفي دولة مستقلة تمثل الشعب الفلسطيني داخل وخارج الارض الفلسطينية.

لا شك ان خطأ كبيرا ترتكبه الحركة الوطنية الفلسطينية كطلائع وكقوى ان هم حاولو القفز بصورة قسرية عن المرحلة الانتقالية التي عبرها النضال الوطني الفلسطيني بعد التوقيع على اتفاق اوسلو. واذا تسرعوا في تمويت منظمة التحرير، وفي توليد البديل بصورة قيصرية. فمثل هذه الخطوات تقود فقط الى فقدان الاطار الموجود( المنظمة) قبل ان يوجد البديل القادرعلى حمل الاهداف الوطنية التي لم تتحقق حتى الان.و تفتح بابا للصراعات الفلسطينية الفلسطينية الداخلية في وقت لازال ثلث قطاع غزة وكل الضفة الغربية رازحة تحت الاحتلال.وتزيد من حالة الاحباط والبلبة والارتباك التي يعيشها فلسطينوا الشتات. وتوسع الهوة بين الداخل والخارج.وتفقد الشعب الفلسطيني الكثير من المكاسب السياسية والمعنوية التي حققها في الساحتين العربية والدولية من خلال نضاله تحت رايات م ت ف. ولا اظن ان أي اطار بديل للمنظمة قادر في هذه المرحلة وفي ظل الاوضاع الدولية والعربية السائدة على نيل الاعتراف العربي والدولي الذي حظيت ولازالت تحظى به م ت ف حتى الان . والدعوة للاقرار بأن لا بديل للمنظمة في هذة المرحلة، وللتمسك بدورها والعمل من داخلها، والمناداة بعدم حرق المراحل لا يعني اطلاقا الاستسلام للازمة الفكرية والسياسية والتنظيمية المستفحلة في صفوف م ت ف وعموم قوى الحركة الفلسطينية. ولا يعني ايضا السكون والقبول بالاوضاع التنظيمية والعلاقات الداخلية الخاطئة القائمة، بما في ذلك القبول بقاء اوضاع م ت ف على ما هي علية الان. فالقبول بذلك قد يقود الى ذات النتائج السلبية التي يفرزها التفكير بتوليد البديل قبل استكمال الفترة الطبيعية للحمل .

بالرغم من قناعتنا بخطا هذا الرأي الا ان التقييم الموضوعي يفرض القول أن الفكر السياسي الفلسطيني عامة، وكل الحركة الوطنية الفلسطينية، تواجه، منذ توقيع قيادة م ت ف على اتفاق اوسلو، ومنذ تشكيل السلطة الوطنية عددا من المشكلات الموضوعية المعقدة ،بجانب المعضلات الذاتية التي تم التطرق لها. ولا يمكن لاي باحث في اوضاع المنظمة في مرحلة تشكل السلطة الوطنية ان يقفز عنها . فلا احد يستطيع تجاهل الانتقال الموضوعي لمركزالقرار الوطني الفلسطيني، وثقل الحركة الوطنية من االخارج للداخل بعد اتفاق اوسلو وبعد تشكيل السلطة الوطنية، بعدما ظلا قرابة ربع قرن خارجها. صحيح ان مقرالمجلس الوطني الفلسطيني، ومقر اللجنة التنفيذية وبعض مؤسسات المنظمة لازالت حتى الان في الخارج، الا ان تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، ودخولها الىغزة واريحا ومعها الغالبية الساحقة من قوات وكوادر م ت ف ، ودخول رئيس اللجنة التنفيذية وعدد آخر من اعضائها افقد مقرات الخارج وما تبقى من مؤسسات منظمة التحرير القدرة على اتخاذ القرار في القضايا الوطنية الكبرى. والتقييم موضوعي لهذا التطوريفرض اعتباره تطورا ايجابيا يخدم تصحيح وتطوير مسار الحركة الوطنية الفلسطينية. وهذا التطورالايجابي يستوجب تكييف الاوضاع القيادية الفلسطينية بما يمكن من استثماره لصالح الفلسطينيين ككل. ويفرض احداث تغيرات نوعية في مفاهيم العمل التي كانت سائدة قبل تشكل سلطة فلسطينية، وبخاصة تلك التي كانت تتعامل مع الوطن باعتبارة ساحة من ساحات النضال الفلسطيني. ويفرض ايضا احداث تغيرات جذريةعلى الالية والاسس التنظيمية التي قامت عليها بنية الحركة الوطنية الفلسطينية، ونظمت على اساسها العلاقات داخل اطر منظمة التحرير وداخل المنظمات والاتحادات الشعبية الفلسطينية.

وبجانب انتقال القرار للداخل لا يمكن ايضا تجاهل التناقض الحقيقي الذي نشأ مع التوقيع على اتفاق اوسلو وتشكيل السلطة، بين قانونية التزام منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية بالاتفاقات التي توصلت لها مع الحكومة الإسرائيلية، وبين شرعية استمرارالمنظمة كإطار وطني ملتزمة بقيادة النضال الوطني الفلسطيني حتى العودة وتقريرالمصير وبناء الدولة المستقلة. وملتزمة بمقاومة الاحتلال، وبخاصة في الاراضي الفلسطينية التي لم يتم الانسحاب عنها حتى الان، وهي الأكبر من حيث المساحة والسكان.في وقت لم تقدم هذه الاتفاقات حلولا مرضية للشعب الفلسطيني، ولم تعالج قضاياه الأساسية (اللاجئين، القدس، الحدود، النازحين، المستوطنين والمستوطنات، والقضايا الامنية…الخ) فهي تلزم السلطة الوطنية بوقف التعبئة والحملات العدائية ضد إسرائيل، وبوقف العنف بكل أنواعه، وبالحفاظ على أمن إسرائيل والإسرائيليين، بما في ذلك المستوطنات والمستوطنين.

وخلال العام الاول من عمر السلطة اكدت وقائع الحياة صعوبة التوفيق بين متطلبات نهوض السلطة الوطنية بمهمة بناء مؤسساتها المدنية والعسكرية وبمهامها الأمنية والاقتصادية في غزة أريحا وبقية مناطق الضفة الغربية، مع متطلبات الحفاظ على مؤسسات م ت ف وعلى دورها كإطار وطني قيادي لكل الشعب يضم قوى متعددة متعارضة في مواقفها من القضايا الجوهرية ومن ضمنها اتفاق إعلان المبادئ الذي مكن المنظمة من تشكيل السلطة. فمواقف القوى الفلسطينية المشاركة في منظمة التحرير متناقضة تتراوح بين من هو مشارك في السلطة وراض عن تشكيلتها. ومن يقف مع عملية السلام لكنه لا يشارك في السلطة. وبعضها لازال داخل المنظمة وخارج السلطة. والبعض الآخر صار خارج المنظمة و يعارض اتفاق اوسلو ويعمل بكل السبل على الإطاحة به. ويرفض المشاركة في السلطة الوطنية، ويتمنى لها الفشل ويسعى لتفشيلها حيث استطاع ذلك سبيلا.

وبينت التجربة ايضا ان تطبقات اتفاق اوسلواوجدت صعوبة حقيقية في تنظيم الصلة وانتظام العلاقة العملية بين السلطة الفلسطينية الموجودة في قطاع غزة وأريحا، وبين مؤسسات م ت ف (لجنة تنفيذية،مجلس مركزي، مجلس وطني، وصندوق قومي) الموجودة في الخارج والمسؤولة رسميا عن توجيه ومراقبة ومحاسبة هذه السلطة، لاسيما وان قوات الاحتلال استمرت في التحكم بحركة الفلسطينيين من الداخل للخارج وبالعكس، بما في ذلك حركة وزراء السلطة. واستمرت أيضا في تقرير حق منح أو منع الإقامة في غزة وأريحا لكل المستويات القيادية الفلسطينية بما في ذلك أعضاء اللجنة التنفيذية وأعضاء المجلسين المركزي والوطني. اضف الى ذلك ان اتفاق اوسلو لم يوصل الى الحل الذي كان ينتظره الفلسطينيون، ومسار المفاوضات منذ اوسلو وحتى الآن لم يشجعهم على اعتماد هذا المسار كطريق وحيد يعيد لهم حريتهم وكرامتهم. وكلا العنصرين، اوسلو والمفاوضات، لم يقنعا الشعب الفلسطيني حتى الآن باعتماد السلطة الوطنية كوريث كامل لمنظمة التحرير يمكن الاعتماد عليه في تحقيق الأهداف الوطنية التي من اجلها قامت منظمةالتحرير.ومن يدقق في طبيعة ونوعية المعضلات الذاتية والموضوعية يمكنه القول، أن الأزمة مرشحة مستقبلا للتفاعل اكثر فاكثر، وقد ينجم عنها مضاعفات سلبية تمس المصالح الوطنية الفلسطينية. فالواضح ان ليس سهلا اقناع الاطراف المشاركة في السلطة كقوى وكافراد بالتخلي عن الامتيازات المادية والمعنوية التي حصلوا عليهاعلى حساب دور منظمة التحرير لصالح تفعيلها .اما المعضلات الموضوعية فمعالجة بعضها لا يتوقف على رغبات الفلسطينيين وحدهم، فالموقف الإسرائيلي لازال هو الحاسم في معظمها إن لم يكن كلها. وبغض النظر عن الدوافع والأسباب الذاتية والموضوعية التي تدفع الآن بالعديد من القيادات والقوى والشخصيات الفلسطينية نحو استذكار منظمة التحرير بين فترة واخرى، واستذكار لجنتها التنفيذية ومجلسها المركزي. والإصرار على إحياء دورها القيادي بعدما غيب اسمها ودورها قرابة عام.فالواضح ان هذا الاستذكار لم يعالج المعضلات، وان بعضة يتم كنوع من رفع العتب، وبعضه الاخر يتم لاغرض حزبية داخلية صرفة.

لاشك ان جهدا كبيرا يجب ان يبذل من اجل احياء وتجديد بنية م ت ف وتفعيل دورها. وان صراعا فكريا وتنظيميا داخليا يجب ان يخاض من اجل تصويب اوضاع الحركة الوطنية وتصويب برامجها. وتصحيح العلاقات الفلسطينية الداخلية الخاطئة السائدة الان. بما في ذلك الاوضاع داخل م ت ف، وعلاقتها مع القوى الوطنية غير الممثلة في اطرها حتى الان. واظن ان لا خلاف في الساحة الفلسطينية نظريا ومن حيث المبدأ على اعتبار الانتخابات التشريعية هي المخرج الديمقراطي للازمة الوطنية السياسية والتنظيمية التي تعيشها عموم الحركة الوطنية الفلسطينية وبخاصة م ت ف .وانها العنصر الحاسم في تحديد موقف الشعب الفلسطيني من القضايا السياسية المختلف حولها(اوسلو والمشاركة في عملية السلام).وانها السبيل الوحيد لتحديد حجوم كل القوى والتيارات في الساحة الفلسطينية. فالكل يعلن وينادي بضرورة اجراء انتخابات وطنية فلسطينية.وكل القوى والاتجاهات والفعاليات الوطنية تجمع على الالتزام بنتائجها…الخ. لكن السؤال المطروح هل بالامكان اجراؤها اذا اتفق الفلسطينييون حولها؟ ام ان امرها ليس مرهونا فقط بالرغبات الفلسطينية؟ موضوعيا يجب ان لا يختلف الفلسطينييون حول الجواب. فالكل يعرف ان اجراء انتخابات للمجلس الوطني الفلسطيني يشارك فيها ابناء الضفة والقطاع وفلسطينيوا الشتات يحتاج الى موافقة اسرائيلية وعربية ودولية. فليس سهلا الحديث عن انتخابات يشارك فيها الفلسطينيين المقيمين في الاردن مثلا قبل التوصل الى اتفاق مع الحكومة الاردنية حول الموضوع.وذات الشيء ينطبق الى حد ما على الفلسطينيين المقيمين في سوريا ولبنان ومصر وبقية الدول العربية. اما اشراك الفلسطينيين المقيمين في بقية انحاء العالم فهي عملية اشد تعقيدا .

ان النجاح في اجراء انتخابات حرة ونزيهة في الضفة والقطاع لمجلس السلطة الوطنية المنصوص عليه في اتفاق اوسلو يعتبر مكسبا وطنيا يعزز النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال.ويسهم في حلحلة بعض جوانب الازمة التنظيمية التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية.وفي اطار الاجتهاد في هذا الموضوع الهام اعتقد ان المصلحة الوطنية العليا للشعب الفلسطيني تفرض على السلطة الفلسطينية وكل القوى الوطنية عدم تضييع هذه الفرصة التاريخية، ومواصلة الضغط من اجل انجازها قبل الانتخابات الاسرائيلية القادمة، وتفرض على الجميع المشاركة فيها في حال النجاح في انتزاعها. وتفرض ايضاعلى القيادة الفلسطينية خوض هذه المعركة بقوة، وتجنب اثارة ما يمكن ان يقلص التأييد والدعم الدولي لها. ويفترض ان لا يكون محرما التفكير في اجرائها في ظل نصف انتشار ونصف انسحاب لقوات الاحتلال، شريطة ضمان مشاركة ابناء القدس فيها ترشيحا وانتخابا، وعدم تدخل الاسرائيليين فيها، وابتعادهم عن صناديق الاقتراع.فاجراؤها في كل الظروف والاحوال وبخاصة قبل الانتخابات الاسرائيلية خير من عدم اجرائها.

صحيح ان انتزاع حق اعتبار المنتخبين لهذا المجلس بانهم اعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني يعتبرمكسبا كبيرا، وذات الشيء ينطبق على انتخاب رئيس السلطة الوطنية مباشرة من الشعب، الا ان القفز عنهما لصالح الاسراع في اجراء الانتخابات لا يمس جوهر المصالح الوطنية الفلسطينية. وبالتمعن في حقيقة موقف القيادة الاسرائيلية الاسرائيلي من هذا الموضوع يتبين ان تعطيلها للانتخابات الفلسطينية لا تنبع من اعتبارات تكتيكية، وانما من خشيتها من قيام سلطة فلسطينية منتخبة بصورة ديمقراطية ونزيهة. ومن المواقف التي يمكن ان تتخذها السلطة الفلسطينية المنتخبة ازاء الاحتلال والاستيطان. وخشيتها ايضا من تطور الموقف الدولي وتعامل العالم لاحقا من السلطة المنتخبة. واذا كانت سلطات الاحتلال تراوغ منذ أكثر من عشرين شهرا في تنفيذ نص اتفاق أوسلو المتعلق بانتخابات مجلس السلطة الوطنية، فالمرجح أنها لن تسمح باجراء انتخابات تشريعية لاعضاء المجلس الوطني الفلسطيني قبل الاتفاق على قضايا المرحلة النهائية.وهذا يعني ان اجراء انتخابات وطنية شاملة حرة ونزيهة هو هدف وطني كبير يصعب تحقيقه لا الان ولا خلال فترة زمنية قصيرة. واذا كان هذا الاستنتاج صحيحا فالمطلوب ان يواصل الفلسطينييون النضال من اجله. وان يبحثوا من الان وحتى تحقيقة في معالجة ازمتهم التنظيمية والسياسية عبر وسائل ومداخل اخرى غير بوابة الانتخابات،وعدم انتظار نضج الظروف المواتية لاجراء الانتخابات.ومن الان وحتى تحقيق الانتخابات التشريعية اعتقد ان اجراء انتخابات للبلديات، وداخل الاطر والاتحادات الشعبية الفلسطينية (عمال،طلاب،مرأة،معلمين…الخ)يساهم في معالجة بعض الامراض التي تعانيها هذة المؤسسات. ويساهم في تفكيك بعض المعضلات التنظيميية التي تعيشها المنظمة.

والمصلحة الوطنية العليا تفرض ايضاعلى الجميع مواصلة العمل نحو تفعيل دورالمنظمة وترميم اوضاعها وتجديد بنيتها قبل وبعد انتخابات مجلس السلطة الوطنية الانتقالية. فدورالمنظمة يجب ان لا ينتهي قبل قيام الدولة وقبل حل مشكلة اللاجئين. ان احياء وتفعيل دور المنظمة يتطلب المباشرة في اجراء تصحيح سريع للخللين الاساسيين الذين وقعا بعد التوقيع على اتفاق أوسلو.

الأول: انهاء الخلط المتعمد الذي جرى بين مهام الوزارة ومهام اللجنة التنفيذية. فقد أكدت تجربة عام من عمر السلطة الوطنية أن هذا الخلط شل عمل اللجنة التنفيذية، وهمش دورالمنظمة ولم ينشط عمل الوزارة. وأبقى العديد من المهام الوطنية الكبرى مهملة، ولا تجد من يتابعها. فلا الوزارة قادرة على ذلك ولا الأتفاقات تسمح لها ان هي حاولت. أماالثاني فهوعودة من استقال أوجمد عضويته في المجلس المركزي واللجنة التنفيذية للعمل في اطارهاتين الهيئتين القياديتين الاساسيتين. ولا نظلم أحدا اذا قلنا أن المعارضة وكل المستنكفين عن المشاركة في أعمال اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي يتساوون مع المحتفظين بعضويتهم في المسؤولية عن شلل المنظمة، وعن النتائج الخطيرة التى ترتبت على ذلك حتى الان وتلك التى يمكن أن تظهر مستقبلا. فاذا كان مفهوما أن يكون لهذا الحزب او ذاك الفصيل او تلك الشخصية الوطنية من المعارضين أو المؤيدين لعملية السلام موقفا من المشاركة في السلطة الوطنية (الوزارة) فمن غير المقنع وغير المفهوم اطلاقا استمرارهم في تجميد أدوارهم فى هيئات م.ت.ف، أو الاستمرار في الأنسحاب من اللجنة التنفيذية،الا اذا كانوا مقتنعين ان دورالمنظمة قد انتهى ولم يعد هناك من مبرر لوجودها. واعتقد ان الاستمرار في الاستنكاف والمقاطعة والقاء المسؤولية على الاخرين لا يوقف التدهور الحصل في أوضاع المنظمة، ولا يصوب عمل السلطة، ولا يعالج قضايا الشعب الفسطيني داخل وخارج الوطن. بل يلحق اضرارا فادحة بالمصالح الوطنية العليا للشعب الفلسطيني. ويخطأ كل من يعتقد انه بموقفه السلبي والاستنكافي عن المشركة في احياء المنظمة يعاقب أحدا غير الشعب الفلسطيني. ويخطأ اكثر من يعتقد أن بامكانه وراثتها او تشكيل بديلا لها.

لاشك أن اعتماد الديمقراطية كأساس في معالجة قضايا الخلاف داخل أطر منظمة التحريرهو السبيل الوحيد لأعطاء كل ذي حق حقه، أما التمترس خلف المواقف ومحاولة الزام الأخرين بها فيقود الى تعميق الصراع، ويدفعة نحو نهاياته الطبيعية أي الاحتراب والاقتتال الداخلي. واعماد الديمقراطية في معالجة الخلافات يجب ان يعني
(ا) الأاقرار بالتعددية السياسية والتنطيمية في اطار استقلالية الحركة الوطنية الفلسطينية واستقلالية قرارها الوطني .
(ب) حق الأقلية في التعبيرعن وجودها وعن مواقفها بكل الاشكال وعبر منابرها الخاصة ومنابر منظمة التحرير.
(جـ) أن يبقى الصراع بين مختلف التيارات والاتجاهات يدور في اطاره الفكري والسياسي والتنظيمي والا يتحول الى صراع تناحري أو اقتتال داخلي.
(د) أن تبقى المصلحة الوطنية العليا وبخاصة مواجهة الاحتلال وطرده فوق كل الأعتبارات الفئوية الضيقة التنظيمية والعقائدية.
(هـ) أن يتساند ويتعاون التياران في انجاز المهام الوطنية المتفق حولها. والألتزام باستفتاء الشعب حول القضايا الوطنية الأساسية المختلف حولها.

أعتقد أن لا خلاف فلسطيني على مجمل الأهداف الوطنية التي اقرها المجلس الوطني الفلسطيني في دوراته المتعاقبة، والخلاف حول عملية السلام واتفاق أوسلو صحي وطبيعي. الشيء غير الصحي وغير الطبيعي هو المطالبة بالأجماع الوطني حولهما، وأن لا يجد العقل السياسي الفلسطيني طريقة ما لتنظيم العلاقة بين المؤيدين لهما(السلطة) وبين المعارضين لهما(حماس والقوى المؤتلفة معها). علما بأن تجارب الشعوب الديمقراطية بما في ذلك التجربة الاسرائيلية غنية في هذا المجال ولا حاجة لابتداع انماط جديدة. فاذا كان خلق نوعا من ازدواجية السلطة مرفوض ويتعارض مع اسس الديمقراطية، فقمع المعارضة ومنعها من التعبيرعن مواقفها بحرية وبشتى الوسائل، وتشكيل المحاكم العرفية وسيادة نظام الحزب الواحد يقتل الديمقراطية، ويدمر اسس الوحدة الوطنية، ويزرع بذور التمزق في المجتمع، ويؤسس لصراعات داخلية دموية.ولعل تجربة الجزائر وكل الدول التي ابتليت بنظام الحزب الواحد خير دليل على ذلك.

وفي سياق العمل من أجل تجديد بنية المنظمة ودمقرطة أوضاعها وتوسيع قاعدتها الشعبية لا بد من الاعتراف بأن تبدلا نوعيا وقع في السنوات الأخيرة على الوزن الشعبي، وثقل الدورالسياسي والكفاحي لقوى وفصائل الحركة الوطنية الفلسطينية المنضوية تحت لواء م ت ف ومن لازال خارجها. فبعضها نما حجمه وثقلة الوطني والاخر تقلص وتراجع وزنه ودوره. وبغض النظرعن التقديرات التي يعطيها هذا المركز أو ذاك الطرف لحجم وثقل هذا الفصيل أوذاك التنظيم فان الاتفاق أو التباين في التقدير لا يلغي ضرورة اعادة النظر في النسب التمثيلية للقوى المشكلة لمنظمة التحرير الفلسطينية.وفي نظام الكوتا الفصائلية. واستبدالها بكوتا لحجوم التجمعات الفلسطينية. واعطاء الفلسطينيين في الشتات حق البحث في افضل السبل لتمثيل أنفسهم في المجلس الوطني الفلسطيني. والتوجه نحو تقليص الهيمنة الفصائلية لحساب الفعاليات الوطنية المستقلة، واعادة النظر في اللوائح الداخلية لكل مؤسسات المنظمة وهيئاتها القيادية لصالح تعزيز العمل الجماعي وتعزيز الرقابة على عملها. اما الاستمرار في التمترس عند المواقف القديمة، واستمرار ادارة الصراع بذات العلقية السابقة، وبذات الأدوات المستهلكة فقد يقود الى كوارث جديدة وعندها لن يفيد الشعب والقضية تبادل الأتهامات حول المسؤولية عن ذلك. والتاريخ لن يرحم أحدا .

وبجانب ذلك اعتقد ان المصلحة الوطنية العامة، وانقاذ م ت ف تفرض دعوة المجلسين المركزي والوطني للانعقاد بأسرع وقت ممكن. فليس من حكمة على الاطلاق في عدم دعوة المجلس المركزي للانعقاد منذ اكثر من عام ونصف (10/10/93) وحتى الان. ولايمكن فهم هذا الموقف سوى الهروب من المحاسبة والمراقبة. وهو الترجمة العملية لقناعات البعض بأن م ت ف فقدت مبررات وجودها الفعال بعد تشكيل السلطة الوطنية. وبغض النظر عن شكلية الدور الذي كان يقوم به هذا المجلس قبل تشكيل السلطة الا ان تعطيل اجتماعاته اضعف دورالمنظمة واضعف الوحدة الوطنية، وقلص امكانية البحث عن سبل عقد مصالحة وطنية مع المعارضة، وسبل تنظيم العمل معها في ظل الاقرار بالاختلاف معها.واعتقد ان تعطيل اجتماعاته بحجة الخلاف حول مكان الاجتماع -غزة او تونس- ليس سوى هروب من عقدالاجتماع. فقد كان ولازال بالامكان حله ببساطة لو صدقت المواقف وتوفرت القناعة الحقيقية والرغبة الجدية في دعوته للاجتماع. وذلك باعطاء اعضائه حق تقريرهذه المسألة الشكلية. ولا اظن ان عضوا واحدا في المجلس المركزي يرفض انعقاد اجتماعات هذه الهيئة القيادية الفلسطينية او اية هيئة اخرى فوق تراب الوطن، اذا تأمنت الشروط الضرورية لانعقاد مثل هذه الاجتماعات، وفي مقدمتها حرية وصول اعضاء المجلس الى مكان الاجتماع .

وما يقال بشأن انعقاد المجلس المركزي يمكن قوله ايضا بشأن انعقاد المجلس الوطني الفلسطيني. واعتقد ان القيادة الفلسطينية اضاعت اكثر من فرصة سياسية توفرت فيها شروط انعقادأعلى سلطة تشريعية فلسطينية. واعتقد ان الفرصة والشروط متوفرة الان وستبقى متوفرة حتى الانتخابات الاسرائيلية. فعدم االتزام الجانب الاسرائيلي بتنفيذ الاتفاقات التي وقعتها مع م ت ف ومع السلطة الوطنية يشكل مبررا كافيا لتجاهرالقيادة الفلسطينية واللجنة التنفيذية والسلطة الوطنية، بالموقف الفلسسطيني الحقيقي والقائم على ان انتهاء دور المنظمة والغاء ميثاقها ممكن فقط عند قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على كل الاراضي الفلسطينية التي احتلت عام 1967، وبعدالاتفاق على حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ومشكلة القدس ومشكلة الاستيطان. وبأمكان المجلس ذاته ان يعلن عند انعقاده مثلا موافقته على الغاء ميثاق م ت ف، واتمام مصالحة تاريخية مع اسرائيل بعد قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وبعد توصل اللجنة التنفيذية الى اتفاق عادل وشامل مع الحكومة الاسرائيلية حول كل قضايا الصراع. وبامكانه تحديد هذه القضايا وتحديد المفهوم الفلسطيني لحلها. اما الاستمرار في التهرب عن اعلان مثل هذا الموقف الفلسطيني، والهروب من مواجهة الحقيقة ومن وضع القيادة الاسرائيلية امامها وكما هي، فأظن انها تعني من الناحية العملية اعتبار الدورة التي عقدها المجلس الوطني في خريف 1991آخر دورة في حياة اعلى سلطة تشريعية فلسطينية. ومن الخطأ الاعتقاد ان مثل هذا الموقف يساعد على تنفيذ الاتفاقات التي توصل لها الطرفان حتى الان ، او انه يساعد على تحقيق تقدم جديد والتوصل الى اتفاقات جديدة .