احياء فكرة السلطة الوطنية وقصة تشكيلها

بقلم ممدوح نوفل في 10/05/1994

قراءة في الوضع الفلسطيني بعد عام من قيام السلطة الفلسطينية

ــ اتفاق اوسلو أعاد الروح والحيوية لفكرة السلطة الوطنية الفلسطينية
ــ عند تشكيل السلطة الفلسطينية ابدى المستقلون تخوفهم على دور ومستقبل المنظمة
ــ ابو عمار أخر تشكيل السلطة الوطنية بسبب شكوكه في النوايا الاسرائيلية
ــ السلطة الوطنية فصائلية واقرب الى سلطة الحزب الواحد وناقصة خبراء واخصائيين

قبل ايام قليلة احتفلت السلطة الوطنية الفلسطينية وقوات الشرطة،وقوات الامن الفلسطيني بالذكرى السنوية الاولى على عبورها الى ارض الوطن.واغلق التاريخ الفلسطيني وتاريخ الصراع العربي الاسرائيلي صفحة العام الاول من عمرها. اعتقد ان المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض على كل الوطنيين الفلسطينيين وكل الحريصين على تمكين الشعب الفلسطيني من تحقيق اهدافه الوطنية ان يدوّنوا آرائهم في سجل العام الاول من عمر السلطة قبل اغلاقه. وهي بالتأكيد مناسبة لاجراء جردة حساب لما قامت به هذه السلطة، ولما آلت اليه الاوضاع الفلسطينية بعد العام الاول من قيامها،ومن دخولها الى غزة واريحا وتوليها مقاليد الامورهناك، ومعها خمس سلطات مدنية في الضفة الغربية.ومناسبة ايضا لاجراء مراجعة تقيمية للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية واستخلاص عبرها ودروسها المستفادة، والتأمل في مستقبلها، وفي ومسارها اللاحق في ضوء الاحداث والتطورات المتوقعة خلال عام واحد من الان. صحيح ان فترة عام واحد تعتبر قصيرة في عمر الشعوب والانظمة، لكنها كما اعتقد كافية لاصدار حكم اولي علىعمل السلطة الفلسطينية، وكافية الى حد كبير لرسم لوحة عن العلاقات الفلسطينية الاسرائيلية، وعن اوضاع ومصير الاتفاقات التي توصل لها الطرفان. وكافية ايضا لقراءة الوضع الفلسطيني القائم بصورة موضوعية، وتحديد معالمه الاساسية لبضع سنوات قادمة.ولرسم مثل هذه اللوحة المعبرة سنركز البحث على :
اولا/ تتبع انبعاث وتطور فكرة السلطة الوطنية، وسرد قصة تشكيلها.انطلاقا من كون الحاضر
هو ابن الماضي، وفيه مكونات المستقبل.
ثانيا/ البحث في واقع منظمة التحرير وما آلت اليه اوضاعها بعد تشكيل السلطة الفلسطينية ..
ثالثا/ البحث في مسيرة المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية خلال العام الماضي والتأمل
في مستقبلها المباشرعلى الاقل.
رابعا/ التأمل في واقع دويلة غزة واريحا وفي آفاقها المستقبلية.

أولا/ احياء فكرة السلطة الوطنية وقصة تشكيلها
بعد حرب اكتوبر 1973ظهرت في اجواء منطقة الشرق الاوسط بوادر تحركات دولية باتجاه السعي لايجاد حلول سياسية للنزاع الفلسطيني العربي- الاسرائيلي. وفي ذلك الوقت طرح الاتحاد السوفيتي وبعض العرب على قيادة منظمة التحريرفكرتين: الاولى استثمار ورقة الاعتراف بالقرارين 242و338، والثانية مرحلة الاهداف الوطنية الفلسطينية، وتمييز ما هو مباشرومرحلي عما هو تاريخي واستراتيجي. باعتبار ذلك يساعد الفلسطينيين على الدخول في عملية البحث عن حلول لقضايا المنطقة. وفي حينها رفضت قيادة م ت ف الفكرة الاولى بالاجماع. وبجانب ذلك الرفض ظهر في الساحة الفلسطينية تيار واقعي تبنى فكرة مرحلة الاهداف الوطنية الفلسطينية،وطرح فكرة اقامة سلطة وطنية على أي جزء من الارض يتم دحرالاحتلال الاسرائيلي عنها وراح يدعو لها بحماس شديد .
وبعد صراع فكري وسياسي عميق امتد قرابة عام، تمكن التيار الواقعي من تعزيز مواقعه في صفوف الحركة الوطنية الفلسطينية وداخل أطر م ت ف، وتحول من تيار كان يمثل الاقلية الى تيار الاغلبية. ولاحقا نجح في تحويل اطروحاته من اطروحات نظرية خاصة به الى سياسة عامة لمنظمة التحرير، حين اقر المجلس الوطني الفلسطيني في العام 1974برنامج “النقاط العشر”، والذي عرف في حينها “ببرنامج السلطة الوطنية الفلسطينية المستقلة”.وفي حينها طرحت بعض القوى الوطنية الفلسطينية ضرورة اضافة صفة المقاتلة لاسم السلطة، ليصبح اسمها السلطة الوطنية الفلسطينية المقاتلة. ومنذ ذلك التاريخ تسلح الفلسطينيون بذلك البرنامج في مواجهة الاتهامات التي كانت توجهه لهم بانهم متطرفين وغير واقعيين. واستخدموه في التدليل على مرونتهم وواقعيتهم، وعلى استعدادهم المساهمة في المساعي الهادفة ايجاد حلول سياسية عادلة وواقعية للنزاع مع اسرائيل.وفي حينها اعتقدت قيادة م ت ف ومعظم القيادة الفلسطينية ان الظروف والاوضاع الدولية مهيأة لانبعاث الكيان الفلسطيني الجديد، وقيام السلطة الوطنية على جزء من الارض .
لاحقا اكدت الاحداث ومسار حركة التاريخ أن القوى الدولية المقررة، وبخاصة قطبي الحرب الباردة لم يكونا جادين في ايجاد حلول واقعية وعادلة لقضايا المنطقة وصراعاتها المستفحلة. وان كل منهما كان يسعى في تلك الفترة لتوظيف الصراع العربي الاسرائيلي لتعزيز نفوذه ومواقعه في المنطقة. واكدت ايضا، ان ظروف واوضاع أهل المنطقة أنفسهم لم تكن ناضجة للتوصل الى أية حلول جدية لصراعاتهم العميقة. ولهذا لم يستطع برنامج “السلطة الوطنية” أن يشق طريقه للحياة، ولم ير النورعلى امتداد فترة السبعينات والثمانينات. وكاد أصحابه أن ينسوه في خضم الصراعات والحروب التي عاشتهاالمنطقة خلال تلك الفترة، وبخاصة الحروب التي وقعت على الاراضي اللبنانية والتي كانوا طرفا رئيسيا فيها كلها .
أواخر عام 1991غادر الفلسطينيون والاسرائيليون، وباقي اطراف الصراع ميادين القتال، بعدما اعلنوا موافقتهم على مبادرة الرئيس بوش التي اطلقها في 6/آذار/1991، واعلنوا تخليهم عن اعتماد الفكر الحربي في حل نزاعاتهم المستفحلة، وتوجهوا معا بمساعدة دولية (امريكية بالأساس)الى غرف المفاوضات في مدريد وواشنطن.ولاحقا توصل ممثلون عن م ت ف والحكومة الاسرائيلية سرا في اوسلو الى اتفاق “اعلان المبادىء حول ترتيبات الحكومة الذاتية الانتقالية”، والمعروف باتفاق اوسلو. ومع الاعلان عن ذلك الاتفاق عادت الروح والحيوية لفكرة “السلطة الوطنية الفلسطينية المستقلة”، وعاد الصراع الفلسطيني الداخلي حول الموضوع يظهر في الحياة السياسية الفلسطينية. حيث نص الاتفاق تحت بند هدف المفاوضات على “أن هدف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية ضمن عملية السلام الحالية في الشرق الاوسط هومن بين أمور أخرى، اقامة سلطة حكومة ذاتية انتقالية فلسطينية -المجلس المنتخب- للشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة لفترة انتقالية لا تتجاوز الخمس سنوات، وتؤدي الى تسوية دائمة تقوم على أساس قراري مجلس الامن 242و338″. وفي حينها كانت الخلية الفلسطينية التي أدارت مفاوضات اوسلو بحاجة لاعتبارات معنوية وسياسية داخلية، لمقاربة النص الوارد في الاتفاق حول السلطة الوطنية مع النص المثبت في قرارات المجلس الوطني. وحاولت تثبيت “السلطة الوطنية الفلسطينية” بدلا من “الحكومة الذاتية الانتقالية” لتقول لشعبها وللمعارضة الفلسطينية أنها لم تخرج عن نصوص قرارات المجلس الفلسطيني التي وافقوا عليها، الا ان محاولتها جوبهت بالرفض، وثبت النص كما طرحه الجانب الاسرائيلي .
بعد التوقيع على اتفاق اعلان المبادىء -اتفاق اوسلو- في حديقة البيت الابيض يوم 13/9/93 وتمهيدا للاعلان عن تشكيل السلطة الوطنية، عقدت القيادة الفلسطينية سلسلة اجتماعات قاطعتها حركة حماس وكل القوى التي عارضت الاتفاق، وشارك فيها ما يزيد على خمس وثلاثين شخصية قيادية فلسطينية معظمهم من المنتمين للفصائل. كان من بينهم ستة اعضاء لجنة تنفيذية فقط، وعضوان من هيئة رئاسة المجلس الوطني الفلسطيني لم يكن رئيس المجلس من ضمنهم، وسبعة من الداخل، اربعة من السبعة ينتمون للفصائل المشاركة في عملية السلام والتي أيدت اتفاق اوسلو (فتح، حزب الشعب، حزب فدا،وجبهة النضال الشعبي). اما الخارج فقد مثله في تلك الاجتماعات: ستة اعضاء مستلقين، وعضوان من حزب الشعب، عضوان من حزب فدا، وعضوان من جبهة النضال الشعبي، وعضوان من جبهة التحرير الفلسطينية (جماعة ابو العباس)، وعضو عن الجهاد الاسلامي (جماعة الشيخ اسعد بيوض التميمي)، والباقون كانوا من المنتمين لحركة فتح. وفي تلك الاجتماعات ناقش المجتمعون على امتداد خمسة ايام كاملة ( من 26/9/93ولغاية 30/90/93 ) التوجهات الفلسطينية في مرحلة ما بعد اتفاق اوسلو، وكان محورها مسألة تشكيل السلطة الفلسطينيةالانتقالية المؤقتة التي نص عليها اتفاق اعلان المبادىء الذي تم التوصل له في اوسلو.
من بداية الاجتماعات قيل للمجتمعين :” في عام 1974 اتخذ المجلس الوطني الفلسطيني قرارا بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية المستقلة على أي جزء من الاراضي الفلسطينية التي يتم تحريرها من الاحتلال. والان وبعد ما يقارب العشرين عاما بات بامكاننا تشكيلها، وهذا الموضوع يحتاج الى حك دماغ”. وطرح على الاجتماع عددا من الاسئلة منها : كيف وعلى أية أسس نشكل هذا الجسم القيادي الجديد؟ (“لاوقت عندنا وعلينا الدخول الى المجلس المركزي بتصور محدد حول مهام السلطة، وتشكيلها وتشكيل اجهزتها”). هل نجعل اللجنة التنفيذية هي السلطة ونبقيها كما هي ؟ هل نضيف للتنفيذية عددا من قيادات الداخل؟ وكيف نضيفهم بدون عقد اجتماع للمجلس الوطني الفلسطيني؟ هل نشكل السلطة من خارج التنفيذية ونحافظ على تنفيذية المنظمة كمرجعية ؟ وما هو دور منظمة التحرير بعد قيام السلطة وبدأها بممارسة مهامها؟ وكيف نحل التعارض القادم بين السلطة الوطنية والمنظمة؟ وهل نحافظ على ثقل رئيس اللجنة التنفيذية خارج السلطة ام نزجه فيها؟
خلال النقاش تم التشديد من قبل الجميع على أن الموضوع لا يحتمل الخطأ اطلاقا. وابدى عدد من المستقلين تخوفهم على دور ووجود منظمة التحرير بعد تشكيل السلطة الوطنية. وبرز ميل واضح عند الجميع باتجاه الحفاظ على مكانة منظمة التحرير ككيان سياسي وكمؤسسات، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد لكل الشعب الفلسطيني داخل وخارج الارض المحتلة. فالسلطة ليست بديلة للمنظمة، وسوف تكون بعد انتخابها ممثلة لسكان الضفة والقطاع فقط،ولفترة زمنية محددة، بالمرحلة الانتقالية التي ستمتد الى خمس سنوات حسب نصوص اتفاق اوسلو. ومهامها محصورة في ادارة الوظائف والمجالات التي نص عليها الاتفاق فقط. واتفاق اوسلو بالكادعالج اوضاع غزة واريحا، والقضايا الكبرى والاساسية مؤجلة للمرحلة النهائية. ولذا فالمصلحة الوطنية تقتضي المحافظة على المنظمة باعتبارها السلطة العليا لكل الشعب الفلسطيني ولها مكاتب تمثيلية وسفارات وسفراء معتمدين رسميا في معظم دول العالم .
وفي سياق البحث والنقاش طرحت آراء أخرى عديدة ومتنوعة منها: أن لانستسلم للاطروحات الاسرائيلية، وأن نصر على تسميتها “بالسلطة الفلسطينية الوطنية المستقلة” حسب النص الذي ورد في قرارات المجلس الوطني الفلسطيني عام 1974. وأن تكون من قيادات الداخل فقط، وألا يدخلها أعضاء التنفيذية. آراء أخرى قالت نشكلها من التنفيذية أساسا مع اضافات محدودة من الداخل.آخرون قالوا نشكلها من التكنوقراط ومن الكفاءات وعلى أساس الاختصاص وألا تكون سياسية. أصوات محدودة دعت في حينها الى تفويض رئيس اللجنة التنفيذية بتشكيلها وفقا لما يراه مناسبا. وكان واضحا ان رئيس اللجنة التنفيذية وغالبية الحاضرين من أعضائها كانوا مجمعين على رفض فكرة الفصل التام بين الجسمين، وعلى أن يكون أعضاء اللجنة التنفيذية هم الاساس في تشكيل السلطة. وان يستكمل عددها من الشخصيات القيادة المقيمة داخل الارض المحتلة. وأن يكون ابو عمار بصفته رئيس اللجنة التنفيذية رئيسا لها. وبالمقابل برز اتجاه قوي كان في معظمه من القادمين من الداخل ومن المستقلين ومن ممثلي الفصائل غير الأعضاء في اللجنة التنفيذية، دعا إلى الفصل في التشكيل وفي المهام بين اللجنة التنفيذية وبين السلطة الوطنية. وشدد أصحاب هذا الرأي على ضرورة تقليص عدد أعضاء التنفيذية في السلطة إذا كان لابد من مشاركة بعضهم، وان لايكون رئيس اللجنة التنفيذية في كل الأحوال من ضمنهم، وان يحافظ على ثقله السياسي والمعنوي في إطار م ت ف. وكان واضحا للجميع أن القادمين من الداخل هم الأكثر جرأة في نقد الأوضاع الداخلية الفلسطينية، وفي تشخيص الأمراض التي كانت تنخر جسم القيادة الفلسطينية ومؤسساتها، وتسيطر على أساليب العمل فيها. وفي حينها اكثر القادمون من الداخل، وخاصة المستقلون منهم، من الحديث عن ضرورة إجراء الانتخابات لمجلس السلطة، وعن مضار الفئوية والفصائلية في العمل الوطني الفلسطيني، ومخاطر سحبها على تشكيل السلطة الفلسطينية. وذكّروا بما فعلته هذه الظواهر المرضية في الانتفاضة. واظهروا انهم الأكثر قربا إلى قضايا الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية، وكانوا الأدرى بها، والأقدر على تحديد احتياجاته الأساسية التي يجب مراعاة القدرة على تأمينها. وان تكون هي القاعدة والأساس في تشكيل السلطة الوطنية. وقالوا بوضوح : التفرد بالقرار يتعارض مع الديمقراطية،وطغيان الفئوية يتعارض مع الوحدة الوطنية ومع الديمقراطية. وأساليب العمل الفلسطينية القيادية في مرحلة الثورة لا تتناسب مع متطلبات بناء السلطة، ومع المرحلة الجديدة التي دخلها النضال الوطني الفلسطيني، فمرحلة الدولة تختلف عن مرحلة الثورة .
في نهاية المناقشات تقرر تشكيل لجنة مصغرة تمثلت فيها مختلف الاتجاهات السياسية التي برزت في الاجتماع، وكلفت برفع توصيات محددة للقيادة الفلسطينية. وبعد سلسلة اجتماعات مطولة عقدتها اللجنة رفعت للقيادة الفلسطينية بتاريخ 2/10/93 عددا من التوصيات. وفي حينها علق معظم اعضاء اللجنة على مصير توصياتهم وقالوا:” نحن نعرف ان مصير توصياتنا لن يكون احسن من مصير قرارات المجلس الوطني،وباقي الهيئات القيادية الفلسطينية التي سرعان ما تتبخر بعد صدورها.وعلى كل حال اذا استطعنا الزام القيادة الفلسطينية بتنفيذ نصفها، نكون قد حققنا انجازا كبيرا لشعبنا”.
اما التوصيات فنصت على :
” 1) أن يتم تشكيل السلطة من الداخل والخارج، وعلى أساس الخبرة والكفاءة والاختصاص، وان تكون اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير مرجعيتها السياسية والتنظيمية في كل مراحل عملها.
2) أن يؤكد المجلس أن هذه السلطة مؤقتة وانتقالية لحين إجراء الانتخابات. وأنها تنفيذية للوظائف المسندة لها وليست تمثيلية للشعب داخل الوطن ولا للشعب الموحد ككل. وان تكون وظائفها شاملة لكل المجالات( الصحة التعليم، الصناعة، الزراعة، المالية…الخ) باستثناء الدفاع والخارجية وان تبقى هاتان الوظيفتان مرتبطتين باللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية .
3) أن يسمى هذا الجسم القيادي الجديد (السلطة الوطنية الفلسطينية ) وعدم التعامل مع الاسم الإسرائيلي الوارد في الاتفاق (سلطة مجلس الحكم الذاتي الانتقالي المؤقت )، وان يؤكدعلى إقامتها على كل الأراضي الفلسطينية التي سيتم الانسحاب منها .
4) الحرص على بقاء كيانية م ت ف واللجنة التنفيذية بارزة، وتأكيد حضورها ووجودها في كل المراحل وفي كل مجالات العمل الفلسطيني .
5) أما بشأن مشاركة أعضاء من اللجنة التنفيذية في السلطة فقد انقسمت اللجنة ورفعت لاجتماع القيادة الفلسطينية رأيين: الأول وهو رأي الأكثرية بأن يبقى الثقل الرئيسي والأساسي للجنة التنفيذية خارج السلطة وان يدخلها عدد محدود وان يكون اقل الممكن، وان لا يزيد في كل الأحوال عن ثلث أعضاء السلطة .
أما الرأي الثاني وكان رأي الأقلية فقد دعا إلى: عدم دخول أي عضو من أعضاء اللجنة التنفيذيةفي السلطة، وان يقتصر تشكيلها على التكنوقراط الفلسطيني،ومن المعروفين بولائهم المطلق لمنظمة التحرير، وممن يتمتعون بسمعة طيبة في الأوساط الشعبية الفلسطينية،ومن المعروفين بنزاهتهم .
6) أن يتم وضع برنامج وخطة عمل للسلطة وللجنة التنفيذية للفترة الانتقالية المحددة، وان يتم عرضهما على المجلس المركزي للمصادقة عليهما .
7) الشروع فورا في إعادة النظر في قوانين ونظم العمل باتجاه فلسطنتها، والعمل على تكييفها مع متطلبات تطوير المجتمع الفلسطيني المدني ودمقرطته.مع مراعاة ثبات القوانين عند وضعها، وان يعهد بمثل هذه المهمة للجنة قانونية خاصة .
8) إعادة تشكيل لجنة متابعة المفاوضات على نحو موحد من الداخل والخارج، وبحيث تتمكن من متابعة كل فروع المفاوضات (متعدد، ثنائي، غزة أريحا ) وان يثبت لها سكرتاريا دائمة .
9) تكليف لجنة متابعة المفاوضات بالعمل الفوري على تشكيل الوفود ولجان التفاوض الوارد ذكرها في اتفاق اوسلو.والشروع في وضع خطط التفاوض وأوراق العمل،على أن تكون جاهزة خلال فترة أقصاها عشرأيام، أي قبل أسبوع من بدء جولة المفاوضات الجديدة. وأن يتم عرض هذه الخطط والأوراق على اللجنة التنفيذية للمصادقة عليها.(لاحظ اللجنة التنفيذية وليس السلطة الوطنية) .
10) تكليف لجنة متابعة المفاوضات بوضع التصورات والخيارات والبدائل بشأن أماكن التفاوض في ضوء الحديث الإسرائيلي عن طابا، وفي ضوء الرغبة الأمريكية والإسرائيلية في نقل المفاوضات إلى المنطقة .
11) تكليف لجنة متابعة المفاوضات بتقديم تصور حول طبيعة وشكل العلاقة بين الوفد الفلسطيني لمفاوضات المرحلة الانتقالية، وبين الوفود العربية الأخرى في ضوء اتفاق اوسلو وتفاعلاته عند الأطراف العربية المشاركة في المفاوضات. وان تعمل اللجنة التنفيذية على إزالة الشكوك والتوترات التي نشأت مع بعض الدول العربية وبخاصة المشاركة في عملية السلام .
12) تشكيل لجنة قانونية استشارية ثابتة يكون مقرها الدائم بجوار لجنة متابعة المفاوضات واللجنة التنفيذية .
13) تشكيل لجنة خاصة تعنى بقضية القدس من كل جوانبها السياسية، وبشؤون المؤسسات والمقدسات وخدمات السكان…الخ فيها.”
خلال مناقشة التوصيات أبدى رئيس اللجنة التنفيذية ومعظم أعضائها عدم ارتياحهم، للتوصية التي تقول بالفصل الكامل بين اللجنة التنفيذية والسلطة الوطنية وبالإبقاءعلى ثقل ابوعمارخارج السلطة. ودافعوا ببسالة عن ضرورة مشاركة التنفيذية في السلطة وضرورة أن يترأسها ابو عمار. وانتهت اجتماعات القيادة الفلسطينية في حينها دون اتخاذ قرار محدد حول الموضوع. ولخص رئيس اللجنة التنفيذية الذي كان يترأس الاجتماع حصيلة المناقشات بالقول: “القرار من صلاحيات اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي، ولازال معنا بعض الوقت لإجراء مزيد من المشاورات والاتصالات بشأن تشكيل السلطة مع إخواننا العرب ومع بعض الأصدقاء الآخرين. ولاتنسوا أننا كلفنا الرئيس التونسي زين العابدين بن علي بجس نبض الأمريكان حول الموضوع وحتى الآن لم نتلق الجواب، ولا يجوزمن الناحية البروتوكولية أن نتخذ القرار النهائي في هذه المسألة قبل أن نتصل بالرئيس زين العابدين بن علي”. وفي حينها كان واضحا للعارفين بدواخل البيت الفلسطيني ان ابو عمار يريد تأجيل تشكيل السلطة الفلسطينية، وبربد ابقائها ورقة بيدة يستخدمها في اكثرمن اتجاه ومع اكثر من طرف فلسطيني ودولي.
نظريا كان الخلاف في اجتماعات القيادة الفلسطينية يدور حول افضل الصيغ والأسس والأشكال التي يجب أن تبنى عليها السلطة الوطنية الفلسطينية، والتي تمكنها من خدمة الشعب وقضاياه بصورة افضل، إلا أنه في الواقع كان يخفي صراعا حقيقيا مبكرا حول مراكز السلطة وحول المواقع الشخصية والتنظيمية لهذا القائد أو ذاك الفصيل من فصائل وقادة م ت ف . حقا لقد استخدم المدافعون عن دمج اللجنة التنفيذية بالسلطة الوطنية حججا منطقية، لكن معظمهم كانوا يدافعون عن دور تنظيماتهم وعن مراكزهم ومواقعهم الشخصية والحزبية. وكانوا يخشون فقدان السلطة وامتيازاتها والمعنوية والمادية إذا ما تم الفصل الكامل في التشكيل بين السلطة الوطنية والمنظمة، وإذا اصبحوا خارج السلطة. فهم يدركون أن ابو عمار لن يقبل لأحد سواه ترؤس السلطة وهذا يعني في الوضع الفلسطيني انتقال مركز ثقل الحركة والنشاط السياسي الفلسطيني من المنظمة ومؤسساتها للسلطة الوطنية. ويعرفون أن العالم سيرمي بثقله لصلح الجسم الجديد، وان دور م ت ف سوف يتراجع للخلف لصالح دور السلطة، وبعضهم كان يبشر بانتهاء المنظمة من الناحية العملية.
عشية انعقاد المجلس المركزي الفلسطيني عقدت اللجنة التنفيذية يوم 9/10/93 اجتماعا، ناقشت فيها موضوع تشكيل السلطة، وبقية القضايا التي ستطرح على اجتماع المجلس المركزي.ولم يجري التوقف في حينها أمام رزمة التوصيات التي رفعت سابقا للقيادة الفلسطينية. وفي ذاك الاجتماع أقرت اللجنة التنفيذية الدفع في المجلس المركزي باتجاه أن يتم تشكيل السلطة من الداخل والخارج، وان تكون سياسية وان يترأسها ابو عمار، وان يشارك فيها أعضاء من اللجنة التنفيذية لم يحدد عددهم .
يوم 10 /10/93 بدا المجلس المركزي دورة أعماله بحضور 83 عضوا من أصل 110 أعضاء وشارك في تلك الدورة عددا كبيرا من المدعوين بلغ عددهم ما يقارب ضعف عدد أعضاء المجلس جاءوا من مختلف أماكن تواجد الشعب الفلسطيني بما في ذلك من الفلسطينيين في إسرائيل.ورغم تعدد النقاط المدرجة على جدول الأعمال، إلا أن جميع الأعضاء العاملين والمراقبين كانوا يدركون أن المجلس المركزي مدعو لإقرارنقطتين أساسيتين: الأولى الموافقة على اتفاق إعلان المبادئ (اتفاق اوسلو)، والثانية اتخاذ قرار بتشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية. وخلال المناقشات أبدى العديد من الأعضاء ، وبخاصة من المستقلين، تخوفهم الحقيقي على مصير منظمة التحرير بعد تشكيل السلطة. وبرز في المجلس ثلاثة اتجاهات رئيسية : الأول مؤيد للاتفاق وبالتالي لتشكيل السلطة الوطنية وكان الاتجاه الغالب. والثاني كان مترددا بين تأييد الاتفاق وبين معارضته. وكان أنصاره يفضلون التريث في تحديد مواقفهم، وبعضهم كانوا اقرب إلى المعارضة، إلا انهم أحجموا لاعتبارات حزبية وشخصية عن التصويت ضد الاتفاق. أما الاتجاه الثالث فكان الأقلية التي عارضت الاتفاق، وكان واضحا أن وزنه في المجلس لا يعكس وزنه الحقيقي في الساحة الفلسطينية. فالمجلس منعقد بغياب ممثلي المعارضة المنتمين للفصائل وبعض المنتمين لفئة المستقلين، الذين أعلنوا مقاطعتهم للاجتماع احتجاجا على اتفاق اوسلو، وعلى الطريقة التي تم فيها.
بعد استكمال المداخلات والمناقشات والتي استغرقت يومين كاملين صوت أعضاء المجلس على اتفاق إعلان المبادئ أمام عدسات شبكات التلفزيون العالمية. وكانت النتيجة 63مع الاتفاق، و8 ضده و9 امتنع عن التصويت، وتغيب ثلاثة أعضاء عند التصويت. وبعد المصادقة على الاتفاق وافق المجلس بأغلبية 68عضوا على “إقامة السلطة الوطنية الفلسطينية على كل الأراضي الفلسطينية المحررة والتي سيتم انسحاب القوات الإسرائيلية منها. ويفوض المجلس اللجنة التنفيذية وفقا لقرار المجلس المجلس الوطني تشكيل هذه السلطة من الداخل والخارج وان تكون م ت ف مرجعيتها ، وان يترأسها رئيس اللجنة التنفيذية” .
وبالرغم من الصلاحيات الواضحة التي منحها المجلس المركزي للجنة التنفيذية، إلا أن تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية تأخر إلى ما بعد توقيع بروتوكولات القاهرة في أيار 1994. وفي حينها تهالك بعض أعضاء التنفيذية على الدخول في السلطة، ورفض آخرون المشاركة فيها. الراغبون في دخولها كانوا على قناعة تامة بأن قيام السلطة الوطنية يعني بداية نهاية اللجنة التنفيذية، لا سيما وان ابو عمار قرر أن يترأس السلطة وهي المكلفة بتنفيذ اتفاق اوسلو، والعالم كله منشغل في كيفية إنجاح عملية السلام ومن ضمنها تمكين السلطة الفلسطينية من تثبيت إقدامها على ارض غزة أريحا، والنهوض بالمهام التي وردت في الاتفاق. في الرابع من ايار1994 وقع رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ورئيس الوزراء الاسرائيلي في القاهرة بروتوكولات تنفيذ اتفاق اوسلو،عرفت في حينها باسم “اتفاق بروتوكولات القاهرة”.والكل لا زال يتذكر الاشكال الذي اثاره ابو عمار على المنصة الرئيسية امام عدسات التلفزيون حين رفض التوقيع على الاتفاق بسبب عدم انجاز الخرائط العسكرية التي تبين مساحة اريحا وحدود منطقة المواصي في قطاع غزة. صحيح ان هذه الخرائط ومساحة اريحا ومساحة المواصي الغزاوية لم يجري التوقف مطولا امامها في المفاوضات اللاحقة، ولم تعد تذكرالان لا من قبل الفلسطينيين ولا الاسرائيليين، الا انها كانت في حينها اشبه بالعبوة الناسفة التي سممت اجواء الاحتفال فور الاعلان عن وجودها. وكادت ان تفجر ذاك اللقاء وتطيح بالاتفاق .وبغض النظر عن الدوافع الحقيقة التي دفعت ابو عمار في حينها لاثارة تلك الزوبعة السياسية القوية، الا انها كانت بمثابة اللحظة التي قلبت فيها الاوضاع الفلسطينية رأساعلى عقب، واعلنت عن بدء مرحلة عملية في العلاقات الفلسطينية-الاسرائيلية.
بعد الاحتفال مباشرة شكك ابو عمار في النوايا الاسرائيلية،ولم يصدق ان رابين سوف يسهل دخول سبعة الاف مقاتل فلسطيني الى غزة واريحا باسم الشرطة الفلسطينية.ولم يكن مقتنعا بأنه سيصلها سالما.كان مقتنعا ببأن شيئا ما يخبأ له في الخفاء. وبناء على تلك الشكوك اجل تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية رغم انه وعد رابين على هامش احتفالات القاهرة بان يرسل له اسمائها بعد اسبوع. واخر نزوله الى غزة قرابه الشهرين (مطلع تموز)، وركز جهوده على بناء اجهزة الامن، وارسل رجاله الموثقين ليمهدوا له الارض، ويبنوا المرتكزات الامنية الاولية القادره على تامين نزوله الى ارض غزة وحماية اقامته عليها. في اليوم التالي على التوقيع دخلت طلائع الشرطة الفلسطينية من معبر رفح. وبدا العمل في القاهرة وعمان وبغداد وتونس والجزائر وليبيا والسودان واليمن يجري على قدم وساق لتجهيز بقايا القوات الفلسطينية المتواجدة هناك منذ عام 1982.ورغم دخول الدفعة الاولى والثانية من قوات الشرطة بقي ابو عمار يماطل في تشكيل السلطة، محاولا تاجيل ذلك الى ما بعد دخوله الى غزة.الا ان الرياح لم تجري كما كان يشتهي،واضطر بعد اقل من عشرة ايام(منتصف ايار) الى تشكيلها بشكل متسرع.عندما عطلت إسرائيل دخول قوات الشرطة الفلسطينية إلى غزة وأريحا، وأصرت على تسلم أسماء أعضاء السلطة قبل استكمال دخول قوات الشرطة. عندها تولى ابو عمار بمفردة تقديم أسماء 14 “وزيرا” الى رابين بعدما تشاورحولها مع محمود عباس (ابو مازن ) عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وعضو الجنة المركزية لحركة فتح، وشريكه الأساسي في التوقيع على اتفاق اوسلو. لاحقا ارتفع العدد الى20 وزيرا، اعتذر ثلاثة منهم عن المشاركة في السلطةهم حنان عشراوي وسري نسيبة والاقتصادي الفلسطيني منيب المصري.
ولا نظلم أحدا إذا قلنا أن تشكيل السلطة الفلسطينية تم على ذات الأسس التي بنيت عليها اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير. فالتدقيق في أسماء وانتماءات أعضاء السلطة يبن طغيان الفصائلية والاعتبارات الحزبية والسياسة على أسس تشكيلها، وأنها تكاد تكون من لون سياسي واحد، واقرب إلى سلطة الحزب الواحد. مليئة بالسياسيين وناقصة أخصائيين وخبراء..ومنذ الإعلان الرسمي عن تشكيل السلطة الوطنية الفلسطينية، وبعد تواجدها على ارض غزة أريحا وتوليها عددا محدودا من المجالات في الضفة الغربية دخلت العلاقة بين منظمة التحرير والسلطة الوطنية حيزها الرسمي والعملي الملموس. وبدأت بذور المشكلات تظهر على سطح العلاقة، واخذت تنمو بشكل تدريجي اكثر فاكثر .