عقبات رئيسية تعيق عبور الشرطة الفلسطينية الى غزة واريحا

بقلم ممدوح نوفل في 06/04/1994

بعد التوقيع على اتفاق القاهرة رقم2 يوم 31 آذار الماضي حول الوضع في مدينة الخليل، كثر الحديث في الاوساط السياسية وفي الصحافة عن عبور الشرطة الفلسطينية الى غزة واريحا.ةبلغ الحديث ذروته بتحديد ايام وساعات العبور. فهل صحيح ان انسحاب القوات الاسرائيلية من غزة واريحا وعبور الشرطة الفلسطينية وتسلمها مهامها هناك بات وشيكا ؟ وهل ستكون اطلالتها على شعبها اطلالة معززة ومكرمة ؟ ام ان هناك عقبات رئيسية تعيق هذا العبور وقد تشوة الاطلالة ؟ وهناك عقبات اخرى مخفية قد تظهر في أية لحظة؟
كمدخل للاجابة على هذه الاسئلة لا بد من التوقف امام مدلولات الاتفاق الخاص بالخليل فهو يعكس طريق تفكير القيادة الاسرائيلية ومنهج عملها في معالجة المشكلات والعقبات الاساسية المفتعلة والمصطنعة التي ظهرت او ستظهر خلال المفاوضات وخلال تنفيذ الاتفاقات . اظن ان لا خلاف في الصف الفلسطيني على ان الاتفاق بشأن معالجة مذبحة الخليل جاء ناقصا ، ومن حق الفلسطينيين نقده واعتباره مؤشرا سلبيا على السياسة والطريق التي عالج وسيعالج فيها رابين الاشكالات اللاحقة .
فالاتفاق خلا تحت اصرار رابين من أي حديث او أي اجراء عملي ضد المستوطنيين واسلحتهم وضد سلوكهم. لقد اعطت مذبحة الخليل فرص تعويض الزمن الذي ضيعه منذ 13كانون الاول وحتى الان ، الا انه
عاد واكد تصميمه على مواصلة اسلوب الزحف البطئ على طريق المفاوضات والذي انتهجه منذ توليه السلطة وحتى الان وبخاصة منذ بعد توقيع اتفاق اوسلو في 13/9/93،واعطته المجزرة فرصة افهام العنصرين والمتطرفين وكل اعداء السلام من الاسرائيليين بان من غير المسموح لهم اللعب في القضايا الاستراتيجية الكبرى مثل قضية السلام ، الا انه تردد في ذلك . وبدلا من اخراج المستوطنيين من مدينة الخليل وانهاء الاحتكاك هناك فرض على اهالي الخليل اجراءات تزيد الاحتكاك وترفع درجة التوتر، وقد الى ترحيل بضعة آلاف من سكان قلب مدينة الخليل .
اعتقد ان بامكان من يرغب تسجيل مزيد من النقد لاتفاق الخليل وللقيمين علية، الا ان ذلك لا يلغي ان الاتفاق قد وقع واصبح حقيقة موجودة وسيتحول خلال الايام القادمة الى الى خطوات عملية على ارض الخليل .فالقوات النرويجية والايطالية والدنماركية ستصلها خلال ايام ، ووصولها هناك اظنه مكسبا مهما لا بد من رؤيته والتعامل معه بايجابية والعمل على تطويره .وقيمة هذا الوجود الاجنبي لا تكمن في في القدرة الامنية والعسكرية لهذه القوات في مواجهة استفزازات وجرائم المستوطنيين فهذه مسائل خارجة عن قدرتها وخارج نطاق عملها ومسؤولياتها وانما مدلولات وابعاد وجودها ذاته .فوجودها بموافقة رابين يعني اقرارا منه بان الضفة الغربية وقطاع غزة اراضي محتلة اذ لا احد يقبل دخول وتمركز قوات اجنبية فوق ارضه. وايضا يعني ان السيادة على هذه الارض ليست لاسرائيل فالوجود الاجنبي فيه مساس وطعن في السيادة التي تدعيها اسرائيل على بعض او كل هذه الاراضي .واعتقد ان قيمة هذا الوجود ستزداد اكثر فاكثر وستبرز اكثر فاكثر بعد وصول مزيد من الاعداد وجنسيات القوات الاجنبية الى غزة واريحا وفقا لنصوص اتفاق اعلان المبادئ dop الذي يشير الى مثل هذا الوجود. وبغض النظر عن تباين الآراء حول اتفاق الخليل فهو موضوعيا اكد ان قوة الدفع الايجابية التي تملكها عملية السلام حتى الان لا زالت اكبر واقوى من قوة التعطيل التي نمت في الشهور الاخيرة . الا ان الموضوعية ذاتها تفرض الاقرار بان لا احد يستطيع بان قوة الدفع الايجابي قادرة على ارغام اسرائيل على تسريع انسحابها من غزة واريحا او انها قادرة على دفع العربات والاليات الامريكية التي وصلت للشرطة الفلسطينية للانطلاق السريع على طرق رفح- غزة والشونة الجنوبية- اريحا. فمنع نسف عملية السلام شيء والدفع باتجاه التسريع في التوصل الى اتفاقات نهائية شيء آخر وله اعتبارات اخرى وحسابات اخرى خاصة عند الراعي الامريكي .
صحيح ان الدول المانحة تحرطكت بنشاط وبدأت مشكورة في شحن المساعدات المدنية والعسكرية اللازمة لتجهيز الشرطة الفلسطينية وان الجانب الاسرائيلي بدأ باخلاء بعض المواقع في رفح وغزة واريحا وانه اقترح على الجانب الفلسطيني ارسال بعثة من كبار الضباط للاستطلاع تمهيدا لارسال طلائع قوات الشرطة الفلسطينية ، الا ان الصحيح ايضا هذه الخطوات تبقى شكلية ويجب عدم السماح لها بالتغطية على القضايا الخلافية الكبيرة التي ما زالت موضع بحث بين الطرفين . لقد قدر الجانب الفلسطيني عدد قوة الشرطة اللازمة لتغطية المهام المسندة لها بعشرة آلاف رجل واصر لاعتبارات تتعلق بالخبرة والتجربة والحاحية العمل على دخول ثمانية الاف شرطي من الخارج، وان يتم لاحقا تجنيد الفين من ابناء الضفة والقطاع . ورغم اقرار الجانب الاسرائيلي بان الشرطة الفلسطينية تنتظرها مهام كبرى ومتنوعة الا انه لا زال يساوم وفي آخر عروضه وافق على تسعة الاف على ان ان يقتصر العدد من الخارج على 6500فقط .واظن انه ليس عسيرا الوصول الى قاسم مشترك حول هذه النقطة .
وبجانب الخلاف حول العدد هناك خلاف جوهري حول جدول انسحاب القوات الاسرائيلية وبالتالي حول دخول الجسم الاساسي لقوات الشرطة . لقد طرح الجانب الفلسطيني على الطرف الاسرائيلي تسريع المفاوضات بشأن الانسحاب من غزة واريحا والعمل باتجاه التوصل الى اتفاق خاص بكل المسائل الامنية دون اجحاف بالقضايا الاخرى المطروحة على بساط البحث والنقاش الا ان الوفد الاسرائيلي رفض ذلك واصر على التوصل الى افاق متكامل حول “غزة واريحا اولا” ولا زال يتمسك باعتبار تاريخ التوقيع على هذا الاتفاق المتكامل نقطة انطلاق وتاريخ بدء الانسحاب الاسرائيلي وبدء دخول الجسم الرئيسي للشرطة الفلسطينية وتسلمها لمهامها . وهذا يعني وفقا لجدول الاعمال الذي اقره الطرفان كقاعدة للمفاوضات الجارية وبحث ومناقشة المسائل التالية والاتفاق حوله :
1)القضايا الاقتصادية : وتحت هذا البند لازال امام المتفاوضين الفلسطينيين والاسرائيليين انجاز اتفاق حول العمل والشغل ، الزراعة ، الصناعة، السياحة ،القضايا البنكية ،عمل شركات التأمين على الحوادث .
2)المسائل القانونية: يقترح الجانب الاسرائيلي بحث قضايا الولاية(jurisdiction ) والمسؤلية عن الجرائم (ciminal jursdiction) والتعاون في المسائل القانونية.
3)السلطات المدنية : لازال الطرفان لم يحسما بعد المسائل المتعلقة بالسيطرة على المياه واداراتها وكذلك ال(archaeology) وتخطيط المناطق .
4)اما المسائل الامنية فبجانب خطة الانسحاب وخطة الانتشار للشرطة لازال امام المتفاوضين التوصل الى اتفاق حول القوانين الامنية المتعلقة الحوادث الفردية ومسألة الوجود الدولي المؤقت في غزة واريحا ، والممر الآمن من غزة الى اريحا وبالعكس .
وبالتأمل في هذه القضايا العالقة حتى الان يمكن الخلاص الى استنتاج رئيسي بان بحث ومناقششة كل هذه القضايا العالقة يحتاج الى بضعة اسابيع اذا صدقت النيات الاسرائيلية مع التشديد على الجملة الاخيرة المتعلقة بالنيات . فالمقروص كما يقول المثل الشعبي يخاف من جرة الحبل . والجانب الفلسطيني لدغ من رابين ثلاث مرات . الاولى عندما ماطل في المفاوضا مدة عام كاملالدخول في قناة اوسلو ،والثانية عندما عندما تجاوز موعد بدء الانسحاب 13كانون الاول المحدد في اعلان المبادئ. والثالثة عندما حمى العنصريين والمتطرفين في مدينة الخليل وابقاهم هناك. واذا كانت المسائل العالقة المرئية تؤكد ان الجانب الاسرائيلي سيتجاوز 13نيسان كموعد لاستكمال الانسحاب من غزة واريحا حسب نصوص اتفاق اوسلو فنحن اذن امام فسحة من الوقت سيحاول رابين والوفد الاسرائيلي المفاوض املاءها بحركة شكلية من نوع دخول مجموعة قيادية للاستطلاع او دخول 300شرطي الى غزة ورفح واريحا او الشروع في تشكيل وبناء مكاتب الارتباط المشتركة .
واظن ان هذه الفسحة الزمنية ستشه تسابقا في الحركة بين القوى الدولية والاقليمية والمحلية الحريصة على تقدم ونجاح عملية السلام وبين وبين القوى المحلية والاقليمية المعارضة للعملية وسوف يرمي كل طرف بكل قوته . الاول من اجل تجاوزها بسلام زامان واظن الترجمة العملية سوف نلمسها في حركة الطائرات الامريكية باتجاه مطارات القاهرة والعريش حاملة معها السيارات العسكرية والعربات المصفحة للشرطة الفلسطينية ، وفي حركة الطائرات الدول المانحة المحملة بباقي انواع وكميات التجهيزات العسكرية والمدنية . وايضا في مشاهدة عناصر اللقوة النرويجية والدنماركية والايطالية وهي تهبط في العريش والقاهرة متجهة الى نحو الخليل . اما الاتجاه الاخر وخاصة القوى العنصرية من اصدقاء وحلفاء جولد شتاين فمن الطبيعي ان يركز جهوده على ارتكاب مجزرة هنا او هناك…ولم لا طالما ان مجزرة الحرم الابراهيمي الشريف في الخليل عطلت المفاوضات حول اتفاق اوسلو ستة اسابيع، وما دامت العقوبة التي نالتها خفيفة جدا ولم تخلو من المكافأة الضمنية .
ومن الان وحتى التوقيع على الاتفاق النهائي بشأن تنفيذ اتفاق اوسلو سيتواصل الحديث حول عبور الشرطة وقد يزداد الا انه يبقى كلام في كلام من الان وحتى اوائل او منتصف ايار المقبل .واظن مهام كبيرة ومتنوعة تنتظر الجانبب الفلسطيني من الان وحتى التوصل الى مثل هذا الاتفاق . منها ما يتعلق بتطوير ادارة المفاوضات وتحسين اسلوب التفاوض ذاته فلسيس مصادفة ان الوفد الفلسطيني يفتقر الى الاخصائيين والخبراء . كما من الضار وطنيا ان يبقى ابناء الداخل ومن لديهم الخبرات وذوي الاختصاص ائبين عن طاولة المفاوضات . ومنها ايضا ما يتعلق بالتخطيط وتحضير القوى اللازمة للنهوض بالشغل الكبير والمتنوع المطلوب انجازه على ارض الضفة والقطاع .
ويخطئ كل من يعتقد ان نجاح الشرطة في اداء مهامها الوطنية يتوقف على حسن التدريب وكثرة العدد او قوة المعدات ، فالاساس في نجاحها يكمن في حسن سلوكها مع الناس وقبله وبعده قدرتها في احداث تغيير نوعي في حياة الناس . ومثل هذا التغيير المطلوب يمكن تحقيقة فقط من خلال حشد الامكانات والطاقات الذاتية والاعتماد على الدور الجماعي المنظم للمؤسسات .