لا سلام بدون الفلسطينيين

بقلم ممدوح نوفل في 25/03/1994

رسالة تونس ، دمشق، القاهرة، واشنطن، موسكو
مع اقتراب الموعد الذي حدده راعيي المؤتمر لاستئناف مفاوضات السلام الفلسطينية والعربية الاسرائيلية (20 نيسان) تزاحمت التحركات والنشاطات السياسية والديبلوماسية الفلسطينية والعربية والدولية. وتفيد معلومات موثوقة أن موضوع المشاركة الفلسطينية في الجولة التاسعة من المفاوضات كان محور نشاطات مكثفة بين تونس ودمشق والقاهرة وموسكو وواشنطن.
في تونس شهد مقر قيادة م.ت.ف حالة استنفار استثنائية، وكانت حالته شبيهة بحالة خلايا النحل والنمل في “عز” الصيف. القيادة الفلسطينية في حالة انعقاد دائم والرسل والمراسيل العربية والدولية المباشرة والتلفونية لم تنقطع عن المقر. والوفود الفلسطينية تنطلق باتجاه هذه العاصمة أو تلك وتعود للمقر. واذا كان من استخلاص رئيسي يمكن للمراقب السياسي او الصحفي المحايد أن يسجله فهو أن تطور الاحداث وتسارعها أكد من جديد أن لا سلام بدون الفلسطينيين وأن كل المعنيين بتواصل عملية السلام أقروا أخيراً بأن لا معنى للمفاوضات العربية-الاسرائيلية اذا غاب عنها الفلسطينيون. وأن العامل الفلسطيني لا زال محافظاً على مكانته العربية والدولية، ولا زال قادراً على توحيد الموقف العربي ولجم كل محاولات الشطط السياسي العربي الدافعة باتجاه القفز عن الموقف الفلسطيني. وهذا ما أكدته وقائع الاجتماعات والمؤتمرات العربية المصغرة والموسعة التي عقدت في دمشق والقاهرة. وكذلك وقائع اللقاءات التي عقدت في واشنطن وموسكو. فرغم الضغوط التي تعرضت لها قيادة م.ت.ف الهائلة من الاصدقاء والأشقاء على امتداد الايام العشر الماضية لانتزاع موافقتها على المشاركة في الجولة التاسعة وفي اليوم الذي حدده الراعيين، الا أنها بقيت متمسكة بموقفها القائل أن م.ت.ف مع استمرار المشاركة في عملية السلام، وحريصة على نجاحها، وأنها مع المشاركة في الجولة التاسعة من المفاوضات ولكنها تصر على إزالة العقبات التي زرعها رابين في طريق تقدم المفاوضات وعلى الطريق الموصلة للجولة التاسعة.
وتجدر الاشارة الى أن نتائج اللقاءات التي عقدها الوفد الفلسطيني برئاسة د. حيدر عبد الشافي وعضوية حنان عشراوي وسعاد العامري، وغسان الخطيب ونبيل قسيس في واشنطن مع أركان الادارة الأمريكية دفعت بالقيادة الفلسطينية الى مواصلة التمسك بشروطها للمشاركة في الجولة التاسعة. حيث أكد التقرير الذي عرضه الوفد على القيادة الفلسطينية أن لا ضمانات لتنفيذ الوعود الأمريكية والاسرائيلية في الصفقة المطروحة وأن المعالجة المعروضة لموضوع المبعدين القدامى والجدد وللأوضاع الاقتصادية التي يعيشها الشعب الفلسطيني، وللاجراءات العسكرية والأمنية الاسرائيلية القائمة على الأرض غير كافية ولا تؤمن كل المسائل المطلوبة فلسطينياً. وعلى أرضية هذه الرؤيا وهذا الموقف تحركت الوفود الفلسطينية الى اجتماعات وزراء خارجية الدول الخمس التي عقدت في دمشق واجتماعات وزراء خارجية الموسع الذي عقد في القاهرة 18-19 نيسان.
وقائع اجتماع دمشق:
قبل دخول الوفد الفلسطيني برئاسة الأخ أبو اللطف رئيس الدائرة السياسية وعضوية الاخوة والرفاق ياسر عبد ربه وسليمان النجاب، وشفيق الحوت وصائب عريقات سربت الادارة الامريكية أن كل الاطراف العربية المشاركة في المفاوضات باستثناء الطرف الفلسطيني قد أبلغتها رسمياً موافقتها على المشاركة في الجولة التاسعة في الزمان والمكان المحددين أي واشنطن في 20 نيسان. وأن الوفود السورية واللبنانية والاردنية ستحضر الجولة حتى لو تأخر عنها أو قاطعها الوفد الفلسطيني.
وبغض النظر عن الهدف الابتزازي لهذا التسريب الامريكي، عن دقة المعلومات المسربة عن مواقف الاطراف العربية، فالمعلومات الواردة من دمشق تفيد أن الوفد الفلسطيني وجد نفسه يتعرض لضغوط الاطراف العربية الأخرى.. فمداخلات كل الوفود الأخرى أكدت على أهمية حضور الجولة يوم 20 نيسان وتناغمت كلمات الوفود العربية بهذا الاتجاه، ولم يخلو بعضها من توجيه النقد للمواقف الفلسطيني. والذي بلغ حد اتهام قيادة الفلسطينية بالمبالغة في قضية المبعدين، وبالمبالغة في وضع الشروط المسبقة على المشاركة في الجولة التاسعة. كما ورد في كلمة السيد فاروق الشرع وزير الخارجية السورية، ودعا الوزير الشرع الطرف الفلسطيني لقبول بما قدم من حلول لقضية المبعدين والقضايا الأخرى وقال أن من الخطأ أن يرهن الفلسطينيون والعرب مشاركتهم في الجولة التاسعة بحدث عابر وقع على طريق المفاوضات. واقترح أن يبلغ العرب الراعي الأمريكي بأن الوفود العربية ستشارك في المفاوضات يوم 20 نيسان، ونال هذا الاقتراح موافقة الاطراف العربية الاخرى اللبناني، الاردني، المصري.
وتفيد المعلومات أن توتراً شديداً ساد قاعة الاجتماعات عندما وقف الوفد الفلسطيني وأعلن أن الوفد الفلسطيني لن يذهب الى واشنطن يوم 20 نيسان، ولن يذهب للجولة التاسعة اذا لم تتحقق مطالبه العادلة المتعلقة بموضوع المبعدين وإنهاء الوضع العسكري والأمني الاستثنائي المفروض على الأرض الفلسطينية وكذلك معالجة الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني. وأمام هذا الموقف الفلسطيني الواضح والصلب وجدت الوفود العربية نفسها أمام خيارات صعبة، الذهاب الى واشنطن والمشاركة في الجولة التاسعة يوم 20 نيسان وبدون الوفد الفلسطيني أو القبول بتأجيل المفاوضات وضم جهودها للجهود الفلسطينية لتذلل العقبات وتحقيق ما يطلبه الفلسطينيون. وبعد جدال طويل ونقاش حاد وافقت الأطراف العربية المشاركة على تأجيل المفاوضات حتى يوم 26 نيسان وتمنت على الوفد الفلسطيني أن يعطي جواباً نهائياً بعد 48 ساعة. ولم تنتظر انقضاء الفترة المحددة بل سارع الوزير الشرع الاتصال بالراعي الأمريكي وابلاغه بأن الوفود العربية تقترح التأجيل حتى 26 نيسان وأن الوفد الفلسطيني سيعطي جوابه النهائي بعد 48 ساعة. ومن دمشق توجهت الوفود العربية للمشاركة في الاجتماع الموسع لوزراء خارجية الدول العربية، على أمل أن يعطي الجانب الفلسطيني موقفاً ايجابياً بشأن المشاركة يوم 26 نيسان، وأن يعود الوزراء الخمسة للاجتماع ثانية في دمشق يوم 20 نيسان.
وقائع اجتماع القاهرة:
رغم محاولات بعض الأطراف العربية تجنيب اجتماع الخارجية الموسع أي بحث ونقاش لموضوع المفاوضات وموضوع الجولة التاسعة. الا أن تركيز الوفد الفلسطيني في مداخلته على الموضوع وضع المجتمعين أمام مسؤولياتهم ووجد الوزراء أنفسهم وجهاً لوجه مع النتائج التي تمخضت عنها اجتماعات دمشق. فتكثفت الاتصالات الجانبية بين الوزراء، ونشطت اتصالاتهم مع عواصمهم وأسفرت عن:
1) وجه السيد فاروق الشرع وزير الخارجية السوري نيابة عن الرئيس الأسد الدعوة للأخ أبو عمار رئيس اللجنة التنفيذية لزيارة دمشق.
2) دعا السيد سعود الفيصل وزير الخارجية السعودية الدول العربية الى تحمل مسؤولياتها إزاء الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة وأعلن أن حكومته قررت المساهمة في سد العجز الحاصل في موازنة وكالة الغوث الدولية. ودعا الآخرين للمساهمة، كما دعا كل الدول العربية الى تسديد استقطاعات ال5% من رواتب الموظفين الفلسطينيين ودفعها الى الصندوق القومي الفلسطيني، وأعلن أنه مخول من حكومته بلقاء الأخ فيصل الحسيني وسفير دولة فلسطين في القاهرة للبحث في الاحتياجات المادية الملحة لمختلف مجالات الصحة والتعليم والمعتقلين والمؤسسات الفلسطينية الأخرى لتأمين ما يمكن تقديمه من الدعم والاسناد السعودي لها. هذا ويفترض أن يكون الأخ أبو عمار قد وصل اليوم الى العاصمة السورية، وأن يكون وزراء الخارجية الخمس قد عادوا لها لمتابعة عقد اجتماعاتهم. ويفترض أن يكون السيد سعود الفيصل قد التقى الأخ فيصل الحسيني وسفير دولة فلسطين .
موسكو:
وبذات الوقت الذي كانت فيه الوفود الفلسطينية وسفارات دولة فلسطين تبذل جهودها في دمشق والقاهرة والعواصم العربية الأخرى لتأمين أكبر دعم عربي ممكن للمطالب الفلسطينية كان الوفد الفلسطيني برئاسة الأخ أبو مازن يبذل جهوده في إطار اجتماع اللجنة الروسية-الفلسطينية لتأمين الدعم والاسناد الروسي للموقف الفلسطيني بشأن استئناف الجولة التاسعة وإزالة العقبات أمام المشاركة الفلسطينية فيها وأيضاً بشأن ضمان تحقيق تقدم جدي في عملية السلام في حال استئناف المفاوضات. وإلزام اسرائيل بالتقيد بأسس وقواعد العملية التي بدأت من مدريد وتفيد المعلومات المتوفرة أن الجانب الروسي أبدى تفهماً كاملاً للموقف الفلسطيني وأنه أجرى الاتصالات اللازمة مع الراعي الأمريكي ومع الطرف الاسرائيلي بشأن هذه المسائل معالجة موضوع المبعدين وفقاً للاقتراحات الفلسطينية.
وتفيد المعلومات الواردة من تونس أن القيادة الفلسطينية استقبلت كل المواقف التضامنية بارتياح كبير وخاصة الموقف التضامني العربي إزاء المشكلات الاقتصادية والمادية الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير. واعتبرت اعلان الأمير سعود الفيصل خطوة ايجابية في اتجاه رأي الصدع في الصف العربي، وخطوة أولية باتجاه كسر قرار الادارة الأمريكية القاضي بتجفيف الموارد المالية لمنظمة التحرير وبداية كسر للطوق الاقتصادي المضروب منذ فترة حول الشعب الفلسطيني ومنظمة التحرير.
وفي ضوء ذلك كله يمكن القول أن الساعات ال 48 القادمة حاسمة بشأن مصير الجولة التاسعة من المفاوضات، وأن الجانب الفلسطيني لا زال مصراً على موقفه، وتتوقع الأوساط السياسية الفلسطينية المطلعة أن تحمل الساعات القادمة تطورات ايجابية جديدة بشأن المطالب الفلسطينية الأخرى وخاصة عودة المبعدين القدامى والجدد. وأن مثل هذه التطورات سوف يكون لها أثراً مباشراً على القرار الفلسطيني المفترض اتخاذه خلال الساعات القادمة. وبغض النظر عن النتائج النهائية التي ستسفر عن الاتصالات والاجتماعات اللاحقة وخاصة اجتماع وزراء الدول الخمس فالنتيجة الملموسة عند كل المراقبين السياسيين أن صلابة الموقف الفلسطيني المعزز بتصاعد الانتفاضة مكن م.ت.ف تأكيد أن لا سلام بدون الفلسطينيين وأن لا معنى للمفاوضات اذا غاب عنها الوفد الفلسطيني. وأن ما حققته م.ت.ف في هذه الجولة الساخنة من الصراع قد حسن الموقف والموقف الفلسطيني عربياً ودولياً ووفر للوفد الفلسطيني موقفاً تفاوضياً أفضل يمكنه من متابعة النضال بصلابة في الجولة التاسعة وما يليها من جولات لاحقة من أجل تحقيق الأهداف الوطنية وفي مقدمتها هدف الحرية والاستقلال.