الانقسام الفلسطيني وكيف نواجهه /ح1

بقلم ممدوح نوفل في 07/05/1993

1) الخلاف الجاري طبيعي وظاهرة صحية

في عددها رقم 5263 تاريخ 26/4/93 نشرت جريدة الشرق الأوسط مقالاً للاستاذ بلال الحسن تحت عنوان “الانقسام الفلسطيني وكيف نواجهه” طرح في رأيه في اسباب وأبعاد الخلاف الذي تعيشه الساحة الفلسطينية في هذه الأيام، وقدم في مقالته المذكورة رؤياه للحل والعلاج. لا شك أن قطاعات واسعة من الشعب الفلسطيني ومن كوادر الثورة، ومن الحريصين على الوحدة الوطنية الفلسطينية يعيشون حالة من الحذر والترقب والقلق الشديد بسبب تصاعد الخلاف الفلسطيني الداخلي حول موضوع المبعدين وحول المشاركة في الجولة التاسعة من المفاوضات. ويتخوفون من تحوله من خلال سياسي، الى انقسام تنظيمي يطال بنيان م.ت.ف المضعضع أصلاً، ويحوله من تراشق بالبيانات والمقالات الى احتراب واقتتال داخلي يدفع الشعب الفلسطيني ثمنه دماً في وقت يحتاج فيه لكل صنوف الدعم والمساعدات، وتوفير ما يمكن توفيره من دماء وغذاء وكساء.

وبغض النظر عن رأي الاستاذ بلال، وعن أسلوبه في معالجة الموضوع، وعن الأحكام التي أطلقها وخارطة القوى التي رسمها والمقاييس التي اعتمدها في كيل أوزان القوى المؤيدة والمعارضة لقرار المشاركة في الجولة التاسعة، وبغض النظر عن خلفيات والنعوت والأوصاف التي أطلقها والحلول التي اقترحها، فالواضح أن الوضع الفلسطيني الداخلي يحتاج الى علاج. وأعتقد أن التشخيص الدقيق للحالة الفلسطينية الراهنة، وتحديد العلة والداء ضرورة تساعد على تحديد الدواء. وأظن أن التشخيص الخاطيء بغض النظر عن نوايا صاحبه أو دوافعه وأسبابه يخلق الأوهام ويزيد من تعقيد الأمور ويسيء حتى ولو كانت نوايا طيبة ودوافعه بريئة، خاصة عندما يكتشف الناس وهمية الدواء والحلول التي يدعو لها. ونظراً لدقة وخطورة الأوضاع التي تمر بها الساحة الفلسطينية في هذه الأيام فالواجب الوطني (وليس الرد على على مقال) يفرض على كل الوطنيين الفلسطينيين، وكل الغيورين على الوحدة الوطنية والديمقراطية، والحريصين على انتصار الحق الفلسطيني في هذه الجولة من الصراع القاسي الذي يخوضه الشعب الفلسطيني داخل وخارج غرف المفاوضات أن يقولوا رأيهم وأن يساهموا ليس فقط في رسم الحلول بل وأيضاً في تنفيذها.

وفي هذا السياق أعتقد أن المساهمة في النقاش وتحديد الحلول تكون قيمة وبناءة بمقدار ما تكون موضوعية وبعيدة عن الدوافع الذاتية والشخصية، وتزداد فوائده وقيمته العملية أكثر فأكثر بمقدار ما تبتعد عن الحرتقات الصغيرة وعن المهاترات. فالانزلاق الى الحرتقات والمهاترات والانطلاق من مواقف مسبقة والتسرع في إطلاق الأحكام (كما حصل مع الاستاذ بلال) يدفش الموضوع الرئيسي للوراء ويشوش على القضية الأساسية. ويفقد البحث والنقاش وظيفته ويشكك في دوافع صاحبه، ويفتح الباب لاتهامه بالتحيز والانحياز حتى ولو كان (مستقلاً)، وبالغربة عن الساحة الفلسطينية حتى ولو كان ابنها. وبعدم معرفة موازين القوى الداخلية وما آلت اليه أوضاع وحجوم فصائلها حتى ولو كان لا زال معتمداً كخبير فيها وتفتح المجال لاتهامات أخرى من نوع عدم مواكبة التطورات التي طرأت على بنية الحركة الوطنية الفلسطينية وعدم معرفة أن الداخل أصبح مركز ثقلها حتى ولو كان يتابع يومياً أخبار الانتفاضة ويحصي يومياً أعداد المعتقلين والشهداء والجرحى ويدقق في هوياتهم وفي انتماءاتهم التنظيمية، واتهامه أيضاً بأنه يهمل وزن الشعب ويهتم فقط بأوزان الفصائل (وأرباعها) وينسى كسورها العشرية رغم أنه يعرف أنها بمجملها، صحيحها ومكسورها لا تتجاوز نسبة الـ 51% من إجمالي الشعب الفلسطيني.

وحتى لا نقع في المحظور الذي وقع فيه الاستاذ بلال ولا ننجر الى المهاترات وننال من القاريء نصيباً من الاتهامات فسنركز البحث والنقاش على الانقسام الفلسطيني كموضوع وكاتجاهات وكاجتهادات وأفكار. وفي هذا السياق يمكن تناول النقاط الرئيسية والتي نعتقد أنها تقيده في توضيح وتصحيح بعض ما ورد في مقالة الاستاذ بلال الحسن، وتكوين صورة تساعد على معالجة الموضوع (الخلاف).

أولاً: الخلاف والانقسام بدأ قبل الجولة التاسعة بسنوات
تظهر المراجعة السريعة لمسيرة العمل الفلسطيني والتي تجاوزت ربع قرن من زمن ندرة وقصر الفترات الزمنية التي تجمعت فيها طاقات كل القوى والفصائل والأحزاب الفلسطينية في إطار منظمة التحرير. وتبين أن الوحدة الوطنية في اطار م.ت.ف تتعرض بين فترة وأخرى لخضة ما، تغرق بعدها الساحة الفلسطينية صراعات وحرتقات جانبية تطول أو تقصر وفقاً لنوع الخضة وأسبابها وحجم القوى المشاركة فيها. فأحياناً امتدت لسنوات طويلة تخللها حروب بيانات، وأحيان أخرى تطورت الى اشتباكات مسلحة سقط فيها أبرياء من الشعب الفلسطيني وأسباب هذه الظواهرة كثيرة ومتنوعة. منها ما هو ذاتي يتعلق بالبنى التنظيمية والتوجهات الفكرية والسياسية للفصائل ومنها ما هو خارجي يعود للتدخلات العربية المباشرة وغير المباشرة في الأوضاع الفلسطينية الداخلية. ولعل ظاهرة جبهات الرفض، والانقاذ القديمة والجديدة شواهد حية على ذلك. واذا كان نقص الديمقراطية كقيمة وكتطبيق في مناهج وسلوك الفصائل الفلسطينية أفسح المجال لاستمرار هذه الظاهرة في الحياة السياسية الفلسطينية، فتغيب الرقابة الشعبية أتاح لها لتكرار ذاتها مرات ومرات رغم مأساويتها وبشاعتها عند كل تكرار. وأعتقد أن من غير الصحيح وغير الدقيق فهم الانقسام والخلاف الجاري خارج هذا الاطار. فالانقسام القائم قديم متجدد. فتكتل الفصائل العشرة موجود قبل الجولة التاسعة من المفاوضات، وجبهة الانقاذ موجودة منذ سنوات. صحيح أن الخلاف والانقسام الحالي هو الأخطر والأشد وأن موضوع المبعدين وقرار المشاركة في الجولة التاسعة زادا من حدته لكن الصحيح أيضاً أن الخلاف حول الجولة التاسعة سبقه خلاف حول الثامنة والسابعة وحول الأوى وما بينهما، ويخطيء كل من يعتقد أن عودة المبعدين الجدد فوراً وفي دفعة واحدة ينهي الانقسام وينهي الاشكال..

ثانياً الخلاف الداخلي ظاهرة صحيحة اذا ..
لا شك أن ما تواجهه القضية الوطنية الفلسطينية من استحقاقات مصيرية وما يحيط بها من تعقيدات سياسية عربية ودولية تجعل من وقوع اجتهات وتباينات في الآراء حول مفاوضات السلام مسألة طبيعية وظاهرة صحية وصحيحة. ولا نبالغ اذا قلنا أن وجود معارضة وطنية لعملية السلام الجارية ضرورة وطنية لتوفير الرقابة المسؤولة على دور القيادة في ادارة المفاوضات ويوفر لها من يشعل الضوء الأخضر والاحمر عند المنعطفات السياسية الخطرة لا سيما وأن المؤيدين والمعارضين لعملية السلام متفقون على أن المعروض على الشعب الفلطسيني في المرحلة الانتقالية. فترة الحكم الذاتي الانتقالي لا يلبي الحدود الدنيا من الحقوق الوطنية التاريخية للشعب الفلطسيني. ولربما كان مفيداً في هذا السياق التذكير بحديث أحد زعماء الصهيونية العالمية خلال حفل توقيع وثيقة الصلح بين ألمانيا واسرائيل بعد الحرب العالمية الثانية نيابة عن اليهود، حين سئل كيف تفسر وجود معارضة يهودية دولية وأنت توقع نيابة عنهم هذا الاتفاق فأجاب بئست أمتي اذا كانت ستجمع على ما سأوقع عليه. وأعتقد أن الخلاف ووجود المعارضة يساعد المفاوض الفلسطيني والمؤيدين لعملية السلام في إظهار مرونتهم وواقعيتهم السياسية، وإظهار أهمية تحقيق تقدم جدي في المفاوضات وأن يكون هذا التقدم منصف ومقبول ومقنع للشعب الفلسطيني بجدوى المشاركة في عملية السلام وجدوى الاستمرار في المفاوضات. وأعتقد أن فوائدا لخلاف في الرأي تزداد اذا بقيت الأمور تدور في اطار الدفاع عن المصالح العليا للشعب والوطن وفي مقدمتها مصلحةا لانتفاضة والالتزام بالديمقراطية. والحرص على وحدة الشعب وعدم تجريح وايذاء العلاقات الوطنية هيئات وأفراد. وأظن أن عكس ذلك صحيح تماماً. لا شك أن الاسابيع القليلة القادمة تحمل في طياتها مزيداً من القضايا المهيجة للخلافات، فالمعلومات الواردة من واشنطن تشير الى أن تقدماً ما بدأت تظهر ملامحه على طاولة المفاوضات. وبغض النظر عن نوعه وحجمه فالواضح أن المعارضة الفلسطينية ستعتبر بعضه أو كله ضرباً من ضروب التنازلات. واذا كان لا خلاف بين (القيادة والمعارضة) على ضرورة الاحتكام للشعب في تقرير مصير ما قد يتم التوصل له من اتفاقات، فالواقع الفلسطيني وظروف الحياة تحتا لاحتلال تفرض على لاجميع الالتزام بقرار المؤسسات التشريعية الموجودة (مجلس وطني، مجلس مركزي)، والنضال سوياً لتهيئة أفضل الظروف لاجراء ما يلزم من استفتاءات وانتخابات حرة وديمقراطية ونزيهة بعيدة عن تدخلات الاحتلال.

ثالثاً: معركة المبعدين أديرت بمسؤولية وطنية:
بغض النظر عن مواقف الأخوة في قيادة حركة حماس والفصائل العشرة وكل ما كتبه المؤيدين لهم، فانصاف الحقيقية كما أعتقد يفرض على جميع الاقرار بأن القرار 799 صدر بعد جهود مضنية ومساومات دولية صعبة خاضتها م.ت.ف وليس أحد آخر. فالكل يعرف كيف بادرت م.ت.ف منذ اللحظة الأولى لصدور قرار الابعاد الأسود وتحركت في شتى المجالات العربية والدولية المتاحة، وفي حينها أوعزت لوفدها المفاوض بالربط بين تنفيذ قرار الابعاد وبين الاستمرار في مفاوضات الجولة الثامنة، وقبل أن يستكمل المبعدون نصب خيامهم في مروج مرج الزهور كان الوفد الفلسطيني قاطعاً مع الوفود العربية الاخرى المفاوضات وتوجه الى تونس للمشاركة في الاجتماعات التي خصصت لبحث الموضوع. وبذات الوقت كان مندوب فلسطين في الأمم المتحدة يطوف على أروقتها رواقاً رواقاً وغرفة غرفة داعياً الشرعية الدولية الى تحمل مسؤولياتها ازاء هذا الخرق الخطير لاتفاقيات جنيف ومواثيق الأمم المتحدة وكل الاعراف الدولية ومباديء حقوق الانسان. ولاحقاً على صدور القرار 799 وفي ضوء التفاعلات الدولية الايجابية طورت مزت.ف موقها وأضافت شروطاً جديدة تطال مبدأ الابعاد، وعودة دفعات من المبعدين القدامى، وتحسين قواعد وأسس عملية السلام، بالاضافة لقضايا أخرى ذات صلة بموقف راعيي العملية ولا أظن ان اسراع م.ت.ف في استثمار جريمة الابعاد يمكن اعتبارها جريمة لا تغتفر. واذا كانت الجولة التاسعة قد بدأت ومبعدوا مرج الزهور لا زالوا في مكانهم فبعض القدامى عادوا وقضية الشعب الفلسطيني عادت لتتصدر الأجداث الدولية، وأظن أنها كسبت أصدقاء جدد وحيدت بعض المعادين لها. وفي هذا السياق أعتقد أن بعض الصراحة والوضوح مفيد. فلا نتتجنى علىأحد اذا قلنا أن قيادة حركة حماس ومبعدوا مرج الزهور ارتكبوا ثلاثة أخطاء كبرى: الأول حين وقعوا تحت تأثيرات خارجية وبنوا حساباتهم على أسس فئوية خاطئة ورفضوا التجاوب والتعاون مع م.ت.ف في معالجة الموضوع وانخرطوا ضمن تكتل الفصائل العشرة في مواجهة م.ت.ف. والثاني عندما أقسم المبعدون على القرآن وقيدوا أنفسهم بعودة جماعية. والثالث عندما رفضوا أن يعود 150 منهم مع أخوتهم الثلاثين العائدين، وحين أوغلوا في المواقف واعتبروا كل ما تم بمثابة صفقة تمت علىحسابهم. فكم كان جميلاً ومؤثراً سياسياً ومعنوياً لو أن الارض الفلسطينية استقبلت ماية وثمانين من المبعدين وهم متشابكي الايدي وموحدين… فالمهم عند الارض والشعب الفلسطيني أن يعودا لمبعديون والنازحون واللاجئون.

رابعاً: مكاسب صافية قبل الجولة التاسعة:
قبل الدخول في بحث نتائج معركة المبعدين وانعقاد الجولة التاسعة، ولقطع الطريق على كل التباس أو سوء فهم عفوي أو مقصود لا بد من القول أن كل المكاسب التي تحققت حتى الان من هذه المعركة ومن المشاركة في عملية السلام، وما يمكن أن يتحقق منها لاحقاً تبقى صغيرة وناقصة طالما لم يحقق الشعب الفلسطيني أهدافه في العودة وتقرير المصير وبناء دولته المستقلة. والى جانب هذا القول لعل من الضروري القول أيضاً أن تحقيق الأهداف الكبرى أوا لصغرى لا يتوقف على الرغبات والأمنيات الذاتية فقط بل وعلى طبيعة موازين القوى في المرحلة واللحظة المحددة. وأعتقد أن القراءة الواقعية لموازين القوى الراهنة تؤكد أن ليس بالامكان تحقيق الأهداف الفلسطينية دفعة واحدة، وأن السبيل الى ذلك هو في مراكمتها بالتدريج وتجميع كل صغير منها ليشكل مع الآخر، مكسباً أكبر وقابل لأن يكبر أكثر. وبتأمل ما قاله الاستاذ بلال عن الخسائر المثلثة التي حصدتها القيادة الفلسطينية من معركة الجولة التاسعة (أمام الاسرائيلي والامريكي والشعب الفلسطيني) ومقارنتها بصورة محايدة وموضوعية مع الحقائق والوقائع الملموسة على الأرض الفلسطينية وداخل اسرائيل وفي العلاقات مع الامريكان تكون النتيجة عكسية تماماً. فالفلسطينيون لم يخسروا شيئاً من مشاركتهم في الجولةا لتاسعة فالخلاف موجود قبل الجولة التاسعة بكثير. ولا أعتقد أن الأخ بلال قد تراجع عن ما كتب وقال وبات يعتبر المشاركة في عملية السلام خطأ ارتكب قبل عام ونصف العام!!. والوقائع تقول أن مكاسب مثلثة تحققت وما جرى الأرض الفلسطينية من استقبال شعبي للمبعدين العائدين أول دليل على ذلك، ولا شك أن لم الشمل الذي شمل خمسة آلاف (حجم قرية صغيرة) مكسب آخر تجسد على الأرض الفلسطينية، وحصول الشعب الفلسطيني على بعض الدعم الاقتصادي مكسب ثالث يساهم في تعزيز صمود الصامدين فوق أرضهم. أما مع الاسرائيليين فأعتقد أن تصريحات زعماء الليكود وتحركات المستوطنين ضد رابين شاهد على أن الفلسطينيين هم الكاسبون.

ولا يستطيع أحد أن يعتبر إقرار رابين بأن 242، 338 هما أساس مفاوضات الحل النهائي، واعلانه بترابط الحل بين مرحلتيه الانتقالية والنهائية بأنها خسائر فلسطينية!!. وذات الشيء ينطبق أيضاً على قوله بأن لا خطط اسرائيلية لابعادات جديدة. أما خسارة مع الأمريكي، فتصريحات الوزير وارن كريستوفر وما يدور داخل وخارج غرف المفاوضات يؤكد العكس من ذلك تماماً. وفوق هذا وذاك لا تستطيع المعارضة ولا الأخ بلال اقناع أحد بأن دخول فيصل الحسيني الى غرف المفاوضات، ودخول د.كميل منصور ود. أحمد الخالدي عن الخارج، وتجديد التزام الادارة الامريكية برسالة التطمينات التي تقول من ضمن ما تقول “بأن القدس أراضي محتلة وأن أمريكا ضد أي تغيير في حدودها البلدية لعام 67..” بأنها كلها خسائر من ضمن الخسائر المثلثة..!

أما الاستنتاج بأن قرار المشاركة في الجولة التاسعة يعني القبول بالخطة الأمريكية (أي الاسرائيلية) للحكم الذاتي ولم يعد أمام المنظمة أية خيارات وأن الفشل في معركة المبعدين يعلن نهاية التحسين، فوقائع ومجريات المفاوضات تدحضه تماماً. صحيح أن الادارة الامريكية تدعم وتتبنى أمن اسرائيل مثلها مثل كل الادارات لكن خطأ كبير يرتكب ان خطة أو مشروع الحكم الذاتي الانتقالي كما تتصوره اسرائيل تتبناه الادارة الامريكية. ولا مجال في هذا المقال لعرض ما قيل ويقال من الطرفين حول الموضوع وأعتقد أن تعثر المفاوضات ومرواحتها في مكانها مدة عام كامل ونصف العام شاهد حي على رفض الفلسطينيون لمشروع الحكم الذاتي كما تتصوره اسرائيل وشاهد على اصرارهم على مشروعهم الـ PISGA والذي يقود حتماً الى دولة فلسطينية.

خامساً: قرار المشاركة مصلحة فلسطينية أولاً وأخيراً:
بعض بيانات المعارضة وبعض المقالات المؤيدة لمواقفها قالت في معرض النقد بأن قيادة م.ت.ف هربت نحو الغطاء العربي لتغطي قرارها بالمشاركة في الجولة التاسعة وبعضها الأخر قال أنها رضخت للضغوط العربية واتهم المنظمة بأنها جعلت الموقف العربي بديلاً لتماسك الموقف الداخلي. أعتقد أن لاضرورة لاستعراض كل ما جرى قبل اتخاذ القرار الفلسطيني بالمشاركة في الجولة التاسعة لكن انصاف الحقيقة يفرض توضيح بعض الأمور:

1) حاولت قيادة م.ت.ف جاهدة خلق شيء من التماسك في الموقف الداخلي، الا أن المعارضة وضعت شروطاً مسبقة على أي لقاء تحضره. بما يعني شطب الرأي الآخر. والخضوع للشروط المسبقة المطروحة كان يعني الخروج من كل عملية السلام، ولا أعرف ما سيتلوها من شروط.

2) صحيح أن الادارة الامريكية قد سربت ما معناه أن الأطراف العربية الأخرى أبلغتها عن موافقتها على عقدا لجولة التاسعة في موعدها، وأن وزراء الخارجية لم يخفوا مواقفهم، لكن الصحيح أيضاً أن الجولة لم تنعقد يوم 20 نيسان. ولا نكشف سراً اذا قلنا أن القرار الفلسطيني بالمشاركة اتخذ قبل اعلانه من دمشق وأبلغ للراعي الأمريكي قبل انعقاد اجتماع وزراء الخارجية، وبعدما حصلت م.ت.ف على ما اعتبرته مقبولاً ويؤسس لمتابعة التحسين.

3) انطلقت م.ت.ف في قرارها من المصلحة الوطنية العامة والتي هي أكبر بكثير من قضية المبعدين الجدد، ولا يسيء لها أنها أخذت بعين الاعتبار المواقف والمصالح العربية الأخرى. وكذلك مواقف الأطراف الدولية الأخرى المؤثرة في مسار الأحداث في منطقتنا وفي العالم. ولا أعتقد أن من الحكمة أن تضع م.ت.ف شعبها وقضيتها في مواجهة الأشقاء وأن تستعديهم وتستعدي كل العالم. فالعاقل والمسؤول هو من يحاول توسيع جبهة أصدقائه وحلفائه وكسب مزيداً من الانصار لقضيته وليس معاداة كل الناس. وقديماً قالوا رحم الله أمرىء عرف قدر نفسه، ونضيف وعرف وضعه وظروفه وقوته ومصلحة شعبه. والحكم العادل والموضوعي على القرار الفلسطيني بالمشاركة في الجولة التاسعة وفي كل عملية السلام يمكن استخلاصه عبر عملية حسابية بسيطة تقوم على المقارنة بين أين وكيف كان وضع القضية الفلسطينية ووضع الانتفاضة ووضع م.ت.ف قبل عام ونصف وقبل الجولة التاسعة وأين أصبحت الآن. وأعتقد أن النتيجة والحكم لن يكون في صالح ما دعت له سابقاً أو ما تدعو له الآن المعارضة وكل من كتب مسانداً لمواقفها.