مخيم مرج زهور نقطة انقطلاق لعلاقات فلسطينية جديدة

بقلم ممدوح نوفل في 09/01/1993

وفقاً للحكمة الشعبية القائلة “رب ضاربة نافعة” تعمل الآن كل القوى الفلسطينية على استثمار جريمة الابعاد البشعة التي ارتكبها رابين بحق الشعب الفلسطيني وبحق لبنان وبحق كل القوانين والاعراف الدينية والدنيوية، وبحق السلام في المنطقة.

لا شك أن إبعاد 413 كادراً فلسطينياً عن أرض الوطن ساحة النضال الرئيسية خسارة كبيرة للأرض وللشعب الفلسطيني بغض النظر عن قناعاتهم الايديولوجية وانتماءاتهم السياسية والحزبية. ولكن أما وقد وقع ما وقع، وحصلت الخسارة، فلا بد من تكثيف الجهود في كل المجالات وكل الاتجاهات المفيدة والمساعدة لتعويض هذه الخسارة. وأن يعطى لموضوع عودة المبعدين الأولوية على سواه. ولعل من أسوأ الأمور وأكثرها ضرراً أن يجري تقزيم الخسارة وحصرها باتجاه سياسي محدد أو بحركة ما أو تنظيم معين، وأن تجري محاولات استغلال المبعدين وعذاباتهم وتجييرها لحسابات فئوية ضيقة أو أن يكبل المبعدون أنفسهم بقيود العصبوية التنظيمية وأن يقصروا حركتهم ونشاطاتهم على خدمتها. دون أن يعني ذلك للحظة واحدة أن يتخلى المبعدون عن المجاهرة بالتزاماتهم وارتباطاتهم الفكرية او التنظيمية، ولا التنكر للواجبات التي تمليها عليهم مثل هذه القناعات والارتباطات. فالابعاد صغيره وكبيره يستهدف الارض والشعب كله، ومبعدوا الدفعة الاخيرة هم أبناء كل الشعب بمدنه وقراه ومخيماته. هم أبناء كل الحمايل والعشائر والعائلات الفلسطينية قبل أن يكونوا أبناء هذا التنظيم أو ذاك. والنضال من أجل قبر جريمة الابعاد وعودة المبعدين هو واجب نضالي مفروض على الجميع، ويتطلب أن يتصرف الجميع من منطلق يضع المصالح الوطنية العليا بما فيها مسألة عودة المبعدين فوق كل الاعتبارات الأخرى. ولا نتجنى على أحد اذا قلنا أن أكثر من طرف فلسطيني وغير فلسطيني حاول تصغير موضوع المبعدين، ودليلنا على ذلك هو بعض التصريحات الخاصة أو الثلاثية التي صدرت من هنا أو هناك، وأيضاً تلك المحاولات الفاشلة التي بذلها أكثر من طرف لتثني قيادة حركة حماس عن المشاركة في اجتماعات القيادة الفلسطينية التي عقدت في تونس أيام 23،24 و25 ديسمبر الماضي. أو المحاولات المحمومة التي بذلت لتحريض حماس وتوريطها في وضع شروط تعجيزية مسبقة ثمناً لحضور تلك الاجتماعات.

واذا كان من المبكر الان اصدار حكماً نهائياً على مواقف وسلوك القوى بشأن هذا الموضوع، الا أن ما لمس منه حتى الان يشير الى أن جميع القوى الفلسطينية، مع التشديد على الفلسطينية في النشأة والولاء، تصرفت بمسؤولية وطنية عالية. فالكل يعرف أن قيادة م.ت.ف بادرت الى تحمل مسؤولياتها الوطنية منذ اللحظة الأولى لعلمها باحتمال الابعاد. وقبل أن يتم تنفيذ الجريمة أعلنت حالة الاستنفار السياسي على كل المستويات، وتحركت في كل الاتجاهات الدولية والعربية والفلسطينية وعلى أعلى المستويات. وشكلت لجنة وطنية عليا لمتابعة موضوع المبعدين، معطية للموضوع حقه، مقدمة اياه على سواه من المسائل الوطنية الأخرى. وكل مراقب موضوعي لا يمكنه الا الاقرار بصوابية وشمولية وجدية تحركات وتوجهات قيادة م.ت.ف حتى الان.

ولا نمس كفاءة أحد، ولا نذيع سراً اذا قلنا أن الأخوة في قيادة حركة حماس لم يجدوا ما يضيفوه نوعياً على ما سبق وأقر من نشاطات وتحركات قبل وصولهم لتونس سوى اعلانهم عن ضم جهودهم ووضع امكاناتهم وطاقاتهم مع امكانات وجهود قوى م.ت.ف لنصرة المبعدين وتمكينهم من العودة الى أرضهم وأهلهم، وشكر القيادة الفلسطينية على جهودها، وتقديرهم لنهوضها بمسؤولياتها الوطنية تجاه المبعدين على أحسن وجه ممكن.

وفي سياق البحث عن القضايا الوطنية الكبرى التي اذا ما أنجزت تتحول الضارة الى نافعة ملموسة أكدت وتؤكد القوى الفلسطينية، أن تعزيز وتعميق الوحدة الوطنية في إطار م.ت.ف، وتوفير الحماية السياسية للانتفاضة وتوحيد الجهود والطاقات في أطرها هي المسائل الجوهرية التي تعود بالنفع والفائدة على القضية، ومردودها الايجابي يتوزع على الجميع بغض النظر عن اتجاهاتهم العقائدية او السياسية، او انتماءاتهم التنظيمية.

وبالتدقيق في المواقف والتصريحات التي صدرت من القوى حول اجتماعات تونس التي شاركت فيها حماس، أو تلك التي صدرت وتسربت عن اجتماعات السودان التي عقدت بين حركة فتح وحركة حماس بحضور الرئيس الفلسطيني والشيخ حسن الترابي، يمكن الوصول الى استخلاص رئيسي من نقطتين: الأولى هي أن العقل الفلسطيني استطاع استثمار عملية الابعاد الضارة (الجريمة) وحولها الى نافعة بصورة مقبولة حتى الان، اذ جعل من قضية المبعدين نقطة انطلاق نحو علاقات جديدة بين قوى م.ت.ف وحركة حماس. وبتحديد أدق أنهت المباحثات أشكال الصراع والاحتراب الضار وغير الديمقراطي الذي طغى في فترة سابقة على العلاقة بين الطرفين وعلى علاقة حماس مع م.ت.ف، وتم تحقيق تقدم بالعلاقة خطوة ايجابية أخرى الى الامام. اذ اتفق الفصيلان على التنسيق الميداني فيما بينهما داخل الاراضي المحتلة في مختلف المجالات وخاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بمهام النضال في مواجهة الاحتلال. أما النقطة الثانية فهي أن الخلاف حول الموقف من المشاركة في مفاوضات السلام العربية والفلسطينية-الاسرائيلية وقف حجر عثرة في طريق دخول حركة حماس في الأطر التشريعية والتنفيذية لمنظمة التحرير.

أمام هذه الخطوات لا يستطيع أي مناضل وطني فلسطيني غيور على القضية وعلى الانتفاضة الا أن يقدر لقيادة حركة حماس وقيادة حركة فتح هذه الانجازات الهامة. الا أن ذات الانسان الفلسطيني ومن ذات الموقع الوطني الفلسطيني الغيور على القضية والحريص على الوحدة الوطنية وعلى تواصل وتطوير فعاليات الانتفاضة وعلى حل كل الخلافات السياسية والتنظيمية بطريقة ديمقراطية مسؤولة، يطرح عدداً من الاسئلة:

السؤال الأول: هل كانت حركة حماس، داخل وخارج الاراضي المحتلة، بحاجة الى جريمة كبرى بحجم جريمة الابعاد التي ارتكبها رابين حتى تقرر حضور اجتماعات القيادة الفلسطينية، وحتى تزيل الالتباس في موقفها حول كون م.ت.ف هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني؟؟ وهل كانت الجبهة الشعبية، وتنظيم حواتمة بحاجة الى جريمة اسرائيلية من هذا النوع والى انتظار قرار من حركة حماس بحضور اجتماعات القيادة الفلسطينية حتى يقرروا بعدها انهاء مقاطعتهم لاجتماعات القيادة الفلسطينية ويعودوا للمشاركة فيها؟؟

واذا كان بامكان قيادة حركة حماس التي لم تشارك منذ البداية في أي أطر تنظيمية تقديم تفسير لموقفها بغض النظر عن قدرته الاقناعية للناس، فهل يمكن لمبتدىء في العمل السياسي أن يقبل ما دون النقد الذاتي العلني لمواقف هذان الفصيلان؟ فالكل يعرف أن الجبهة الشعبية علقت عضويتها في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بعد قرار المجلس المركزي بالمشاركة في عملية السلام. واستمرت بذات الوقت في المشاركة في اجتماعات القيادة الفلسطينية والمجلس المركزي، ثم قاطعت اجتماعات القيادة الفلسيطنية وواصلت مشاركتها في اجتماعات هيئة رئاسة المجلس الوطني ودورات عمل المجلس المركزي، وشاركت في الاجتماعات التي شاركت فيها حماس. وفي الوقت ذاته واصلت مقاطعة وتعليق مشاركتها في اللجنة التنفيذية. وليس واضحاً ما اذا كانت ستشارك في اجتماعات القيادة الفلسطينية اللاحقة أم ستعود لمقاطعتها؟. أما منظمة حواتمة فلا حاجة للتذكير بشقلبة مواقفها ولا ضرورة لتبيان الشربكة السياسية الغارقة فيها منذ حوالي العامين.. في المجلس الوطني صوتوا مع المشاركة في عملية السلام، وفي المجلس المركزي صوتوا ضدها.. قاتلوا للمشاركة في التنفيذية، وانسحبوا من المجلس المركزي مع مقاطعة لاحقة لاجتماعات القيادة الفلسطينية، وحرضوا حماس على المقاطعة لكنهم لم يحافظوا على موقفهم مدة 48 ساعة، فلحقوا بحماس والشعبية. وهم الان مع حضور ومقاطعة أعمال التنفيذية في وقت واحد!! ولا أحد يعرف اذا كانوا سيعودون للمجلس المركزي، وسيواصلون المشاركة في اجتماعات القيادة الفلسطينية أم لا؟؟

قد يبدو أن اثارة مثل هذه المسائل وما تتضمنه من نقد هو درب من دروب التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين. لكن هذه التهمة تتبدد وتتلاشى عند التمعن في الاشكاليات التي تثيرها على الصعيد الوطني العام. وخاصة في مجال العلاقات الوطنية الفلسطينية ووحدة الصف الفلسطيني.

فاجتماعات تونس والسودان نجحت في تهدئة وتسكين أزمة العلاقة بين “المعارضة والقيادة”، ونجحت في حل الصراع بين حركة حماس وفتح وخلق شيء من التنسيق الثنائي وهذا جيد. لكنها لم تنجح في إرساء قواعد وأسس ثابتة تنظم علاقة عمل دائمة ومستقرة بين الاتجاهين داخل أطر م.ت.ف ومؤسساتها التشريعية والتنفيذية. فجبهة الرفض العشارية لم يعلن رسمياً عن وفاتها، وحركة حماس لم تدخل رسمياً في أطر م.ت.ف ولا في أطر القيادة الوطنية الموحدة، ومواقف الآخرين لا زالت ملتبسة عند الجميع. ولا أعتقد أن هذه المسائل الجوهرية ستحل وتسوى اذا لم يعالج الموضوع من زاويته الوطنية الأكبر من علاقة قصيلين بعضهما مع بعض رغم الاقرار بأهمية ذلك. وأيضاً اذا لم يتم الوصول الى مفهوم موحد للديمقراطية. واذا لم يتم ترسيم هذا المفهوم للديمقراطية في صيغ تنظيمية يلتزم الجميع بها. فاستمرار التباين حول الديمقراطية حتى الان أبقى حركة حماس خارج أطر المنظمة وخارج القيادة الموحدة وقادر على إبقاء الوحدة الوطنية عرضة للتقلبات السياسية وتفاعلاتها عند مختلف الاطراف. وهذا ما نعتقد أنه بحاجة الى علاج يعتمد الواقعية والموضوعية ويضع المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات.