فكرة الاستفتاء على اتفاق الاطار جميلةولكن ليس كل ما يلمع ذهبا

بقلم ممدوح نوفل في 05/09/1992

طرحت بعض الاوساط الفلسطينية مؤخرا فكرة استفتاء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج حول اتفاق الاطار للمرحلة الانتقالية، او اي اتفاق آخر يتم التوصل له بين الوفدين الفلطسيني والاسرائيلي حتى ولو كان الاتفاق حول ورقة تفاهم حول مباديء وقواعد الحل. وبغض النظر عن السياق المطرحة فيه وعن الاهداف التي تقف خلف طرح الفكرة الان فلا شك انها فكرة جميلة وجذابة، تستهوي كل المتطلعين للديمقراطية والمؤمنين بها. فهي أدق واسلم طريقة لحسم الخلاف الفلسطيني الدائر حول المشاركة في مؤتمر السلام، وحول اي اتفاق يحتمل التوصل له قبل 30 اكتوبر القادم او بعده. فهي تشرك الشعب مباشرة وتحتكم له في البت بقضية مصيرية كبرى.
ولكن لا أدري اذا كان الاخوان و الرفاق قد فكروا مليا في امكانية تنفيذها وخاصة في الوقت الراهن وفي ظل الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني، لا سيما ظروف واوضاع المقيمين في الشتات؟ هل جسوا نبض بعض الدول العربية على الاقل قبل طرح الفكرة؟ بصورة رسمية وعلنية. هل فكروا بمدى قدرة م.ت.ف والوفد الفلسطيني والقيادة الوطنية الموحدة، وكل الاحزاب والجبهات والمنظمات الفلسطينية معارضة ومؤيدة لعملية السلام على تأمين المتطلبات السياسية لاجراء الاستفتاء؟ ناهيك عن المستلزمات الادارية والمالية؟ هل فكروا في الزمن؟ ام ان هذه قضايا تفصيلية وصغيرة لا تنشغل القيادات العليا بها؟ ام ان موقفهم شبيه بموقف قوم موسى الذين قالوا له “اذهب انت وربك فقاتلا انا هاهنا قاعدون” وشبيه بموقف ذلك الجنرال الذي عجز عن اكتشاف غواصة معادية الحقت باسطوله خسائر كبيرة، فاقترح على اركانه فكرة تسخين المحيط لارغام الغواصة على الخروج من اعماق المياه! ومن ثم ضربها.
شخصيا استهوتني الفكرة. كما استهوتني سابقا فكرة مشابهة خلاصتها انتخاب اعضاء المجلس الوطني الفلسطيني كبديل للمجلس الذي انتهت مدته. وفي حينها اكتشفت انها فكرة جميلة ولكنها غير قابلة للتطبيق في الظروف الراهنة. واستخلصت ان ليس مفيدا طرح الافكار الصحيحة والجميلة اذا لم تكن واقعية وقابلة للتنفيذ. وان الاصرار على طرحها مفيد فقط للمناكفة والتنكيد على الاخرين. واكتشفت بعد الاسترسال في التفكير في الفكرة العمق والابعاد المأساوية لقضيتنا ولاوضاع شعبنا، وان من الخطأ تبعئته واشغاله بأفكار جميلة لكنها وهمية.
دعونا نتصور بعض السيناريوهات لاستفتاء الشعب الفلسطيني في الخارج والداخل حول اتفاق اطار للمرحلة الانتقالية، او أية اتفاقية فلسطينية اسرائيلية. ونتصور تعقيداتها والوقت اللازم لتنفيذها.
اظن ان اصحاب فكرة الاستفتاء يريدوه شاملا لكل ابناء الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج. وهذا امر يقر الجميع ان لا غنى عنه اذا أريد للاستفتاء ان يكون ديمقراطيا ومعبرا عن ارادة كل الشعب. ويتطلب بالضرورة اجراء احصاء لمن لهم حق الاقتراع. ويلزمه ايضا تنظيم سجلات وعمل بطاقات الاقتراع..الخ. وللشروع في تنفيذ هذه المهمة (الادارية والصغيرة) اعتقد ان من الضروري الحصول على موافقة كل الدول المضيفة لابناء الشعب الفلسطيني (برغبتها او رغما عنها وعنهم). وهذا يعني ضرورة الحصول على موافقة كل دول العالم المنضوية تحت راية الامم المتحدة وتلك التي في الطريق اليها، فلا اظن ان هناك بلدا بعيدا او قريبا، غنيا او فقيرا، صغيرا او كبيرا، صديقا او معاديا لا يوجد فيه فلسطينيين. وفي هذا السياق اود ان اسأل اصحاب فكرة الاستفتاء الان، هل يتصور الاخوان والرفاق ان بامكانهم تأمين موافقة البلد او البلدان التي يقيمون هم فيها الان؟. وأظن أنهم يعرفون حجم المشاكل التي قد نواجهها في حال رفض هذا البلد او ذاك تسهيل اجراء الاستفتاء ويعرفون ان خياراتنا عندها تكون اما التصادم واما لف الموضوع، ونحن بالتأكيد في غنى عن التصادم والذي سيؤدي في النتيجة الى (لف) الموضوع بطريقة أخرى. ولا أعتقد أنهم قد فكروا باجراء عملية شعبية واسعة بهذا الحجم بصورة سرية. فهم يعرفوا ان بالامكان استفتاء الحزب او التنظيم سرا اما الشعب فالعمل معه يختلف تماما.
ثم لنتصور اننا تمكننا من الحصول على قرار من الامم المتحدة لاجراء مثل هذا الاحصاء والاستفتاء، او أننا بجهودنا ونشاطنا واستثمارنا العالي للاجواء الدولية الداعمة للديمقراطية وحقوق الانسان استطعنا تأمين موافقة كل دول العالم بما في ذلك اسرائيل والولايات المتحدة، لكننا لاسباب معروفة للجميع فشلنا في الحصول على موافقة الكويت ولبنان مثلا، ولاسباب طارئة رفضت تشيلي والمانيا اجراء الاحصاء والاستفتاء. فماذا سيكون موقفنا؟. قد يقال “ما من عقدة الا ولها حل”، والحل كما اتصوره في مثل هذه الحالة سيكون في الشغل على احد الخيارات التالية:
1) استصدار قرارات جديدة من مجلس الأمن (اياه) تخول الدول وخاصة المهتمة بالديمقراطية وحقوق الانسان باستخدام القوة العسكرية لتنفيذ القرار اسوة بما فعلوه بالعراق! وهذا بالتأكيد لن يحصل.
2) الاعتماد على الطاقات الذاتية الفلسطينية والعربية ونقل المقترعين (بصورة مؤقتة) من دول الاقامة الرافضة الى دول اخرى مجاورة قابلة وموافقة على الاستفتاء. وهذا ما لا طاقة لنا عليه وهو لن يحصل. وقد يتطلب الأمر مناطق محمية كالتي اقيمت في جنوب العراق وهذا ما ل نريده لأي بلد عربي آخر.
3) الاكتفاء باجراء الاستفتاء للفلسطينيين المقيمين في الدول الموافقة والمؤيدة لهذا الاستفتاء. وهنا سنواجه حتما اشكالا داخليا قد يقود الى اقتتال داخلي اذا تمترست الاطراف عند مواقفها كما يحصل عندنا في اغلب الاحيان. فاستثناء فلسطيني تشيلي ولبنان يعني حرمان ما يقارب ربع مليون في تشيلي+ما لا يقل عن 300 الف لا زالوا في لبنان رغم الهجرة القائمة على قدم وساق الى الدول الاسكندنافية+ 40 الف من اصل 400 كانوا في الكويت+ما يقارب 85 الف في المانيا حيث ارتفع العدد بعد سقوط سور برلين وتوحد الالمانيتين. والاجمالي التقريبي يناهز ال 700 الف وقد يرتفع الرقم الى مليون في حال رفض الولايات المتحدة والسعودية اجراء الاستفتاء على اراضيهما حيث يقيم في البلدين ما يقارب الربع مليون والذي قد يصل الى 300 كما يقال. وأظن ان هذا الرقم ليس قليل ويعطي الحق لمن يشاء في الفصائل والتنظيمات والاحزاب ان يقف ويقول هذا استفتاء ناقص ويطعن في شرعيته وعندها ندخل في اشكالات من نوع جديد ونحن ولا شك في غنى عنها. وقد يتدخل الوسطاء ونضطر (لف) الموضوع.
قد يقول البعض ان هذ طرح تعجيزي هدفه الهروب من الهروب من الاستفتاء. وقد يضيف البعض “سهلها بتسهل وعقدها بتتعقد” وتمشيا مع هذا الرأي دعونا نتصور اننا استحصلنا على الموافقات العربية والدولية والاسرائيلية لاجراء مثل هذا الاستفتاء والاحصاء. أفلا يعتقد (اصحاب الفكرة) اننا سنواجه مشكلة الاشراف على الاستفتاء ومن باب التسهيل نسلم بأننا قد نستطيع تأمين اشراف موثوق على صناديق الاقتراع في كل الدول العربية والاسلامية والافريقية وعدم الانحياز ودول السوق الاوروبية اي في كل الخارج!.. فأظن اننا سنواجه مشكلة الاشراف على صناديق الاقتراع داخل الاراضي المحتلة في الضفة والقطاع. وأعتقد أننا جميعا نرفض اجراء أي استفتاء او انتخابات فلسطينية يحرس صناديق اقتراعها جيش الدفاع الاسرائيلي. واذا كنا متفقين على هذه النقطة ألا يصبح طرح شعار توفير الحماية الدولية لشعبنا له الاولوية على شعار اجراء الاستفتاء؟. ثم أليس من المنطقي ومن الافضل ان نتوحد حول المطالبة بالرقابة او الحماية الدولية بدلا ان نختلف وبصورة مصطنعة ومفتعلة حول الاستفتاء والذي لا يوجد فلسطيني واحد معارض له. وأظن ان الجميع يعرف بأن الوفد الفلسطيني يصارع ببسالة وبمهارة عالية من أجل انتزاع حق شعبنا في الحماية الدولية ضد بطش الاحتلال ومن أجل حقه في الاشراف الدولي على تنفيذ كل ما قد يتفق عليه في المفاوضات، وخاصة الاشراف الدولي على انتخاب سلطة الحكم الفلسطيني الانتقالي. وأعتقد أن من يقاتل من أجل هذه الاهداف وسواها من الاهداف الوطنية الكبيرة والصغيرة يستحق دعم واسناد كل القوى الوطنية بما فيها القوى المعارضة لمؤتمر السلام. ومن الضروري القول ايضا ان المجلس الوطني الفلسطيني الذي تحمل المسؤولية برضى وبموافقة كل القوى والفعاليات الفلسطينية عن العديد من القرارات المصيرية منها مبادرة السلام الفلسطينية وآخرها الموافقة على المشاركة في مفاوضات السلام الجارية قادر على تحمل مسؤولية اقرار أية اتفاقات فلسطينية-اسرائيلية يتم التوصل لها في المفاوضات. اما اذا بقي أصحاب فكرة (اجراء الاستفتاء الآن) مصرون على فكرتهم فأظن أن تحويلها من فكرة تقود الى سراب الى فكرة عملية ومفيدة لها وظيفة نضالية يفرض على أصحابها تعديلها بحيث يتم ربطها بتوفر الحماية الدولية لشعبنا، وانسحاب الجيش الاسرائيلي من كل المناطق المأهولة بالسكان الذين سيتم استفتائهم، والمطالبة بالرقابة الدولية على الاستفتاء او الانتخابات. والا يمكن القول عنها “فكرة جميلة ولكن ليس كل ما يلمع ذهب”.

تونس

عضو لجنة الوطن المحتل