رابين يرتبك في قيادة معركة السلام

بقلم ممدوح نوفل في 01/09/1992

عندما اختار جمهور وكوادر حزب العمل رابين زعيما للحزب، ظنوا أنهم بخطوتهم هذه أحسنوا التجديد وأبدعوا في التغيير، وانهم عاقبوا شمعون بيريز بما يستحق على تردده، وتقلب مواقفه وتضييعه للفرص. واعتقدوا ان رابين بشخصيته التاريخية، وعقليته العسكرية الهجومية، سيملأ الفراغ في قيادة الحزب، وسيقوده بنفس هجومي، وانه سينفذ برنامج الحزب على صعيد صنع السلام في المنطقة بصورة خلاقة، وسيبدع في وضع أسس التعايش المشترك بين الشعبين.
والان وبعد مضي ما يزيد عن شهرين على انتخاب رابين، وفي ضوء الاختبار الذي تعرض له في مجال ادارة عملية السلام، يتبادر فورا للذهن العديد من الاسئلة. هل سيكون رابين هو الرجل الذي تمناه الحزب؟ ام أن رابين العسكري هجومي ومبادر ورابين السياسي والحاكم متعلثم ومتردد؟. يتقن الهجوم بالدبابات والطائرات والغواصات، وتتلبسه شخصية بيريز المتقلبة والمهزوزة عندما يطلب منه شن هجوم وصنع السلام للبشر. وباختصار هل سيكون قائدا فذا صانعا للتاريخ؟ أم قائدا عاديا اصبح بالصدفة رجلا تاريخيا؟. قد يقول قائل ان فترة حكم الرجل وقيادته للحزب ومهماته لا زالت قصيرة، ومن المبكر وغير المعقول اصدار الحكم عليه ولا يمكن انصافه اذا اعتمدت كمقياس.
لا شك أن فترة تولي رابين قيادة الحزب والحكومة قصيرة، لكن الصحيح ايضا انها استثنائية وصعبة ومعقدة وقضايا كبيرة، تاريخية وغير عادية. ولانها كذلك فهي كافية لاصدار الاحكام عليه. عند الشدائد تمتحن المواقف. وأظن انها كافية لامتحان مدى ثبات الرجل عند مواقفه السابقة وغير البعيدة زمنيا. ومواقفه من مفاوضات السلام ومتطلباتها دليلا حاسما على الكيفية التي سيعالج فيها رابين القضايا السياسية المصيرية الكبرى. وقد يكون لانتظار الزمن قبل اصدار الحكم على رابين آثارا ونتائجا ضارة على الفلسطينيين وعلى شركائه في الحكم (ميرتس) وحمائم حزب العمل الذين عولوا عليه. لأنه قد يخلق بعض الاوهام ويخلط بين الوقائع والاحلام، ويبقى امورا مصيرية معلقة في الهواء.
وبعيدا عن ضجيج تصريحاته الاعلامية والتي نعترف له بأن نبرتها السلمية عالية، فالملموس من مواقفه وسلوكه الميداني هو التردد والارتباك. لقد استلم رابين مقاليد الحكم في ظروف محلية واقليمية ودولية مواتية جدا، وصالحة ليبدأ رابين عهده الجديد بهجوم سلام قوي وفعال. ومناسبة تماما ليجعل ايام حكمه الاولى احداثا تاريخية تذكر ولا تنسى. تحفظ ولا تهمل. فالكل يعرف ان شامير وكل حزب الليكود واليمين لا زال مصاب بالدوخان من شدة الضربة التي تلقاها في الانتخابات. وبرنامج حزب العمل يطالبه بالابداع والاسراع في شن هجوم سلمي جريء وشامل. وميرتس شاركته الحكم على هذا الاساس. ومواقف الادارة الامريكية ودول السوق الاوروبية والصين وكندا والهند واليابان تضغط بهذا الاتجاه. ومواقف الاطراف العربية والفلسطينية ناضجة وجاهزة للتقدم جديا نحو السلام والتلاقي في منتصف الطريق.. ورغم ذلك كله صعد رابين منصة الكنيست والقى بيانا وزاريا عاديا لا يتناسب مع الاحداث القائمة في المنطقة، ويتفاعل مع التطورات الدولية بشيء من التردد والخجل. ونشهد له بأنه أتقن (كعسكري) القاء بعض القنابل الدخانية نجح تحت ستارها الاولي الكثيف في الحصول على ضمانات القروض الامريكية. الا أنها بعدما انقشعت كشفت موقفه المرتبك ازاء صنع التعايش وصنع السلام. وانفضح تراجعه عن مواقفه السابقة. وفي هذا الاطار لن يفيد تذكيره بأنه قال يوما بأنه مستعد لزيارة غوش عتسيون بفيزا من سلطات الحكم الفلسطيني. لكن من الضروري القول لميرتس وحمائم حزب العمل وكل الجمهور الاسرائيلي المنادي بالسلام ان ابقاء رابين للسيد روبنشتاين عنوانا لمفاوضات السلام هو خذلان لكم. والصمت عليه احتقار لكفاءاتكم وطاقاتكم وعقولكم. وان تقديمه في المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية لمواقف اقل بكثير من تلك التي قدمها الليكود قبل عشر سنين دليل كاف لادانته متلبسا بجريمة اللعب بمصير مؤتمر السلام. ومن حق دعاة السلام من الشعبين ان يسألوا اذا كانت المفاوضات ستبدأ من فذلكات وهرطقات روبنشتاين، فمتى ستبحث القضايا الكبرى مثل الامن والقدس والانسحاب. وما مصير التوقيتات الزمنية التي تحدث عنها رابين نفسه. وان انطلاقته نحو معالجة قضايا حقوق الانسان الفلسطيني بالطريقة التي تمت قد استفزت مشاعر عشرات الالوف من الفلسطينيين الذين لم تشملهم الاجراءات ولم يفهموا شيئا من رابين حول مصير قضاياهم وحقوقهم كبشر.
ان ركوب رابين قطار السلام بأوراق وملفات شامير تعكس حالة رابين المرتبكة. وان اصراره على وضع اوراق وملفات ميرتس ازاء السلام جانبا، واهماله قرارات حزبه، وضربه عرض الحائط بكل مواقف وآراء قوى السلام داخل حزب العمل وخارجه وداخل المجتمع الاسرائيلي تؤكد بأنه خير من سيضيع الفرصة التاريخية. وينطبق عليه مثلنا الشعبي “غاب وجاب” و “من أول غزواته السلمية كسر عصاته”.
ان تشخيص حالة رابين على أبواب معركة السلام تشير الى انه يعاني ذات الحالة التي عاشها ليوم او ليومين قبل حرب الخامس من حزيران. والتشخيص يقول ايضا ان حالته الراهنة قد تدوم طويلا اذا لم يتدخل الاطباء لمساعدته وتجريعه العلاج. وفي هذا السياق لربما كان من الضروري ان يتحرك فورا كل انصار وقوى حركة السلام وخاصة السادة حاييم رامون، وعوزي برعام ويوسي بيلن، وبن اليعازر، ويائيل ديان، ويوسي سيريد وكل حمائم حزب العمل كوادر وقيادات وان يوحدوا حركتهم مع شولوميت الوني، ونعومي خزان، وديدتسكر، وغاليا غولان، وامنون روبنشتاين..الخ وان يجروا معهم زئيف شيف ويهود يعاري وكل من تدخله ممكن ومفيد في معالجة حالة رابين. وكل ذلك من أجل انقاذ مسيرة السلام، وارغامه على استبدال روبنشتاين، والاعتراف بحقوق الانسان الفلسطيني والاسراع في تنفيذ اتفاقات جنيف الرابعة، ووقف الاستيطان، والتجاوب مع المشاريع التي سيطرحها الوفد الفلسطيني على طاولة المفاوضات. فبمثل هذه الخطوات تعبد طريق التعايش المشترك ويجري التقدم المشترك في مفاوضات صنع السلام.