حول المشاركة الفلسطينية في المؤتمر المتعدد الأطراف

بقلم ممدوح نوفل في 16/05/1992

1) المشاركة بين المعارضة والتأييد:
في 11 أيار الجاري بدأت الجولة الثانية من مؤتمر السلام بشقه المتعدد الأطراف، وفي صيغة لجان عمل خصصت للتنمية الاقتصادية واللاجئين وضبط التسليح والمياه والبيئة. ويفترض أن تتواصل أعمال اللجان حتى اواخر الشهر الجاري، وان تختتم الجولة في لشبونة باجتماع لجنة التوجيه هناك يوم 27 ايار. وتمهيدا للمشاركة في هذه الجولة خاضت م.ت.ف مفاوضات عسيرة مباشرة وغير مباشرة مع الراعي الامريكي والدول المستضيفة للجان العمل على امل تحسين شروط واسس المشاركة الفلسطينية. وبالمحصلة ثبتت المشاركة في كل اللجان ما عدا لجنة التسليح، وان تكون من الخارج والداخل في لجنتي التنمية الاقتصادية واللاجئين، وان تقتصر (حاليا) في لجنة التوجيه steering commitee ولجنتي المياه والبيئة بوفود من الداخل فقط، وتحت مظلة الوفد الاردني الفلسطيني المشترك.

ومن المعروف ان سوريا ومعها لبنان قاطعت المؤتمر في جولته الاولى وهذه الجولة ايضا. اما اسرائيل فقد قاطعت اعمال لجنتي التنمية الاقتصادية واللاجئين بسبب اشراك ممثلين عن اللاجئين (الخارج) فيهما علما بانها هي صاحبة الاقتراح لهذا الشق من مؤتمر السلام.
وبالرغم من القرار الواضح والصريح الذي اتخذه المجلس المركزي في دورته الاخيرة بالمشاركة في مؤتمر السلام بشقيه الثنائي والمتعدد الاطراف، فلا زال الجدل يدور حول صحة وسلامة هذا القرار. وهذا امرا ليس مستغربا، لأنه جزء من تقاليد الحياة السياسية الفلسطينية. وقرار المجلس المركزي أخذ بالاغلبية (54 مقابل 16)، ومع ترسيمه المشاركة ثبت انقساما سياسيا، ورسم وجود اتجاهين سياسيين، من الطبيعي ان يحاول كل منهما ابراز وجهة نظره وتأكيد صحتها.

ولعل المقاطعة السورية واللبنانية تمثل هي الاخرى عاملا منشطا لمثل هذا الجدل وربما لما هو اكثر من ذلك، واثارة لمزيد من الاسئلة، منها مثلا هل كان بالامكان عقد المؤتمر لو غاب الفلسطينيون الى جانب سوريا ولبنان؟ أو لم يكن من الافضل ربط الموقف الفلسطيني بموقف سوريا ولبنان ريثما يتم الاقرار بمشاركة م.ت.ف رسميا ويتم تحقيق تقدم حقيقي في المفاوضات الثنائية؟، وما قيمة المتعدد اذا غابت عنه سوريا ولبنان وغابت اسرائيل عن لجنتين من لجانه الاساسية (اللاجئين، التنمية الاقتصادية)؟؟.. الخ من الاسئلة المنطقية.

قبل الدخول في الاجابة على هذه الاسئلة لعل الضروري توضيح بعد الالتباسات التي حاول البعض اثارتها حول قراري المجلس الوطني والمجلس المركزي في دورتيهما السابقتين. فالمعروف أن المجلس الوطني حدد الاسس والاطار والاهداف للمشاركة الفلسطينية، وفوض المجلس المركزي في حينها باتخاذ القرار في ضوء نتائج الجهود والاتصالات التي كلف اللجنة التنفيذية ببذلها. أما القرار فقد نص على: “التعامل الايجابي مع العملية السياسية الجارية من خلال مؤتمر السلام المزمع عقده، ويقرر المشاركة في المؤتمر بوفد فلسطيني اردني مشترك على اساس مستقل ومتكافيء، والتمسك خلال مجمل العملية السياسية بالاهداف والاسس التي حددها المجلس الوطني الفلسطيني”.
ان التدقيق في النص المذكور اعلاه يبين ان قرار المشاركة في المتعدد الاطراف اتخذ في اكتوبر الماضي، حيث قرر المجلس المركزي (المشاركة في المؤتمر). مؤتمر السلام كما هو معروف وكما نصت رسائل الدعوة قام على ركيزتين-ثنائيات+متعددة الاطراف. ويمكن القول ان الزوابع التي اثيرت قبل الدورة الاخيرة للمجلس المركزي كانت ضربا من الديماغوجية لها وظيفة حزبية تضليلية وليس أكثر.
وفي هذا السياق مفيد التذكير ايضا ان الاتفاق الاردني الفلسطيني المشترك، تضمن نصا صريحا بالمشاركة في المؤتمر المتعدد الاطراف بوفد اردني فلسطيني مشترك. وهذا الاتفاق نال في اكتوبر الماضي اجماع المجلس المركزي. ومنذ ذلك التاريخ وحتى الان لم يسمع صوت فلسطيني يطالب بالغاء هذا الاتفاق. وخيرا فعل تيار الواقعية في هذه الدورة، حيث أصر على ان يكون نص القرار واضحا ومباشرا، لا لبس ولا غموض فيه. وهو في موقفه هذا استند بالتأكيد الى سلامة موقف الوفد، وحسن ادارته للمفاوضات، وللنتائج الايجابية التي حققتها القضية والمنظمة من المشاركة في عملية السلام.
وفي اطار الحوار حول المشاركة في المتعدد، يمكن القول ان وقوع خلافات حول الموضوع امرا طبيعيا وتعبير عن حالة صحية يعيشها الفكر السياسي الفلسطيني. فلا أحد يستطيع الادعاء بأنه يملك الحقيقة المطلقة حول الموضوع، أو الرؤيا الكاملة لكل الطريق الذي ستسير فيه المفاوضات المتعددة الاطراف و المواضيع او للنتائج النهائية التي سترسوا عليها خاصة وان تقرير هذه الامور رهين بمواقف ما يقارب ال 40 دولة عربية واجنبية. لكن الوقاع تؤكد ان الدوافع والعوامل والظروف التي دفعت م.ت.ف للمشاركة في مؤتمر السلام في اكتوبر الماضي، لا زالت قائمة ولم يحدث اي تبدل نوعي عليها، او على موازين القوى، تدفع الى مراجعة القرار. وما وقع منذ ذلك التاريخ وحتى الان يؤكد صحة وسلامة القرار وليس العكس.
لقد دخل الفلسطينيون مؤتمر مدريد وما تلاه من جولات المفاوضات، والقلق والخوف يلف بعضهم على وحدة الداخل والخارج، وعلى استقلالية التمثيل الفلسطيني، ومن خلق بديل فلسطيني لمنظمة التحرير. ولكنهم خرجوا من الجولة الخامسة من المفاوضات الثنائية التي عقدت في واشنطن وهم مطمئنون على وحدة الشعب، خاصة بعدما لمسوا وحدة القضية في كل اطروحات ومواقف الوفد، وخرجوا متيقنين ايضا، أن صيغة المشترك مظلة لم تستطع حجب التمثيل الفلسطيني وان الشريك في المشترك لا يرغب في ذلك ولا في تحمل تبعات الحل نيابة عن الفلسطينيين انفسهم.
ولا نظن أن احدا يستطيع انكار ان المشاركة اعادت القضية الى واجهة القضايا الدولية التي تتطلب ايجاد حل لها بعدما جرت محاولات طمسها وتغييبها، وبعدما تحولت بفعل حرب الخليج وانهيار المعسكر الاشتراكي الى قضية دولية فرعية. كما لا يمكن انكار ان المشاركة في عملية السلام ساهمت في فك بعض عقد الطوق والحصار العربي والدولي الذي ضرب حول م.ت.ف خلال ازمة الخليج. أو انكار الاشتباك المحدود الذي وقع بين الادارة الامريكية واسرائيل حول ضمانات القروض، وكذلك تفجر بعض الخلافات بين الاحزاب والقوى الاسرائيلية. فهل ستتكرر الأمور بشأن المخاوف الحالية من المشاركة في المتعدد؟.
أما بشأن بعض التساؤلات الأخرى المطروحة، لعله من المفيد التذكير بالجهود الكبيرة التي بذلتها قيادة م.ت.ف مع كل العرب دون استثناء قبل وبعد افتتاح مؤتمر مدريد، من اجل الوصول الى موقف عربي موحد حول مجمل عملية السلام. والكل يعرف أن أقصى ما تم التوصل له هو التنسيق بين الوفود اثناء جلسات المفاوضات، وعقد بعض اللقاءات الرباعية بصورة متقطعة. ومفيد التذكير ايضا بان الوفد الفلسطيني بقي في الفندق في موسكو عند افتتاح الجولة الاولى للمتعدد وغابت سوريا ولبنان ولم تتعطل اعمال المؤتمر، ولم تقاطع لا الدول العربية ولا الدول الاخرى اعمال جلساته. وقرار القيادة الفلسطينية بالمشاركة في الجولة الثانية من المتعدد اتخذ بعدما فشل اجتماع مجلس الجامعة العربية في اتخاذ قرار موحد حول الموضوع وبعدما احبطت كل الجهود التي بذلت لعقد اجتماع سباعي عربي على هامش اعماله.
صحيح ان حالة التفكك والانقسام التي يعيشها الوضع العربي منذ حرب الخليج وحتى الان وغياب التنسيق الفعلي بين الاطراف العربية المشاركة في عملية السلام تزيد من خطر عدم الترابط بين الثنائي والمتعدد، ولكن الصحيح ايضا ان امكانية درء هذا الخطر من داخل العملية وبالعلاقة المباشرة بين الوفود العربية اكثر امكانية من مناشدة الوفود العربية من بعيد ومن خارج قاعات المؤتمر. وأفضل بما لا يقاس من الاشتباط معها ومع ما يزيد على ثلاثين دولة منها خمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن.
ولا مبالغة في القول ان مقاطعة اسرائيل لأعمال لجنتي التنمية الاقتصادية واللاجئين يوفر فرصا لخلق مواقف دولية متنامية ضد سياسة اسرائيل، والقرار الفلسطيني بالمشاركة رغم كل النواقص والثغرات في أسس العملية وقواعد التمثيل الفلسطيني فيها يوسع من هذه الفرص ومن امكانية استثمارها وعكس ذلك صحيح تماما.
ولعل المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض القول، طالما أن القرار الفلسطيني بالمشاركة قد اتخذ بالاغلبية، والمشاركة العملية وقعت، فان خوض هذه المعركة بنجاح وتحقيق مكاسب للقضية تفرض على كل القوى الفلسطينية التفكير واشغال الذهن وتبعئة الطاقات باتجاه كيفية تحقيق ذلك. وكل ما عدا ذلك ليس سوى تبديد للجهود وتضييع للفرص.
وهذا القول لا يعني أن تتخلى المعارضة عن معارضتها وانما ان توفق بين حقها في التعبير عن رأيها وبين واجبها في تسهيل عمل الاغلبية طالما ان الجميع ملتزم بقرارات المؤسسة التشريعية وهدفه انتصار القضية.