تعميم داخلي حول الجولة الثانية من المفاوضات المتعددة الأطراف

بقلم ممدوح نوفل في 21/05/1992

في 11 أيار الجاري بدأت الجولة الثانية من مؤتمر السلام بشقه المتعدد الأطراف في صيغة لجان عمل خصصت للتنمية الاقتصادية واللاجئين وضبط التسليح والمياه والبيئة. ويفترض ان تتواصل أعمال اللجان حتى أواخر الشهر الجاري وتختتم في لشبونة يوم 5/27 باجتماع لجنة التوجيه Steering Commitee.

تمهيدا للجولة خاضعت م.ت.ف مفاوضات عسيرة مباشرة وغير مباشرة مع راعيي المؤتمر والدول المستضيفة لعمل اللجان بهدف تحسين شروط المشاركة الفلسطينية وتشكيل لجنة خاصة بالقدس وللتفاهم حول آلية عمل اللجان. وبالمحصلة ثبتت مشاركتها في كل اللجان ما عدا لجنة التسليح التي اقتصرت مشاركتنا فيها على تقديم مقترحاتنا وآرائنا من خلال الوفود المشاركة بما في ذلك الامريكي. وأجل موضوع تشكيل لجنة خاصة بالقدس. وأن تكون من الخارج والداخل في لجنتي التنمية الاقتصادية واللاجئين. وأن تقتصر (حاليا) في لجنة التوجيه والبيئة والمياه على الداخل فقط وفي اطار الوفد الاردني-الفلسطيني المشترك.

ومن المعروف أن سوريا ومعها لبنان قاطعت المتعدد في جولته الأولى وفي هذه الجولة أيضا، وذلك لاعتبارات خاصة بهما. أما اسرائيل فقد قاطعت أعمال لجنتي التنمية الاقتصادية واللاجئين بسبب اشراك ممثلين عن الخارج (اللاجئين) فيهما. علما بأنها كانت مصرة على وجود هذا الشق من مؤتمر السلام، وعلى بدء أعماله بموازاة المفاوضات الثنائية.

ان منطلقات ودوافع المشاركة الفلسطينية في المتعدد الأطراف لا تختلف عن تلك التي على أساسها تمت المشاركة في مؤتمر مدريد في اكتوبر 1991. ولم يحدث تبدل نوعي عليها او على موازين القوى تدفعنا الى مراجعة المواقف أو التراجع عن رسالة الدعوة وعن الاتفاق الاردني-الفلسطيني الذي نص على المتعدد. وما وقع منذ ذلك التاريخ وحتى الان يؤكد صحة وسلامة التوجه. فالمفاوضات المتعددة الأطراف ساحة من ساحات النضال وليست بديلا عنها أو عن أي شكل من اشكال النضال الأخرى، بل مكملة لها وتتمم بعضها بعضا. وهي ميدانا دوليا واسعا لعرض خلفيات وأبعاد القضية الفلسطينية ولاحياء وبعث الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني، ومناسبة لاظهار وحدة شعبنا في الداخل والخارج وتكريس وحدانية التمثيل في اطار م.ت.ف، واحياء كل قرارات الشرعية الدولية التي نصت على هذه الحقوق وخاصة القرارات 181 و194 و242 و237 و338. وهي أيضا فرصة مناسبة لوضع الرأي العام العالمي المنادي بالسلام وممثلي ما يقارب 40 دولة عربية وأجنبية مشاركة (الأسماء مرفقة) أمام مسوؤلياتهم اتجاه قرارات الشرعية الدولية هذه، وتجاه حقوق الانسان الفلسطيني، وتعريفهم بحجم الجريمة التي ارتكبت بحق الشعب الفلسطيني بالسكوت على تمادي اسرائيل وتحديها لهم ولارادة المجتمع الدولي على مدى ما يقارب ال 45 عاما. وهذا ما حرصت مجموعات العمل الفلسطينية على القيام به في اللجان التي عقدت اجتماعاتها حتى الان، وهو ما ستقوم به بقية المجموعات خلال الأيام والأسابيع القادمة عندما تعقد بقية اللجان أعمالها وخاصة لجنة التوجيه.

لقد توجهت وفودنا الى اجتماعات لجان العمل مستندة الى قرارات مجلسنا المركزي والى دعم وتأييد شعبنا لها، توجهت وهي تحمل معها كل الملفات والوثائق وتوجهات العمل المساعدة لتحقيق الأهداف التالية:
1) تسييس عمل اللجان ومواضيع البحث وربطها بجذر المشكلة وحرمان الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير وبناء دولته المستقلة والعودة الى وطنه، واستمرار الاحتلال.
2) ربط أي تقدم في المتعدد بالتقدم الملموس في المفاوضات الثنائية الفلسطينية-الاسرائيلية، وخاصة وقف الاستيطان وتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة وقيام سلطة الحكم الانتقالي المنتخبة. وكذلك ربط أعمال اللجان بعضها ببعض خاصة بموضوع اللاجئين.
3) العمل على استكمال تحسين شكل التمثيل الفلسطيني باشراك الخارج في لجان التوجيه والبيئة والمياه والتسليح، وخصوصا بعدما كسر مبدأ استبعاد الخارج من المشاركة المباشرة في لجنتي اللاجئين والتنمية الاقتصادية.
4) فضح جرائم الاحتلال في كل مجالات عمل اللجان (اللاجئين، التنمية الاقتصادية، المياه، البيئة..) منذ عام 1948 بما في ذلك ممارسات جيش الاحتلال منذ عام 1967 وحتى الآن.
5) العمل على تأجيل تشكيل لجان فرعية في كل المواضيع حتى لا تفقد عملية التسييس قيمتها.
6) العمل على رفع مستوى التنسيق مع الوفود العربية الأخرى خاصة بعدما تعذر ذلك على المستويات الأخرى قبل الجولة، والاسترشاد بما ورد في الرسالة التي وجهها الأخ رئيس دولة فلسطين للملوك والرؤساء العرب قبل بدء أعمال اللجان. والحرص على تطوير علاقة العمل بين المجموعات الفلسطينية والاردنية وفقا لنصوص الاتفاق الاردني-الفلسطيني المشترك الخاص بالمشاركة في عملية السلام.
7) توثيق العلاقة مع وفود الدول الأجنبية الأخرى المشاركة في اللجان وفي مقدمتها دول السوق الاوروبية المشتركة واليابان وكندا، وحثها على تحمل مسؤولياتها ازاء نجاح عملية السلام بالضغط على اسرائيل وارغامها على الخضوع لارادة المجتمع الدولي ولقرارات الشرعية الدولية.

ورغم أن المهمة الرئيسية لهذه الجولة هي عرض الأطراف المشاركة لمواقفها وتقديم أوراق العمل الأولية حول المواضيع المطروحة، ورغم أن الأعمال الفعلية للمتعدد لم تبدأ بعد، والمشاركة الفلسطينية لم تتجاوز الجولة الواحدة، فالواضح أن المشاركة الفلسطينية في أعمال لجان المتعدد قد حققت بعض النتائج الايجابية والهامة رغم كونها لا زالت نظرية وغير مترجمة في خطوات عملية.
– أولى هذه النتائج ما تحقق في مجال التعريف بالمزيد من الحقائق التاريخية والوقائع الراهنة للقضية الفلسطينية وازالة بعض التشويهات التي ألحقتها الحركة الصهيونية بها. وقد أكدت وقائع الاتصالات والمداولات التي أجرتها وفودنا في مختلف لجان العمل مع القوى المشاركة خطأ الاعتقاد بأن العالم على دراية تامة بكل أبعاد وخلفيات وتاريخ القضية الفلسطينية بجوانبها المتعددة والمتنوعة، أو على علم بما يرتكب من جرائم يومية بحق الشعب الفلسطيني على يد قوات الاحتلال، او بالظروف القاسية التي يعيشها اللاجئون في الخارج. وبينت اجتماعات كل اللجان حاجة العالم، بما في ذلك المشاركون، للمعلومات الشاملة والأرقام الدقيقة حول القضايا المطروحة للبحث.

– وثانيها، تجديد اعتراف الادارة الامريكية وبريطانيا وفرنسا وبقية الدول المشاركة بالقرار 194 والقرار 237 واللذين ينصان على حق العودة للاجئين في عام 1948 والنازحين عام 1967. ورغم الاستدراك الأمريكي حول زمان ومكان بحث قضية اللاجئين وسبل تنفيذ القرارات المتعلقة بها، الا أن هذا الاستدراك وما قد يليه من استدراكات أو توضيحات لاحقة لا تقلل من قيمة تجديد الاعتراف الدولي بالقرار، ومن أثر ذلك على مجرى عملية المفاوضات الثنائية والمتعددة الاطراف. ان نفض الغبار عن هذا القرار (كما قال رئيس مجموعة العمل الفلسطينية لموضوع اللاجئين) يعطي للمفاوض الفلسطيني ورقة تفاوضية هامة، تساعده على تعزيز وتقوية مواقفه التفاوضية في مواجهة المفاوض الاسرائيلي في كل مراحل ومجالات المفاوضات.

– وثالث هذه النتائج، وضع اسرائيل في مواجهة العالم وابراز حقيقة موقفها المعادي للسلام الشامل والعادل والدائم، بمقاطعة لجنتين من لجان المؤتمر. وهذا يزيد من عزلتها الدولية ويعرضها لضغوط سياسية واقتصادية حتى من أقرب حلفائها.

ان موقف اسرائيل من القرار 194 يتصادم جذريا مع الموقف الامريكي والاوروبي، وهذا يتيح للطرف الفلسطيني زج اسرائيل في اشتباك ثاني مع الادارة الامريكية والاوروبيين ومع الشرعية الدولية بعد اشتباكها الأول حول الاستيطان وضمانات القروض. ومن شأنه أيضا أن يفجر مزيدا من الخلافات بين الاحزاب والقوى الاسرائيلية حول علاقات اسرائيل بدول العالم وخاصة مع الادارة الامريكية، وحول الموقف من عملية السلام.

– أما رابعها فهو تعزيز المكانة السياسية والتمثيلية لمنظمة التحرير على الصعيدين العربي والدولي. فالمفاوضات التمهيدية حول أعمال اللجان تمت مع ممثلين فلسطينيين من الخارج والداخل، بعضهم أعضاء في هيئات قيادية فلسطينية رسمية وغير رسمية. والكل يعرف أن م.ت.ف هي التي شكلت مجموعات العمل، هذا الى جانب تواجد أعضاء قياديين في المنظمة في أماكن الاجتماعات، وتضمين كل الكلمات الفلسطينية التي ألقيت في كل اللجان بالثوابت الفلسطينية وخاصة الحق في الدولة والعودة وتقرير المصير، وم.ت.ف ممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، ووحدة الشعب والقضية.
– وتفيد المعلومات والتقارير وردود الفعل الأولية التي وصلت حتى الان من مجموعات العمل الفلسطينية الى اللجنة العليا للمفاوضات بأن الكلمات التي ألقيت في لجان اللاجئين والتنمية الاقتصادية والمياه قد حظيت باهتمام جميع الدول المشاركة دون استثناء، وأعرب الكثيرون عن تقديرهم وتثمينهم لها ولما تضمنته من آراء جديرة بالبحث والنقاش. وفي كل أماكن اجتماعات اللجان نالت الوفود الفلسطينية اهتماما واحتراما خاصا من الدول الراعية ومن وفود الدول المشاركة، وخاصة الدول المشاركة في لجنة التوجيه، حيث جرى التداول مع وفودنا حول سير أعمال اللجان وكيفية تناولها للمواضيع. وكذلك حول اجتماع لجنة التوجيه في لشبونة يوم 27 أيار الجاري. وحول الجولة الثالثة للمتعدد.
هذا وقد عقدت وفودنا لقاءات خاصة مع معظم الوفود المشاركة، كما بادرت وشاركت في عقد لقاءات خاصة لمجموعات العمل العربية والتي أظهرت دعمها للمواقف الفلسطينية وأبدت استعدادات عالية لتبني مواقفنا وأهدافنا.

ان ما قامت به مجموعات العمل الفلسطينية في مختلف اللجان وما أبرزت من كفاءة والتزام، يستحق التقدير. وان دعم واسناد وفودنا في الجولات اللاحقة مهمة تستحق ان تبذل من أجلها مزيد من الجهود. وهذا يتطلب من الآن:
1) تكثيف الاتصالات مع الاطراف المشاركة في المتعدد ومتابعة ما تم بحثه مع كل طرف بما في ذلك تبادل الوثائق والمعلومات، وما يتعلق بالعلاقة مع م.ت.ف، وأيضا بدعم أهلنا تحت الاحتلال.
2) المبادرة الى اجراء احصاءات أولية لأبرز الكفاءات الفلسطينية في مجالات التنمية الاقتصادية، المياه، البيئة، التسليح، اللاجئين، القانون الدولي، وتزويدنا بها. فمجموعات عملنا في هذه المجالات يمكنها الاستفادة من كل الخبرات الفلسطينية المتوفرة وكل من موقعه.
3) تزويدنا بتقارير حول ردود الفعل الشعبية والقوى الفلسطينية والمحلية حول المشاركة الفلسطينية.

الى أمام